من هو صاحب ذلك المعلم التاريخي الجميل الذي تم هدمه بالأمس في محافظة لحج؟ ولماذا قامت جماعات التكفير وعناصر الارهاب بهدمه؟ ومن هو العدو الذي تستهدفه تلك الجماعات والعناصر؟ هل هو من الأحياء أم من الأموات؟ وما هو الفكر الذي تملكه أو الفكر الذي تحاربه؟!!
أسئلة كثيرة يمكن طرحها في هذا السياق، لكن الجواب باختصار عن الأسئلة المطروحة هنا، هو أن هذا المعلم التاريخي (القبة) عبارة عن ضريح العالم الرباني سفيان بن عبدالله أحد أكبر علماء أهل اليمن في القرن السادس الهجري، قرأ العلم في حضور همدان بصنعاء وتتلمذ على يدي الإمام أحمد بن سليمان "ع" حتى نال درجة الاجتهاد، ثم هاجر إلى الجنوب بعد الحملة الأيوبية على اليمن، واستقر في حوطة لحج فترة من الزمن، ثم سافر إلى مصر مع عدد من أتباعه وشارك في جيش صلاح الدين الأيوبي وبعدها عاد إلى اليمن، حتى توفي عام 612هـ ودفن بحوطة لحج، ويعتبر قبره مشهور ومزور، وقد بُني حول ضريحة مسجداً وقبة تعبيراً عن حب الناس له وتقديرهم لعلمه ودوره الكبير، وكما هي عادتهم في كل زمان ومكان تقديراً وحباً للعلم والعلماء الربانيين.
وبالأمس قامت الجماعات التكفيرية والارهابية بهدم القبة والضريح بحجة حرمة زيارة أضرحة الأولياء والصالحين واعتبار ذلك شرك يخرج صاحبه من الاسلام ويبيح دمه وماله.
هذه هي الحجة التي يتحججون بها في الظاهر أمام الناس على علتها وبطلانها، لكن الحقيقة أنه وباستقراء أعمال هذه الجماعات والعناصر الارهابية نجدها تقوم بتخريب كل المعالم الاسلامية سواء التي توجد في اليمن أو خارجها، ولذا لم نعد نجد الكثير منها في بلاد الحرمين كبيوت النبي ولا الصحابة ولا الآثار التي تركوها وتعتبر معالم اسلامية في مكة والمدينة والحجاز كاملاً، وإذا كان هذا الهدم والتخريب والإخفاء القسري للمعالم التاريخية الاسلامية جرى في بلاد الحرمين نفسها فما بالكم بغيرها من البلدان التي انتشر فيها الوهابية بتمويل مشايخ البترودولار، وفي مقدمتها اليمن حيث قاموا طوال الفترات السابقة بهدم وتخريب العديد من القبور والمزارات سواء في الشمال أو في الجنوب، والهدف طبعا من كل ذلك هو فصل ابناء الامة الاسلامية اليوم عن تاريخهم الحقيقي وسير عظمائهم وآثارهم التي تركوها، وإخفاء كل ما يلفت الناس للتفكير فيهم أو الاقتداء بهم، ولذا قاموا بإصدار فتاوى التكفير والتضليل بحق أولائك الأولياء والصالحين قبل أن يقوموا بخطوتهم التالية في هدم وتخريب أضرحتهم ومزاراتهم، وبما يسهل استقطاب أبناء الأمة وشبابها في مشاريع التجييش والقتال بغرض السيطرة على الثروة والتوسع في الأرض، كما فعل بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، وكما يحصل اليوم في مختلف البلدان من سوريا والعراق إلى ليبيا إلى اليمن وغيرها من البلدان التي ينتشر فيها الفكر الوهابي.
وبالتالي فإن هذه الجماعات والعناصر التكفيرية والارهابية إذا كان لها عدو في هذا العالم فإنما هم المسلمون بكل مذاهبهم السنية والشيعية، وإذا كانوا يحاربون فكرا محدداً فليس غير الفكر الإسلامي الحنيف الذي أنزله الله رحمة للعالمين..
حتى ولو ادعوا بأنهم حماة الاسلام وتلبسوا بلباس المسلمين فليس إلا لتسهيل المهمة واستقطاب الحمقى والمغفلين من أبناء الأمة، وهذا ما سهل للعدو الخارجي استخدامهم وتوجيههم للاستفادة القصوى من جرائمهم.