تنفيذ الأحكام القضائية _ المشاكل والمعالجات

نشر بتاريخ: أربعاء, 24/07/2019 - 8:14م

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وسندنا وحبيبنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، ومن تبعهم إلى يوم الدين                وبعد:

فإنَّ القضاءَ يعتبرُ مِن أهم ركائز الدولةِ وسلطتِها، بل إنَّه روحُها وعنوانُ رقيها واستقرارها وأمنها، والهدف منه هو إقامةُ العدل، وتطبيقُ شرع المولى سبحانه على الواقع العملي، فإذا ما قالَ القضاءُ كلمتَه المحقةَ والعادلةَ في الخصومة، فيجب تنفيذُ ما قالَ بالحرف الواحد، دون أي اعتراض أو تأخيرٍ أو تجاوز .

ولكن مِن المعلومِ أنَّ السلطة القضائية في بلادِنا كغيرها مِن مرافقِ الدولة المختلفة، تعاني الكثيرَ من الإشكاليات: والمعوقات التي تقفُ أمام الجهود المبذولةِ في سبيلِ الرقي بهذه السلطة، لتقديم الخدمة المثلى للمواطنين، وتحقيق القضاء العادل القوي .

وإنَّ من أخطرِ هذه الإشكالياتِ والمعوقات هو عدم تنفيذ الأحكام القضائية، هذه الظاهرة الخطيرة، التي تنعكس سلباً على الدولةِ بأكملها في جميع المجالات، الإداريةِ والسياسيةِ والاقتصادية والثقافية والأمنية ...إلخ .

ذلك لأنَّ الثمرةَ المرجوةَ مِن التقاضي، وإثبات الحقوق بأحكامٍ قضائية، وبذلِ المتقاضين في سبيل الحصولِ عليها لكثيرٍ من الجهد والوقت والمال، هو تنفيذُ تلك الأحكام، وإيصالُ تلك الحقوق إلى مَن حُكِمَ لهم، فكما قيل:(ثمرة الأحكام تنفيذُها) فإذا لم يتم التنفيذ لتلك الأحكام فلا قيمة لها .

والتنفيذ لها يخضعُ لإجراءات حددها قانون المرافعات والتنفيذ بهذا الخصوص، ولسنا هنا بصدد استعراض تلك الإجراءات، وإنما نحاولُ مع قلةِ البضاعة، وضيقِ الوقت، التعرضَ باختصارٍ وبساطةٍ وشفافيةٍ لبعض الإشكالياتِ التي تحول بين الأحكامِ وبين تنفيذها، واستعراض بعض الطرقِ والمقترحات لمعالجةِ تلك الإشكالياتِ .

أملين مِن المولى سبحانه أن يوفقنا لطرحِها بالشكل المطلوب، وأن يكون لها اهتمام من قبل المختصين، خاصة الباحثين، وأخذِها بعين الاعتبار، وأن تكون رافداً فاعلاً في سبيلِ إصلاح المنظومة القضائية خاصة، وترسيخ العدالة، وفرض هيبة الدولةِ والنظام والقانون على الجميع حكاماً ومحكومين، والقضاء على عوامل الفساد الموجودة في مرافق الدولة عامة .

فمن تلك الإشكاليات هي الوساطات، والتدخل المباشر وغير المباشر مِن قبلِ بعض النافذين أو أعلى درجة، مما يؤثرُ ذلك على بعضِ قضاةِ التنفيذ، فيؤدي إلى توقفِ إجراءات التنفيذ، أو خروجها عن المسارِ الصحيح .

والحل المقترح لهذه الإشكالية هو أن يكون قاضي التنفيذ قوياً (دينياً وقانونياً) بحيث لا يقبلُ أيَّ وساطةٍ مهما كانت، وأن يكون رضى الله سبحانه، وإيصال الحق لأهله هو الهدف الأول والأخير عنده .

وتحيةُ إجلالٍ وإكبارٍ نقدمُها لكلِّ قاضٍ (وهم كثير) لا يقبلُ وساطةً ولا شفاعةً تحولُ بين الحقوق وأهلها .

وهنا نؤكد على الجهات المعنيةِ ضرورة اتخاذ الصرامة القانونية، وتنفيذ العقوبات المقررة قانوناً، ضدَّ كلِّ مَن يثبت توسطه للحيلولة دونَ تنفيذِ الأحكام .

ومِن تلك الإشكالياتِ أيضاً: هو أن يكون الحكمُ سند التنفيذ غير قابل للتنفيذ، كأن يكون غير منهي للخصومة، أو معلق، أو غير واضح في منطوقه وحيثياته، أو نحو ذلك .

والحل المقترح لهذه الإشكالية هو أن يكون قاضي الموضوع مؤهلاً تأهيلاً كافياً، بحيث يصيغ الحكم ومنطوقه صياغة واضحة ومفهومة وصريحة، بحيث يكون مقتضياً لحقٍّ محقق الوجود، ومعين المقدار، وحال الأداء، حسبما جاء في نص المادة:(326) مرافعات .

وعلى هيئة التفتيش القضائي مراعاة ذلك حال النزول والتقييم للقضاة .

 ومن تلك الإشكاليات أيضاً: هو إناطة قضايا التنفيذ إلى رؤساء المحاكم، حيث لوحظ في كثيرٍ من المحاكم المتعددة القضاة، أن الذي يتولى تنفيذ الأحكام هو رئيس المحكمة إلى جانب مهامه الأخرى (القضائية والولائية والإدارية) وهذا يؤدي إلى إجهاد رئيس المحكمة، خاصة في المحاكم التي تكثر فيها قضايا التنفيذ، وأيضاً يؤثر سلباً على سير إجراءات التنفيذ.

والحل المقترح لهذه الإشكالية هو تخصيص قاض يتفرغ لنظر قضايا التنفيذ، خاصة في تلك المحاكم التي يعمل فيها أكثر من قاضٍ، حسبما جاء في نص المادة:(316) مرافعات، والتي تنص على الآتي:(يكون في دائرة كل محكمة ابتدائية قاضي للتنفيذ، فإذا لم يوجد فيقوم بالتنفيذ رئيس المحكمة).

ومن هذه الإشكالات أيضاً: هو نظر طلبات التنفيذ بإجراءاتِ جلساتِ تقاضي، وهذا يؤدي حتماً إلى إطالة أمد التنفيذ، والتأجيل من جلسةٍ إلى أخرى، وفتح كثير من الثغرات التي تحول بين الأحكام وتنفيذها .

والحل المقترح لهذه الإشكالية، هو السير في نظر طلبات التنفيذ بإجراءاتٍ صارمةٍ ومزمنةٍ، وبهذا الخصوص نؤكدُ على هيئة التفتيش القضائي ضرورة النظر والتعميم بتوحيد تلك الإجراءات في كافة المحاكم .

ومِن تلك الإشكاليات أيضاً: هو القصورُ عند بعض معاوني التنفيذ، فتجدُهم غير مؤهّلين تأهيلاً شرعياً وقانونياً، بحيث يفهمون إجراءات التنفيذ فهما دقيقاً، أو يتم تعيينهم بناءً على المحسوبية أو نحوِ ذلك .

والحل المقترح لهذه الإشكالية هو ما جاء في المادة:(316) من قانون المرافعات التي تنص على التالي:(يساعد قاضي التنفيذ عدد من المعاونين المؤهلين تأهيلاً شرعياً وقانونياً يقومون بأعمالهم تحت سلطته).

وبهذا الخصوص نؤكد على وزارة العدل مراعاة ذلك، وأن يكون التعيين في أقلام التنفيذ للموظفين المشهود لهم بالنزاهةِ والكفاءةِ والخبرة الكافية، والقيام بتأهيلهم خاصة، وتأهيل الكادر الإداري للسلطة القضائية عامة، تأهيلاً شرعياً وقانونياً، بعقد الدورات التدريبية والتأهيلية لهم باستمرار .

ومِن هذه الإشكالاتِ أيضاً: هو قوة المنفذ ضدهم، فبعض الأحيان يكون المنفذ ضده ذا نفوذ في المجتمع، أو منصب كبير في الدولة (وزير أو ضابط كبير أو شيخ قبلي أو مشرف أو نحوهم) وهذا يؤدِّي حتماً إلى عرقلةِ التنفيذ .

والحل المقترح لهذه الإشكالية، هو الاستقلالية الكاملة للقضاء، وتوفير الحماية للشرعيةِ القضائية، واعتبار الأحكام والأوامر القضائية ذا قدسية وحجية. يجب احترامها وتنفيذها، ويجب التوجيه الصريح من القيادة السياسية للسلطة التنفيذية بتنفيذ الأحكامِ والأوامرِ القضائيةِ على الجميع، ومن دون استثناء .

ومِن تلك الإشكالياتِ أيضاً: هو ضعفُ الدورِ المنوط بالشرطة القضائية، واقتصار عملها على حماية المنشآت، وضبط الأمن داخل المحاكم، وربما إحضار بعض المنفذ ضدهم أو استدعاؤهم، أما بالنسبة لأغلب قضايا التنفيذ، فيتم الاستعانة بشرطة الأمن التابعة لوزارة الداخلية، وهذا يستغرق مالاً ووقتاً ليس بالقليل لتوفير الحماية اللازمة حال التنفيذ .

والحل المقترح لهذه الإشكالية، هو ضم الشرطة القضائية إلى وزارة العدل، بحيث تصبح مستقلة مالياً وإدارياً عن وزارة الداخلية، ويتم دعمها بالكادر الرجالي والنسائي، وبما تحتاج إليه للقيام بالعمل الموكل إليها، ويتم تأهيلها تأهيلاً لوجستياً وقانونياً، وعليها يقع مسؤولية تنفيذ الأوامر القضائية على أي شخص مهما كانت صفته، خاصة تنفيذ الأحكام القضائية مع معاوني التنفيذ، وتحت إشراف قاضي التنفيذ .

هذه كانت أهم الإشكاليات الواقعية، وبعض الحلول المقترحة والتوصيات من وجهة نظرنا,

وهناك إشكاليات أخرى كمنازعات التنفيذ، ودعاوى الاستحقاق والإعسار، والطعن في الأحكام وغيرها، لم نتطرق لها، لأنها بحاجة إلى أبحاث مستفيضة، ومعالجات قانونية .

وفي الأخير نؤكد على ما جاء في الحلول المقترحةِ سالفة الذكر، وعلى التوصيات الآتية:

  1. تفعيل دور الوازع الديني، والرقابة الذاتية، بعقد دورات تأهيلية مستمرة في هذا المجال لكل أعضاء السلطة القضائية ومعاونيهم .
  2. إعادة النظر في النصوص القانونية، خاصة تلك التي تتضمن إجراءات تطيل أمد التنفيذ .
  3. تفعيل دور هيئة التفتيش القضائي كما يجب، خاصة في تقويم القضاة، ومتابعة القضايا ومدى تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، ومعرفة مكامن الضعف والقصور، وإيجاد الحلول والمعالجات المناسبة أولاً بأول .
  4. حسن الاختيار والتعيين، خاصة لقضاة التنفيذ، بحيث يكون من يشغل هذا العمل بمستوى عال من النزاهة والكفاءة الدينية والقانونية والأخلاقية .

والله نسأل أن يوفقنا إلى كلِّ خير، وأن ينصرنا على عدونا نصراً عزيزاً قريباً، والحمد لله رب العالمين .

الدلالات: