استطلاع عن وزارة الأوقاف
الأوقاف قربة تقرب بها الواقفون إلى الله سبحانه وتعالى لتكون صدقة جارية لهم تستمر إلى يوم القيامة وجعلوا لها مصارف ومبرات تساهم في رقي المجتمعات في المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وغيرها، يوقن بذلك من طالع الكم الهائل من الوثائق الوقفية التي عالجت مختلف الخدمات وفاق عددها المائة خدمة ومصرف، والمطلع على حال أموال الوقف وممتلكاته في اليمن يرى بوضوح الإهمال الكبير والركود العجيب والعبث اللامتناهي في أموال الوقف مما تسبب في انحسار دوره النهضوي شيئاً فشيئاً، وضياع جزء كبير من ممتلكاته ، وتآكل أصوله المادية من الأراضي الزراعية والعقارات المبنية والمؤسسات المدنية التي اعتمد في تمويلها على الريع المتولد من تلك الأصول.
بالإضافة إلى تضافر مجموعة من الإشكاليات القانونية والإدارية والمؤسسية والسياسية والأخلاقية مما أدى إلى وصول مؤسسة الوقف إلى حالة من التدهور بدا معها أنها مؤسسة تعاني من انهيار أخلاقي في عملها وطرق إدارتها، وأنها تخضع لنظم إدارية متخلفة..
ومن منطلق المسؤولية والقيام بالواجب قامت مجلة الاعتصام بعمل تحقيق صحفي حول الأوقاف ومشاكله ومعوقات القيام بدوره، موضحة الرؤى المستقبلية والحلول العملية لتجاوزها وإصلاح الاختلالات القائمة حيث قامت المجلة بزيارة عدد من كبار المسؤولين في مجال الأوقاف والنزول الميداني إلى بعض الأعيان الموقوف عليها كالمساجد والعقارات والمحلات المؤجرة من الأوقاف..
الاعتبارات الشخصية والبناء التنظيمي المتضخم
يتكون البناء التنظيمي لوزارة الأوقاف حسب اللائحة الصادرة بقرار جمهوري رقم (144) لسنة 1995م من ثلاثة قطاعات: قطاع الأوقاف والوصايا والتي تتكون من الإدارة العامة للمساجد والمقابر، والإدارة العامة للأعيان الموقوفة والإدارة العامة للوصايا وأوقاف الترب والأوقاف الصحية، والإدارة العامة للصيانة والترميم، والقطاع الثاني: قطاع الإرشاد والذي يتكون من الإدارة العامة للوعظ والإرشاد، والإدارة العامة للبحوث والمكتبات، والإدارة العامة للإعلام والمؤتمرات الإسلامية، والإدارة العامة للحج والعمرة، والقطاع الثالث قطاع الاستثمار ويتكون من الإدارة العامة للاستثمار والإدارة العامة لتنفيذ المشروعات والإدارة العامة للإيرادات .. بالإضافة إلى الإدارات العامة النمطية..
ونظراً لعبثية الحكومات المتعاقبة وغياب الرؤى والاستراتيجيات لدى الأنظمة حصل استحداث لعدة قطاعات أثقلت كاهل المؤسسة الوقفية وأهملت ممتلكاتها حيث لم يكن الاستحداث مبنياً على واقع عملي ودراسات مسبقة، وحاجات ملحة بل استحدثتها لاعتبارات شخصية وأغراض حزبية ، فتم استحداث قطاع الحج والعمرة وقطاع الوصايا والترب وقطاع التحفيظ بصدور القرار الجمهوري رقم (454) لسنة 2000م بتعيين وكيل للوزارة لقطاع الحج والعمرة ، والقرار الجمهوري رقم (284) لسنة 2002م بتعيين وكيل للوزارة لشئون الوصايا والترب ، مما أدى هذا التوسع إلى التداخل في الاختصاصات والازدواجية في القرارات وتكرار للأعمال بين عدة إدارات، وهذا ما صرّح به بجلاء وصدق كلٌّ من وكيل قطاع الإرشاد الدكتور حميد المطري ووكيل قطاع الوصايا والترب الأستاذ عبدالوهاب المهدي. وقد تضمّن تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الأخير على هذه النقطة الذي نص على : غياب الخطط والبرامج السليمة والمدروسة لأعمال وأنشطة الوزارة ومكاتبها، واستحداث قطاعات وإدارات عامة بطريقة غير نظامية وخارج إطار اللائحة التنظيمية المعتمدة للوزارة وتضخيم الهيكل التنظيمي لها.
القانون واللوائح (30% معمول بها)
يقول بعض المختصين في الوزارة بأن الوزارة ومكاتبها لا تسير وفق اللوائح ولا يحكمها القانون وأن اللوائح غير مكتملة ولا يوجد بها اختصاصات محددة معلنة لوكلاء الوزارة المساعدين ولا للمستشارين ولا توجد قرارات بتوزيع العمل داخل الإدارات تحديداً للمسؤولية ولا تتوفر للعاملين قوانين وقرارات وتعليمات لأداء العمل، بالإضافة إلى كونها حبيسة الأدراج غائبة عن تسيير الأعمال وهذا ما نوه إليه الأستاذ عبدالوهاب المهدي بقوله: إن بعض القطاعات لا يوجد معها لوائح تسيّر عملها إلى حد الآن، والبعض لم ينشأ قرار بها وأن المعمول به داخل الوزارة لا يتعدى 30% من قانون الوقف ولوائحه.
الخلل الإداري وعدم كفاءة المسؤولين
بالإضافة إلى المكانة المتواضعة لوزارة الأوقاف والإرشاد في سلم الأولويات الحكومية في اليمن ، فإن سياسة التوظيف الحكومي المعمول بها أدت إلى وجود كوادر لا تربطها بالوقف سوى الوظيفة ، إضافة إلى قلة فرص التدريب والتطوير للعاملين في الوزارة ومكاتبها، وعدم تزويدها باحتياجاتها من وسائل التطوير البشرية والتقنية، ولاشك في أن قلة كفاءة الإطار العامل في مجال الأوقاف ينسحب على الأداء الاقتصادي للوزارة بصفتها المسئول الأول والمباشر –كناظر- على إدارة واستثمار الأعيان الوقفية.
ولا يقف عدم وجود الكوادر الكفؤة في الطبقة الوسطى أو السفلى في الوزارة بل تعدى ذلك إلى الهرم الأعلى في الوزارة حيث يعاني من الضعف الإداري وتعيين غير المتخصصين في هذا المجال وهذا ماسبب ضعف في الأداء الإداري والدور المنوط بالوزارة وهذا ما قاله الدكتور حميد المطري أثناء توضيحه أسباب إخفاقات الوزارة مضيفاً أن بعض مسؤولي الوزارة لا علم له بأبجديات الإدارة في حين أن الوزارة تحتاج إلى أصحاب الخبرات الإدارية والتأهيل القانوني حتى لا يعجز في أي لحظة كون العمل في الأوقاف يفرض المواجهة مع المحتالين ومزوري البصائر والمغتصبين ، بالإضافة إلى الجانب الإيرادي والتلاعب المحاسبي وغيرها مما هو مرتبط بالجانب العملي في الوزارة ، وهذا يتطلب الخبرة والنزاهة والكفاءة في موظف الأوقاف ووجود قيادة قوية للوزارة واختيار مدراء مكاتب على مستوى من الدراية والخبر والتأهيل والنزاهة . وأكد على ذلك أيضاً الأستاذ عبدالوهاب المهدي الذي قال: الوزارة تفتقد إلى العاملين ، والكوادر البشرية التي من خلالها تحقق مقاصد الواقفين وكان جل اهتمام القائمين عليها هو مواجهة ومصارعة الخصوم وتوظيف أموال الوقف خدمة للصراعات الطائفية والمذهبية. وأشار الأستاذ علي الفران في كتابه الوقف والتنمية بأن المركزية المطلقة في أداء الأعمال وإهمال الصف الثاني يسبب خللاً إدارياً حيث يلاحظ أن الوزير ونائبه والوكلاء منشغلون بالأعمال الأساسية اليومية للإدارات العامة في الوزارة بدلاً من تفرغهم لأعمال أكبر من ذلك تتمثل في رسم السياسة العامة ووضع الخطط والبرامج والتوجيه والإشراف والتنظيم والرقابة.
تسييس الوزارة وخضوعها للولاءات الضيقة
من أهم العوائق التي تؤثر على عمل الوزارة وتعيق من يريد تصحيح الوضع ويعالج الاختلالات أن العمل يسير ضمن الولاءات الحزبية الضيقة ، يقول العلامة فؤاد ناجي: عانينا من كثرة الفساد والإهمال ومن المحاصصة السياسية التي جعل من الأوقاف حقيبة سياسية خاضعة للمحاصصة، ويقول الأستاذ المهدي: لا يوجد عمل إداري منظم ولا احترام للتسلسل الإداري بل العمل يسير ضمن الولاءات وضمن غياب دور الجهات الرقابية والمحاسبية.
مسوّدات ووثائق الأوقاف
على الرغم من أهمية الوثائق والمستندات باعتبارها ذات حجية في إثبات حقوق وملكية الوقف للأعيان الموقوفة المختلفة، إلا أنها مهملة متناثرة لا توجد أدنى مراعاة لأهميتها ، حيث يوجد الكثير من السجلات والدفاتر والوثائق المحفوظة في ديوان وزارة الأوقاف والإرشاد بصنعاء ومكاتبها وفروعها المختلفة في المحافظات وفي الجامع الكبير بصنعاء، وقد ظلت لسنوات طويلة محفوظة بطريقة يرثى لها ، فقد وضعت في غرف مظلمة رطبة، يعلوها التراب ، وتأكلها الحشرات والقرضة، وأصبحت في حالة سيئة ورديئة والكثير من هذه الوثائق ممزقة ومهترئة، حتى قامت الوزارة بتنفيذ مشروع الحصر الشامل لوثائق وأراضي وممتلكات الأوقاف بطرق علمية حديثة، وكان البدء بإعداد أنظمة حفظ الوثائق وترتيبها وفهرستها، وتجهيز أماكن الحفظ المحكمة وتزويدها بالوسائل والإمكانيات اللازمة للحفظ السليم على مستوى الديوان العام والجامع الكبير ومكاتب الوزارة في المحافظات وأمانة العاصمة ومع بداية النصف الثاني من عام 2002م بدأت اللجان المتخصصة في جمع وثائق الأوقاف من مختلف المصادر والأماكن ومن المواطنين بترتيبها وتصنيفها وتسجيل بياناتها في السجلات المخصصة لذلك وحفظها في ملفات وحوافظ في رفوف منظمة ومفهرسة ومرقمة ، ورغم ذلك إلا أنه ما زال هناك الكثير من سجلات الحصر والمسودات والوثائق الخاصة بالأوقاف لدى العديد من الأمناء السابقين في الكثير من المناطق ولدى المتولين السابقين والمناصب والنظار والأشخاص الذين سبق لهم العمل في الأوقاف ويحتفظون بها في منازلهم والكثير منهم قد توفاهم الله ولا يزال ورثتهم يحتفظون بتلك الوثائق حتى الآن، كما أن هنالك الكثير من الموظفين الحاليين يحتفظون بالوثائق في منازلهم وهذا ما أشار إليه عدد من المسؤولين السابقين في وزارة الأوقاف، كما أوضح وكيل قطاع الأوقاف الدكتور المطري بأن المسودات والوثائق كانت مرتبطة بنظار الوقف ونظار الوكالة ثم ارتبطت بذريتهم ، حتى بيع الكثير منها بعد تحريرها بعد تواطؤهم مع بعض القضاة .. أما وكيل قطاع الوصايا والترب الأستاذ المهدي فيقول: نحن لا نعرف ما وضع المسودات وإنما ما حصلنا عليه من عقود سابقة وإيجارات سابقة عندما يأتي المستأجر يجدد العقد أو يدفع، أما المسودات نفسها فهي غير موجودة كونها عند ذرية النظار التي احتكرتها الأسر وقام البعض ببيعها بمبالغ كبيرة، وقد وجدت بعض هذه المسودات في منازل بعض من مسؤولي النظام السابق، موضحاً الأستاذ المهدي بأنه قد تم التواصل مع هذه الأسر التي لديها المسودات وتم التخاطب معها بكل الوسائل إلى أن تم رفع القضية إلى مباحث الأموال العامة عندما لم نلق أي تجاوب من قبلهم..
حصر ممتلكات الأوقاف
يعد الحصر والتوثيق لأعيان وممتلكات الأوقاف أحد المهام الأساسية الملازمة للوزارة والمنوط بها إنجازها وتنفيذها، وعلى ذلك أكدت كافة التشريعات والقرارات التي صدرت بشأن الوقف بدءاً بالقرار الجمهوري بالقانون رقم (62) لسنة 1968م في شأن تنظيم واختصاصات وزارة الأوقاف، والذي نص على تسجيل وحصر كل أموال الوقف ومستنداته، وقد توالت القرارات المتكررة والقوانين الصادرة على ذلك في الأعوام 1976م – 1977م – 1987م – 1990م -1991م – 1992م ، ورغم ذلك فقد تعذر تنفيذ كل القرارات لعلة عدم رصد وتوفير الاعتمادات اللازمة ، بعدها صدر قرار لمجلس الوزراء رقم (162) لسنة 1997م بشأن تشكيل اللجنة العليا للحصر والتوثيق لأراضي وعقارات الأوقاف فتم إعداد الخطة ورفعها إلى مجلس الوزراء بعد عامين فتم استعراضها ومناقشتها وإقرارها في العام 1999م، ووقف هذا القرار عند تشكيل إدارة للمشروع وتكوين اللجان وإعداد التجهيزات والمتطلبات اللازمة للمشروع ، ولم يتم تدشين أعمال الحصر الوثائقي والمسح الميداني إلا مع بداية الربع الأخير من العام 2002م أي بعد ثلاث سنوات تقريباً وتوقف في العام 2007م أو 2008م.. وعندما وقفنا مع مسؤولي وزارة الأوقاف نسألهم عن حصر ممتلكات الأوقاف يجيب الأستاذ العلامة فؤاد ناجي نائب وزير الأوقاف، يوجد حصر ميداني لأموال الأوقاف لكنه لم يكتمل وقد قطع شوطاً كبيراً فيه لكنه لا يكفي ولابد من الحصر الوثائقي الذي لا يزال حبرا ًعلى الورق ولم يتم إدخاله في برامج إلكترونية وهذا مظهر من مظاهر الإهمال، ويضيف: كذلك لم يتم عمل إسقاطات جوية لأراضي الأوقاف وهناك الكثير من الأعمال التي ينبغي القيام بها ونسعى إليها بتوفيق الله وعونه، ويقول الدكتور المطري بأنه تم إنجاز 75-80% من الحصر وتوقف مع توقف الميزانية المعتمدة ولم يتم اعتماد ميزانية جديدة، كما أوضح ذلك الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في تقريره بشأن نتائج مراجعة وتقييم وتحليل منظومة الإيرادات في مكتب الأوقاف بالأمانة حيث نص: الملاحظة:عدم توفر قاعدة بيانات مكتملة بأراضي وعقارات الأوقاف في إطار أمانة العاصمة صنعاء، بسبب عدم اكتمال إجراءات الحصر المنفذة من قبل وزارة الأوقاف والمتوقف منذ سنوات، ثم نص على الأثر الناتج من هذه الملاحظة المتمثل في: عدم واقعية وموثوقية البيانات المثبتة بقاعدة البيانات بالمكتب، وبالتالي عدم إمكانية الاعتماد عليها...، وقد أدرج الجهاز المركزي هذه الملاحظة ضمن الملاحظات مرتفعة المخاطر وتتطلب سرعة في المعالجة وعدم التهاون، ولا يقف الحد هنا عند الإهمال المتعمد في عدم استمرارية الحصر بل تعدى الأمر إلى عدم إدخال البيانات لمعظم ما تم حصره من أراضي الوقف بأمانة العاصمة حيث يشير تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الخاص بمكتب الأوقاف بأمانة العاصمة أنه وفقاً لبيانات الحصر الذي قامت به الوزارة وحتى المرحلة الرابعة بلغت (1.031.181) لبنة عشاري، في حين بلغت المساحة المثبتة بياناتها في إدارة الحاسب الآلي بالمكتب حتى تاريخ 31/3/2017م (165.348) لبنة ، أي بنسبة 16% من إجمالي المساحة وبالتالي فإن إجمالي المساحة غير المتوفرة بياناتها ولم يتم إدراجها في قاعدة البيانات بالمكتب تبلغ (865.833) لبنة بنسبة (84%).
وهذا ما يثير تساؤل المواطن والقارئ عن سبب الإهمال الكبير في عملية الحصر ومن هي الأيدي التي تقف خلف عدم استكمال الحصر وعدم اعتماد الميزانية اللازمة، ومن يقف وراء عدم إثبات ما تم حصره آلياً ، رغم أن أول قرار أصدر لذلك في العام 1968م، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدم استكمال العمل بمشروع الحصر والتوثيق ينتج عنه تعريض ممتلكات الوقف من مباني وأراضي وعقارات إلى مخاطر الضياع والاستيلاء عليها من قبل الغير وهدر لمواردها وتضييع المبرات الموقوفة عليها.
ممتلكات الأوقاف
إن الأعيان الموقوفة كالأراضي والمباني والمعمورات والمحاسن وغيرها تنتشر بمساحات وكميات كبيرة في مختلف أنحاء اليمن ، حتى لا تجد مدينة أو حياً أو عزلة أو قرية إلا وفيه أعيان موقوفة وتقدر المساحة الإجمالية لأراضي الأوقاف الزراعية في اليمن –حسب حصر الجهاز المركزي للإحصاء عام 2002م- بحوالي 30% من إجمالي مساحة أراضي الجمهورية اليمنية الصالحة للزراعة والبالغة 1.668.858 هكتار.. وتتعرض هذه الممتلكات لإهمال لامتناهي وضياع عدد كبير منها يقول نائب وزارة الأوقاف: الفساد في أموال الأوقاف أشهر من نار على علم وقد عرف بها الخاصة والعامة ويكفي لتعرف حجم الإهمال أن تعلم أن إجمالي ما تضع عليه وزارة الأوقاف يدها في أمانة العاصمة ممثلة بمكتبها لا يتجاوز 30% من أراضي الأوقاف ، وهذا ما يستدعي إلى إيجاد ثورة كاملة الأركان لإنصاف الأوقاف وإعادة الحق إلى نصابه ، موضحاً بأن ذلك لن يتم إلا بتوجه رسمي للدولة نظراً لأن بعض المظالم تأتي من القضاء وطول الإجراءات وبعضها تأتي لضعف القوة والحماية ، وقد كشف تقرير الجهاز المركزي إلى أن عدد أراضي الأوقاف المستولى عليها من قبل الغير بلغت في جميع محافظات الجمهورية (51.689) قطعة يبلغ إجمالي مساحتها (269.431.093) متراً مربعاً، مشيراً إلى أن ذلك الرقم قابل للزيادة نظراً لعدم اكتمال عملية إدخال البيانات، والعجيب أن من بين المستولين عليها عدد من الجهات الحكومية حيث تستولي على (33.980.952) متراً مربعاً.
موارد الأعيان الموقوفة
الأعيان الموقوفة كثيرة وتصل إلى ما يقارب سبعين نوعاً من أراضي ومباني ومعمورات ومحاسن مختلفة وغيرها ووارداتها كبيرة جداً وتصل المبرات الموقوف عليها إلى أكثر من مائة مبرة، والسؤال الذي يبحث القارئ والمواطن عن إجابته هو عن مقدار هذهالإيرادات، وأين تصرف؟ وهل المبرات والمحاسن تستفيد منها؟ لاسيما والمشاهَد أن المبرات الموقوف عليها فقيرة في واقعها ، فسألنا مدير عام الإيرادات في مكتب الأوقاف بالأمانة عن إطلاع الرأي العام بمقدار هذه الإيرادات الوقفية الشهرية والسنوية في أمانة العاصمة فاكتفى الأستاذ مطهر المداني بالقول: الإيرادات الخاصة بالأوقاف ليست على مستوى محدد شهرياً وإنما متفاوتة على حركة البيع والشراء لليد العرفية لأراضي الوقف والحمد لله رغم العدوان الغاشم على البلاد لم نتأثر كثيراً فأضعف الأشهر كان إيرادات المكتب على قدر نفقات لما أوقفت له ونفقات تشغيلية للمكتب والمساجد وما يحتاجها من صيانة وترميم وتوفير مياه وأدوات نظافة وفرش ومرتبات القائمين على المساجد وغيرها، ولم يصرّح برقم معيّن.. من جانبه أكد الدكتور المطري بأن نسبة الإيرادات من قبل قد تكون 50-55% وإيرادات معدمة قد تكون من 20-30% مرتبطة سواء بالنظار أو بامتناع أو بإغلاق المحلات، و20% منظورة لدى القضاء، وسألناه عن أعلى نسبة وصلت إليها وزارة الأوقاف في إيراداتها فأجاب: أكثر عام وصلت الإيرادات فيه إلى اثني عشر مليار ريال، ورغم بحثنا عن رقم معين للإيرادات بحيث يطلع عليها الرأي العام استطعنا أن نصل إليها من خلال تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي يشير إلى أن نسبة الإيرادات منذ العام 2013م وحتى 2017م حيث بلغت على حسب التوالي (1.704.969.079) و(1.098.855.893) و (406.122.560) و (549.672.973) (708.618.037) ريال يمني، وهذا لا يساوي إلا نسبة ضئيلة من المبالغ المستحقة للموقوف عليه، وهناك المليارات كديون عند مؤسسات حكومية وغيرها فعلى سبيل المثال يذكر الأستاذ عبدالوهاب المهدي بأن المؤسسة الاقتصادية لا تقل مديونيتها عن مليار ونصف، ووزارة الدفاع عن أربعة مليارات، ووزارة الكهرباء ما لايقل عن مليار، والمياه عن مليار ونصف ، وأمانة العاصمة عن اثنين مليار وفي آخر عام 2016م كانت مديونية المواطنين لمكتب أوقاف الأمانة أكثر من خمسمائة مليون ريال..
وهذ المديونيات تشكل عائقاً كبيراً على استفادة المصارف والمبرّات من أملاكها التي وقفها الواقفون من أجلها بسبب الإهمال والفساد المتراكم في الوزارة ومكاتبها والتي أهم واجباتها الحفاظ على ممتلكات الوقف وصرفها في مصارفها التي رعاها الواقفون.
المبرات والمصارف (5 % من مجمل الإيرادات)
وفي مقابل هذه الإيرادات سألنا عن النسبة التي تستفيد منها المبرّات من مجمل هذه الإيرادات فأجاب الأستاذ عبدالوهاب المهدي : تقسم الإيرادات حسب اللوائح إلى 10% لعامل الوقف، و10% للمكتب المتحصل، و80% للمصرف، بينما المعمول به في الحقيقة أن المصرف لا يستفيد من هذه الإيرادات إلا بنسبة 5% فقط إلا إذا كان هناك وضع استثنائي يتطلب صرفها في مواجهة العدوان، في القوافل الإرشادية والصرف على المتضررين. كما أشارت تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في الأعوام السابقة إلى هذه النقطة مؤكدة أنه لا يتم تنفيذ شروط الواقفين من حيث صرف غلة العين الموقوفة في المصارف الموقوف عليها، حيث لا يتم مسك سجلات توضح الموقوف (العين الموقوفة) وغلتها والموقوف عليه (المصرف) وفقاً لمقاصد الواقفين، مما جعل إيرادات الأوقاف تصرف وفقاً لتقديرات الإدارة، دون أن تلبي مقاصد الواقفين، كما أن ذلك أتاح إمكانية تعدد متولي الوقف على مصرف واحد موقوف عليه، مثل الموارد الناجمة عن الأعيان الموقوفة في المحافظة والأمانة على الجامع الكبير بصنعاء حيث لم نقف على أي مبالغ موردة منها لحساب مكتب الأوقاف بالأمانة، مما يؤكد على استخدام تلك الموارد في غير المصرف المحددة لها، أو قيام مكتب الأوقاف بالمحافظة بالصرف للجامع الكبير بنظره، وكل ذلك بالمخالفة لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية وقانون الوقف الشرعي ، ويقول العلامة ناجي من الاختلالات فعلاً أن هناك نفقات تشغيلية كثيرة تثقل كاهل الأوقاف في مقابل ما يتم صرفه للموقوف عليهم.
استثمار أموال الأوقاف
للاستثمار أهمية كبيرة في الاقتصاد حيث يعد العامل الذي يؤدي إلى زيادة الناتج القومي، فهو يسهم بدرجة كبيرة في زيادة الدخل، ويعتبر الوقف من أهم مصادر الاستثمار وتنمية الاقتصاد، ويبين الأستاذ علي الفران الوضع الراهن لاستثمار الوقف في كتابه الوقف والتنمية : بأن الاستثمار عندنا مازال يمر بالطرق التقليدية المقتصرة على تنفيذ مشاريع المباني السكنية والتجارية والتي تتحول إلى أعباء لا تطاق على الوزارة ومكاتبها، نظراً لتدني عائداتها إلى ما قورنت بتكاليفها، وما تتطلبه تلك المباني من أعمال صيانة وترميم قد تبلغ تكاليفها أضعاف عائداتها، وكذلك قيام الوزارة ومكاتبها بحجز العديد من الأراضي للاستثمار في مواقع هامة في أمانة العاصمة وعواصم المحافظات، والتي مضى عليها عدة سنوات دون التمكن من استثمارها لعد توفر الإمكانيات ، وشح الإيرادات المالية ، بالإضافة إلى عدم وضع الخطط الاستثمارية وعمل دراسات الجدوى للمشاريع، وعند النظر إلى عدد العاملين في هذا القطاع فيقول الأستاذ عبدالوهاب المهدي بأن عدد العاملين في كامل القطاع لا يتعدى6 أشخاص، وهذا ما يؤثر سلباً على عمل القطاع رغم أن القطاع من أوائل القطاعات التي أنشئت حيث تضمنه البناء التنظيمي للوزارة منذ العام 1995م .
تأجير أموال الوقف
نص قانون الوقف في المادة (72) على أنه: لا يجوز للمتولي تأجير عين الوقف أو أملاكه لأكثر من ثلاث سنوات سواء كان للحرث أو للبناء. وفي المادة (73) على أنه: لا يجوز للمتولي تأجير عين الوقف أو أملاكه بأقل من أجرة المثل زمانا ومكانا.. وعند النزول الميداني في صنعاء القديمة ومساءلة الكثير من الناس وجدنا أن أكثر العقود لم يتم تجديدها وظلت كما كانت عليه من قبل ثلاثين سنة أو أكثر حيث كانت مساوية للحر في وقته وبقيت على ما هي وهذا ما أيده العلامة فؤاد ناجي وأرجع سببه إلى إهمال إدارات الأوقاف وموظفيها وضعف الثقافة والوعي بحرمة مال الوقف لدى المواطنين ، مبيناً بأن هناك خطوة اتخذت في الثمانينات تقريباً عندما تم فرض مأذونية بما يقارب 25% من قيمة الحر يتم دفعها لدى إبرام عقد إيجار الوقف على أن يحدد بعد ذلك إيجار رمزي ، وهذا الخطوة أعتبرها ضربت أموال الأوقاف ضربة قاضية حيث جعلت مال الأوقاف بين بين فلا حكمها وقف كامل بحيث يستطيع مكتب الأوقاف استعادتها ولا حكمها حر واستلم مكتب الأوقاف قيمتها كاملة ، ويقول الأستاذ عبدالوهاب المهدي : أنا شاهدت عقوداً صدرت من المكتب في العام 2015م إيجار اللبنة الواحدة في الصافية بجانب السوق (105) ريال،
الإيجار من الباطن
أحد المشكلات التي يعاني منها الأوقاف هي مشكلة الإيجار من الباطن والتي يتم من خلاله استغلال ممتلكات الوقف للمصلحة الشخصية حيث يقوم القائم على الوقفية بتأجيرها لمصلحته ويدفع في نهاية كل عام مبلغاً زهيداً للأوقاف مقابل استئجاره لها ، وقد أوضح مدير عام الإيرادات الأستاذ المداني بأن نسبة العقود من الباطن تقارب 50% في منطقة صنعاء القديمة ، بينما يقول الدكتور المطري بأنه قد تم إلزام المستأجرين بمراجعة مكتب الأوقاف للاستئجار المباشر وألغينا العقود الباطنة المرتبطة بالمستفيد المنتفع من الأوقاف وقلنا بأن أي عقود تأتي من قبل فلان أو مؤجر من الباطن تعتبر باطلة عليكم مراجعة الأوقاف ، وقال بأن نسبة الإنجاز في هذا الجانب وصل إلى 90% ولم يتبقَ سوى 10% . وعند النزول الميداني إلى بعض الأسواق تكلمنا مع بعض المستأجرين من دكاكين الأوقاف وأخبرنا قائلاً: ما يحصل من إيجار من الباطن كما تسمونه يتم بتواطؤ بين عامل الأوقاف والمؤجر فعامل الوقف يأتي في نهاية كل عام ويتصل للمؤجر ليخبرني بأني أعطي إيجار ذلك الشهر لعامل الوقف، وهذا ما يوضح عدم أمانة المحصّلين واشتراكهم في خيانة أموال الوقف لمصالحهم الشخصية ، ويرجع الأستاذ المداني سبب ذلك إلى عدم تجديد عقود الإيجارات أولاً بأول، وضعف الوازع الديني لبعض المستغلين لعقارات الأوقاف، مضيفاً التساهل الحاصل من بعض المتحصلين والمتابعين للمكتب بالرفع بالمتمنعين عن التسديد أولاً بأول، أو استحداث أي شيء في العقار ، ومؤكداً على أنه لا يوجد تفاعل من الجهات الأمنية مع الأوقاف لافتاً إلى أن هناك تواطؤ حصل من قبل بعدم وجود مسوغات قانونية بالضبط والإغلاق والحبس لمن يتمنع عن التسديد والتجديد.
الحلول والمعالجات
تبقى الأوقاف مشكلة قائمة سببت في انهيار منظومة كاملة كفيلة بتأسيس حضارة إسلامية ونهضة شاملة في كل جوانب الحياة ، ولم نستعرض في هذا التحقيق سوى جانب من جوانب أعمال الوزارة ومهامها واختصاصاتها ومن خلال اللقاءات والزيارات لوزارة الأوقاف ومكاتبها ومن خلال الحديث مع أصحاب الخبرة ممن صقلتهم التجارب وخبروا الميدان وبعد الرجوع إلى مؤلفاتهم المتعلقة بهذا الشأن نخلص إلى بعض من الحلول والمعالجات عسى أن تعيها آذان صاغية نجملها كالتالي:
أن يكون هناك توجه صادق من القيادة نحو الأوقاف وتكون لها رؤية واضحة لمجال الأوقاف وأن تعمل على تطبيق المبادئ العلمية في الإدارة والتنظيم والتنسيق..
أن يتم إنشاء هيئة مستقلة للوصايا والأوقاف وجعل الوزارة خاصة بالتوجيه والإرشاد والحج والعمرة، أو أن يعاد النظر في الهيكل التنظيمي للوزارة وقطاعاتها وتقسيماتها الإدارية وفروعها في المحافظات وأمانة العاصمة والمديريات واستحداث نماذج مؤسسية جديدة لإدارة الوقف تتحقق فيها الكفاءة والقدرة على إعادة الاعتبار للوقف وتفعيل دوره في التنمية وخدمة المجتمع.
العمل على وضع آلية فاعلة لتنظيم العلاقات والتواصل بين الوزارة ومكاتبها في المحافظات وأمانة العاصمة والمديريات ، وعمال ووكلاء ونظار الأوقاف الخيرية والأهلية والمشتركة، وتوفير نظام لتدقق المعلومات والبيانات في ظل مبدأ مركزية التخطيط والرقابة ولا مركزية التنفيذية.
استكمال أعمال حصر وتوثيق أراضي وممتلكات الأوقاف وتفريغ بياناتها وتبويبها وتحديد قدرها ومواقعها وأنواعها وحالتها القائمة ووضع الخرائط والعلامات المميزة لها بالتنسيق مع مصلحة المساحة والسجل العقاري لتوثيقها وإسقاطها على الخرائط والصور الجوية وإدخالها الحاسوب الآلي.
- حصر قضايا أعيان وممتلكات الأوقاف المنظورة أمام النيابات والمحاكم بكل مستوياتها وإعداد آلية فاعلة لمتابعتها والتنسيق مع القضاء لتنفيذ القرارات والتوجيهات السابقة بعدم فتح المجال للنزاع في أعيان وممتلكات الأوقاف.
العمل إلى إعداد نظام مالي ومحاسبي متكامل خاص بالأوقاف يراعى فيه خصوصية عمل الأوقاف وطبيعة نشاطها على مستوى الديوان العام والمكاتب والمديريات والوحدات والنظارات الخاصة والتي يجب أن تلتزم بنصوص الواقفين وإن تعارض مع القوانين العامة الأخرى ويكون على نمط شبيه بنظام محاسبة الشركات (أرباح وخسائر) وطبقاً لمبادئ المحاسبة التجارية الحديثة.
اعتماد ميزانية تشغيلية للوزارة (قطاع الأوقاف) ضمن الميزانية العامة للدولة مثلها مثل الوزارات والمصالح الخدمية الحكومية الأخرى.
وفي الأخير نأمل أن يكون هذا التحقيق قد وضع أمام القارئ الكريم والقيادة الثورية والسياسية نموذجاً لمؤسسة حكومية طغى عليها الإهمال وطمّها الفساد ، والذي يجب من خلالها وضع التصحيحات والإصلاحات اللازمة حيث والأوقاف يمثل ثروة حقيقية للتنمية والتخفيف من معاناة الناس لاسيما في ظل العدوان..
وننوه القارئ الكريم- من باب الأمانة العلمية - أنه قد استفيد كثيراً في هذا التحقيق من كتاب (الوقف والتنمية) للأستاذ الفاضل علي الفران ، حيث يعتبر كتابه مرجعاً هاماً للقائمين والعاملين في الوزارة وللباحثين.