دور الوقف في النهضة العلمية

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 29/01/2019 - 9:27م

إن أي نهضة أو تنمية عمودها الأساسي تنمية وبناء الإنسان والارتقاء به، ويحتل الجانب التعليمي والتربوي أهمية كبيرة في تحقيق ذلك، وعند النظر إلى المجتمعات والشعوب الناهضة نجد أن الاهتمام بالإنسان محور النهضة، وأن التعليم جزء أساسي من هذا الاهتمام، ومن هنا نفهم التمويل السخي للجانب التعليمي سواء كان مدرسيا أو جامعيا أو مهنيا والاهتمام الخاص بالبحث العلمي في هذ المجتمعات والشعوب.

وهذا أيضاً مما ركز وأكد عليه الإسلام حيث تكررت النصوص القرآنية والنبوية عن العلم وفضله وأهميته ومقام طالب العلم ومكانة العلماء، وجرّاء دعم وخدمة الجانب التعليمي بكل تفاصيله مما حدا بكثير من المؤمنين إلى التقرب إلى الله تعالى بوقف جزء من أموالهم وممتلكاتهم لصالح العلماء والمتعلمين والمدارس العلمية والكتب والمكتبات وسكن العلماء والمتعلمين (المنازِل).

ونتج عن ذلك دعم سخي وتبنٍ كامل لطلبة العلم والعلماء في مراحل تاريخية أنتجت علماء جهابذة وموسوعيين ومجتهدين في شتى العلوم الشرعية والفلكية وغيرها وكانت أوقاف العلماء والمتعلمين هي الرافد الأساسي للعملية التعليمية مما جعل التعليم يعيش مرحلة استقلالية وحماية من التبعية السياسية؛ لأن المجتمع هو الذي يدعم ذلك بالأوقاف الكثيرة لصالح العملية التعليمية.

وللأسف تمر علينا في اليمن حالياً كما مرت في مرحلة سابقة قريبة السطو على أوقاف العلماء والمتعلمين والمدارس والكتب والمكتبات والأربطة وصرفها في غير ما أُوقفت له مما أضعف التعليم الشرعي المتجذر في اليمن من زيدي وشافعي وصوفي وهيأ الساحة لدخول الأفكار الدخيلة على مجتمعنا كالفكر الوهابي الذي أنتج الإخوان المسلمين والسلفية وغيرها والذي حظي بدعم سخي ومُبَالَغ فيه من دول الخليج، حتى تمكن هذا الفكر من السيطرة على أوساط كثيرة من المجتمعات اليمنية وتغلغل في كثير من المناطق وما زلنا نتجرع آثاره السيئة والكارثية إلى اليوم.

ومن هنا تأتي أهمية حماية أموال الأوقاف بشكل عام والمتعلقة بالجانب التعليمي بشكل خاص وتحصيلها واستثمارها وصرفها في مصارفها خصوصا وأن التعليم اليوم للأسف أصبح استثمارا في القطاع العام والخاص ويعجز الطالب أو العالم عن توفير مستلزمات التعليم ومواجهة متطلبات المعيشة.   

 ومن هنا تتجلى أمامنا كارثة حرف أموال الأوقاف الخاصة بالعلم والعلماء والكتب والمدارس والأربطة عن مصارفها مما نتج عنه فقر وحاجة طلاب العلم والعلماء والمدراس والأربطة والكتب والمكتبات وغيرها من الجهات الموقوف عليها في جانب التعليم وجعلها فقيرة ومُعدِمة وتتلقى المساعدات والصدقات التي لا ترقى إلى الحد الأدنى مما تحتاجه لمواصلة دورها وأداء رسالتها في المجتمع ثم نتساءل عن سبب الضعف العلمي والتعليمي الديني على وجه الخصوص وعن سبب دخول كثير من الأفكار الوافدة المتناقضة مع هويتنا الإيمانية والتي وفدت من نجد ومن غيرها ونحن نرى تلقي هذه المدارس الدعم السخي للعلماء والتبني الكامل للطلبة حتى يتخرجوا كما يريد الممولون.

ومقابل ذلك اندثرت كثير من الهجر والمدارس العلمية والأربطة وأصبحت خرابا ومجرد ذكرى وكنا نقول في الماضي القريب إن الأنظمة السابقة التي هيأت البلاد كلها للفكر الوهابي مسؤولة عن سياسة التجهيل ومحاربة الفكر الأصيل واللعب بأموال أوقاف العلماء والمتعلمين.

ولكن الغريب جدا أننا بعد ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م نجد هذه الأوقاف ما زالت في محط النسيان أو العبث  وإن صبت فتصب في جيب وزارة الأوقاف والإرشاد التي لا رشد فيها وأصبحت تعمل وكأن لم تقم ثورة وتتوزع هذه الأموال يميناً ويساراً دون تحقيق مقصود واقفيها وإذا دعمت هنا أو هناك كالحركة العلمية بالجامع الكبير بصنعاء فبأقل القليل الذي لا يشكل الخمسة بالمائة مما أوقف على العلماء والمتعلمين الخاصة بالجامع ا لكبير وعلى استحياء وبشروط معقدة وو ... الخ.

وهنا نسأل وزارة الأوقاف والإرشاد أين أوقاف العلماء والمتعلمين والترب؟ مَنْ يُحصلها؟ ومَنْ يصرفها؟ وأين ؟ هذه الأسئلة وغيرها بحاجة إلى إجابة واضحة ما لم فالحكومة مسؤولة عن ذلك ولا أعتقد أن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لم تصل إلى وزارة الأوقاف، أو أن هذه الوزارة لديها حصانة من المساءلة.

فما نعرفه أن وزارة الأوقاف والإرشاد المفترض أنها إشرافية وتنفيذية حسب وصايا الواقفين ورقابية كذلك وليست مخولة في التصرف في أموال الأوقاف في غير ما أُوقفت له.

 فإذا كنا جادين في تحقيق نهضة علمية وثقافية فيجب أولاً تشخيص حالة التعليم الشرعي وتقييم مصادر تمويله وحصر أموال أوقاف العلماء والمتعلمين ومعرفة وضعها ومساءلة وزارة الأوقاف والعجيب أن الكل معترف بالفساد فيها حتى المسؤولين داخلها لكن لا نلمس أي توجه جاد للقضاء عليه ولا نلمس منهم أي توجه صادق للتصحيح وأكثر ما يعملونه أن كل مسؤول في الأوقاف يرمي بالمسؤولية على المسؤول الآخر فيها.

تعثر إنشاء جامعة للجامع الكبير وضرورة التعاون لإنشائها

من مسؤولية الأوقاف في النهضة العلمية الشرعية هو إنشاء جامعات شرعية قائمة على تمويل الأوقاف وقد جرت هناك محاولات كثيرة وحثيثة لإنشاء جامعة للجامع الكبير بصنعاء ولم تر النور إلى هذه اللحظة ولم تجد لها مكانا ولا مبنى على الرغم أن أوقاف الجامع الكبير وعلمائه ومتعلميه كثيرة وفيها مبان ومساحات في قلب العاصمة وفي غيرها ويعجز الساعون لإنشاء الجامعة لأنهم لا يملكون حتى استئجار مبنى للجامعة لأن وزارة الأوقاف تتعامل وكأن هذه الجامعة خاصة لا علاقة لها بها.

ولو حققنا في أسباب تعثر إنشاء الجامعة لوجدنا أن موضوع المبنى والتمويل هو المعرقل الرئيسي، والمسؤول عن هذه العرقلة هي وزارة الأوقاف التي من مسؤوليتها إنشاء الجامعة وتوفير مبنى لها بل إن أوقاف الجامع الكبير وعلمائه ومتعلميه التي في وزارة الأوقاف كفيلة ببناء جامعة نموذجية على أرقى مستوى على الرغم أن وزارة الأوقاف وفرت مبان كبيرة وبإيجارات زهيدة لجامعات أخرى ولا ندري ما المشكلة وهل لوبي الأوقاف قوي إلى هذه الدرجة حتى تعجز كل المحاولات لإنشاء الجامعة وكأننا ما زلنا نعيش في مرحلة حروب صعدة الست وكأن من يتحكم بالأوقاف الإخوان المسلمون وكأن لا يوجد مسؤولين في الوزارة محسوبين على الثورة الشعبية.

على العموم إنشاء جامعة للجامع الكبير مسؤولية الأوقاف بالدرجة الأولى من ناحية التمويل والمبنى وهو أبسط اختبار لمسؤولي الوزارة الذين يحسنون رمي الأخطاء والتقصير على غيرهم مالم فنحن نطالب بإنشاء هيئة مستقلة للجامع الكبير تهتم بكل شؤونه وفصله أوقافه عن وزارة الأوقاف نظرا لفسادها وعبثها بهذا المورد المهم في إحياء العلمية التعليمية الشرعية.      

 

 

الدلالات: