الحج بين سمو المقاصد وتسلط الظلمة

نشر بتاريخ: اثنين, 20/08/2018 - 11:48م

الهدف الأساسي من خلق الإنسان هو عبادة الله سبحانه وتعالى، والعبادة لله – سبحانه – هي:  (عمل في عمق التسليم لله، وتجليات لتسليم الإنسان لله) [دروس رمضان الدرس التاسع والعشرون]، ومن العبادة لله الاستخلاف، فالإنسان خليفة الله في الأرض قال – سبحانه وتعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾. ولما استخلف الله الإنسان بيّن له الحلال والحرام، بمعنى أن الله شرع لنا أحكاماً وضوابط وقوانين تنظم حياتنا ونستعين بها في كل شئوننا، كل ذلك رحمة منه سبحانه بنا ولكي نؤدي واجب العبادة له على الوجه الذي يرضيه عنا، ولكن وللأسف كان الانحراف سمة ملاصقة  لبني البشر حيث انحرفوا وانتهكوا الحرمات بل أشركوا وعبدوا غير الله،  فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وبين فيها الأحكام، حتى يعود العبد إلى المسار الصحيح الذي بينه الله وأمر باتباعه، ويذكر لنا القرآن أن تشريعات الله لكل الأمم موحدة في عمومها قال سبحانه وتعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾[الشورى:13]، وقال عن الصيام: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾[البقرة:183]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل﴾[المائدة:12]، إذاً فالصلاة والزكاة والصيام والجهاد تشريعات إلهية اتحدت في تلقيها وأدائها كل الأمم منذ نبي الله نوح-عليه السلام- إلى نبينا محمد-عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام-؛ لأن الغاية من ذلك كله هي غاية مهمة جداً؛ هي عبادة الله، التي من أجلها خلق الله الخلق، ولا شك أن هذه العبادات تسمو بنفسية العبد وتزكيها، حتى يكون الإنسان مؤهلاً لأن يحظى برضوان الله ومغفرته.

و شرع الله الحج  كما شرع بقية العبادات، قال سبحانه وتعالى آمراً نبيه إبراهيم الخليل-عليه السلام-: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق﴾[الحج:27]، وقال سبحانه: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾[آل عمران:97]  ولا شك أن للحج مقاصد سامية، فالعبد الذي توجه في صلاته نحو بيت الله، ها هو اليوم يزور بيت الله، ولكنها زيارة خاصة لها مواقيت ومناسك وأركان ومحظورات وشعائر، تعظيمها من تقوى القلوب، فالعبد يؤدي الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم ولكنه عند أدائه لكل ذلك ليس ممنوعاً من إتيان الزوجة وليس محظوراً عليه لبس المخيط، وليس ممنوعاً من صيد البر، ويجوز له التطيب والتجمُّل ويجوز له الحلق والتقصير وقتل القمل وصيد البر، ويجوز له أداء كثير من الأشياء المباحات، ولكنه في البلد الحرام صار محظوراً عليه كل ذلك.

في الحج يلتقي الرئيس والمرؤوس والأمير والمأمور والغني والفقير والقوي والضعيف والكبير والصغير والذكر والأنثى، الجميع ملتزم ومسلِّم وبدون أي تذمُّر، ولا مجال للاستثناءات إلا ما استثناه الشارع الحكيم ولعلة شرعية تستدعي الاستثناء، وعليه مقابل ذلك الاستثناء الفدية،  ذلك أن الله دعا الناس إلى زيارة بيته الحرام، و هناك في البلد الحرام لابد أن تتذكر أنك إنسان أنك بشر، لست الملك ولست السلطان ولست الأمير ولست التاجر ولست السيد ولست الشيخ ولست القائد، أنت هنا لست إلا عبداً من العبيد دعيت كغيرك لكي تزكيَ  نفسك وتصفيَها وتحررها من قيود الأهواء. فالناس هنا سواسية جمعهم إلهٌ واحد وهدف واحد وبيت واحد، الكل وبلا استثناء ينادي بنداء التحرر من قيود النفس الأمارة ومن قيود العبودية للطواغيت ويعترف لله فقط بالإلهية والربوبية والـمُلْك: (لبيك اللهم لبيك،  لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، إنه نداء الاستغاثة والاستكانة والتذلل والاسترحام من العبد الذليل الضعيف الفقير المحتاج، لمن بيده ملكوت السماوات والأرض.

في البلد الحرام كل شيء يشدُّك إلى الله ويربطك برسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- وبإبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما السلام وبهاجر، أليسوا بشراً؟ بلى. ولكنَّ الله خلد ذكرهم وحركاتهم وجعل منها مناسك وشعائر تؤدى على مر العصور: ﴿ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب﴾[الحج:32]. ذلك أن إبراهيم-عليه السلام-  هاجر إلى ربه: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ..﴾[الصافات:99]، وإسماعيل-عليه السلام- صدق وعده وأسلم  رأسه لأبيه ليذبحه: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾[مريم:54]، وأن هاجر ثبتت وتحملت الجوع والعطش بوادٍ غير ذي زرع، وجاء رسول الله محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- وهو خاتم النبيين فوصل هذه الأمة بإبراهيم الخليل-عليه السلام- واتصالنا نحن – أمة محمد-  بإبراهيم هو اتصال عقيدة واتصال براءة من أعداء الله قال سبحانه: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِين﴾[الشعراء:84]، وقال سبحانه ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾[الممتحنة:4]، تلك البراءة التي أعلنها إبراهيم-عليه السلام- هي نفسها التي أنزل الله بها سورة براءة على نبيه محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- وأرسل به علياً- عليه السلام- ليبلغها للناس في البلد الحرام وعلى مرأى ومسمع من الحجيج ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيم﴾[التوبة:3]. فيتبين لنا أن من أهم مقاصد الحج هو البراءة من أعداء الله فكما تبرأ إبراهيم تبرأنا وكما رمى إبراهيم وإسماعيل وهاجر الشيطان،  رمى رسول الله-صلى الله عله وآله وسلم- الشيطان ممثلاً بالجمرات الثلاث، والمسلمون رموا معه، وليست الجمرات هي الشيطان بشخصه، لكنها إيحاء بكل الشياطين وبكل ما عُبِد من دون الله، وبأي شكل من أشكال العبادة، وما رميها إلا إيذان بقتال أعداء الله والجهاد في سبيل الله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾[الحج:78].

هذان المقصدان: البراءة من أعداء الله، ومجاهدة أعداء الله، هما أهم مقاصد الحج التي يستفيدها  الحاج وذلك من خلال  الربط بين المناسك وبين القرآن وبين نبي الله إبراهيم-عليه السلام- ورسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله-، وهذا في اعتقادي هو السر في محاربة الحج من قبل اليهود والنصارى؛ فهم لم يحجوا البيت الحرام، وعلى مدى التاريخ لم يثبت أنهم حجوا إليه، على الرغم من أن إبراهيم الخليل هو من بناه ومن أذن بالحج وهم يعرفون ذلك، إلا أن بغضهم وحقدهم وحسدهم للعرب ومن قبل العرب لإسماعيل وهاجر ومن بعدهما سيدنا محمد-صلوات الله عليه وعلى آله- دعاهم كل ذلك إلى محاربة الحج فعملوا على مر العصور عبر المنافقين والحكام الطغاة  وعلماء السلطان على تفريغ الحج من مقاصده السامية وحولوه إلى مجرد طقوس تؤدى مفرغة من أهداف الحج ومقاصده التي من أهمها زكاء النفس، ووحدة الصف  والعودة الصادقة إلى الله ، وتلمس ومناقشة قضايا الأمة وأهم من ذلك كله البراءة من أعداء الله والجهاد في سبيل الله، وصار كل شيء في الأماكن المقدسة يخدم الملك، ويُسخَّرُ كل شيء لما يرضي الملك، فما رآه الملك حلالاً فهو الحلال، وما رآه حراماً فهو الحرام،و تحول دور وواجب العلماء هناك إلى شرعنة ما يقوله الملك؛ والبحث له عن مخارج شرعية، وصار خطيب البيت الحرام بوقاً داعية إلى الفتنة الطائفية، وإلى سفك دماء المسلمين في اليمن وسورية وغيرها من بلاد الإسلام والمسلمين، وهو في الوقت نفسه يدعو في صلاته لرأس الكفر في هذا الزمن ترامب، وهو يصلي بالملايين، وتحول البلد الحرام إلى  ناطحات سحاب تحيط بالبيت الحرام تتبع الظلمة من آل سعود، لغرض الاستثمار والتكسُّب، وسُخِّرت أموال المسلمين لخدمة عائلة واحد. في الوقت الذي تصرف هذه العائلة آلاف المليارات لتفكيك الأمة وهدم عرى الإسلام. بينما مئات الملايين من المسلمين يعانون  من الفقر والفاقة والمرض.

في البلد الحرام كان ينبغي أن أول ما يشد أنظار الحجيج هو الكعبة المشرفة فينظر ويتأمله لتزداد مكانتها في قلبه، لكن هذه الأيام مجرد أن يدخل الحاج المسجد الحرام فبدلا من أن ينظر إلى بيت الله الكعبة المشرفة فيعظمها صار ينظر منبهراً إلى ناطحات الحفاة العراة، صارفاً نظره عن بيت الله الذي تحمل عناء السفر من أجل زيارته.

و ليت الأمر توقف عند البناء بل عملوا على رفع رسوم تكلفة السفر إلى الحج حتى صار الحج من أصعب الأعمال، ولا يحج هذه الأيام إلا من يمتلك الملايين، بل صار يسجل الحاج في السفارة فلا يأتي دوره للحج إلا بعد مرور سنوات وقد يأتيه الأجل ولم يحج بعد.

و قبل أن أختم أسأل القارئ الكريم ما الفائدة المرجوة من الحج في ظل حكومات الظلم هذه؟

و قبل الإجابة نبين أن الحاج يدفع مئات الآلاف نفقات للسفر، هذه المبالغ ستصل إلى خزينة دولة تتحالف مع العدو الصهيوني ضد قضية فلسطين، ومع أمريكا وإسرائيل وبريطانيا ضد اليمن وسوريا وليبيا ولبنان، وتدفع لحلفائها آلاف المليارات من الدولارات، هذه المليارات الحجاج مشاركون فيها، هذا أولاً، ثانياً: إذا كان من مقاصد الحج البراءة من أعداء الله والجهاد في سبيل الله كما بينا فإن هذا قد فقد في الحج في ظل دولة آل سعود، وصُرِف الناس عن التوجه للبراءة من أعداء الله إلى البراءة من فئة واسعة من المسلمين وقتلهم وتشريدهم. فإذا اتضح هذا فإن الحج في ظل آل سعود الحكام الظلمة لا أراه جائزاً -في وجهة نظري- لأنهم يوالون اليهود والنصارى ويناصرونهم ويتحالفون معهم قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون﴾[الحشر:11].

و من المعلوم أنهم يسخرون أموال الأمة لمحاربة المسلمين، وإفساد الشباب عبر القنوات التي سخروها لنشر الرذيلة، وتفكيك البلاد الإسلامية. وليس بخاف اعترافهم بالكيان الغاصب رسميا، وما كان بالأمس بالسر صار اليوم بالعلن فصار من الواجب العمل على إزالة آل سعود وتحرير الحرمين منهم ومن تسلطهم، لكي يعود الحج إلى سابق عهده يجتمع المسلمون من كل فج عميق ليتعرضوا لنفحات الله ويتبرؤوا من أعداء الله وليشهدوا منافع لهم. 

الدلالات: