حوار مع السيد العلامة / محمد بدرالدين الحوثي

نشر بتاريخ: اثنين, 04/06/2018 - 12:54ص

لو تكرم السيد العلامة محمد بدر الدين  بعرض خلاصة لسيرته العلمية منذ بداية التلقي للعلوم الشرعية وأبرز العلماء الذي تلقى العلم على أيديهم؟

كانت دراستي لدى والدي رحمة الله عليه في القرآن الكريم, وفي التفسير والفقه والأصول، كما درست لدى القاضي العلاَّمة حسن بن عبد الرحمن الغالبي رحمه الله في القرآن والقراءات وبعض المتون الأولية ولمدة سبع سنوات، ثم درست ثلاث سنوات متواصلة على الوالد العلاَّمة حسين بن يحيى الحوثي رحمه الله في الفقه والأصول واللغة وغيرها من الفنون, ولدى الوالد العلامة أحمد بن حسن الحوثي في القرآن والنحو.  وهكذا تنقلت لدى العديد من العلماء منهم السيد العلامة المحقق محمد بن الحسن العجري في كتابه الصحيح المختار ولدى السيد العلامة عبدالله صلاح العجري, والقاضي العلامة أحمد محمد مهرش في الصرف رحمهم الله جميعا، وكذا لدى السيد العلامة قاسم بن إبراهيم شمس الدين في الفقه.

كما درست المرحلة الأساسية والثانوية  بالمعهد العلمي العالي بصعدة وتخرجت منه عام 1988م بالثانوية العامة. والتحقت بكلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء في عام 1994م وحصلت على الليسانس عام 1997م .

وقد كانت استفادتي كثيرا من التدريس في العلوم الشرعية, حيث واكب التعلم تعليم منذ أن بدأت بدراسة أحكام الإمام الهادي وقطر الندى فكنت أدرس صباحا وأدرّس بعد العشاء, واستمر التدريس حتى بداية العدوان على صعدة في الحرب الأولى.  


ما المنهجية العلمية التي اختط مسارها والدكم المربي والرباني والتي جعلت منه ومن أسرته المباركة أمة واعية تحمل الروح التنويرية والثورية؟ 

تميزت منهجية الوالد (رحمة الله عليه) بأمور عدة من أهمها:

ربط العلم بالعمل (التعليم الحركي) والربط بالواقع.
تقديم الأهم من العلوم باعتبار متطلبات المرحلة.
التوازن في البناء بين الجانب الإيماني والتهذيب الروحي والسلوكي وبين الجانب الفكري, فلم يكن أحدهما على حساب الآخر.
اعتماد القرآن الكريم مصدرا للهدى, واعتماد أسلوب القرآن التربوي الذي تجلى في وصية لقمان لابنه.
الحرص على نجاح الطالب وليس لمجرد أداء الواجب أو كسب الأجر.
القدوة الحسنة وهي المؤثر الأبرز.
اعتماد فكر الأئمة المجاهدين باعتبارهم الأجدر بالتوفيق للهداية لسبل الحق.

ومن وصيته للشهيد السيد زيد علي مصلح (رحمه الله) تتضح المنهجية أكثر, وفيها يقول: ((أوصيك يا ولدي ونفسي وأولادي، وإخوتي، وكافة أصحابي بتقوى الله، التي هي وصية الله في الأولين والآخرين, والعناية بطلاب العلم لتحقيق الإيمان في قلوبهم، الإيمان بالله ومعرفة أسمائه الحسنى, ومعانيها إيمانا عن يقين صادق.

وكذلك الإيمان باليوم الآخر، وصدق وعد الله ووعيده على ما هو محقق في كتب الزيدية، وكذلك الإيمان بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والإيمان بوجوب الجهاد في سبيل الله، وتعليمهم فضل الشهادة في سبيل الله، وتكرير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في فضلها على مسامعهم, في كل مناسبة مثل حدوث شهادة شهيد, ومثل مأتم الإمام علي, والإمام الحسين والإمام زيد بن علي (عليهم السلام) وجعل الأحاديث في فضل الشهادة من جملة ما يتعلم الطلاب ويحفظونه غيبا من الأحاديث النبوية.

 وبعد رغبتهم في الشهادة تذكر لهم المرغبات في الجهاد في سبيل الله، وكذلك يُعَلمُون الآيات, والأحاديث في وجوب محبة آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والتمسك بهم, وبيان صحة الأحاديث، وذكر من اعترف بها من المخالفين, وأن التعلم منهم، والقراءة في كتبهم، وسؤالهم عما يشكل من المسائل هو من جملة التمسك بهم, وكذلك يعلمون مكارم الأخلاق، والعناية بالمؤاخاة، وتجنب أسباب الشقاق والتفرق، ويفيد في ذلك قراءة كتاب (التحذير من الفرقة) وَيُعَلمون المحافظة على الصلاة، وعلى أن تكون قَيِّمَةً حَيةً غير ميتة، وكذلك يعلمون الزهد، وقصر الأمل, وتطهير الباطن، ويُعلَّمون (نهج البلاغة) ولاسيما الخطب في معرفة الله، ووصيته الكبرى لابنه الحسن (ع)، ووصيته بعد ما ضربه ابن ملجم لعنه الله وأخزاه، وخطبته الغراء، والحِكَم القصار، والحث على الجهاد، ويمكن يؤخذ من ذلك تقريب للطلاب القاصرين.

 وأهم من ذلك تحفيظهم القرآن غيبا عن ظهر قلب يقرؤونه أو قريبا من الغيب حتى يتسنى لهم فهمه، ثم تفهيمهم كل يوم آية من سورة يختارها الأستاذ في معرفة الله، وفي الحث على الجهاد من سورة آل عمران، والأنفال، والتوبة، وغير ذلك يفهمون معناها، يذكرونه للأستاذ في اليوم الثاني بعد أن يكتبوه في اليوم الأول ليحفظوه.

وكذلك يُعَلَّمُون ملازمة التوبة من الغيبة، ومن كل ذنب، ومن الحضور عند المغتابين، وتكرار التوبة في المساء والصباح، والحذر من المعاصي وأن ترك المعاصي أهون من طلب التوبة، وُيَفهمُون سبب ذلك، وكذلك يُعَلَّمُون الصبر والتعود عليه، وأنه لا يتم الإيمان ويبقى إلا بالصبر, وكذلك الرضى بقسمة الله، وقضائه، والقناعة باليسير من الرزق، وترك الاشتغال عن طلب العلم بأي شاغل إلا العمل به ...إلى قوله:

ويهتمون بقراءة كتب الإمام الهادي (عليه السلام) وكتب سائر أئمة الزيدية المتقدمين (عليهم السلام) ومن أمكنه قراءة مجموع الإمام القاسم (عليه السلام) فهو كتاب عظيم...الخ)).


ما هي المجالات المعرفية والفكرية التي كان والدكم البدر حريصاً على استيعابها من قبل الطلاب؟

كان أهم ما يركز عليه هو القرآن الكريم واستيعاب هديه القويم, وهذا ما تجلى في فكر الشهيد القائد (رضوان الله عليه) وما نراه واضحا في خطاب السيد القائد (حفظه الله) باعتبارهما ثمرة من ثمار السيد الوالد (رضوان عليه).

وهكذا كان يحرص على جانب العقيدة الصحيحة وضرورة استيعابها من مصادرها الأصيلة, ولأنه عاش معظم حياته صراعا فكريا مع الدعوة الوهابية التي عاصر نشأتها وعنفوان نشاطها في اليمن, وكان على معرفة تامة بخطورة شبهاتها على الإسلام والأمة فقد كانت معظم مؤلفاته هي في الرد عليها وتفنيدها؛ لذلك فقد كان حريصا جدا على أن يستوعب طلاب العلم تلك المعارف والعلوم التي تفند شبه الوهابية ويحثهم على تبليغ ذلك للناس بكل الطرق والوسائل باعتبار ذلك جهادا مقدسا يجب القيام به, وبالعودة إلى وصيته للشهيد زيد نعرف المجالات أكثر.


ما هي مميزات المنهجية التي تميز بها المولى بدر الدين في تفسيره (التيسير في التفسير)؟  

 تميز منهجه في التفسير بأمور عديدة يلمسها من قرأ كتابه (التيسير في التفسير) بل لقد وضح الكثير منها في مقدمته المقتضبة حيث يقول: (اعلم أن تفسير القرآن مفتاحه معرفة لغة العرب، لأن القرآن نزل بلسانهم، كما يحتاج إلى استمداد العون والتسديد من الله وإخلاص العمل له سبحانه وتعالى، والتسبب لهدايته وتنويره بالاستقامة على التقوى، ولهذا قال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ [الأنفال29] وقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد28].

كما يحتاج إلى القدرة على استحضار الآيات المتماثلة لأنه كثيراً ما يتميز المعنى في آية بمعرفة نظيرها في القرآن، ويحتاج المفسر إلى التأني والتأمل والتثبت، ويستعين كذلك بالاطلاع على ما تيسر له من كتب التفسير للأئمة الطاهرين " وغيرهم لينتبه للمعنى المقصود، فأما تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله متى صح عنه فهو حجة، وكذا تفسير أمير المؤمنين عليه السلام.

وقد اعتمدت كثيراً على تفسير القرآن بالقرآن, إضافة إلى اعتماد الذوق العربي كوني بحمد الله أصيلاً في العربية نسباً وبلداً.

وقد يكون في التفسير خلاف بل هو الغالب فأكتب ما هو عندي الصواب ولا أتعرض للرد على خلافه رغبة في عدم التطويل.

كما أنني أحياناً قد أخالف التفسير الشائع المتداول فأرجو حملي على السلامة وحسن النية وأن يجعله الناظر فيه سبباً للتأمل أو سؤال من تبين له وجه الترجيح أو سؤالي إن أمكن.

وكثيراً ما أعدل عن التفسير بالرواية لعدم صحتها عندي وكون مدلولها خلاف الظاهر أو لعدم صحة كونها رواية عن الرسول كما في تفسير (والنازعات) حيث لم يصرح القاسم (عليه السلام) بنسبتها إلى النبي أو الوصي، فلذلك عدلت كثيراً عن اعتماد الروايات في التفسير، وقد أعدل عنه إلى ما لا يخالفها إلا بالتعميم أو الإطلاق، لأن القرآن لا يقصر على أسباب النزول ولا يوقف تفسيره على معرفتها بل هو مستقل بإفهام معانيه مع أن معرفة الأسباب وظروف النزول تعين على فهم المعنى، وينبغي للمفسر مراعاتها والتفسير بما يناسبها ما أمكن بدون عدول عن الظاهر.

وقد اعتمدت على الظاهر وحاولت التمسك بالمعنى الحقيقي ما أمكن حتى توجد قرينة بيِّنة لإرادة المجاز.

وحيث تختلف القراءات اعتمدت قراءة أهل المدينة المنورة، وهي القراءة المشهورة، ولأنها قراءة أئمة الزيدية التي ورثوها عن آبائهم, كما اعتمدت كذلك قراءة حفص المروية عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)  المشهورة في العالم الإسلامي...إلخ)


كونكم من جمع تفسير الوالد؛ كيف تفسرون استشهاده ببعض التفاسير التي لا ينسجم مؤلفوها مع والدكم في العقائد؟

 هناك جوانب معينة تتطلب ذلك, منها بعض المواضيع الخلافية التي تستدعي المناقشة والبحث فيحتاج إلى الاستدلال من كتب الآخرين باعتباره حجة على أتباعهم, وهناك بعض الكتب اللغوية التي فيها ما يدعم وجهته في التفسير فيورد نصوصها لذلك. كما أنه قد ينقل من كتب الآخرين بعض المسائل المتعلقة بالعلوم الحديثة في الطب ونحوه, أو مما يتعلق بالفرق والبلدان وغير ذلك, وقد يستحسن بعض النصوص إما لموافقتها رؤيته واعتبارها داعمة لها, أو لجودة التعبير مما هو موافق لمنهج أهل البيت (عليهم السلام) كما نلاحظه في العديد من الفقرات المنقولة عن سيد قطب بالذات, فلا ضير في استشهاده ببعض تفاسير كبار علماء المخالفين لتلك الأسباب المذكورة.    


ما هي مسؤولية العلماء والخطباء والمحاضرين في هذه المرحلة, وما هي القضايا التي يجب أن تكون لها الأولوية من وجهة نظركم؟

 هذه المرحلة تعد من أهم المراحل التي يجب أن يبرز فيها دور طبقة العلماء والخطباء والمثقفين, باعتبارهم الطليعة المعنية بتربية المجتمع وتنويره, يقول الشهيد القائد(رضوان الله عليه) (الطبقة المثقفة هي الأصل في المجتمع، هي التي يتوقف على نشاطها تغيير وضعية المجتمع أيّ مجتمع كان، وأيّ ثقافة كانت) ولن أتحدث عن طبيعة المرحلة فالكل يعرفها جيدا, لكن لا بد من الإشارة إلى قضية مهمة وهي: أن على هذه الطبقة أن تدرك حجم مسؤوليتها, وأنها كبيرة بحجم كبر العدوان ومؤامراته, وأن وسائلهم وأساليبهم في التوعية والإرشاد لا بد أن ترتقي إلى مستوى وسائل وأساليب العدوان إن لم تكن أرقى منها.                  

ومن جهة أخرى يجب إدراك خطورة التواني والتقصير في هذه المرحلة بالذات, وأن العقوبة الإلهية ستكون كبيرة وخطيرة بقدر ما يتطلبه الوضع- وبإلحاح شديد- من القيام بالدور المنوط بهذه الطبقة, ولنستذكر ما جاء من الوعيد الشديد في القرآن الكريم وعن النبي الكريم للساكتين والمتخاذلين, وفي رسالة الإمام الأعظم زيد بن علي(ع) ما يكفي لمن عقل وتدبر, يقول السيد حسين بن بدر الدين رضوان الله عليه: (عندما يبرز مثلا مجموعنا أو نصفنا علماء, لكننا علماء لا نهتم بشيء سنكون وَبالاً على المجتمع؛ لأن المجتمع نفسه قد يصل به الحال إلى أن يُظلم، ويُضطهد، ويضيع، وتمسخ أخلاقه، وتفسد معتقداته ونحن صامتون. من المسؤولية عليه؟ أليست المسؤولية على من يحمل علماً؟)   

أما الجوانب ذات الأولوية فهي ما يحث عليه السيد عبد الملك (حفظه الله) من ضرورة تكثيف الجهود في الحشد والتعبئة نحو جبهات القتال, وكذا ما يتعلق بمواجهة الحرب الناعمة, والسعي للحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية, ولا شك أن الواقع يخاطب الضمائر الحية ويتحدث وبطلاقة عن الأولويات وبلغة يفهمها الجميع فلا نطيل في الموضوع. 


ما هي نصيحتكم للمعلمين والمتعلمين على حد سواء في المساجد والمراكز العلمية, وكيف يمكن أن تبني هذه المحاضن مخرجات واعية ونماذج قيادية ترفع لواء الحق وراية العدل؟

 أنصح الإخوة المعلمين أن يشحذوا الهمم ويضاعفوا نشاطهم, وأن يحرصوا على أن تكون المخرجات قوية في العلم والمعرفة والتقوى, وأن يربوهم تربية رسالية حركية, وليقتفوا أسلوب ومنهجية الوالد المذكورة آنفاً.

وبالنسبة لإخوتي الطلبة فمن المهم جدا أن يعلموا قيمة الهدف الذين يسعون إليه, وفضل طلب العلم, وأنه يحتاج إلى إخلاص وتقوى, وجد ومثابرة, ولا شك أنهم مطلعون على ما ورد عن النبي(صلوات الله عليه وعلى آله) في فضل العلم وطلابه. وإليكم مقتطفات مما ورد عن الإمام علي(عليه السلام):

* إذا رُمْتُم الانتفاع بالعـــــــلم فاعملوا به، وأَكْثرُوا الفِكْرَ في مَعَانِيه تَعِهِ القُلُوبُ.

* إنما زَهَّدَ الناسَ في طلب العلم كثرةُ مَا يَروْنَ مِنْ قِلَّةِ عَمَلِ مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ.

* مَنْ أَكْثَرَ الفِكْرَ فيما تَعَلَّمَ أَتْقَنَ عِلْمَه، وَتَفَهَّمَ مَا لَم يَكُنْ يَفْهَم.

* مَنْ أكْثَرَ مُدَارَسَةَ العلم لم ينس مَا عَلِمَ، واستفَادَ ما لم يَعْلَم.

* حَرامٌ على كلِّ عَقْلٍ مَغْلُولٍ بالشهوةِ أن ينتفعَ بالحكمة.

* سَمْــعُ الآذانِ لا ينـــفــع مع غَــفْلــَةِ القـــــلبِ.

  كما أن من المهم أن يقرؤوا بتمعن ملزمة (مسؤولية طلاب العلم) وبقية ملازم الشهيد القائد (رضوان الله عليه) تلك الدروس والمحاضرات التي أوجدت هذه الأمة المجاهدة والتي تواجه اليوم أعتى عدوان تعرض له اليمن الميمون.  

ومن كلمات الشهيد القائد ونصائحه لطلاب العلم نورد نماذج لما جاء في محاضراته, حيث يقول: (في الحديث ((إن الملائكة تفرش أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)) راضية بما يصنع؛ لأنه يمشي على طريق الفلاح، يمشي على طريق الله التي تبني ولا تهدم، وتوحد وتجمع ولا تفرق. والشياطين ماذا تريد؟. أليست تريد أن نفرق؟ فمن يقدم كلمة تفرق الناس داخل المسجد فوق المنبر, أو في حلقة درس, أو داخل مركز, أو داخل مدرسة, فلا ينتظر الملائكة لتفرش له أجنحتها, بل ستفرش له الشياطين أجنحتها.!!)

ويضيف: (افهم إذا كنت طالب علم ما هو العلم الذي تطلبه؟ علم من؟ ما هي غاياته؟ وعندما تصبح إنساناً يحمل علماً أن تكون فاهماً ما هي مسؤوليتك؟ ما هو دورك في الحياة؟ إذا لم ينطلق الإنسان على هذا الأساس فلن يكون أكثر من إضافة رقم ضعيف إلى أرقام ضعيفة تملأ الساحة ولا تصنع شيئاً)

ويقول أيضا: (أنت عندما تكون طالب علم وأنت لا يهمك, أولا يؤلمك أن ترى المفسدين في الأرض يتحركون، أن ترى الإسلام يُحارَب، أن ترى المسلمين يُحاربون, هل يصح أن يقال لي طالب علم؟. هل يصح أن أحصل على ذرة من التقدير والاحترام وأنا أحمل علماً؟.. إذا كنت تحمل علماً فإن هذا من بديهيات المسؤوليات على طالب العلم، وعلى من يحمل علماً أن يهتم بأمر الدين الذي يتعلمه والذي يحمله)


المحور الثاني

كيف يمكن مواجهة الحرب الناعمة وتحصين الشباب من الانحراف والاستقطاب للتيارات والحركات المنحرفة عن الدين أو المشوهة للدين؟

الحرب الناعمة تكمن خطورتها في أن القليل هم من يدركونها ويتنبهون لها ويعملون على مواجهتها.

إن مواجهة هذه الحرب يعتمد على معرفتها ومعرفة أدواتها واستيعابها بشكل كامل ومتقن إذ أن أي معالجة أو حلول لا تستند في دراستها لأدوات هذه الحرب إلى العمق الثقافي والروحي والاجتماعي لن تكون إلا بمثابة صب للزيت على النار وسيزيد من اشتعال الظاهرة وتحفيزها وتعميمها وتعميقها.

وينبغي أن تكون الإجراءات في مستوى أن تزهق الباطل وتدمغه, وأن تكون ضمن حزمة متكاملة وشاملة لكل الجوانب, إذ أن التركيز على بعض الجوانب وإغفال البعض الآخر أو التركيز على الحدث وعدم البحث عن أسبابه ومسبباته غير مجد وهو عاجز عن إزهاقها.

إن الحرب الناعمة تركز بشكل كبير على إيقاف المصلحين عن تأثيرهم وتأطيرهم وحصرهم وإبعاد الناس عنهم بشتى الوسائل والأساليب وهي كثيرة, وتشمل مجالات الحرب الناعمة المجال الأخلاقي, والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي.. إلخ 

ولكن الاستهداف الأخلاقي هو ما تعتمد الحرب الناعمة, ويعد البوابة الأوسع والأشمل والأولى في مسيرة السقوط والتجنيد والعمل لمصلحة أعداء الإسلام .

الأسباب المساعدة:

وإذا راجعنا واقعنا نجد أن لها أسبابا داخلية تساعد العدو في تنفيذ أجندته, ومنها:

الثقافة الموجودة عن المرأة التي تعتبرها جسدا مجردا للشهوة والخدمة وحسب وتحتقرها وترسخ هذا الشعور لديها, وبالتالي عدم تقديرها وعدم الاهتمام بتربيتها وتثقيفها.
العادات والتقاليد التي لا تنسجم مع الثقافة القرآنية مثل الاختلاط والأسواق العامة والخروج والدخول بدون ضوابط ولا سؤال, والحرية المطلقة للأولاد والنساء في كل شيء والاتكال على الآخرين في تثقيف وبناء النشء وتربيتهم. وتعمل وسائل الإعلام ومحلات الأنترنت والمناهج الدراسية والجامعات دورا سلبيا في ترسيخ ثقافة الاختلاط وتهوين الجريمة وكسر حواجز الحياء وتهيئة الأجواء وإيجاد المبررات للوقوع في المحظور.
عدم معالجة الظواهر الاجتماعية مثل غلاء المهور والمبالغة في تكاليف الزواج وزيادة الأعباء على الزوج ، والعنوسة، وارتفاع حالات الطلاق وانعدام الاستقرار الأسري والعاطفي بين الزوجين.
حالة البطالة والفراغ وانعدام التوجيه الإرشادي في المناهج الدراسية والتوعية المجتمعية وانعدام الإعلام الواعي المؤثر.
وجود وسائل الاتصالات والتواصل كالتلفونات الحديثة مع عدم وجود ضوابط ولا توعية ولا رقابة.

المحفزات الخارجية والمثيرات التي يروج لها من خلال الإعلام والتثقيف الموجه بأكثر من وسيلة من الإعلانات التجارية والملابس والمواد الاستهلاكية والقنوات والمجلات والصحف والكتابات والإذاعات.

إنهم يعتمدون على الواقع والإمكانيات والقدرات والرغبات الموجودة لدى الإنسان وتفعيلها وإثارتها بطريقة سلبية تؤدي إلى الوقوع في المحظور بعدة طرق ووسائل وأساليب,

كما تعتبر المنظمات والمعاهد الأجنبية أهم ناقل ومجسد للثقافة الغربية التي تدعو للانحلال من خلال اعتماد قوانين وأنظمة تسهل الانحراف وتشرعنه, مثلا ضرورة التنوع: رجلين وامرأة مثلا أو امرأتين ورجل والمحادثات الثنائية والمجموعات, وهكذا نشر الأخبار عن جرائم الاغتصاب وقصص الغرام وقصص الحب وكيف تتم, وتشجيعها بصورة غير مباشرة من خلال تخصيص مواقع وصفحات في بعض الصحف والمجلات تحت عناوين مختلفة (العنف الجنسي، جرائم الشرف، من ملفات الأمن) يكون القصد منها إشهارها وترويض الناس على سماعها حتى يعتادونها وتصبح شيئا طبيعيا.

كما أن هناك مؤثرات صناعية آنية وسريعة لإذكاء الرغبة واستثارتها؛ مثل المخدرات والمنشطات الجنسية بطرق ووسائل مختلفة لا يتسع المجال لذكرها.

إن الانحراف الأول هو المحطة الأولى في مسيرة السقوط التي يمكن أن تستمر إلى النهاية, ومن الأماكن التي تعتبر مصدرا لجمع المعلومات واستهداف الضحايا: المدارس من خلال تجنيد المديرة والنائبة, وكذا الجامعات والمعاهد والمطاعم والمولات ومحلات الإنترنت والحدائق وصالات الأعراس ولكل منها أسلوب وطريقة ووسائل لا يسع المقام لذكر تفاصيلها.

ومن خلال ما تقدم نعرف كيف نواجه هذه الحرب القذرة الخطرة وما هي الوسائل والأساليب لمواجهتها.


ما هي العوامل التي يمكن أن تصنع جيلا واعيا ومحصنا من الاختراق والانحراف أو الذوبان أمام الغزو الفكري؟

 لا أجد وسيلة فاعلة حقا لتحصين الجيل من تلك التيارات سوى التثقف بثقافة القرآن الكريم, والتولي الصادق والواعي لأعلام الهدى وإخلاص المودة لأهل البيت (صلوات الله عليهم) وهذا ما يؤكده حديث الثقلين ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) وكذا حديث السفينة ((أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) وغيرهما من النصوص النبوية التي لا مجال للتشكيك فيها وفي دلالتها, ويخطئ من يعتقد أنه ومع تطور الزمن واختلاف العصر لم يعد هناك جدوى لكذا حلول, لأن هذه ضمانة للأمة أولها وآخرها جاءت ممن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى, وهو القائل أيضا ((لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به آخرها)) كما أن التاريخ والواقع اليوم يشهد بما قلنا, وما سر صمود الشعب اليمني أمام أعتى عدوان على مر التاريخ إلا انطلاقته وفق الثقافة القرآنية وتمسكه بالثقلين وهذا بهر العالم وحير كل الخبراء والمحللين والسياسيين كما لا يخفى على أحد.    


ما ذا تعني لكم الهوية الزيدية وهل هناك مخاطر تهدد هذه الهوية على المستوى الداخلي وكيف يمكن مواجهة هذه المخاطر إن وجدت؟

 هويتنا الزيدية لا تعني محرد الانتماء المذهبي كما قد يتبادر لأذهان الكثير من خلال التسمية, بل هي تعني الأسس والمبادئ الإسلامية التي تتلخص في: (العدل والتوحيد, وتقديم الإمام علي (عليه السلام) في الإمامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على الظالم ) فمن سار على هذا المنهج فهو زيدي حتى لو لم يقلد الإمام زيدا في كل مسألة, فالتسمية حركية وليست مذهبية مثل تسمية الشافعي أو الحنفي.

وبسبب عقيدة الزيدية بوجوب الخروج على الظالم الطاغي تعرضت للاستهداف عبر التاريخ وبشتى الوسائل والطرق, والتاريخ ملئ بالوقائع والمآسي والظلم الذي تعرض له حملة هذا الفكر التحرري, وإن من أخطر ما تعرض له الفكر الزيدي هو المد الوهابي التكفيري الذي سعى ولا يزال يسعى -وبوتيرة عالية وعلى مدى عقود من الزمن- لمسخ الهوية الزيدية ومحوها من الوجود, وفي العقود الماضية قطع شوطا في هذا المضمار, ومع طول الفترة استطاع أن يمد جذوره البغيضة بسبب عوامل كثيرة ساعدته على ذلك لا مجال لذكرها هنا, ولا تزال مخاطره اليوم تهدد هويتنا وبشكل كبير, وما هذا العدوان على اليمن إلا واحد من وسائلهم الرهيبة لمسخ الهوية, ومحاولة إعادة تمكين مؤسساتهم الدينية وغيرها من الهيمنة والاستمرار في تضليل الشعب اليمني ومسخ هويته الدينية القائمة على نهج أهل البيت (صلوات الله عليهم).

ومن هنا فإن الواجب على العلماء والمثقفين اليوم مواجهة هذا الخطر بجد كبير وهمة عالية, حيث لا تزال شبههم وأفكارهم عالقة في عقول الكثير من الناس, ولا تزال شبههم في المناهج الدراسية التي أسسوها وجمعوها هم, ولا تزال معظم المساجد والمنابر تئن تحت وطأة تضليلهم وأفكارهم المسمومة, وهذا ما يستدعي وقفة جادة من الجميع فالكل يعرف مخرجات هذا الفكر الضال المضل والذي تعاني منه الأمة اليوم على طول البلاد الإسلامية وعرضها.   


ما هي الجنايات التي ارتكبتها الوهابية بحق الهوية الزيدية والشافعية في اليمن وكيف استطاع الوهابيون توجيه ضربات شبه قاتلة للهويتين, ولماذا كان التوجه لطمسهما؟

 أكبر جناية هي المسخ للعقيدة الصحيحة, وتمييع الفكر الصحيح الذي يشكل ضمانة للأمة من الضلال ما إن تمسكت به كما وضحه حديث الثقلين, وبمعنى أوضح: صرفوا الناس عن القرآن الكريم, أي الهدى الذي تضمنه وتوجهوا إلى حالة تهتم فقط بمجرد الحفظ وبأحكام التجويد والإغفال المتعمد للتدبر الذي هو الهدف من إنزال القرآن الكريم, كما وجهوا بوصلة الاهتمام إلى الأحاديث التي رووها مما يخدم شبههم وأفكارهم المقيتة.  وإضافة إلى ذلك سعوا لفصل الناس عن الثقل الأصغر: أهل البيت (عليهم السلام) وافتعلوا رموزا وقدوات مزيفة, وأضفوا عليها هالة من القداسة والعظمة وربطوا الناس بهم, بينما قاموا بأكبر عملية تشويه وافتراء ضد رموز الأمة الحقيقيين سواء كانوا من الأولين أم من المعاصرين, وسواء كانوا من الزيدية أو من الشافعية الذين تربطهم بالزيدية قواسم مشتركة وثيقة وأساسية.

وقد ساعدهم على توجيه تلك الضربات القوية ضد الهويتين عوامل عدة, من أهمها غفلة معظم علماء الزيدية والشافعية, وعدم استشعار الخطر. كذلك احتضان السلطة في اليمن حينها لهذا الفكر الذي أسسه الاستعمار, وتمكينهم من مفاصل الدولة ومؤسساتها المهمة حتى أصبحوا هم المسيرين للحكم إلى حد استخدام الجيش والقوة العسكرية للبلاد لضرب الزيدية من خلال الحروب الست المعروفة, وهذا كان عاملا مهما في وصولهم إلى ما وصلوا إليه في اليمن. 

إن نشر الوهابية في اليمن والتوجه لطمس هوية أتباع أهل البيت (عليهم السلام) زيدية كانوا أم شافعية هو مخطط استعماري, رسمه وخطط له الصهاينة والأمريكيون, لأن غاية ما يرمي إليه الفكر الوهابي هو خدمة الاستعمار في تدجين الأمة ومن ثم ترويضها لتقبل المستعمر من خلال ضرب قدراتها ومقدراتها المادية والمعنوية. والخوض في تفاصيل هذا الموضوع يحتاج للتطويل, غير أن الواقع يشهد بذلك, فما نشاهده اليوم في الجنوب من احتلال مباشر, واستهداف لكبار العلماء دليل على ما قلنا.  


لماذا جعل التيار الديني الإخواني من نفسه خصما لا منافسا شريفا للزيدية عموما ولأنصار الله خصوصا؟

 ما يسمى بالتيار الإخواني في اليمن لم يعد كذلك فقد صار- ومنذ زمن طويل- تياراً وهابياً تكفيرياً خالصاً وهذا معروف مسلم به لدى الجميع, وبسبب عقيدته الوهابية - والتي تعني بالطبع الارتهان للنظام السعودي عقيدة وسياسة - فقد انطلق هذا التيار تلقائيا في الخصومة مع الزيدية عموما تنفيذا لسياسة النظام السعودي في استهداف الهوية الزيدية, وبالتالي مع أنصار الله باعتبارهم الحامية للفكر الزيدي, والمنافس الأبرز على المسرح السياسي والديني في الساحة اليمنية, ولمعرفتنا بتوجههم لم نفاجأ بموقفهم السلبي.

وبما أنهم دخلاء على اليمن بفكرهم وسياستهم وتوجههم العام فإنهم يعرفون بطبيعة الحال أنه لا مجال للمنافسة مع من هم امتداد للعقيدة الإسلامية الصحيحة والهوية الدينية والحضارية الأصيلة الممتدة عبر القرون للشعب اليمني الذي لفظهم لأول وهلة منذ أشرقت شمس ثورة 21 من سبتمبر, فلمعرفتهم بواقعهم هذا تميز نهجهم في التعامل مع الآخرين بالإقصاء أوالاحتواء منذ البداية إن على المستوى الفكري الثقافي أو على المستوى السياسي, ففي الجانب الديني لا يخفى على أحد سعيهم الجاد وعلى مدى عقود من الزمن لطمس الهوية الزيدية والشافعية كما أسلفنا, وعلى المستوى السياسي يعرف الجميع ذلك, ومؤتمر الحوار الوطني وما تمخض عنه يعتبر آخر شاهد على سلوكهم الاقصائي البغيض.        


الوهابيون والإخوانيون يرمونكم برفع الشعارات والعناوين الطائفية والمناطقية ويدعون بأنكم السبب في تخلف اليمن وإشعال الفتن.. ما تعليقكم؟

 هذه دعوى زائفة, وأجدني متبرعا بالحديث عن هذا الموضوع كون الواقع يتكلم وينطق بالحقيقة, وبإلقاء نظرة سريعة على كتاباتهم وإعلامهم بوسائله المختلفة تتجلى الحقيقة لمن لا يفهم لغة الواقع, ولا أدل على طائفيتهم ومناطقيتهم من قولهم إن الهاشميين في اليمن إيرانيون وأن عليهم مغادرة اليمن والعودة إلى بلادهم الأصلية إيران! فضلا عن شعارهم المعروف الذي تضج به كتاباتهم وإعلامهم بأننا رافضة وغير ذلك من الألقاب المسيئة. أما نحن فليس لنا شعار سوى الشعار المعروف (الله أكبر , الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, اللعنة على اليهود, النصر للإسلام) فإذا كانوا يرون أنه يعنيهم هم فتلك مصيبة كبرى, وإن كان من منطلق الدفاع عن أمريكا وإسرائيل فتلك مصيبة أيضاً.

أما عن مسألة تخلف اليمن وإشعال الفتن فالكل يعرف من الذي حكم اليمن طوال العقود الماضية وأنهم كانوا الشريك الأبرز المهيمن على القرار والمتحكم في السياسة والسيادة, أما نحن فلم نكن سوى ضحية لسياساتهم كسائر الشعب اليمني, وقد لاحقونا تحت كل حجر ومدر,  كما لا يخفى على أحد. ولنتساءل: من الذي أسس ومول وأدار المدارس والمعاهد التي أنتجت الآلاف من الدواعش التكفيريين الذي امتلأت بهم اليمن وصدر الفائض إلى خارج اليمن, فزرعوا الحروب والفتن أينما حلوا وحيثما ارتحلوا؟ من الذي ملأ البلاد بالمعسكرات ومخازن السلاح ليس لمواجهة عدو خارجي وإنما للعدوان على أبناء الشعب اليمني؟ أما بعد العدوان القائم اليوم فالكل يأسى للحال الذي وصلوا إليه من الفضيحة والعار بعد  مشاركتهم الفاعلة فيما يتعرض له الشعب اليمني من مآس لا مثيل لها في العالم أجمع. 


ما نصيحتكم للعقلاء –قيادة وقاعدة- في هذا التيار إن كان ثمة من سيتعامل مع نصيحتكم بعقلانية ورشد؟

 أنصحهم بالعودة إلى رشدهم, خصوصا وقد تكشفت لهم الحقائق أكثر, وظهرت لهم نوايا العدوان وأنه لا يريد لهم ولا للبلد أي خير, ومن خلال تعامله معهم التعامل المذل والمخزي بانت لهم الحقيقة أكثر, وأنه لا يمكن المراهنة عليه, وإنما يستفيد منهم الآن لتنفيذ مآربه وسوف يستغني عنهم قريبا, فكرتهم قد احترق ووعدهم قد اقترب, فلا مناص من الاعتراف بالخطأ وتصحيحه ومن ثم: الوطن يتسع للجميع.


ما توضيحكم لمن يزعم أن والدكم البدر وأنتم كذلك انتقلتم من الزيدية إلى الجعفرية بدليل هجرة أو سفر الوالد إلى إيران فكيف ولماذا ذهب إلى إيران؟

  هذا مجرد كيد واضح لأن لكل مذهب أصولاً و قواعد تميزه عن المذاهب الأخرى، ومن لم ينطلق من تلك الأصول والقواعد فليس تابعاً لذلك المذهب، وإن كان هناك قواسم مشتركة بيننا وبين (الاثني عشرية) فهي موجودة كذلك بيننا وبين بقية المذاهب. فالذي يرى أننا اثنا عشرية بمجرد سفر الوالد إلى هناك, أو لإقامتنا لعيد الغدير، أو ذكرى عاشوراء أو نحو هذا.. فهو جاهل ومغفل, أو مفتر مضلِّل من العبث النقاش معه.

ومن أراد معرفة حقيقة ذلك فليراجع كتب الوالد (رحمة الله عليه) وهي نحو(40) مؤلفاً وأهمها كتاب (تحرير الأفكار) وكتاب (الغارة السريعة) وكذا كتاب (الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز) وكتيب (من هم الرافضة) وغير ذلك، وله أيضاً كتاب (التيسير في تفسير القرآن الكريم) وكلها مطبوعة منشورة.

أما من يشخصنا ويتعرف علينا من خلال مقال لكاتب أو محلل أو فتوى من عالم هنا أو هناك فهذا عدول عن الإنصاف. فلهذا الحقيقة جلية لمن يحب معرفة الحقيقة من الأحرار والمنصفين.

هذا وقد كان سفر الوالد إلى إيران ناتج عن الضغوط والملاحقة من قبل السلطة الظالمة, وقد جرت عدة محاولات لاغتياله أشرنا إليها في الفلم الوثائقي (بدر الهدى).


نجد للوالد نقدا بناء وتقييما علميا لمسألة التوسل عند إخواننا الاثنا عشرية, وكذا ردودا كثيرة على دعاوى الوهابية حيال الموضوع.. كيف تقرؤون ذلك وما نصيحتكم لمن يقع في التوسل غير المشروع بأهل البيت من الاثني عشرية وغيرها؟

 قد وضح رضوان الله عليه مسألة التوسل في العديد من المؤلفات, وأجاب فيها على الوهابية المبالغين في ذم التوسل, وخصوصا في كتاب(الإيجاز) و(تحرير الأفكار). وفي تفسيره  ناقش الموضوع, كما نعى على الإمامية وجود مظاهر التوسل الممقوت في بلادهم, ويمكن استخلاص رؤيته في التوسل في قوله في التفسير: «..ليس المراد أن التوسل بالأنبياء مذموم مطلقاً ولكن توسُّل من يَعتقد لمن توسل به وجاهة عند الله معناها المشاركة لله تعالى في الملك، فأما من لا يرى للمتوسَّل به نفوذاً في ملك الله يخوّله أن يتدخل بين الله وعباده ويكون [أي يحصل] ما تدخل له, بل هو بريء من ذلك، فلا بأس إذا كان للتوسل معنى يسوغه، كما قدمت في تفسير:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾[البقرة:186]».

وفيه أيضا حول التوسل بأهل البيت(عليهم السلام) يقول: «نَعم التوسل إلى الله بحبهم واتباعهم فيما هو صحيح عنهم لا إشكال فيه، إنما الإشكال في اتخاذ وسيلة لم يثبت أنها وسيلة بنفسها؛ لأن الآية الكريمة لا تدل على ذلك كما أفاده كلام (صاحب الميزان) وهو المحقِّق في تفسيرها...إلخ». وأنصح بالتأمل لبحوث الوالد حول هذا الموضوع لما يشكله الخطأ فيه من خلل في عقيدة المتوسل, إضافة إلى اتخاذه ذريعة لتكفير شيعة أهل البيت من قبل الوهابية التي تترصد مثل هذه الأخطاء للتشنيع على عامة الشيعة.


ما هي القواسم الدينية المشتركة بين المسلمين الشيعة والسنة عموما وبين الزيدية والاثني عشرية خصوصا؟

القواسم المشتركة كثيرة لا يمكن إحصاؤها في هذه العجالة, ويكفي أن الإله واحد, والنبي واحد, والقرآن واحد, والقبلة واحدة, كما أن عدوهم كذلك واحد, والمظلومية واحدة, وحتى في المسائل الفقهية الخلاف في جوانب محدودة, وأعتقد أن العامل الأهم الذي فرق الأمة اليوم أكثر هو عامل السياسية, وهو الذي استطاع أعداء الأمة من الأمريكيين والصهاينة النفوذ من خلاله لتكريس الخلاف بين المسلمين, وإلا فإن المظلومية وحدها التي تعاني منها الأمة سنة وشيعة من قبل دول الاستكبار كفيلة بجعلهم يتجاوزون الخلافات المذهبية والاصطفاف ضد أعدائهم. وإن النموذج القائم اليوم في اليمن من اتحاد الزيود والشوافع والكثير من السلفيين وغيرهم وتوحدهم في مواجهة العدوان الظالم بكل جد وإخلاص لهو نموذج يحتذى ويدلل على ما قلنا من أن المظلومية يمكن أن تكون من أهم القواسم المشتركة الدافعة للتوحد, وهي اليوم تفرض نفسها بقوة على واقع الأمة, سواء السنة والشيعة عموما أو الزيدية والاثني عشرية على الخصوص. 


 ما هي مميزات التشيع الزيدي عن غيره؟

  مميزاته الاعتدال دون إفراط أو تفريط, لكن في الوقت الراهن يبدو- من وجهة نظري- أن هناك نسبة من التفريط من قبل أغلب العلماء والمثقفين في مسألة الحديث عن أهل البيت, وربط الأمة بهم, والحديث عن تاريخهم, وترسيخ الولاء الصحيح في القلوب, مما جعل أبناء الزيدية وخصوصا العامة عرضة للانحراف عن المبدأ وتخطفتهم الأيادي من كل اتجاه, وبإلقاء نظرة على المناهج التي تدرس في المساجد والمراكز العلمية الزيدية وكذا المواضيع الخطابية في الجُمَع والمناسبات وغير ذلك يدلل على ما قلنا, دع عنك المناهج الرسمية من الابتدائية إلى نهاية المراحل الجامعية, وهذا ما يستدعي إعادة النظر حتى لا نضيع وصية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فلقد وصل الحال إلى أن بعض الشباب والطلاب لا يعرف عن الإمام علي والإمام زيد إلا الاسم دع عنك بقية أئمة أهل البيت وأعلام الهدى! وهذا لكون التمسك بهم أمانا من الضلال وحصانة من الانحراف.

ما هي  الرسائل التطمينية – على المستوى الفكري – التي يمكن أن يقدمها علماء الشيعة وعلماء السنة على حد سواء للحد من توتير الأجواء الفكرية وفتح معالجات حقيقية للقضاء على الحساسيات وسوء الظنون فيما بين التيارين؟

هناك رسالة للوالد (رحمة الله عليه) يحسن مراجعتها, قدمها في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي أقيم في طهران, وضح فيها رؤيته في التقريب بين المذاهب, وبيّن القواسم المشتركة وسبب نبذها, كما أورد نموذجا لكيفية الجمع بين الأقوال المختلفة, وهي مطبوعة ضمن المجموع  المسمى (مجموع البحوث السديدة والأجوبة المفيدة) وهي رؤية رائعة ومنصفة من رجل يعتبر أكثر العلماء حرصا على وحدة الأمة وتقاربها وتفاهمها ونبذ كل ما يؤدي للتفرق والاختلاف, وكتابه (التحذير من الفرقة) يشهد بذلك. وفي مؤتمرات التقريب تنزل رسائل مهمة من قبل علماء واعين جادين في السعي لوحدة الأمة.


المحور السياسي:

ما هي الأسباب الحقيقية للحروب الست على صعدة؟ وما هي الأسباب الحقيقية لانتصار القضية والمشروع الذي حمل رايته السيد حسين؟.

كان الهدف الأبرز هو وأد المشروع القرآني الذي طرحه السيد حسين بدر الدين (رضوان الله عليه) في محاضراته وفضح فيه السياسة الأمريكية، لأن أمريكا تفهم قيمة ذلك الطرح وأنه ما يتطلع إليه المجتمع الإسلامي، وكل الأحرار في العالم، الذين يطمحون للانعتاق من مخالب الاستعمار، والتحرر من الهيمنة الأمريكية والصهيونية، كما أنهم يعرفون مدى مصداقية وصحة ذلك الطرح كونه مستمدا من هدي القرآن الكريم، الذي حذر كثيراً من اليهود والنصارى، وبين خطرهم على أمة الإسلام.

 ونتيجة لذلك أوعز الأمريكيون للسلطة في اليمن بضرورة شن الحرب, فهي كانت حروبا بالوكالة تنفيذاً لأجندة أمريكية ضمن مخطط يسعى لإشعال الفتن والحروب، أو ما يسمى (الفوضى الخلاقة) في المنطقة، كما أنها كذلك جاءت تنفيذاً لتوجيهات سعودية كأداة داعمة ومنفذة للتوجهات الأمريكية, حتى تورطت السعودية في الحرب السادسة بشكل مباشر.

أضف إلى ذلك أن النظام في اليمن آن ذاك قد صار نظاما متهالكاً، يسعى للاستمرار والتماسك من خلال السعي لتنفيذ رغبة الإدارة الأمريكية, وعملائها من بعض دول الجوار الطامحة لتمزيق اليمن لضمه إلى قائمة الدول الفاشلة المنهارة.

أما أسباب انتصار المشروع فتكمن في كونه مشروعا قرآنياً, استمد كل عوامل القوة والنهوض والاستمرار من القرآن الكريم, ومن خلال ذلك صنع رجالا يملكون ثقة كبيرة بالله تعالى وتصديقا بوعده بالنصر للمؤمنين, ومع هذا وجود القيادة الحكيمة الملتزمة ذات المؤهلات الإيمانية والسياسية والحريصة على الأمة وتحريرها من الظلم والاضطهاد, وبذلك اكتملت الركائز الأساسية للمشروع المتمثلة في (المنهج – القيادة – الأمة) وهذه أهم العوامل لانتصار المشروع القرآني والتي هي كفيلة بانتصار أي أمة وفي أي زمان ومكان, وكل ذلك مفصل في ملازم الشهيد القائد (رضوان الله عليه) وفي كلمات ومحاضرات السيد عبد الملك (حفظه الله).


لماذا يسعى البعض لشيطنة إيران وتصويرها بأنها هي من تمثل الخطر الوجودي على العرب والإسلام؟

سعيهم هذا هو الشيطنة بذاتها كما تحدث القرآن الكريم عن شياطين الجن والإنس: ﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ فهذا من زخرف القول وكيد الشيطان, لكن الأدهى والأمر والعجيب والغريب أن يتقبل العرب مثل هذه الدعاية, وتنطلي عليهم هذه المؤامرة, وفي مثل هذا الواقع وهذه المرحلة التي تجلت فيها أهداف الاستكبار ومآربه أكثر من أي وقت مضى!! ما الذي حصل ضدهم من قبل الجمهورية الإسلامية على مدى العقود الماضية؟ ما هي المؤشرات التي تدل على أن لديها نوايا لاستهداف أي دولة عربية؟ أليست إيران هي من ترسل الرسائل تلو الرسائل لطمأنة الدول العربية ويدها ممتدة للسلام معهم منذ البداية؟ والكل يعلم أنها أكبر داعم لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان  ضد عدو الأمة العربية والإسلامية.

كما أن من لديه ذرة من الوعي يدرك الهدف من هذه الدعاية, وأنها مجرد وسيلة لصرف أنظار المسلمين عن العدو الذي يشكل الخطر الحقيقي على الأمة المتمثل بأمريكا وإسرائيل, وصنع عدو وهمي للأمة هو إيران, ويدفعون العرب لإعداد العدة لهذا العدو الوهمي ويستحوذون على أموالهم من خلال بيع مختلف الأسلحة وبمليارات الدولارات, ويبنون القواعد العسكرية الضخمة في البلاد العربية, دع عنك ما يحصل من ابتزاز لمليارات الدولارات مقابل حمايتهم لتلك الأنظمة من الخطر القادم من إيران حسب زعمهم, إلى غير ذلك من الفوائد التي يجنونها من وراء هذه الدعاية الكاذبة التي قابلها غباء عربي وسذاجة لا مثيل لها ربما في تاريخ الإنسانية كلها.  


 ما هي الأسباب – من وجهة نظركم – التي تجعل الكثير من الدول العربية لا سيما الخليجية تهرول لفتح علاقة ودية وصداقات تاريخية وتحالفات طويلة الأمد مع أمريكا وإسرائيل ولا تفكر أو ترغب في فتح علاقات ودية وأخوية مع دولة إسلامية كإيران والعراق واليمن؟

السبب واضح يكشفه القرآن الكريم, وهو (مرض  القلوب) وهو ناتج عن ضلال بعيد, وظلم وإجرام كبير, وجناية على الإسلام والأمة, جعلهم يصلون إلى هذا المستوى من الخذلان والتيه والغباء, يقول الله تعالى فيهم وفي أمثالهم من السابقين: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ ثم بين النتيجة الحتمية: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ وكم حذر القرآن الكريم من تولي اليهود والنصارى وأن من يتولاهم يصبح منهم, لكن الواضح أن تلك الأنظمة قد انسلخت عن الهوية الإسلامية ولم يعد لها صلة بالله تعالى ولا بكتابه الكريم الذي تصدع آياته بخطر وشدة عداوة أولئك الذين تتولاهم أغلب الأنظمة العربية اليوم, وبهذا نجزم بأن وعد الله بزوالهم وخزيهم لا بد أن يتحقق عما قريب, لأن فسادهم وطغيانهم قد كثر وعم العالم بأسره, فما بقي إلا أن يصب الله عليهم سوط عذاب, إلا أن الله لن ينزل ملائكة من السماء لتقوم بالمهمة نيابة عنا, بل لا بد من جهد بشري وتحمل للمسؤولية في اجتثاث هذه الأنظمة من الوجود, والمطلوب هو أن نخطو الخطوة الأولى بثبات وعزيمة وصدق وعندها سيتدخل الله تعالى, وهذه سنته في الحياة: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾،  ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ..﴾. 


ما هي رسالتكم للعلماء والخطباء خاصة والشعب اليمني بكل أطيافه وشرائحه بعد مرور ثلاث سنوات من العدوان؟

لا مزيد على ما أكد عليه السيد القائد(حفظه الله) في كل خطاباته, ولكن للتأكيد أقول: إن علينا جميعاً أن ننصت لتلك التوجيهات وأن نعطيها حقها من الاهتمام, فهي نابعة من قلب صادق يحمل هم الأمة ويأسى لهذا الواقع الأليم, وليس هناك ما يعول عليه إلا استجابة الناس وتفاعلهم العملي مع تلك التوجيهات التي يطلقها بحرارة شديدة, فلنكن عند حسن ظنه ومستوى المسؤولية التي حمل الله العلماء خصوصا وكل مسلم عموما في الوقوف بوجه الغزاة والمعتدين.

والواقع أن هناك جهود مشكورة من الكثير من العلماء والخطباء وسائر أبناء الشعب اليمني؛ فقط المرحلة تستدعي مضاعفة الجهود والتصعيد الموازي لتصعيد العدوان, كما أشار إليه السيد القائد.

لقد اجتمعت كل العوامل التي تدفع نحو التضحية والاستبسال, فالإمام علي (عليه السلام)  «لا يصبر على الحرَب ويصدق في اللقاء إلا ثلاثة: مستبصر في دين, أو غيران على حرمة, أو ممتعض من ذل» بمعنى أن واحدة من هذه الخصال الثلاث تكفي لخوض غمار المواجهة مع العدو والصبر على الويل والهلاك, فما بالنا حينما تجتمع كلها!.   


  القضية الفلسطينية:

كيف تنظر إلى دعوة من يدعو إلى التعايش السلمي والتقارب الإنساني بين الصهاينة الغاصبين والفلسطينيين المحتلة أرضهم؟

هذه دعوة شيطانية ماكرة مخادعة, متى كان الصهاينة سلميين أو إنسانيين حتى يتصور التعايش والتقارب معهم؟ كيف يمكن التقارب مع من قال الله فيهم ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُو﴾،  ﴿.. وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ ﴾ ، ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تنص على شدة عداوتهم للمسلمين, مع أنه لو لم يرد فيهم أي شيء في القرآن الكريم لكان واقعهم عبر التاريخ وإلى اليوم كافياً لمعرفة خبثهم وحقدهم واليأس من إمكانية التقارب أو التعايش معهم.

أما من يحلمون بما يسمى (حل الدولتين) فهذا وهْمٌ كبير وتفكير ساذج لما ذكرنا, ولأن  اليهود هم أصحاب السلطة والاحتلال والمهيمنة على الأرض هناك؛ فمن غير المعقول أن يتحقق هذا الحل المزعوم, بحكم طبيعة اليهود وعنصريتهم المقيتة وسعيهم للاستحواذ والتملك والسيطرة ليس على فلسطين فحسب بل على المنطقة والعالم أجمع, فكيف يطمع الفلسطينيون في أن تفسح إسرائيل لهم المجال لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة بجوار كيانهم الغاصب؟! إن الله تعالى يقول عن اليهود ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً ﴾ إذا كان لهم نصيب فقط من الملك فكيف إذا كان الملك والهيمنة كلها لهم؟! إذاً لا يؤتون الناس نقيرا, فهل نطمع أن يؤتوا الفلسطينيين حرية وأمنا وسلاما وحسن جوار؟ إن من يبخل بالنقير لا يمكن أن يسمح بدولة مسلمة ذات سيادة تقوم بجواره.  


 ما هو الموقف الذي يجب أن يصدع به العلماء والخطباء والأحرار أمام دعوات التطبيع وتمرير ما يسمى بصفقة القرن؟

إزاء مثل هذه القضية لا بد من تحمل المسؤولية الكاملة ومضاعفة الجهود في تعبئة الأمة التعبئة الجهادية, وإحياء رحية التصدي والتحدي في ضمير الأمة, لمواجهة تلك الدعوات المذلة المهينة والتي لم تكن لتصدر لولا اطمئنانهم بأن الأمة أصبحت فاقدة لتلك الروحية, وأنها لا زالت تغط في سباتها العميق, ولكن ما لا يدركه الأعداء هو أن جذور الخير لا زالت ضاربة في أعماق الأمة, وأن شجرة العزة والكرامة والإباء بدأت اليوم تمتص غذاءها من منابعه الصافية, وبدأت الحياة تدب في الأغصان, ونحن على موعد مع ربيع جديد واع يورق بثورة الأحرار, ونقطف فيه ثمرة الانتصار, بقوة الله العزيز الجبار.﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور:55] صدق الله العظيم.


لما ذا تخشى الأنظمة الحاكمة وكذلك أنظمة الغرب من وجود قيادة تملك المؤهلات الإسلامية المعتبرة؟ وما مسؤولية الأمة والنخب أمام القيادة العادلة والكفؤة ؟ وما هي كلمتكم تجاه اغتيال الرئيس المجاهد صالح الصماد؟

الحقيقة أن وجود قيادة بتلك المؤهلات هي أشد ما يخشاه أعداء الإسلام, كونها تشكل محورا تلتف حوله الأمة, إذ أن ما تتطلع إليه الشعوب وتطمح إليه وتتمناه هو القيادة الكفؤة التي تطمئن إلى صدقها وإخلاصها وحكمتها لكي تنضوي تحت لوائها وتسعى لكسر الأغلال التي تكبلها, لتنطلق للتحرر من القهر والعبودية والمهانة التي ظلت تعاني منها ردحا من الزمن, في ظل الهيمنة الغربية بقيادة أمريكا والصهاينة, ولسان حالها يدعوا الله: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} يعني وليا نتولاه ونجاهد تحت لوائه وننتصر به. فأمة الإسلام تملك كل مقومات النهوض والتحرر لولى تسلط الأنظمة الحاكمة التي هي صنيعة لدول الاستكبار العالمي, فوجود القيادة الصحيحة يعني الخروج من هذه البوتقة.

أما مسؤولية الأمة والنخب بالذات أمام القيادة العادلة الكفؤة فهي العون والنصرة والنصح وصدق الولاء, والحرص على حياته, باعتباره نعمة إلهية ومنحة ربانية, يسلك بالأمة في النهج السوي, ويقودها إلى العزة والكرامة. كما أنه- من وجهة نظري- يجب أن يستوعب الناس ضرورة الحفاظ على مثل هذه القيادات, فلا يضطروها للنزول المتكرر إلى الساحة, حيث لا يستنهضم إلا هي, ولا يسمعون ويعون إلا بخطاب مباشر, فيلجئونها للمخاطرة ويعرضونها للاستهداف من خلال التنقل إلى مناطق خطرة جدا يكون استهدافها واردا بشك كبير, بل يكفي أن يكون ذلك أحيانا وفي ظروف معينة, كما أن هناك وسائل كثيرة يمكن من خلالها سماع ومشاهدة خطاباته وتوجيهاته لهم دون الحاجة للحضور المباشر, فليست المواجهة مع العدو اليوم بالسيوف والرماح ولا حتى بالبنادق فقط, بل عدو يضرب بصواريخه من فوق السحاب, ويترصد مثل هؤلاء القادة ويدفع ملايين الدولارات من أجل القضاء عليهم, فالخسارة كبيرة جدا والمرحلة خطيرة تستدعي بقاء مثل هؤلاء العظماء, وإن كانت طموحاتهم في الشهادة وهي لهم شرف كبير وسعادة, لكن للأسف نحن من نضطرهم لذلك عندما نتثاقل ولا نتحرك إلا إذا تواجدوا بين أوساطنا في كل مناسبة وفي أي ظرف مهما كانت المخاطر.

كما لا يصح أن نجعل من تواجد وتنقل هكذا قيادات إلى كل مكان معياراً لصدق التوجه, ودليلا على الكفاءة, ومقياساً للقيادة الناجحة, وإن كان هذا منقبة لهم وفخرا للشعب اليمني, إلا أنه وفي ظل هذه الظروف بالذات لا يصح أن يكون ذلك مقياسا بل إنه مما يفيد العدو بشكل كبير, وفي خسارتنا للرئيس الشهيد الصماد درس وعبرة. 

أما كلمتي في هذا المصاب الأليم استشهاد الرئيس صالح الصماد (رحمة الله عليه) فأقول ما أمر الله أن نقوله عند مثل هذه النائبة (إنا لله وإنا إليه راجعون) وهي بلا ريب فاجعة كبرى وخطب فادح جلل, وخسارة على الأمة بأسرها, لأن مثل هذه الشخصية نادرة, فالصماد كان جبلا من الصمود, وقلعة من الصبر والثبات, وكان يحظى بالتوفيق والتسديد الإلهي في كل مهامه لخدمة الأمة, وقاد السفينة بحكمة وبصيرة في خضم الأمواج المتلاطمة والرياح العاتية التي سعت وبكل الوسائل لأن تعصف بها, إلا أن الحكمة والبصيرة والثبات والإخلاص والتولي الصادق للسيد القائد وكل القيم الإيمانية والمؤهلات القيادية التي كان يتمتع بها الشهيد الصماد كانت تشكل صخرة تحطمت عليها تلك الأمواج, وسدا رفيعا, وحصنا منيعا اصطدمت به كل المؤامرات, وباءت بالفشل كل المخططات, وكل ذلك بعون الله وتوفيقه.

إن كل ما يعزينا ويواسينا بفقد هذا الرجل العظيم هو أنه قد شق الطريق ورسم المسار, ووضع النموذج الصحيح لكل من يتصدى لمهمة رئاسة البلاد من الرجال الأخيار, ومثل قدوة يقتَدى ونموذجا يحتذى في الجهاد المرير وحمل المسؤولية الكبرى. كما يعزينا أيضا أن شعبنا اليمني بحكم أصالته في الإيمان والحكمة ودعاء النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) له بالبركة هو شعب عظيم معطاء ينجب الكثير من القادة ولديه مخزون كبير من العظماء على كل المستويات, فما أن يسقط عظيم حتى يبرز مجموعة من العظماء ممن لم نكن نفكر فيهم ولا نتصور أهميتهم, وتلك هي عناية الله ورعايته, فسلام الله ورحمته ورضوانه عليه وعلى جميع الشهداء في سبيل الله, ونسأل الله أن يوفقنا للسير على خطاهم والثبات على نهجهم وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله بحق محمد وآله.