العاملون على الزكاة بـين عدالة التحصيل وظلم التوزيع

نشر بتاريخ: خميس, 31/05/2018 - 12:45ص
الكاتب: 

التشريعات الإلهية قائمة على الرحمة والعدل ومنوطة بالحكمة ومرتبطة بمصالح البشرية في عاجل دنياهم وآجل آخراهم والزكاة هي أحد هذه التشريعات الهامة التي توجد توازنا في المجتمع المسلم وتسهم في تماسكه وتعميق روابطه الأخوية والمحافظة على نسيجه الاجتماعي وإزالة الأنانية والحسد من النفوس ومن الأهمية بمكان أن يكون إخراج المزكي لزكاته بحرص وتقوى وحب وشوق وطيب نفس وأداءها بذات الروحية والإقبال الذي  تؤدى به الصلاة باستجابة لله ورغبة فيما عنده من الثواب والعوض وإخلاص نية قال تعالى :( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى* وَلَسَوْفَ يَرْضَى * )
و يقول الإمام علي عليه السلام: (ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَلَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ طَوِيلُ النَّدَمِ)
المسؤولية الكبيرة والدور المسؤول والوظيفة الإسلامية التعبدية قبل أن تكون رسمية اعتبارية لعامل الزكاة(مدير الواجبات – أو المالية) الذي يعتبر المسؤول والأمين المباشر في الميدان عن الزكاة: تقديرا وجمعا وحفظا واستلاما وتوزيعا وصيانة.
سأحاول في هذه الورقة المعنونة بــــ (العاملون على الصدقات بين عدالة التحصيل وظلم التوزيع).أن أتناول المحاور التالية :-
1- المؤهلات الواجب توفرها في العاملين على الزكاة
2- المسؤولية الدينية الملقاة على عاتق العاملين على الزكاة
3- شهادات لخبراء في تقييم الأداء الوظيفي للعاملين على تحصيل الزكاة
4- التوصيات
• أولا: مؤهلات العامل الإيمانية والعملية
تعتبر المؤهلات الإيمانية قاعدة ومرتكزا لأي عمل فمنها تكون الانطلاقة الإيجابية والدافع الخير لأداء الأعمال بل وتسهم هذه القيم والمبادئ الروحية في تحصين النفس الإنسانية من تلبية رغبات النفس الإمارة بالسوء والميل مع الهوى فهذه القيم تمثل ضمانة وحصانة للموظفين في أداء الأعمال بإتقان.
1- الدين والأمانة: فعلى عامل الزكاة أن يكون أمينا على أموال الزكاة قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وقال تعالى: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فالأمانة برهان على إيمان العامل وعدالته قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له) وفي رواية: ((لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد)
2- العدالة والعدل في التعامل: ففي صحيفة علي بن موسى عَلَيْهما السَّلام: عن آبائه، عن علي عَلَيْهم السَّلام، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وَآله وسَلَّم: ((من عامل الناس ولم يظلمهم،وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو مؤمن، كملت مرؤته، وظهرت عدالته، ووجبت محبته، وحرمت غيبته)
3- الورع والتحري لنفسه: لا يبلغ العبد المؤمن أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس) وفي أثر آخر (فضل العلم خير من فضل العبادة، وملاك دينكم الورع..) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم( لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، وتوفيتم بين الركن والمقام ما نفعكم ذلك إلا بالورع)
4- تقوى الله والخوف منه ومراقبته والبعد عن الهوى واستشعار خطورة التلاعب أو التحايل على أموال الزكاة قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) وعَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ تَرَكَ مَعْصَيِةً مَخَافَةَ الله تَعَالَى أَرْضَاهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ)
5- البعد عن مواطن التهم والشبهات: فعلى العاملين على الزكاة أن يكونوا أكثر بعدا عن مواطن التهم في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم وصرفياتهم اليومية والمناسباتية وألا يظهروا أمام الفقراء والمساكين بالمظهر المستفز للمشاعر والمثير للشبهة والتهمة حتى لو كان ما في أيديهم من ملكهم الخاص أو حقهم المستحق في العمل يقول الإمام علي عليه السلام: وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ.يقول الإمام يحي بن حمزة في الديباد الوضي شارحا هذه الحكمة والتعليم العلوي: هذا عام، إما فيما يتعلق بالأموال فيتهم بقلة الورع بالدخول في المطامع، وإما فيما يتعلق بالأماكن فيرد موارد الريبة فيتهم بالزنا، وإما فيما يتعلق بالأديان يإيراد الشبه والولوع بها، فيتهم باعتقاد البدعة والتدين بها، وفي الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنَّ مواقف التهمة.
• المؤهلات العملية
تأتي المؤهلات العملية بعد المؤهلات الإيمانية لأنه لا قيمة ولا بركة للإداء العملي ومدى الإنجاز للمهمات الوظيفية في أي مؤسسة حكومية أوأهلية إذا لم يصاحبها هذا الإنجاز استشعار للرقابة الإلهية وإيمان باليوم الآخر ويقين بحتمية الجزاء والحساب الدقيق يوم القيامة لذا يتوجب على ولاة الأمر والجهات الإشرافية والرقابية أن تولي المؤهلات الإيمانية الأهمية القصوى من خلال عقد الندوات والدورات الروحية والتربوية التي تعزز فيهم الروح الدينية والقيم الإيمانية التي تشكل حصانة للعامل من الانزلاق إلى مهاوي الأطماع ومستنقعات الحرام ومن أهم المؤهلات العملية التي يجب أن تتوفر في العاملين على الزكاة التالي:-
1- القوة والكفاءة: أي المقدرة على القيام بالعمل وأداءه بالشكل المطلوب والوجه الصحيح المحقق للمصلحة والمنسجم مع جوهر التشريع لا سيما في فيما يتعلق بالجانب المالي كالزكاة التي يعتبر كل مصرف فيها بمنزلة الشريك. قال الإمام الطبري - رحمه الله في معنى القوي-: "تقول: إن خير من تستأجره للرعي، القويُّ على حفظ ماشيتك، والقيامِ عليها في إصلاحها وصلاحها.

2- الاستعانة بالأمناء الثقات: فعلى عامل الزكاة والمكلف بتحصيلها واستلامها أن يستعين في أداء مهمته بالعمال المتحلين بالأمانة والحرص على أموال الزكاة الحريصين عليها والمحافظين على مصالحها يقول الإمام علي عليه السلام: وَلاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً، وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعَنِّف وَلاَ مُجْحِف، وَلاَ مُلْغِب وَلاَ مُتْعِب.

3- عدم تجاوز القدر المعلوم والحق المفروض من الأجرة للعامل والحرص على أن تصل الزكاة إلى ولي الأمر بشفافية ونزاهة لتصل بعد ذلك إلى الفقراء والمساكين بكل يسر أما  إذا أفرغت الزكاة من مقصدها الأسمى ولم تصل إلى المستحقين لها فليعد الوالي والجابي ومن له ولاية كبرى أو صغرى على الزكاة ليعدوا أنفسهم للخصومة مع الفقراء والمساكين يوم الحساب العسير قال الإمام علي عليه السلام: وَإِنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَحَقّاً مَعْلُوماً، وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَة، وَضَعَفَاءَ ذَوِي فَاقَة،إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبُؤْساً لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ وَالْغَارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ!

4- النزاهة وأداء العمل بأمانة ومسؤولية وهذا ما كان يؤكد عليه الإمام علي عليه السلام وينبه إليه العامل على الزكاة الأمين عليها قال عليه السلام: وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَامُ.

5- التقييم والرقابة للعاملين معه المساعدين في الجمع والتحصيل والاستلام وتذكيرهم بالله ويالأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع واختيارهم بعناية وفق معايير صحيحة.

الدلالات: