الجواب وبالله التوفيق:
الأشياء التي أعدّها الإنسان للتأجير والاستفادة من أجرتها يقال لها (المستغلات) لأنها تدر على صاحبها غلة ودخلاً، قال في تاج العروس: استغلَّ المستغلات: أخذ غلتها.
فالمستغلات: يقصد بها كل ما هو معد للإيجار، كالعقارات، والسيارات، والحافلات، والطائرات، والسفن التي تنقل الركاب أو البضائع، والفنادق، والبيوت، والدكاكين، وغير ذلك.
والفرق بين المستغلات وبين عروض التجارة: أن عروض التجارة هي الأشياء التي يتخذها الإنسان ليبيع أعيانها، أما المستغلات فهو لا يقصد بيع العين، وإنما يقصد الاستفادة من ريعها.
نعم تخرج السيارات والحافلات ونحوهما التي يقودها مالكها من حكم المستغلات .
وهذه المسألة فيها قولان:-
القول الأول: للإمام الهادي عليه السلام ومن تبعه من علماء المذهب وهو: أنه تجب الزكاة فيما كان كذلك من المستغلات، وأطلقوا القول في ذلك إطلاقاً من غير نظر إلى قلة الأجرة وكثرتها، مستدلاً بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ وأن المستغلات ملحقة بما يراد به التجارة كما هو صريح كلامه في الأحكام حيث قال عليه السلام: عفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإبل العوامل تكون في المصر .. إلى قوله :وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدور والخدم والكسوة والخيل، قال يحيى بن الحسين عليه السلام: وإنما عفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك إذا لم يكن صاحبه اتخذه للتجارة ولا اشتراه لطلب ربح، فأما إن كان اشترى شيئاً من ذلك كله أو من غيره إلى قوله لطلب ربح واستغل فيه المال للتجارة، فعلى من أراد به ذلك الزكاة يزكيه على قدر ثمنه إذا كان ثمنه مما يجب في مثله الزكاة .. إلخ كلامه عليه السلام، ومن جهة النظر كما قال المؤيد ب الله عليه السلام محتجا للإمام الهادي عليه السلام: إن مال التجارة إذا وجبت فيه الزكاة وجبت في المستغل قياساً عليه، والمعنى أن كل واحد منهما مال يبتغى به النماء بالتصرف فيه.
القول الثاني: لا زكاة في المستغلات أصلاً لبعض الأئمة والعلماء، وذلك لما رواه الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام: عفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإبل، العوامل تكون في المصر .. إلى قوله: وعن الدور، والخدم، والخيل، والحمير، والبراذين، والكسوة، والياقوت، والزمرد، مالم ترد به تجارة.
وجمعاً بين القولين السابقين أعني قول الإمام الهادي عليه السلام الذي يوجب الزكاة في أصل الدكاكين أو الفنادق ونحوها، وقول الآخرين الذين يقولون: لا زكاة في المستغلات أصلاً، نرجح ما ذكره بعض علمائنا وهو إخراج ربع العشر مما حصل من الأجرة لجميع السنة ، وهذا القول فيه الموافقة لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ ويقول تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ ولأنه مالٌ أريد به النماء وأشبه مال التجارة من حيث أريد به النماء فيجب فيه الزكاة، وأشبه البيوت والعقارات التي استثناها نص الحديث من وجوب الزكاة، والقول بوجوب الزكاة في قيمة أعيانها فيه من المبالغة ما لا يخفى إذ قد تكون قيمة العين المؤجرة باهضة ومرتفعة مما قد يؤدي لأن يكون زكاة ذلك المبلغ أكثر بكثير عما أدخله ذلك العقار من إيجارات وغلول، والقول بعدم وجوب الزكاة فيها مع أنها مستقلة ومنافعها مستفاد منها يعد تهاوناً في أمر الزكاة وابتعاداً عن مقاصد الشرع الشريف، وهروباً من القول بوجوب الزكاة في قيمة أعيانها على ما فيه من المحذور المذكور، وهروباً ومن القول بعدم وجوب الزكاة فيها كان القول بوجوب الزكاة فيما أخرجت إذا بلغت النصاب آخر السنة هو الأنسب والأرجح مراعاة لما ذكرنا وأخذاً بالأحوط، وفيه تيسير وتسهيل لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحاء).