غلاء المهور

نشر بتاريخ: أربعاء, 14/03/2018 - 11:34ص

الناظر إلى حالة المجتمع سيجدها بصفة عامة تنقسم إلى قسمين رئيسيين:

مشاكل وتحديات أنتجها المجتمع نفسه.
مصائب وعقوبات نزلت على المجتمع كالأمراض والزلازل والقحط وقلة الأمطار وشدة البأساء والضراء وما شابه ذلك، وإذا أمعن الإنسان نظره وجد أن غالبية حالة الناس كانت نتيجة مشاكل القسم الأول، أي أن المجتمع نفسه هو الذي ينتج مشاكله بنفسه، وبالتالي يعاني منها ومن آثارها المدمرة، قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

وموضوعنا يتناول ظاهرة سلبية وخطيرة لها آثارها المدمرة وتداعياتها السيئة وتتمثل في هذه الظاهرة (غلاء المهور) وبلا شك أنها مشكلة أنتجها الناس نتيجة قصور وعيهم ثم صاروا يعانون ويشكون سلبياتها، وإذا نظرنا إلى الإسلام وجدناه يحث على الزواج حثاً قوياً، فالله سبحانه يقول: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾[النور:32] فمن هذه الآية نرى أن الإسلام أهتم بتزويج كل أعزب حتى من العبيد والإماء (الجواري) فلفظ الأمر في ﴿أَنكِحُوا الأَيَامَى﴾ أي زوجوا كل من لم يتزج منكم ومقتضى هذا الأمر أن يسارع المجتمع إلى تسهيل الزواج للراغبين وتذليل الصعوبات أمام المتقدمين للزواج وإزالة العوائق والموانع التي تمنع الشباب من ذلك، قال صلى الله عليه وآله وسلم:  »من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء«.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: »من أحب فطرتي فليستنّ بسنتي وهي النكاح« وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: »من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا«. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم »إذا تزوج أحدكم عجّ شيطانه : يا ويله ، عصم ابن آدم مني ثلثي دينه«.

نستنتج من هذه الآيات والأحاديث أن الإسلام جعل من غاياته ومقصاده -التي قصد بتشريعاته الممكنة الوصول إليها- هو الزواج وما ينتج عنه من بقاء النوع الإنساني والمحافظة عليه بما يساهم في رقي هذا الإنسان ومساعدته على تحمل المسؤولية تدريجياً فيبدأ بتحمل مسؤولية نفسه ثم زوجته ثم أولاده ثم إذا لزم الأمر إلى أقاربه، فغلاء المهور في صورته اليوم يخالف مقصد الشريعة من تشريع الزواج بل إنه يجعل الشباب يعزفون عن الزواج، فهو يجعلهم أمام خيارين كلاهما مر، فإما أن يكبتوا شهواتهم فينعكس هذا الكبت على نفسياتهم فيتولد الشعور بالحرمان، وما ستتبعه من نتائج.

والخيار الثاني؛ أن يبحثوا عن طريق محرمة لقضاء وشهواتهم وإشباع رغباتهم، وهذا أيضاً نتائجه كارثية في الدنيا والآخرة، وكلا الخيارين تحكم على شبابنا بالضياع وبالتالي على الأمة؛ لأن ضياع الشباب يعني ضياع الأمة، وماذا عسى أن تصنع أمة ضاع شبابها في مستنقعات الرذيلة أو في مهاوي الكبت والحرمان.

ولهذه المشكلة أسباب كثيرة تراكمت في المجتمع مع مرور الزمن بشكل تدريجي؛ فمن أسبابها:

انحصار الوعي وعدم المعرفة بأن الزواج شعيرة دينية يجب أن يسعى الجميع إلى تسهيل إقامتها والمعاونة على تكاليفها.
تقديس العادات والتقاليد: ذلك التقديس الذي يجعل ممن يريد أن يتقدم للزواج عاجزاً أمام عادات المجتمع وتقاليده المكلفة والتي ليست من الزواج في شيء وكأن تلك العادات وحي منزل لا يجوز مخالفته ولا يصح زواج بدونها رغم أن الأمر أسهل بكثير، فيكفي مثلاً: عقد ولي المرأة للزوج مع حضور الشهود، وتم الأمر وجمع الشأن، لكن في وقتنا يفكر الولي في أحسن قاعة مثلاً، وأحسن فستان، وأحسن زينة وحلي، وتكاليف لكل هذه الأمور باهضة جداً فيضطر لرفع المهر على الزوج لسداد تلك الأمور التي أغلبها يدخل في (التبذير) وقد نهانا الله عن التبذير فقال سبحانه:
﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ فلو عاد الناس إلى البساطة وعدم التكلف لأراحوا أنفسهم عناءً وعبئاً كبيراً.
سوء الظن بالله سبحانه: حيث يظن بعض أولياء الأمور أن اشتراط المهر المرتفع يكون ضماناً عند وقوع أي مشكلة أو ضائقة مالية للزوجين أو حتى للزوجة، فالزوجة تتخذ المهر كسلاح لمواجهة المستقبل المجهول التي هي مقبلة عليه وما زالت ملامحه غامضة بالنسبة لها وهذا أيضاً قد يعطي نتائج عكسية، ويحسب الولي أنه يعمل لمصلحة ابنته عندما يبحث عن شخص غني يزوجها به ونسي أن الغنى والفقر من الأمور العارضة التي تتغير مع مرور الوقت، فكم قد رأينا من غني أصبح فقيراً، وكم قد رأينا فقيراً صار غنياً، فدوام الحال من المحال كما هو معروف، فالفقر أمر عارض سرعان ما يزول إذا تسبب الإنسان في طلب الرزق وشاء الله له التوسع في رزقه، لذا قال سبحانه:
﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾.

ففي هذه الآية ينبهنا الله سبحانه أن لا نجعل من الفقر عائقاً أمام من يرغب في الزواج لأن الفقير قد يصبح غنياً خصوصاً إذا تزوج لطلب العفاف وتسبب في طلب الرزق، لهذا جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم »ثلاثة حق على الله سبحانه عونهم، المتزوج يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله«.

وقد جاء في بعض  الآثار أن من امتنع عن الزواج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله .

الاستجابة لضغوطات الأهل أو المجتمع: كثيراً ما يختار الإنسان أموراً لا يحبها وهو غير مقتنع بها ولكن يفعلها مجاراة للمجتمع أو للأهل، وهذا أمر مذموم فقد ذم الله على أهل الجاهلية تقليدهم الأعمى ونعاه عليهم في أكثر من آية فالإنسان المؤمن إذا كان مقتنعاً بشيء مضى فيه حتى ولو اجتمع العالم كله على خلافة.
المباهاة والتكاثر: التكاثر يجر كثيراً من الناس إلى المغالاة في المهور لكي يرى الناس عرس ابنته أفضل عرس أو أن ثياب ابنته أفضل ثيابٍ وزنيتها أفضل زينة، والحضور أكثر عدداً، وما شابه ذلك من وسائل التفاخر والتكاثر بين الناس، وقد صدق الله القائل ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر ﴾.

ولغلاء المهور نتائج سلبية كثيرة منها:

استشراء العنوسة بين الجنسين.
عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي بسبب الشعور بالحرمان والكبت.
ضياع الشباب، وبالتالي ضياع المجتمع كله.
اللجوء إلى الطرق المحرمة لإشباع الغريزة.
كثرة المشاكل بين الزجين ، فالمهر المرتفع كثيراً ما يسبب المشاكل بين الزوجين بعد الزواج ويسبب طلاق كثير من النساء والذهاب إلى المحاكم للفصل في ذلك المهر لأن الزوج إذا لم يتوافق مع  زوجته بعد الزواج يعمل على الإضرار بها فلا يطلقها حتى تدفع له المهر الذي دفعه.
تبذير المال وصرفه في أشياء تافهة تثقل كاهل المجتمع والدولة والفرد.

معيار الشريعة للتزويج:

وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم معياراً دقيقاً لمن أراد أن يزوج ابنته فقال: »إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير« فالمعيار في الإسلام هو الدين والخلق، فمن كان ذا دين وخلق كان أهلاً للتزويج، فلم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ترضون بيته أو أثاثه أو وظيفته أو عمله، بل قال دينه وخلقه، لأن الدين والخلق هما الأساس لمن أراد أن يبني أسرة كريمة، فليس المال هو الذي يبني علاقة احترام ومودة بين الزوجين، فكم من امرأة تزوجت بشخص ذي مال فكانت حياتها معه ضنك وعذاب، وكم من أسرة فقيرة عاشت حياتها في سعادة وهناء تؤدي حقوق ربها وتعرف حقوق بعضها البعض دون ظلم أو استنقاص.

إن بعض أولياء الأمور يظن أن ابنته سلعة سوف يقدمها لمن يدفع أكثر وكأن المسألة مسألة تجارة بيع وشراء، فلا ينظر إلا إلى المال فهو الأساس عنده، أما الأخلاق والدين فأمور ثانوية في عقليته، هؤلاء الآباء هم من يظلمون بناتهم حقاً، وهذا عين الظلم، وكأن المرأة لا تريد في حياتها سوى المال وليس لديها أي احتياجات أخرى، بل ربما كان ذلك المال والغناء سبب شقائها وتعاستها، وتتمنى لو تزوجت فقيراً معدماً يحفظ لها كرامتها ويصون عرضها فإن ذلك خير من غني يهينها بماله، أو يخونها لأجل غناه، فليس الظلم أن تزوجها للفقير، الظلم هو أن تحرمها ممن يتقدم لها من الشباب المتحلي بالأخلاق والدين، الظلم للفتاة هو أن تبقيها عندك في البيت عانساً تذبل كما تذبل زهرة الربيع، عند ذلك يعزف عنها الخاطبون لكبر سنها أو تغير محاسنها، فهذا هو الظلم بعينه، عند ذلك يندم الأب في وقت لا ينفع فيه الندم، سيتمنى لو أنه زوجها من أول خاطب خطبها وسيتذكر كم من الرجال رفضهم لقلة ذات يدهم، يتمنى اليوم من أحدهم أن يطرق بابه مرة أخرى.

مقترحات وحلول:

التوعية والإرشاد الديني:

لو عرف الآباء مخاطر المغالاة في المهور وأضرارها عليهم وعلى بناتهم وعلى المجتمع ككل ما غالى منهم أحدٌ أبداً، وهنا أنصح كافة المؤسسات الرسمية وبالأخص دائرة التوعية والإرشاد بوزارة الأوقاف، وكذا الوسائل الإعلامية وبالأخص الإذاعات المحلية أن تولي هذه المشكلة الكبيرة كبير اهتمامها وأول أولوياتها لتعريف الناس وتبصيرهم وتعليمهم أن التفاخر والتباهي في المهور أو الأعراس أو غير ذلك من علامات حب الدنيا وعلامات البعد عن الآخرة، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور﴾[الحديد:20] فلو عرفنا حقيقة الحياة الدنيا وأنها ابتلاء واختبار، وعرفنا عظمة الزواج وأنه شعيرة من شعائر الله الجليلة لسعينا جميعاً إلى التخفيف من غلاء المهور ولنبذنا الطمع والجشع والتكالب على هذه الدنيا.

العمل على تشجيع ودعم الأعراس الجماعية وإعادة نشاطها والتواصل مع التجار وفاعلي الخير والمتعاونين لدعم مثل هذه المشاريع.
العمل على الحد من البطالة بين الشباب، والبحث عن توفير فرص عمل بشكل أكبر، وهذا راجع للدولة ورجال الاقتصاد.
العمل على سن قوانين تحد من هذه المغالاة وتشجيع الأعراف المحلية والقبلية الموجودة في بعض المناطق التي حددت المهور تحديداً معقولاً، وتشجيعها لتتوسع إلى بقية المناطق والمدن.

الدلالات: