دور المنبر في نصرة قضايا الأمة

نشر بتاريخ: خميس, 08/02/2018 - 10:35م

لا يخفى على كلّ ذي لُبٍّ ما تمر به الأمة العربية والإسلامية من أزمات تكاد تعصف بها عصفاً وتجعلها في خبر كان، ولولا أن الإسلام فيه عناصر القوة والصلابة والمقاومة وذلك لما يحمله هذا الدين من مبادئ وقيم وأسُسٍ راسخة الجذور في الحق والعدل والخير، لولا ذلك كله لاندثرت هذه الأمة وضاعت في ظل هذه المعمعات ولكنَّ الإسلام يحمل خاصية فريدة ضمنت بقائه رغم استكبار أعدائه.

وهذه الخاصية هي أنَّ الإسلام يأبى مهادنة المنكر ويأبى الخضوع للمستكبرين مهما بلغت قواهم وغطرستهم، وهذه النفسية هي النفسية التي يحرص الإسلام على بنائها وترسيخها في قلوب أتباعه وعلى رأسهم الدعاةُ وخاصَّة من يرتقي المنابر ويتوسط محافل الدعوة إلى الله فإنَّ من أُوْلى مسؤلياتهم وأهمها على الإطلاق أن يصنعوا أمةً واعية تمام الوعي لقضاياها المصيرية وهو واجبٌ وفرضٌ حمَّلهم الله إياه بقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾.

فلا مجالَ للتلكُّؤ ولا وقت للتراجع ولا ينبغي الإحجام عن نصرة قضايا أمة الإسلام، وليعلم كلُّ داعية وكل مُفْتٍ وكل عالم وكل طالب علم أنهم مسؤلون –بالدرجة الأولى- أمام الحي القيوم عن أي خذلان لقضايا الأمة وعلى رأسها قضية الأقصى الشريف، فكل تغييب لواقع الأمة وقضاياها يعد خيانةً واضحة لكتاب الله وسنة رسوله؛ لأن ديننا الإسلامي ليس مجرد آيات تتلى وأحاديث تحفظ ثم يمضي كلُّ واحدٍ بعد ذلك إلى حال سبيله ولا يعنيه من أمر الأمة شيء وكأنه يعيش في كوكب آخر، هذه النفسية السلبية هي أساسُ كُلِّ مصيبة تقع على الأمة، فعلى الأمة اليوم وعلى رأسها الدعاة والعلماء والمفكرون والمثقفون والنُخَبُ أن يدركوا حقيقة الإسلام الناصعة، فهو دين جاء يبني وعي الإنسان بناءً صحيحاً يؤهله لقيادة البشرية، قيادة مبنية على نور القرآن الذي قال الله فيه في سورة إبراهيم: ﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد *  اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيد * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيد﴾.

ومن يمعن النظر والتأمل في هذه الآيات الشريفة يعلم علماً جازماً لا شك فيه أن الله لم ينزل كتابه لمجرد القراءة فقط أو لمجرد الأداء الشكلي ولمجرد أن يكون نغمات في محاريب المساجد، فعلى حَمَلة كتاب الله أن يكونوا دعاةً إلى العمل بما في كتاب الله وتحويله إلى واقع عمليٍّ، وعليهم أوَّلاً أن يكونوا سبَّاقين إلى تطبيق ما يقرأونه ويرتلونه من آيات القرآن المجيد، وعليهم تقع مسئولية تبصير الأمة بعظمة الكتاب والعمل بأحكامه والاستنارة بنوره وجعله مرجعاً للأمة في كلِّ قضاياها دون استثناء.

ومما ينبغي التنبيه له أننا نرى اليوم آلاف الحفظة لكتاب الله ومئات القرّاء والمشائخ وعشرات الإذاعات والقنوات القرآنية في حين نرى الأمة الإسلامية تعيش انحطاطاً وذلاً وفرقة وانقساماً وتشرذماً وهواناً لا مثيل له، والسر في ذلك أن الأمة تعاملت مع كتابها وقرآنها على أنَّه مجرد كتاب للقراءة فقط، ويتسابق الحفظة في حفظ أجزائه وتنغيم آياته ويعتبرون قراءته عملاً مقدساً يكتفي به لدخول الجنة بمجرد الترتيل والقراءة؛ وهنا الطامَّة الكبرى والمصيبة العظمى والداهية القصوى، فعلى دعاة المسلمين وعلمائهم وفقهائهم ومرشديهم وأدبائهم ومثقفيهم أن يوجهوا أنظارهم إلى هذا الخطأ الفادح الذي أفقد الأمة عزتها ومكانتها وإبائها وقدسيتها، عليهم أن يدقوا ناقوس الخطر وأن يبينوا للأمة الإسلامية أنَّه لا عزة لها ولا شرف لها إلاَّ إذا عملت بكتاب الله وسارعت إلى تحويله إلى منهج حياة وإلاَّ فإن العار والشنار والخزي والهوان سيظل يلاحق هذه الأمة، وعلى علماء الأمة اليوم أن يحملوا هذا الهم وأن يستشعروا المسئولية أمام الله أولاً وأمام التاريخ ثانياً وأمام الأجيال القادمة ثالثاً وصدق الله القائل في سورة الجمعة ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾.

إنَّ على كلّ عالم وداعية أن يقف أمام ضميره وقفة جادَّةً سائلاً نفسه: ماذا قَدّمتُ لدين الله ولكتاب الله وهل نصحتُ لهما؟ وهل قمتُ بواجبي نحو أمتي؟

وعليه أن يجعل قوله تعالى في سورة الصف ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُون﴾ نُصْبَ عَيْنَيْهِ فالإسلام والقرآن ليس مجرد شعارات براقة وأقوال جذَّابة يكتفي العالم والداعية بإلقائها فقط ثم يكون أول المتملِّصِين والمتقاعسين عن واجبه الشرعي في تطبيق أوامر هذا الدين ونواهيه وكأنه خارج عن دائرة التكليف الشرعي يرى لنفسه مزيةً ليست للآخرين، وليت هذا أو أمثاله يقرأون قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾.

فهذه الآية الكريمة المباركة توضح بما لا يدع مجالاً للشك المسئولية الكبرى الملقاة على عاتق العلماء إزاء ما يقع في مجتمعاتهم من انحرافات وأنَّ عليهم أن يقفوا أمام تلك الإنحرافات بقوة وصلابة غير آبهين بأحدٍ من البشر لأن العلماء الصادقين لا يخشون إلا الله ولا يرهبون إلا الله لأنهم في الحقيقة مؤتمنون على كتاب الله وعلى دينه فعليهم أن يؤدوا واجبهم كما أمر الله سبحانه وتعالى دون مواربة أو تردد، وصدق الله القائل في محكم كتابه العظيم في سورة الأحزاب ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا﴾.