حوار مع السيد العلامة المجاهد /عبد الرحمن بن شمس الدين

نشر بتاريخ: اثنين, 25/12/2017 - 7:12م

 

تستضيف مجلة الاعتصام في عددها السابع عشر السيد العلامة المجتهد المجاهد /عبد الرحمن بن شمس الدين أحد القامات العلمية و الشخصيات العلمائية الذين يخدمون الإسلام وأبناءه بالفتوى والتأليف وإصلاح ذات البين ويسهمون في توعية الأمة التوعية الصحيحة وتعليم شباب الأمة العلم النافع وتفقيه أهل اليمن بالفقه اليماني الذي مدحه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نقف في هذا الحوار مع عالم عامل بعلمه ناشر له ومبلغ لرسالات الله فإلى الحوار:

المحور العلمي والفكري

س1: لو تكرم السيد العلامة عبد الرحمن بن شمس الدين بالكلام عن مسيرته العلمية عند العلماء ومن هم أبرز المشائخ الذين تتلمذ على أيديهم وما هي أهم الكتب الفكرية والإيمانية والفقهية التي درسها وكان لها الأثر في الرقي به علميا وعمليا؟

ج1:  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الطاهرين.

أولاً: أشكر جميع الأخوة المشرفين على هذه المجلة الفكرية الثقافية على استضافتهم لي فيها.

ثانياً: أنا عبد الرحمن بن محمد بن علي شمس الدين من أولاد شمس الدين بن محمد بن شمس الدين بن الإمام الداعي إلى الله مجد الدين بن الإمام الحسن بن الإمام عزالدين بن الحسن بن علي بن المؤيد المؤيدي اليحيوي الحسني.

ابتدأت الدراسة في موطني الأم »خولان بن عامر« مديرية »حيدان« محافظة »صعدة«، تعلمت القرآن على يد والدي وأخي الأكبر -رحمة الله عليهما- ودرست الابتدائية إلى الصف الخامس وعند تسليم الشهايد لم يسلم لي شيء بحجة أنها ضاعت أو سرقت (والحقيقة أنها ضاعت بفعل فاعل بحجة لماذا يطلع الأول في المدرسة) كما أخبرت من بعض الأخوة.

وكان هذا الحدث هو المسبب إلى الانتقال إلى مديرية سحار – سودان مدينة العلم والعلماء التي تبعد عن مدينة صعدة حوالي أربعة عشر كيلو تقريبًا عام 1402هـ تقريبًا وسكنت عند أختي الكبرى وزوجها وكانا يعيناني بجميع الوسائل –كتب الله أجرهما- فكملت الابتدائية والإعدادية في المعهد العالي بصعدة و أتقنت قراءة القرآن وكنت أجمع بين الدراسة في المعهد والجامع من الصباح إلى الظهر في المعهد وبعد العصر وبعد المغرب والعشاء في المسجد وكانت الدروس في الجامع قراءة القرآن مع التجويد، ومتن الأجرومية وشرحها ومتن الأزهار على شيخنا القاضي العلامة يحيى بن قاسم الحشحوش رحمه الله تعالى، وفي العطلة أقوم بزيارة إلى البلاد وكنت أزور الشهيد القائد الحسين بن بدر الدين الحوثي رحمة الله عليه- إلى موطنه بجبل مران وألتقي به. فسألني ذات مرة ما هي الدروس التي تتلقاها فأخبرته فطلب مني مرافقته إلى بيته وكان معه في بيته آلة تصوير فأعطاني ثلاثة كتيبات وقال لا بد أن أبتدأ بها فقلت له: بشرط أن أقرأها عندك فوافق وهي »إرشاد الطالب إلى أحسن المذاهب« لوالده -رضوان الله عليه- و»العقيدة الصحيحة« للإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم بن محمد، و»علوم الدين، وأركان الإسلام« فقرأتها عنده خلال أسبوع وعند مغادرتي له أعطاني من كل نسخة مئة نسخة وكان يسهر الليل وهو يقوم بتصويرها.

أما مشايخي فهم كثير وأبرزهم السيد العلامة الكبير مجد الدين بن محمد المؤيدي رضوان الله عليه لازمته أكثر من عشرين عاما سماعا وقراءةً في النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع واللغة والأصولين والتفسير والحديث والفقه ومعرفة رجال الرواية والتاريخ والسير والكتب هي الفاكهي والخبيصي في النحو والجوهر المكنون في المعاني والبيان والبديع وفي الأساس وشرحه الصغير قراءةً عليه وسماعا من أوله إلى آخره والعقد المنظم للسماوي قراءةً وسماعاً والشافي للإمام عبد الله بن حمزة عليه السلام قراءة وسماعا والبساط للإمام الناصر الأطروش والكافل لابن لقمان سماعا

وفي التفسير الكشاف للزمخشري سماعا من أوله إلى آخره ثم قراءةً عليه كذلك، وفي الحديث مجموع الإمام زيد بن علي عليهما السلام سماعا من أوله إلى آخره ثم قراءةً كذلك، وصحيفة علي بن موسى الرضى كذلك والشفاء للأمير الحسين سماعاً من أوله إلى آخره وقراءة كذلك والروض النضير سماعا وقراءةً كذلك، وأنوار التمام مع الاعتصام سماعا وقراءةً كذلك، والتحرير للإمام أبي طالب، والتجريد وشرح التجريد للإمام المؤيد بالله سماعا والصحيح المختار للسيد العلامة محمد بن حسن العجري –رحمة الله عليه- سماعا.

والأماليات: أمالي الإمام أحمد بن عيسى، وأمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام المرشد بالله الاثنينية والخميسية، وأمالي المؤيد بالله الصغرى، وفي كتاب المحيط بالإمامة لعالم الشيعة أبي الحسن علي بن الحسين الزيدي.

وفي الفقه: أحكام الإمام الهادي –عليه السلام- والمنتخب والفنون، ومتن الأزهار سماعا وبعض شرح الأزهار، والتهذيب للأمام عبدالله بن حمزة، وجميع جوابات الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي جده التي منها الأسئلة الضحيانية سماعاً وقراءةً، والغطمطم الزخار في الرد على الشوكاني.

وفي معرفة الرجال: طبقات الزيدية ومختصرها الجداول، والفلك الدوار لابن الوزير.

وفي التاريخ: تاريخ الزحيف، (مآثر الأبرار) والتحف شرح الزلف، والمصابيح، والحدائق الوردية، والروضة الندية شرح التحفة العلوية لأبن الأمير، والإفادة للإمام أبي طالب.

وجميع مؤلفاته سماعا منه وقراءة عليه، كما حققت البعض منها.

والمؤلفات هي: لوامع الأنوار ثلاثة أجزاء، التحف شرح الزلف، والجواب الكافي على ما أورده الإمام عبدالله بن حمزة في كتابه الشافي المسمى عيون الفنون وفصل الخطاب في تفسير خبر العرض على الكتاب، وكتاب الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة، والرسالة الصادعة بالدليل على صاحب التبديع والتضليل، والفلق المنير بالبرهان في الرد على ما أورده السيد الأمير على حقيقة الإيمان، والبلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهي، والمنهج الأقوم في الرفع والضم، وكتاب الحج والعمرة، والجامعة المهمة في أسانيد الأئمة، والجواب على مسائل الأئمة، و مجمع الفوائد وديوان الحكمة، وقد أجازني إجازة عامة كتبها بخط يده وذكرها في كتابه التحف شرح الزلف، وكان في آخر عمره عندما ترد إليه الأسئلة يأمرني بالإجابة عليها ثم يوقعها بيده أو بختمه.

وشيخي السيد العلامة صارم الدين كهف الضعفاء والمساكين الولي إبراهيم بن علي الشهاري رضوان الله عليه- كان لي أبا ثانيا، وكان – رضوان الله عليه- محققا في الفقه والفرائض فقرأت عليه متن الأزهار، والتاج المذهب سماعا وقراءة، وشرح الأزهار سماعا منه ثم قرأت عليه، والبحر الزخار قراءة عليه، والجامع الكافي قراءة عليه، والبيان الشافي لابن مظفر قراءة عليه، وعلم الفائض في الفرائض وشرحه جوهرة الفرائض فهماً وإعمالاً، ومجموع الإمام القاسم، ومجموع الإمام الهادي، وشرح الثلاثين المسألة، ورضا رب العباد شرح كنز الرشاد، وتصفية القلوب من درن الأوزار والذنوب، للإمام يحيى بن حمزة، ومن التفسير المصابيح، وكان رضوان الله عليه- كثير الخروج للبوادي للإرشاد والبحث عن طلبة العلم ولم أجد مثيلا له في عصرنا باهتمامه بطلبة العلم والمهاجرين والضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، وأجازني إجازة عامة.

وشيخي السيد العلامة حليف القرآن بدر الدين بن أمير الدين الحوثي- رضوان الله عليه- سمعت منه بعض تفسيره وتحرير الأفكار، والغارة السريعة في الرد على الطليعة، والإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز، وإرشاد الطالب، وبعض الردودات والجوابات وقد أجازني إجازة عامة كتبها بيده في كتابه الأسانيد.

وشيخي السيد العلامة الكبير عبد الرحمن بن حسين شايم –رضوان الله عليه- قرأت عليه جميع مؤلفاته وجوابات الإمام عزالدين بن الحسن وأجازني إجازة عامة، وشيخي السيد العلامة صلاح بن محمد الهاشمي، وقد أجازني إجازة عامة، وشيخي السيد العلامة الحسن بن محمد الفيشي رحمة الله عليه، وأجازني إجازة عامة.

وشيخي القاضي العلامة حواري آل محمد أحسن بن صالح جران –رضوان الله عليه- قرأت عنده في الأحكام وفي المصابيح وأجازني إجازة عامة، وشيخي القاضي العلامة ولي آل محمد صلاح بن أحمد فليتة رحمة الله عليه، وأجازني إجازة عامة.

وشيخي القاضي العلامة ولي آل محمد علي بن إسماعيل المتعيش– رضوان الله عليه-قرأت عنده كافل الطبري وكتاب الفصول اللؤلؤية والغاية والجوهر المكنون وشرح التلخيص وقواعد الإعراب وقطر الندى وقد أجازني إجازة عامة.

وشيخي القاضي العلامة يحيى بن القاسم الحشحوش –رضوان الله عليه- قرأت عنده متن الأجرومية وشرحها ثم قطر الندى، وحاشية السيد، وقواعد الإعراب، وشذور الذهب، وشرح بن عقيل، ومغني اللبيب، ومتن الأزهار، وجوهرة الفرائض مع الإعمال في اللغة والفرائض، وكافل بن لقمان، والطبري، وحقائق المعرفة، ومنتهى المرام شرح آيات الأحكام، والثمرات، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد وغيرها.

هؤلاء أبرز مشايخي وغيرهم كثير وكنت أجمع بين القراءة عند مشايخي والتدريس لمجموعة من الطلبة الذين صار لهم دور فاعل في المسيرة القرآنية من التعليم والإرشاد والجهاد وحل الخصومات.

وبعد ان قرأت وسمعت ملازم ومحاضرات الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وجدت انها اضافت نقلة نوعية إلى المكتبة الزيدية بل وضعت خارطة طريق عملية بمنظار قرآني للخروج من الواقع الذي تعيشه الامة اليوم فنصيحتي لكل عالم ومتعلم الاطلاع والقراءة لملازم الشهيد القائد رضوان الله عليه للاستفادة منها.


س2: ما هو البرنامج المتبع الذي كنتم تسلكون أو تسيرون عليه في طلبكم للعلم عند العلماء وهل زال صالحا لطلاب العلم في هذه الأيام وما هي النصيحة التي تقدمونها للعلماء وطلاب العلوم الشرعية في الهجر والمساجد والمدارس؟

ج2: كنت أراجع دروس اليوم التالي في المساء حتى الساعة الثانية عشرة مساء، ثم أذهب مع الفجر للدراسة عند شيخي حتى الساعة الثامنة صباحا، ثم من بعد الغداء إلى المغرب أراجع ما تلقيته من دروس اليوم مع بعض الزملاء، وتكون المراجعة حافلة بالنقاش والبحث، وبهذا تترسخ المعلومة، وهذه الطريقة التي ينبغي السير عليها لمن يريد إحراز العلم سواء اليوم أو في السابق.

والذي أنصح به الإخوة العلماء هو إعادة الحياة للهجر العلمية والمساجد والمدارس لتستعيد دورها المهم والكبير في نشر العلم والمعرفة ورفد الساحة اليمنية بالكوادر العلمية والذين نفقدهم عالما تلو آخر وقلَّما نجد البديل ممن يسد الثغرة.

كما أدعو وأنصح طلبة العلم بالاهتمام والجد والمثابرة والاستمرار، وتحري العلوم النافعة، مع إخلاص النية والتزود الدائم بالتقوى والإيمان، وتحمل مسؤولياتهم والقيام بواجبهم في تثقيف المجتمع وتنويره ومواجهة الأفكار الهدامة، وبما أن بلادنا تتعرض لعدوان غاشم ظالم فإضافة إلى جرائمه في القتل والدمار والحصار يعمد أيضا إلى ضرب العملية التعليمية ويسعى لتجهيل شعب الإيمان والحكمة بكل الوسائل، مما يحتم على العلماء وطلبة العلم مضاعفة الجهود في مواجهة هذه العدوان بنشر العلم والانتشار للتوعية والإرشاد والمساهمة في رفد المدارس الحكومية بالكوادر المتطوعة وخصوصا في المناطق المستهدفة أكثر.


س3: ما هي العلوم التي ينبغي أن يكون لها الأولوية في حياة طالب العلم وكيف يستطيع طالب العلم والعالم أن يسقط القواعد والمعلومات الدينية أو المسائل الشرعية على واقعه وينقلها من مرحلة الفهم والاستيعاب والتنظير إلى مرحلة العطاء العملي والرسالي في ميدان الحياة وأحداثها ومستجداتها؟

ج3: أهم العلوم وأعلاها وأولاها هو معرفة الله سبحانه حق المعرفة، المعرفة التي تعزز في النفس الثقة بالله تعالى، وحبه والإخلاص له والاستقامة على نهجه، ولأننا نعيش مرحلة من أشد المراحل التي مر ويمر بها اليمن جراء العدوان الظالم فإننا بحاجة ماسة لمعرفة الله المعرفة الصحيحة التي تجعلنا نتمسك بحبله ونتوكل عليه ونصبر ونصابر ونضحي في سبيله بالمال والأنفس حتى يحقق لنا وعده بالنصر للمؤمنين.

ولأن القرآن الكريم هو المصدر الأساس لمعرفة الله سبحانه وهو دستور حياة البشرية فإن من الضروري أن يحظى بالاهتمام الكبير جدا ليس فقط معرفة أحكام التجويد فقط وإنما معرفة ما تضمنه من الهدى والبصائر والسير على نهجه القويم.

كما أن معرفة الفقه والتاريخ والسيرة النبوية وعلوم اللغة العربية، وما يتطلبه الواقع وتحتاجه الأمة اليوم من علوم العصر مما لا بد من تعلمه في الطب والهندسة والتصنيع والزراعة ونحو ذلك مما تحتاج إليه بلادنا للنهوض بواقعنا والارتقاء نحو الأفضل في كل المجالات فهي كلها علوم مقدسة يؤجر طالبها من الله تعالى.

إن من يطلب العلم لكي يعمل به هو من يستطيع إسقاط تلك العلوم والمفاهيم ويترجمها إلى واقع عملي ، أما التعلم لمجرد الاطلاع أو للمماراة والترف العلمي فهذا مما ليس لله في تعلمه حاجة ولن يؤجر عليه أصلا، ولأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل- كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام- ولكي يستطيع العالم وطالب العلم ربط العلم بالواقع فإنه لا بد من اكتساب الوعي ومعرفة الواقع وتشخيص المرحلة جيدا، ويعرف مخططات أعداء الإسلام ووسائلهم وخداعهم ومكرهم ليعرف كيف يوجه كل ذلك، وما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به ويعرف الأولويات، وهذه مسألة مهمة جدا يجب التنبه لها وخصوصا في هذا العصر وفي هذه المرحلة الشديدة الخطورة، ومن هنا فإنه لا يكفي أن يعكف الطالب على مجموعة من الكتب يقضي عمره وزهرة شبابه بينها دون أن ينظر إلى الواقع من حوله ويفهم مسؤوليته ويعرف أعداء الإسلام ومخططاتهم، ولا أجد ثقافة تؤهل الطالب لمعرفة ذلك أفضل مما جاء في محاضرات السيد حسين بن بدر الدين رضوان الله عليه، فذلك مما لا بد منه لطالب العلم وحتى للعالم أيضا ليكون عالما واعيا فاهما لعصره ولواقعه قائما بدوره الذي أوجبه الله عليه.


س4: لو تكرمتم بذكر خلاصة عن أهم الأسس الروحية والعلمية للمفتي؟

ج4: بالنسبة للمفتي أعتقد أن أهم الأسس الروحية والعلمية التي ينطلق منها في فتواه تتلخص فيما يلي:

إخلاص النية لله سبحانه، والمصداقية فيما يطرح، والصدع بالحق دون خوف أو وجل أو مجاملة ومداهنة، والتواضع بحيث يقدر أن يقول: لا أعلم إذا عميت عليه المسألة، ولكي تطيب نفسه لسؤال غيره والاستفادة من الآخرين، والحذر من المباهاة بعلمه، أو التحجر والتعصب لفكرته دون دليل مقنع، وكذا مراقبة الله تعالى وخوفه من الفتوى بغير علم، مع ضرورة الالتجاء الدائم إلى الله تعالى ليمده بالعلم والمعرفة، وليوفقه ويعينه ويسدده ويثبته.
كثرة قراءة القرآن بتأمل وتدبر باعتباره مصدر الهداية ومفتاح البصيرة، وكذا كثرة الاطلاع على الكتب الصحيحة والبحث والمقارنة، ومجالسة العلماء ومدارسة ونقاش المسائل معهم.
تدوين الفتاوى التي يصدرها ومراجعتها واستذكارها وترسيخها، والحرص على إخراجها ليستفيد منها الجميع.
أن يكون المفتي عالما بأحوال الناس حتى لا يروج عليه كذب الناس ومكائدهم، وأن يكون لديه بُعد نظر لعواقب الأمور، وخواتمها، له معرفة بأساليب اللغة وقواعدها، مترويا غير مستعجل ولا متهور.

كما أن عليه أن ينظر قبل إصدار فتواه إلى الواقع الذي هو فيه، وإلى عواقب الأمور، فربَّ فتوى جرت الأمة إلى ويلات، فاستبيحت بها الدماء والأموال والأعراض، وكانت سببا في نشوب وخراب الأوطان، وما فتاوى من أفتى بقتل الشعب اليمني عنا ببعيد.


س5: ما نصيحتكم لمن يتجرأ على الفتوى أو الفصل في الأمور أو الخصومات القضائية وهو ليس أهلا لذلك؟

ج5: نقول لمن كان كذلك أن يتقي الله، وأن يعرف ما جاء من الوعيد لمن يفتى بغير علم، وأن ذلك من أشد المخاطر لأنه بذلك يضل هو ويضل الناس، وقد رُوي عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنه قال: (خمسٌ خذوهنَّ عنِّي فلو رحلتم المطيَّ لأنضيتموهنّ قبل أن تجدوا مثلهنَّ: لا يخشى العبد إلا ربَّه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي مَنْ لا يعلم أن يتعلّم، ولا يستحي العالم إذا سُئل عمَّا لا يعلم أن يقول: الله أعلم...الخ).


س6: نظرية خلع الوالي من قبل العلماء وأهل الحل والعقد متى تكون أو تجب وهل تنطبق هذه النظرية اليوم على نظام هادي والنظام السعودي والإماراتي بناء على ذات النظرية وهل يعتبر من ذكروا ولاة أمر بالمعنى الإسلامي الشرعي أم لا شرعية لولايتهم مع البيان للأدلة الشرعية على سقوط شرعيتهم؟

ج6: خلع الوالي أو الحاكم الظالم المخالف لكتاب الله المباين لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من أولى وأوجب الواجبات وهو من أفضل الجهاد الذي حث ورغب عليه النبي عندما قال:  »أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر« وهو من أعلى درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد بين القرآن الكريم وحدد للأمة من هو الحاكم الذي تجب طاعته وموالاته ونصرته وذلك بأن يكون من فئة المؤمنين لا الطغاة المتجبرين.

{أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، من جنس المؤمنين موالٍ لهم حريص على مصالحهم، وذكر القرآن في آيات عديدة وظائف الحاكم والوالي الذي يسير وفق المنهجية القرآنية ويقتدي بالسيرة المحمدية فقال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} فمن تولى غير المؤمنين ولم يقم الصلاة ويصرف الزكاة في مصارفها ويكن عوناً لأهل المعروف فليس من المؤمنين مصداقاً لقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ}، وبهذا سقطت ولايته عليهم.

وقد جاءت نصوص صريحة واضحة عنه صلى الله عليه وآله وسلم مبينة كيفية التعامل مع الطغاة والجبابرة والظلمة فقد ورد في الحديث، »لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق«، وورد »إنما الطاعة في المعروف«.

ولذلك ولما تم تشويه المسيرة الإسلامية تجاه الحاكم والوالي وجعلت الطاعة له مطلقة عن كل قيد غير مخصوصة ولا محدودة بأي خصوصية ولا حد، فله أن يفعل ويأخذ ويأمر ويعمل ما يشاء ولو كان كفرا بواحا كما يزعمون.

حينها قام القدوة والقرناء للكتاب من أهل البيت بدورهم في ذلك، فخرج الإمام الحسين بثورته المباركة مقدما أروع صور التضحية والفداء، ومصححا لما قد تم تسويقه في أوساط الأمة كمسلمات دينية وثقافية إسلامية وهي بعيدة كل البعد عن ثقافة القرآن ومنهجية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومقيما للحجة على الأمة، للقيام بدورها الواجب عليها تجاه ما تتعرض له من تحريف وتشويه لدينها.

وهو نفس الدور الذي سار عليه من بعده من أئمة الهدى كالإمام زيد بن علي والنفس الزكية وأخوته والحسين بن علي الفخي ومن بعدهم عليهم السلام جميعا.

بل جعلوا ذلك كمال الإيمان والدين حينما رفعوا رايات الجهاد على الظالمين ونصوصهم ثم تحركهم واضحة بينة جلية في ذلك.

وهم من جعلهم الله سبحانه وتعالى مع القرآن الكريم عصمة للأمة من الضلال والزيغ [ فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض] وهذه هي الرؤية القرآنية ولا يفترض النفور منها، الذي يفترض أن تنفر الأمة منه هو تلك الرؤية التي ينتتج عنها تمكين الطغاة والظالمين والجائرين والجهلة، رؤية تمكن من لا يمتلك أي معايير أي مؤهلات لأن يتربع على عرش الأمة، وأن يتدخل في كل شؤون الأمة، وأن يكون هو المعني بكل أمر الأمة، كما قال السيد العلم قائد الثورة عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله تعالى: هذه رؤية عقيمة هذه الرؤية التي يجب أن نشمئز منها جميعا، رؤية الحقت الأضرار الفادحة بالأمة عبر التاريخ وأوصلت الأمة الإسلامية في هذا العصر المهم في هذا الزمن المهم جدا، إلى مستوى أكثر الأمم غباء وجهلاً وتخلفا وضعة وسقوطا وتبعية للأمم الأخرى وساقطة وضائعة تحت هيمنة أمم أخرى وأقوام أخرى واتجاهات أخرى إلا القليل القليل في أوساط هذه الأمة


العدوان على اليمن والموقف الشرعي

س7: هل كلمة جهاد مقصورة أو موجَّهة للكفار والمشركين فقط ومتى يكون جهادهم بالحوار والمجادلة بالحسنى ومتى يكون واجبا بالسلاح أو بالتحرك العسكري؟

ج7: الجهاد ليس مقصورا على فئة دون أخرى وهو عام في كل أمر بمعروف ونهي عن المنكر.

وهو بذلك عام شامل لكل من يريد بالإسلام والمسلمين سوءاً أو مكروهاً

وقد شُرع الجهاد: لتكون كلمة الله هي العليا ودفاعا عن الأوطان والأموال والأنفس وإخراج العدو المغتصب وللقضاء على النظم الجاهلية المتسلطة التي تحول دون وصول دعوة الله عز وجل وتكره الناس على عبادة غير الله تعالى وتقف للمسلمين بالمرصاد، وتهدد أمنهم وكيانهم،

ويكون الجهاد مقصورا على الحوار والمجادلة بالحسنى فيما إذا كان الأمر لا يتعدى الخلاف العقدي الثقافي الفكري، فهنا يجب بيان الشبه والرد على الثقافات والأفكار المغلوطة، وتوضيح رؤية الإسلام القرآنية حول ما يتم بثه وإشاعته في أوساط المجتمع.

ويجب التحرك العسكري وجوباً حتميا عينيا حينما يتعرض المسلمون لغزو أو اعتداء من أي دولة كانت كافرة أو ظالمة متعدية.

ويجب الجهاد ورد المعتدي على النفس والعرض والمال، بل قد صرح القرآن بوجوب وضرورة رد المعتدي سواء كان فردياً أم جماعيا، { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، ولروايات عديدة وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبينة وجوب قتال من جاء لأخذ مالك والاعتداء عليك، وأكدت النصوص النبوية أن من قُتل في سبيل ذلك شهيد.


س8:كيف يستطيع المجاهد اليمني اليقين والإيمان بعدالة قضيته وصوابية جهاده أمام هذا العدوان  المسمى بالتحالف الإسلامي وهل هو إسلامي؟

ج8: حينما يعود المسلم إلى القرآن الكريم ويجعله إماما له، ويستقي معارفه وثقافته من خلال سوره وآياته بعيدا عن تأويلات المتأولين وتعسفات المتعسفين وكذلك حينما يستقي واجباته ودوره من خلال السيرة العملية للنبي صلوات الله عليه وعلى آله وسيرة أئمة الهدى التي كانت اقتداء واهتداء بسيرة المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله.

كل تلك العوامل تجعل الإنسان يدرك صوابية وعدالة ما يتحرك فيه ومن أجله وعلى رأسها دوره المناط به لمواجهة أي عدوان واعتداء وبغي عليه مهما كانت مسمياته ومهما تم تلبيسه بلباس ديني.

حيث إن من المسلمات والقطعيات والكليات الإسلامية من أهم مقاصد الشريعة المحمدية حفظ الأنفس والأرواح والدفاع عن الأوطان، وحماية الأعراض والأموال والدماء ومواجهة البغي والاعتداء.

ونصوص الشريعة واضحة في حكمها على البغاة المعتدين المحاربين، وجلية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظاهرة في حرمة التظالم.

وما نراه من جور وظلم واعتداء على شعبنا وبلدنا ويمننا مما يسمونه تحالفا إسلاميا، ليس إلا من هذا القبيل.

فهل يجيز الإسلام ونصوص القرآن وسيرة خيرة الأنام صلى الله عليه وآله وسلم حصار شعب بأكمله، وتشريد وقتل أهله، وتدمير مقدراته، والسعي لتجويعه وقصفه بأفتك وسائل الدمار وسفك الدماء، في عدوان لم يسلم فيه شجر ولا حجر فضلا عن البشر؛ بغيا وظلما وعدوانا

وبذلك وغيره يتضح ويتبين حقيقة هذا التحالف، إضافة إلى حقيقة قرآنية هامة تجلي حقيقة الموالاة لأعداء الله، والتحالف مع أمريكا وإسرائيل والمجاهرة بذلك أمام العالم، ما يجعل المسلم عامة واليمني خاصة يدرك صوابية مواجهته لهم وأحقية جهاده عليهم، وفضل رده لعدوانهم.


س9: بعض المحسوبين على العلم والعلماء وغيرهم ينظرون إلى العدوان على اليمن بأنه (فتنة) بل يصرح البعض ويلمح آخرون قائلين: (من السبب)؟ يقصدون أن أنصار الله (هم السبب) لأنهم يرفعون (الصرخة) أو (الشعار) ولأنهم قاموا بعمل (مناورة) أخافت واستفزت السعودية ولأنهم بعد دخولهم صنعاء قاموا بعدة (رحلات جوية إلى إيران) مما شكل خطرا على السعودية والخليج فكان من حقهم الرد وإعلان الحرب الاستباقية فما جوابكم على مثل هكذا أقاويل ومبررات؟

ج9: هذا العدوان ليس فتنة ولا يصح أن نطلق عليه هكذا؛ بل هو عدوان ظالم وغاشم وغير مبرر استهدف البلد كل البلد ونال من كل ما له علاقة بحياة الانسان اليمني حيث قصفوا بالطائرات الجامعات والمدارس والطرقات والأسواق الشعبية والمدن الأهلة بالسكان والمؤسسات الحكومية والمدنية وقتلوا وجرحوا الالاف من ابناء الشعب اليمني ولم يتركوا شيء ما قصفوه ودمروه وفرضوا حصارا بحريا وجويا وبريا واستخدموا في العدوان القنابل المحرمة والفتاكة والسامة الذي أضرت بالإنسان والحيوان والاشجار والتربة وتضرر منها كل شيء.

 ومن يعتقد أن هذا العدوان سببه مناورة أو رحلات جوية أو كما يزعمون دخول صنعاء فهو يجهل الحقيقة ويغالط نفسه ويتهرب من قول الحق أو أنه يتأثر بالأكاذيب والمبررات التي تسوقها اْبواق العدوان لتبرير جرائم النظام السعودي والإماراتي  ومن ورائهم الأمريكي والإسرائيلي بحق هذا الشعب المظلوم .. فثلاث سنوات من العدوان كشفت الأهداف الحقيقية لهذا العدوان الذي لم يحصل مثله في التاريخ وكشفت زيف أمريكا وأدواتها في المنطقة وأثبت الواقع أن هؤلاء غزاة محتلون يريدون أن يحتلوا بلدنا وينهبوا خيراتها ويسيطروا على قرارها السياسي كما كانوا مهيمنين عليه قبل انتصار ثورة الشعب في 21 من سبتمبر.

فهذا العدوان لم يكن استباقياً ولم يكن رداً على أي استفزازات أبداً على الإطلاق، وهذا ما كشفه مؤخراً ولي عهد النظام السعودي المجرم محمد بن سلمان في التصريحات الأخيرة الذي قال فيها: أن هذا العدوان سيستمر من أجل حماية باب المندب كما زعم، ومن أجل ألا يتحول أنصار الله إلى حزب الله بجوار الحدود السعودية، وهذا دليل واضح أن كل ما تردد في اْبواق أعلام العدوان منذ بداية هذا العدوان إلى اليوم ليست إلا مبررات واهية وتستر خلف عناوين زائفة أثبت الواقع كذبها وزيفها وإنما الهدف الحقيقي للعدوان هو احتلال البلد ونهب الثروة وتقسيم اليمن الى كانتونات مجزءة في ظل مشروع أمريكا وإسرائيل في المنطقة من تقسيم المقسم وتشتيت المشتت وإحياء النزعات العرقية والطائفية والمناطقية، وإغراق الشعوب العربية والإسلامية في أتون الصراعات البينية التي لا تنظر إلى هموم هذه الأمة والتفكير بالقيام بمسؤولياتها كشعوب تجاه قضاياها المحورية والمركزية وعلى رأسها قضية فلسطين.

وعلى العلماء مسؤلية كبيرة في كشف وفضح المحتلين والغزاة والقيام بتوعية الناس بالحقيقة التي يخفيها من لا يريد أن تتضرر مصالحه أو تنقطع مؤنته التي تقدم له من جارة السوء، ولهذا يرى هذا العدوان فتنة ولا يرى فيه احتلالاً سيما وما يعمله المحتل اليوم في المحافظات الجنوبية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه احتلال بكل المقاييس ولهذا مسؤولية العلماء والجميع التحرك بجد للوقوف ضد المحتل والعمل باهتمام لافشال مخططات المحتلين.

وأرجو من الإخوة العلماء أن يطلعوا على كلام الإمام الهادي عليه السلام في مجموعه في فضل الجهاد، عندما قال عليه السلام: "فليعلم كل عالم أو جاهل، أو من دعي إلى الحق فتواني، وتشاغل، وكره السيف والتعب، وتأول على الله التأويلات، وبسط لنفسه الأمل، وكره السيف والقتال، والملاقاة للحتوف والرجال، وآثر هواه على طاعة مولاه، فهو عند اللطيف الخبير العالم بسرائر الضمير من أشر الأشرار، وأخسر الخاسرين، إن صلاته وصيامه وحجه وقيامه عند الله بور، لا يقبل الله منه قليلا ولا كثيرا، ولا صغيرا ولا كبيرا، وأنه ممن قال سبحانه فيه حين يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَة * عَامِلَةٌ نَّاصِبَة * تَصْلَى نَارًا حَامِيَة}"، إلى أن قال عليه السلام في آخرها: "فابتدروا إلى الله تسعدوا، ولا تتخلفوا عنه فتهلكوا، ويرميكم بالذل والصغار، ويحشركم يوم القيامة إلى النار، قد بذلت لكم النصيحة إن كنتم تحبون الناصحين، والحمد لله رب العالمين".


س10: خطاب التكفير كان ولازال حاضرا منذ الحرب الأولى على صعدة حتى اليوم ومن نفس الأبواق والأصوات ما هي الدوافع التي تدفع بالكثير من من دعاة ومشائخ السلفية والإخوان لإطلاق الفتاوى والبيانات والعبارات التي تبيح المحرمات الثلاث الدم والمال والعرض بحق الكثير من أبناء الشعب اليمني من وجهة نظركم؟

ج10: إن الدوافع التي جعلت الخطاب التكفيري الذي كان ولا زال حاضراً منذ اندلاع الحرب الأولى على صعدة وصولاً إلى هذا العدوان واستهداف الشعب اليمني وقتله من خلال نشر هذه الخطابات التكفيرية المنبوذة في بلدنا وأن منبع هذه الخطابات هو من نتاج ومحصلة الأعمال الإستخباراتية السعودية والأمريكية والإسرائيلية والبريطانية وغيرها في تفكيك نسيج المجتمعات العربية والإسلامية لما يخدم مشروعهم التدميري في المنطقة.

فالدوافع واضحة لاستمرار الخطاب التكفيري من قبل ومن بعد ويؤكد تورط المعتدين في كل الاحداث التي جرت من قبل وخلال هذا العدوان لاستهداف اليمنيين وإحياء النزعات الطائفية والمناطقية والعرقية وزرع الفتن وإغراق الشعوب فيما بينها وهذا ما يحتم على الجميع سيما العلماء أن يتحركوا لنبذ الكراهية وذم هذا الخطاب التكفيري الذي يخدم أعداء هذه الأمة والذي هو يفرق لا يجمع فالأمة بحاجة الى خطاب جامع يوحدها لا أن يفرقها وأن يجعلها أمة قوية محصنة متمسكة بالقرآن الكريم وبنبيها العظيم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالعلماء عليهم مسؤولية كبيرة في رفع وعي الشعوب وربطها الى مصادر قوتها التي يحاول الأعداء فصلها عن مصادر قوتها وعزتها وحرف بوصلة العداء الى قلب هذه الامة ونسيان الأعداء الحقيقيين لهذه الامة ومسخ هويتها ومحو حضارتها وتدجينها لليهود والنصارى.


س11: من موقعكم كعالم ومفتي ما رسالتكم لمفتي السعودية وخطباء الحرم المكي والمدني الذين يوظفون الدين ويفصلونه بما يتناسب مع سياسة ولاة الأمر كما حصل في أفغانستان ويحصل في سوريا واليمن وليس آخر الفتاوى حكم قيادة السيارة؟

ج11: رسالتي إلى مفتيهم وعلمائهم أن اتقوا الله في أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وراقبوا الله في ما تقومون به فقد حملكم الله مسؤولية عظيمة جليلة وأنتم مسؤولون عن كل كلمة تتفوهون بها بين يديه سبحانه وتعالى، وكان الواجب المحتم عليكم السعي إلى وحدة الأمة على كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجمع كلمتها وتأليف قلوب أفرادها وتوضيح ما التبس عليها من أمور دينها، وأنتم مسؤولون عن كل قطرة دم سفكت وعن كل نفس أزهقت وعن كل دار قصفت، أنتم مسؤولون عن حصار شعوب بأكملها تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وعن كل ما يقوم به حكامكم من دمار وخراب وعبث وفساد.

فأنتم من ساندتموهم بفتواكم، وشرعتم لهم ظلمهم وفسادهم بمجاراتكم لهم وتجويزكم لهم كل ذلك، وأنتم واقفون ومسؤولون عن ذلك بين يدي الله تعالى فما هو جوابكم ؟

أولم تقرؤا قول الله تعالى {وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ}، أولم يقرع مسامعكم {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}؟

أولم تقرؤا وأنتم تزعمون أنكم حفظة القرآن {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} ، { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}؟ وأنتم ترون وتشاهدون حكامكم وأمرائكم يوالون أعداء الله نهارا جهارا ويطبعون مع الصهاينة ويقيمون التحالفات معهم، ويدمرون أمة تنفيذا لرغباتهم، فاتقوا الله في دماء أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله واتقوا الله في المساهمة في تفريقها وتمزيقها وشرذمتها وتكفيرها.

وأنتم تعلمون أن هؤلاء الظلمة إنما جعلوكم مطية لجرائمهم واتخذوكم سلمًا لبلوغ مآربهم وزيفوا على العامة بسكوتكم عن إفسادهم.

وأعلموا أن هؤلاء لن يغنوا عنكم من الله شيئا وهم أول من سيلقُون اللائمة عليكم بانكم من أظلهم وأعمى بصائرهم ولعمري لن ينفعكم ولن ينفعهم ذلك بين يدي الله سبحانه وتعالى، وكيف ستتخلصون من ذلك {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} وهاهم يجعلون منكم أضحوكة أمام المسلمين فتحلون لهم ما حرمتموه عليهم سابقا وتحرمون عليهم ما قد أحللتموه لهم سابقا على غير هدى ولا بصيرة.

ومن أهم العوامل التي جعلت هؤلاء يسهمون بل يشاركون في سفك دماء اليمنيين سابقاً ولاحقاً

المطامع الشخصية التي يسعون إليها من أمرائهم ورؤسائهم وملوكهم والتي يتمكنون من خلالها من ممارسة بث سمومهم لتشويه تعاليم هذا الدين وتحريف ثقافة المسلمين من خلال ما يحظون به من سلطة مادية مالية ومعنوية مكانية في أوساطها.
الثقافة المغلوطة التي تربوا عليها واعتقدوها حقا وغيرها باطلا، وبالتالي فهم يعتدُّون أنهم ينطلقون في ذلك من واجب ديني ومسؤولية إسلامية.

حينما قدسوا نصوص وأقوال أئمتهم وعلمائهم؛ فحالت تلك النصوص والأقوال بينهم وبين أن يستضيئوا بنور القرآن، ويهتدوا بهدي خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم

موالاة الظالمين من حكام الجور وطغاة الأرض نتيجة مرويات مكذوبة تنسب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كذبا وزورا، وضمنوها ما سمّوها بعد ذلك صحاحاً وقعَّدوا لهم قواعد حجبت عنهم البصيرة والنور الالهي المبثوث في ثنايا كتابه الحكيم.
الأحقاد والضغائن الدفينة في صدورهم تجاه المسلمين الذين يخالفونهم في معتقداتهم ومذاهبهم حتى استجازوا تكفيرهم وذبحهم لمجرد المخالفة الفكرية.

ولعل والله أعلم أن أهم تلك الأسباب هي الثقافات والاعتقادات والأفكار التي ورثوها عن أشياخهم وعلمائهم وجعلوها نصوصا مقدسة وعاملوا الناس على وفقها دون نظر أو تأمل فيها، وفي موافقتها لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة.

ثم موالاتهم لحكام الجور وأئمة الكفر رغم يقينهم ببعدهم عن كتاب الله وسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وما تبريرهم لصوابية موقف يزيد بن معاوية وهشام بن عبد الملك من الأمام الحسين بن علي وزيد بن علي إلا دليل على هذه المولاة التي أعمت بصائرهم مع ما ينقلونه ويرونه من جرائمهم وظلمهم وتجبرهم فضلا عن موالاتهم لحكام آل سعود ونظام آل نهيان اليوم.

كل ذلك جعلهم يستجيزون الجرائم البشعة لهذه الحكومات الجائرة، بل ويشرعون لها سفك دماء المسلمين وتجويعهم وحصارهم فضلا عن يقينهم التام بالمنكرات التي تمارسها هذه الأنظمة والحكومات من تعطيل للحدود، ونهب للمال العام وموالاة أعداء الله واستحلال الحرمات ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دقيقاً في وصف هذه الفئة من العلماء والدعاة والمشائخ حينما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: »يكون في آخرالزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً« رواه الطبراني في الصغير واﻷوسط، وقد خاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم  من هولاء على أمته لما يشكلون من خطرعظيم على اﻹسلام والمسلمين باسم العلم وباسم الدين من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم »إنما أخاف على أمتي اﻷئمة المضلين« رواه أحمد وأبو داود والدارمي والترمذي وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين« رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: »إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان« رواه أحمد حتى قال سعيد بن المسيب إذارأيتم العالم يغشى اﻷمراء فاحذروا منه فإنه لص« فهولاء هم الذين يفتون بحسب أهواء السلطان واﻷمير فيحرمون ما يضره ويبيحون ما فيه مصلحته، فهؤلاء وأمثالهم يجب على الأمة وعلى كل مسلم الحذر منهم ومقاطعتهم وعدم الثقة بهم امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، ويدخلوا في الدنيا، فإذا خالطوا ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل، فاعتزلوهم واحذروهم«.


 س12: علاقات النظام السعودي المريبة ببريطانيا وأمريكا لا تخفى على مسلم إلا أنا نرى تبريرا وتنظيرا دينيا من قبل مشائخ الوهابية لهكذا علاقة وانفتاح كيف تنظرون أنتم لهذه العلاقة وهل تشكل خطرا على الإسلام والقرآن؟

ج12: العلاقة بين نظام آل سعود وبين بريطانيا لا تخفى على من له أدنى وعي بواقع الأمة وقد تحدث الكثيرون عن ذلك وألف الكثيرون حول ذلك ومذكرات »همفر« لا زالت موجودة وشاهدة على طبيعة تلك العلاقة المريبة.

ويتضح بجلاء وجود عناصر من المخابرات البريطانية كانت أشبه لمستشارين يرافقون الملك عبد العزيز آل سعود في كل تنقلاته ورحلاته.

ومعلوم لدى الأمة أن نشأة هذا النظام السعودي كانت من أهم العوامل المساعدة له بل والراغبة في نشأته هي المملكة البريطانية حينما تأكدت من كون عبد العزيز آل سعود خاتم في إصبعها ومتنفذ لسياستها ورغباتها وطوع أمرها.

ثم لم يكتف هذا النظام بالارتماء في أحضان المملكة المتحدة حتى إذا بزغ نجم أمريكا وأصبحت ذات سطوة ومكانة عالمية بادر النظام السعودي بالتحالف معها وتوطيد العلاقة معها وإبداء الرغبة في الانطواء تحت حمايتها، وما اجتماع عبد العزيز مع روزفلت في الباخرة في عرض البحر بخاف على أحد.

ومن ذلك الوقت وإلى اليوم فإن نظام آل سعود يعتمد اعتمادا كلياً في حماية نظامه وموارده النفطية على هذه الدول، ويقوم بدور واضح لتنفيذ سياسات ورغبات هذه الدول في تمزيق هذه الأمة وشرذمتها والتآمر عليها وما رسالة عبد العزيز آل سعود المنشورة عن بيعه وتسليمه لقضية فلسطين بخافية، وهو بذلك -أي النظام السعودي- يظهر وبجلاء -إلا لمن قد ران على قلبه- أنه بعيد عن الله بعيد عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بعيد عن من يسمونهم بالخلفاء الراشدين في سياسته وعمالته وارتهانه لأمريكا وإسرائيل وبنصوص القرآن الكريم واضحة قاطعة في حكم من تولى اليهود والنصارى، وأنه ليس من الله في شيء وأنه منهم وهم منه.


س13: ما حكم استغلال الأماكن المقدسة لأغراض ومصالح سياسية لا سيما فيما يتعلق بالعدوان على اليمن وغيره وهل آن الأوان لتشكيل لجنة إسلامية مستقلة لخدمة الحرمين والإشراف على الحج؟

ج13: يجدر بنا ملاحظة هامة لازال الكثير من أبناء الأمة غافلين عنها وهي تمكين النظام السعودي والنظام الإسرائيلي من الأماكن المقدسة الثلاثة للمسلمين وهي المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى.

وبالتالي فوقوع هذه الأماكن المقدسة وعلى رأسها قبلة المسلمين الأولى تحت سيطرة آل سعود وكذلك المسجد النبوي، وهيمنة نظام إسرائيل على بيت المقدس، سيفرغ هذه الأماكن من فاعليتها ودورها في الأمة، وسيجعل منها مجرد أماكن لطقوس وشعائر شكلية لا أثر لها.

بل ساهمت هذه الأماكن المقدسة ولاسيما في المملكة العربية السعودية في تخدير الأمة وحرف بوصلتها وتزييف وعيها وصرف أنظار المسلمين عن العدو الحقيقي لهم وتحويله إلى راع للسلام ودولة عظمى لا يمكن هزيمتها وإذلالها، وليس بخاف خطب وفتاوى التكفير للأمة من على منابر هذه المقدسات وشرعنة الحروب على المسلمين من ساحاتها وباحاتها.

ما سبق ذكره دليل على نجاح الدول الكبرى التي أنشأت هذين النظامين وتمكينهما لأداء هذا الدور المشبوه.

وبالتالي فاستغلال آل سعود للأماكن المقدسة لم يكن وليد الساعة وللحظة والظروف التي نتجت عن الحرب العدوانية على اليمن فحسب، بل هو استغلال قديم من خلال تحويل هذه المقدسات إلى أماكن تنفذ وتحقق رغبات دول الاستكبار العالمي بأيدي وتنفيذ سعودي فتاهت الأمة وضاعت وحرفت بوصلة اهتمامها نتيجة ما تقوم به هذه المقدسات من دور مرسوم ومدروس وموضوع لها.

 

وجموع المسلمين تتقاطر إلى هذه المقدسات بإجلال وإكبار وتعظيم فهي أماكن نزول الوحي والهدي الإلهي وهي قبلتهم ومأوى أفئدتهم، ولا يخطر ببال مسلم فضلاً عن أهل اليمن من شهد لهم رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإيمان والحكمة أن يفكروا بسوء أو يقوموا بعدوان تجاه هذه المقدسات وهم من يتوقون لتخليصها وتحريرها وإعادة الدور الفاعل لها في توحيد الأمة وإنارة طريقها.

فهذا الاستغلال الرخيص من قبل نظام آل سعود لها، ما هو إلا إحدى صور التزييف الذي تمارسه السلطات السعودية وعلمائها على الأمة، وهي من تمنع حجاج المسلمين من الحج إلى هذه الأماكن، وتسترخص دماء الحجاج التي لا تكاد يخلو منها موسم حج دون اكتراث لسفك الدماء الطاهرة تحت مبررات واهية.

وهذا الاستغلال المذكور والمعروف والذي لا يخفى على أحد من المسلمين قطعا لا يجوز ولا تجيزه شريعتنا الإسلامية ويجب على المسلمين التحرك الفاعل لتخليص مقدساتهم ممن يعبثون بها ويتلهون بها.


س14:ما هو الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء والخطباء في مواجهة الفساد المالي والإداري وتدعيم أسس الشراكة العادلة وتصحيح المسار السياسي أم أن هذا الملف أو الشأن لا يعنيهم وليس من اختصاصهم كما يقول البعض؟

ج14: ج: بما أن العلماء (ورثة الأنبياء) كما ورد في الحديث النبوي، وأنهم أولى الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن لا يخافوا في الله لومة لائم فإن أعظم المهمات وأكبر الوظائف يجب أن يتحملها العلماء في مواجهة الفساد المالي والإداري، أما من يريد حصر دور العلماء في زوايا المساجد، فهو في الحقيقة يمارس دورا مشبوها، لا يقره الإسلام، ولا يعترف به.

أما ما يمكن أن يقوم به العلماء في هذا الشأن، فأول ما يجب عليهم هو التبيُّن والتثبت في كل ما يقال ويحكى عن الفساد وصوره ومظاهره، انطلاقا من قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، ثم بعد ذلك يجب عليهم التبيين لحرمة الفساد، ولحرمة ممارسته، وأن الآكِلَ من أموال الفساد هو آكلٌ للسحت الذي حرم الله، وأن القبح يشتد أكثر وأعظم حينما نجد مفسدين يمارسون غوايتهم الخبيثة في الفساد في ظل هذه الظروف الحرجة من عدوان وحصار وتجويع وإرجاف وتواطؤ وتمالؤ دولي على اليمن وأهله.

يجب على العلماء أن يفضحوا الفساد والمفسدين ويحذروا منهم، ومن أعمالهم الموجبة لسخط الله.؛ يقول الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}، ونهى عز وجل عن السكوت على الباطل، واعتبره مشاركة لفاعليه، بل ولعن الساكتين عن المنكر كما قال تعالى { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون}.

وعلى العلماء قبل ذلك النصيحة لأولئك المفسدين ولرعاتهم والمشجعين لهم بتقوى الله والتحذير من سخط الله، وأن عاقبة ذلك في الدنيا والآخرة هو الهوان، والفقر، والخزي.

وعليهم التوجيه والإرشاد للجماهير المسلمة بتكوين رأي عام سليم ونقي وثقافة إيجابية بناءة ضد الفساد والمفسدين، وتوجيه هذا الرأي العام الوجهة السليمة، التي تبني ولا تهدم، وتعين ولا تقصي، والتي من شأنها قطع دابر الفساد الذي من دون شك قد اكتظت به السنون، وضاقت بسببه الأحوال.

ثم على العلماء إذا أرادوا أن تكون جهودهم مثمرة ومرتبة ومفيدة أن ينظموا جهودهم في أطر مؤسسية تضمن وصول صوتهم إلى صانع القرار في البلد، وأن يتحركوا من خلال هذه المؤسسات تحركا مثمرا ومفيدا، ولتكن رابطة علماء اليمن مثلا هي المؤسسة التي يتحرك من خلالها العلماء لمحاربة الفساد، ولتكن ظهيرا ومساندا كبيرا لحكماء وعقلاء اليمن، تلبية لدعوة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.

وأما بشأن تدعيم أسس الشراكة، وتصحيح المسار، فلعلك تقصد المجلس السياسي الأعلى، فواجب العلماء أن يكونوا في هذه القضية شوكة ميزان، يدعون الجميع إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعا، وإلى تقوى الله والخوف منه، وتحمل المسؤولية كاملة تجاه هذا الشعب الصابر الثابت المضحي.

وندعو لتصحيح هذه الشراكة على أسس عادلة وكريمة تحفظ للشعب كرامته، وتصون حقوقه، وتضع اعتبار الشعب وحقوقه فوق كل الاعتبارات الحزبية والسياسية والشخصية، وأن تكون الشراكة على أسس التعاون على البر والتقوى، وعلى أساس مصلحة الإنسان الذي كرمه الله عز وجل، وعلى أساس العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص بين جميع أبناء الشعب.

وإنه لمن الحرام المحرم أن تكون شراكة مبنية على نهب الأموال، وعلى التغاضي عن المفسدين، والمداهنة للذين لا يخافون الله، ويعبثون بحقوق الناس، وبالأموال العامة والخاصة.

لهذا لا بد أن تكون شراكة على أساس مواجهة العدوان أولا، الذي يعتبر أم الكبائر والمعاصي، ومكمن الفساد الأول، وبيت العلة الذي تنتهي إليه كل العلل والأمراض والاختلالات، ثم على أساس إرادة الخير والبر والتعاون وتحقيق الانتصار، والطمأنينة، والأمن، وقمع شره الأشرار، وبغي الفجار، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، وليكن العلماء في مقدمة المصححين لأي شراكة لا تلتزم بمنهج الله الذي كرم الله فيه عباده.

وعلى الإخوة العلماء أن يستشعروا معنى كلام أمير المؤمنين عليه السلام، حين قال: "وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم".


س15:ما هو رأي الشرع في القاعدين من أبناء الشعب عموما ومن أبناء القوات المسلحة على وجه الخصوص في ظل هذا العدوان وهل الراتب شرط في الذهاب للدفاع عن الشعب والوطن؟

ج15: الله سبحانه وتعالى أمرنا بالجهاد والتحرك في سبيله بأموالنا وأنفسنا، ولا سيما في حالة الدفاع عن الأعراض والأموال، والدفاع عن الدين، ومن أجل المستضعفين، قال الله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة41]، وقال تعالى: {لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التوبة88]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات15]، وبيّن القرآن الكريم الجهاد بالنفس عمليا بالقتال، حيث قال: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة190]، {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة244]، {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء74].

هذه الآيات وأحاديث كثيرة تلزم كل يمني اليوم أن يتحرك في الجهاد في سبيل الله بدفع وقتال هؤلاء المعتدين، الذين اشتهر وذاع أنهم يتحركون وفق مخططات أمريكية وصهيونية، وأنهم فعلوا ويفعلون شرا بالمسلمين، وأنهم ليس من ورائهم إلا خراب الدين وتدمير الأوطان، وهذا أمر مشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار.

وعليه فإن الله قد أمر الجميع بالجهاد في سبيل الله، ولم يشترط أن يكون للمجاهدين رواتب، بل أمر الله أن نجاهد بأموالنا، وإذا كنا مأمورين أن نجاهد بأموالنا فهذا يعني أنه من الخطأ الفظيع أن يربط موضوع الجهاد في سبيل الله بالرواتب أو أي أعذار قد يسوقها البعض هنا أو هناك.

وإذا كنا نرى كثيرا من جماهير شعبنا اليمني المؤمن ينطلقون للجهاد والدفاع عن عقيدتهم وأعراضهم وحقوقهم وحاضرهم ومستقبلهم ومعظمهم ليسوا بموظفين، فكيف يشترط بعض العسكريين وهم من أنفقت عليهم البلد أموالا طائلة في تدريبهم وتدريسهم، حتى إذا أمكنتهم الفرصة لإثبات جدارتهم وللقيام بواجبهم اختلقوا لأنفسهم هذه المبررات، مع أن الجميع يعلم أن قضية المرتبات تعود في أسبابها إلى العدوان، وأن المعتدين استهدفوا شعبنا جميعا من خلال نقل البنك المركزي إلى عدن، والاستيلاء على عائدات البلد وثرواته، وكان المفترض أن يكون هذا حافزا للقاعدين في التحرك لا في التباطؤ والتخاذل.

ولولا هؤلاء المجاهدون الأبطال لكان شعبنا قد وقع في براثن الاستعمار والاحتلال الذي لم يبقِ ولم يذر، ثم انقطاع المرتبات قد مضى عليها شهور، فهل وفر القعود والجلوس مع النساء في البيوت لأحد المرتبات، كلا.

لن يعيد المرتبات إلا الانتصار على الأعداء المعتدين الباغين، وتحرير البلد من الطاغين والمستعمرين، وهزيمتهم، وبهذا يتحقق لليمن الخير والرفاه والعيشة المطمئنة، أما التكاسل والقعود والخذلان فلن يجلب سوى الخزي في الدنيا وسخط الله في الآخرة.

القضية الفلسطينية


س16: كيف تقيمون وضع القضية الفلسطينية من منظور ديني ومن يتحمل سبب إطالة المظلومية للقضية والشعب الفلسطيني؟

ج16: القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى، ويجب أن تكون قبلة المسلمين الأولى في التحرك، وتحرير المسجد الأقصى الذي باركه الله وبارك ما حوله من دنس اليهود الغاصبين المحتلين، وهذا واجب ديني على كل مسلم.

واليوم اتضح للجميع أن المعتدي على فلسطين وعلى اليمن هو عدو واحد، وأن الكيان الصهيوني والكيان السعودي زرعهما الاستعمار البريطاني في قلب الأمة ودماغها وعلى أهم مناطق التأثير الروحي في المسلمين، الحرمين الشريفين، والمسجد الأقصى، ليمرر مشاريع التمزيق والتفرقة والبعثرة من خلالها، وليمنع التأثير الإيجابي من الوصول إلى المسلمين، للاعتصام بحبل الله جميعا، وإعداد العدة لجهاد المعتدين.

والحقيقة أن قضية فلسطين قد طالت أكثر، وكان يجب على المسلمين في كل وقت أن يتحركوا لتحريرها، وطرد المحتلين الصهاينة، ولكن بسبب اختلال الوعي لدى الأمة الإسلامية، وانعدام المشروع الإسلامي الجامع للأمة غير المفرق لها، وحلول مشاريع استعمارية بديلة لمشروع الوحدة بينهم، ووجود قوى وأنظمة منافقة تدين بالولاء للعدو الكافر، وتتواطؤ معه على تمييع القضية، وإماتتها، والتطبيع مع العدو، وما زيارات مسؤولي السعودية وأمرائها إلى الكيان اللقيط إلا مظهر من مظاهر ذلك التواطؤ والتآمر على بلدنا فلسطين.

في كل مراحل الصراع بين المسلمين والصهاينة أمَّلت الأنظمة الخانعة والذليلة والمتآمرة خيرا في العدو، فقد كانوا يتصارعون مع اليهود، ثم ينتظرون ما تمليه عليهم بريطانيا أو أمريكا التي هي من زرعت وربت وحمت الصهاينة، ولا زالت حتى اليوم، فمن أين سيأتيهم النصر؟

من أين يأتيهم النصر، والكثير من الأنظمة العربية والإسلامية تقيم علاقات مع الكيان الغاصب ومع أسياده الذين يوفرون له الحماية؟

ومن أين يأتيهم النصر، وهم لا ينصرون الله في أنفسهم ولا في واقعهم ولا في تعاملاتهم، ولا في إعداد العدة، ولا اتباع مقومات النصر التي أعلمنا بها الله في كتابه الكريم؟

من أين يأتيهم النصر، وعلماؤهم للأسف الشديد، أصبحوا علماء بلاط، يمسحون أحذية الحكام، ويحللون ما يشتهيه الحاكم، ولو كان محرما في الشريعة، ثم يحللون ذلك الشيء حينما يريد الحاكم تحليله؟

الله وعد عباده بالنصر، لكن لذلك النصر سنن ومقومات وطرق يجب أن يسلكوها ليصلوا إلى نصر الله ووعده الذي وعده لأوليائه بخزي أولئك الصهاينة، وتدمير كيانهم الإرهابي، وإعادة الحقوق إلى نصابها.


س17: بريطانيا تحتفل قبل أيام بوعد بلفور المشؤم وتفتخر به كمنجز تاريخي لبريطانيا ما هو الموقف المطلوب من قبل الأنظمة والعلماء والشعوب أم هكذا موقف؟

ج17: هذا يؤكد أن الإنجليز ماضون في جرائمهم ومؤامراتهم وأنهم بعد مئة عام من المؤامرة ووعد من لا يملك لمن لا يستحق، وللأسف بينما نرى العرب والمسلمين قد تخلوا حتى في الشعارات عن القضية الفلسطينية، وباتوا يتفاعلون مع مؤامرات العدو، في الوقت الذي لم ينس المجرم جريمته، ولا زال مصرا عليها.

لقد أوجب الله على المظلوم أن يدافع عن نفسه، وأن يتحرك في مواجهة الظالمين، والمغتصبين، وإلا فإن ما يلحقه من الخزي والهوان هو عقوبة عوقب بها بسبب تقصيره وتفريطه.

موقفنا اليوم هو التصدي لهذه المؤامرات، والعودة إلى كتاب الله خير الحديث، وخير الهدي، الذي فيه قوتنا، ومنهجنا، وهدانا وبصيرتنا، فنأخذ منه ذخيرة التقوى، وزاد البصيرة، والتحرك في شتى الميادين لاستنهاض الشعوب، وتفعيل مقومات قوتها، وعوامل عزتها وكرامتها، وتكوين الأمة الواحدة المعتصمة بهدي الله، والتحرك إلى المنازلة والمواجهة الفاصلة عسكريا واقتصاديا وثقافيا ضد أولئك المعتدين، وعندئذ ينزل الله النصر الذي وعد عباده المؤمنين المجاهدين.


س18: أين دور العلماء فيما يتعلق بأولى القبلتين وثالث الحرمين ولماذا لم يعد خيار الجهاد لطرد المحتل وتحرير المسجد الأقصى حاضرا كحضور من يقول سنحرر صنعاء ودمشق وهل تحتاج صنعاء ودمشق إلى جيوش مجيشة لتحريرها؟

ج18: -هناك نوعان من العلماء

نوع نسميهم مجازا من العلماء، وإلا فإنهم في مراتع الجهل يقيمون، وأعظم الجهل هو الجهل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هؤلاء الذين يقفون على ابواب السلاطين والملوك، يحسنون قبيحهم، ويزينون جرائمهم وتصرفاتهم، ويباركون انبطاحهم للعدو الصهيوني، ويشجعونهم على البغي على إخوانهم المسلمين كما هو قائم اليوم في هذا العدوان على بلدنا وشعبنا، فالحق لديهم ما قاله الحاكم، والباطل لديهم ما لم يشتهه الحاكم ولو كان مخالفا للشريعة، هؤلاء لا خلاق لهم، وباتوا يخشون أمراءهم وملوكهم أكثر مما يخشون الله، ويسعون في مرضاة (ترامب) و (سلمان) وغيرهما من المجرمين في الأرض أكثر من سعيهم في طاعة الله، فهؤلاء لا تعويل عليهم، وهؤلاء هم الذين يصفقون للطغاة والمستكبرين في هذه الأرض، ومن قبل دعوا إلى تحرير دمشق من أهلها وأبنائها، بينما القدس بالقرب منها، يفعل فيها أبشع المنكرات بالمسلمين والمسلمات وهم لا يحركون ساكنا، ولا ينبسون ببنت شفة.

وهناك نوع آخر من العلماء على قلتهم، وخفوت صوتهم الإعلامي، ظهر لهم دور جيد، فنراهم يتحركون في التوجيه والإرشاد والتوعية، وحث الأمة على الجهاد، والمصابرة والمرابطة والمقاومة والمواجهة للمعتدين الصهاينة، والتصدي للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية التي تنفذها أياد عربية وإسلامية، ومن الأدوار التي يقومون بها ما طالعتنا به الأخبار من انعقاد مؤتمر الوعد الحق في بيروت لبنان في الفترة الماضية القريبة.

نأمل تطوير العمل العلمائي إلى الشكل الأفضل، بإقامة المؤتمرات والندوات والبحثية والفكرية والثقافية، والمواكبة لجميع المؤامرات بالمواقف الصادقة والمشاريع البناء، وإتاحة وسائل الإعلام للعلماء الربانيين ليؤدوا مهمتهم في إرشاد وتوعية الشعوب، وتوجيههم نحو العدو الحقيقية لهذه الأمة في فلسطين المحتلة، والتحذير من خطر الشتات والانحراف بوعيهم نحو ما يزعمونه من تحرير دمشق أو صنعاء، والتي ليست سوى صدى خبيثا وترجمة أمينة للمشروع الأمريكي الصهيوني الكافر ضد الإسلام والمسلمين وتمزيقهم وتدميرهم.