الحياد ودوره النفاقي الخطير على الأمة..!!

نشر بتاريخ: اثنين, 18/12/2017 - 9:03م

 

كان للمنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مواقف سلبية كثيرة ومتعددة وقد يكون في البعض منها ما يثير الدهشة والاستغراب.. ومن ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن موقف المنافقين في معركة أحد، وكيف أنهم تنصلوا عن المسؤولية الملقاة على عاتقهم في نصرة الدين، وحماية المدينة، والدفاع عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين يواجهون الموت، ويخوضون مع قريش دفاعاً عن أنفسهم وعن أولئك أيضاً معركة غير متكافئة، وكانت الوقعة أليمة، واللحظات عصيبة، ونزلت آيات الوحي تهدئ من روع المؤمنين وتخفف من آلامهم ومعاناتهم، وتفضح موقف المنافقين ودورهم السلبي الخطير..

قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ .

والآية هنا كما في غيرها من الآيات تشير إلى أن ما وقع للمسلمين في تلك المعركة أمر طبيعي وسنة من سنن الله في الخلق ليحصل الفرز وليتبين المؤمن الصادق من المنافق الكاذب .. وهو الأمر الذي حصل بالفعل من خلال الفرق الواضح بين تلك المواقف الإيمانية الصادقة للمؤمنين الصادقين، وذلك الموقف السلبي المتخاذل الجبان للمنافقين،  والذي أشارت إليه الآية في قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ ﴾!!

حيث وإن المنافقين قد وقفوا في تلك الغزوة موقف الحياد، وقعدوا عن الجهاد مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وتخاذلوا عن نصرة الدين والذود عن حياضه، ورجعوا إلى المدينة بعد أن كانوا قد خرجوا معه إلى بعض الطريق وكانوا قرابة ثلاثمائة وخمسين، بعد أن قال زعيمهم عبدالله بن أبي: (علامَ نقتل أنفسنا؟؟)..!! مع أنهم يعلمون أن قريشاً قد أعدت العدة وخرجت بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل مجهزين بكامل عدتهم وعتادهم، عازمين على غزو المدينة، وقتل المسلمين، واستئصال شأفتهم، وفي الوقت نفسه كان أولئك المنافقون يعلمون أيضاً شدة عداء قريش وطغيانها، وما الذي يمكن أن يحصل لو تمكن المشركون من دخول المدينة والسيطرة عليها، ويعلمون كذلك أن خروجهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خروج في جانب الحق الواضح الذي لا شك فيه ولا ريب، ويعرفون كذلك حق المعرفة أن خروجهم واجب، وأن قتالهم مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله جهاد في سبيل الله، وأن موتهم شهادة، وانتصارهم عزة، وموقفهم في تلك المواطن من أكبر الطاعات وأعظم القربات..!!

ومع ذلك كله نجد المنافقين يعتزلون المعركة ويقفون في هذا الموقف العصيب والوضع الحرج موقف الحياد.!! بل ويشككون في مصداقية جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين بقولهم: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ ﴾!! ولسان حالهم أن خروج رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المؤمنين - وحاشاهم ذلك - ليس جهاداً ولا دفاعاً عن دين ولا عرض، وإنما هو - حسبما يوحي به منطقهم - تحرك أرعن لا تتحقق منه نتيجة، وليس فيه أي فائدة، وكأنهم يقولون لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المؤمنين: إنكم تؤلبون الناس ضدنا، وتثيرونهم علينا، وتسعون من خلال ذلك الحشد والتحرك إلى إلقاء أبنائنا وخيرة رجالنا إلى الموت بلا سبب ولا فائدة..!!

 ولربما أشاعوا وأذاعوا أن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المؤمنين يجنون من وراء ذلك التحرك وما يقدمونه من تضحيات مكاسب دنيوية ماديّة من غنائم وغيرها، وانهم يريدون أن تكون لهم السيادة والشرف ويسعون إلى الرتب والمناصب... إلى آخر ما يمكن أن نتصوره من تلك التقوّلات التي دأب صف النفاق في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إشاعتها بين الناس لتبرير ما كانوا عليه من الحياد، والبحث عن أعذار واهية لتخلفهم وقعودهم عن الجهاد من جهة، ولتثبيط أفراد المجتمع عن التحرك والقيام بأي عمل من شأنه مواجهة الباطل وتحقيق أي انتصار قد يفيد المسلمين ويرفع من شأنهم من جهة أخرى..

وهو الأمر الذي نجده اليوم واضحاً ومتجسّداً وللأسف الشديد في وضعنا الحالي وحالتنا الراهنة ونحن نرى هذا العدوان الغاشم على بلد الإيمان والحكمة من قبل تحالف صليبي صهيوني، تقوده أمريكا، وتديره إسرائيل وتشارك فيه مشاركة فعلية مباشرة وواضحة دون تخفي أو مواربة، ونرى ما نتج عن هذا العدوان من الاستهداف المتعمد والمباشر لليمن أرضاً وإنساناً، وارتكاب أفضع المجازر والجرائم في حق الشعب اليمني على مرأى ومسمع من العالم، وقتل اليمنيين بالطائرات واستخدام أفتك الأسلحة التدميرية، والأسلحة الكيماوية، والقنابل المحرمة، ونشر الأوبئة والأمراض الفتاكة، وحصار كامل على أبناء الشعب اليمني وتجويعهم وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية والمعيشية التي كفلتها القوانين والمعاهدات الدولية، بالإضافة إلى ما نراه من تحرك لأعداء الإسلام لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة لمحو الإسلام وقتل المسلمين، وتدنيس المقدسات، واحتلال أراضي المسلمين، ونهب خيراتهم، والسيطرة على ثرواتهم..

وكل ذلك وغيره مما يخطر على البال وما لا يخطر ومع ذلك لا زلنا نرى الكثير من أبناء جلدتنا من إخواننا في الدين والوطن والدم والنسب، أفراداً كانوا، أو أحزاباً، أو حكومات، نجدهم اليوم في موقف الحياد، يقفون موقف المتفرج، متخلين عن المسؤولية تجاه دينهم ووطنهم وإخوانهم المؤمنين المستضعفين، وما يمليه عليهم الواجب الديني والوطني في التحرك لمواجهة هذا العدوان الغاشم والتصدي لهذه المؤامرة الخطيرة على بلد الإسلام ومقدسات المسلمين، ولم نر وللأسف الشديد من أولئك حتى هذه اللحظة أي تحرك مسؤول أو مواقف مشرفة باستثناء مواقف نادرة وهزيلة لا ترقى إلى مستوى الحدث، ولسان حالهم اليوم هو لسان حال أسلافهم بالأمس: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ ﴾..!!

نعم قد يكون الكثير من الناس في الأعم الأغلب يلتزمون الصمت ويقفون موقف الحياد في أي صراع كان، وهذا بطبيعة الحال قد يكون أمراً طبيعياً، ولا غبار على من يقف هذا الموقف لظروف تستدعي ذلك،  فليس كل محايد منافقاً، كما أنه ليس كل منافق محايداً..

 وما يجدر الإشارة إليه هو أنه قد يكون الحياد موقفاً حكيماً في أحيان كثيرة، ومن الحياد ما يكون واجباً أيضاً، وذلك في حال أن يكون الإنسان تحت سلطة الطرف المُبطل الظالم ويخشي على نفسه أو أهله أو ماله، فيكفي الإنسان حينئذ أن يقف موقف الحياد، ويكف يده عن إعانة الظالم والمشاركة له في ظلمه، وهو الحال نفسه عند وقوع الفتنة، وهو أن يلتبس الأمر على الإنسان المسلم فلا يعلم الحق من الباطل، فلا يجوز للمسلم حينئذ أن يدخل في شيء من ذلك بقول أو فعل حتى لا يقع في الباطل من حيث لا يشعر، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام : (كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهرٌ فيُركب ولا ضرعٌ فيُحلب) وابن اللبون هو ابن الناقة الذي أكمل السنتين ودخل في الثالثة فإنه لا يُركب ولا يُحلب لصغر سنه..

لكن الحياد الذي هو نفاق ومعصية وهو ما نقصده هنا بالحديث عنه في هذا البحث هو الذي يكون الإنسان في حالة تكون الرؤية لديه واضحة، بحيث يتميز فيها الحق من الباطل، في الوقت الذي يكون الإنسان تحت سلطة أهل الحق آمن على نفسه وأهله وماله، وحيث يكون تحركه مطلوباً، وموقفه مؤثراً.. حينها يكون من الواجب على المسلم أن يتحرك لجهاد الباطل في أي مجال من المجالات التي يكون فيها ناصراً للمظلومين والمستضعفين، أو حامياً للثغور بنفسه وسلاحه، أو عوناً للمجاهدين بماله وقلمه ولسانه، أو غير ذلك، ولا يجوز للمسلم في هذه الحالة الصمت والحياد والتخلي عن المناصرة والجهاد، إلا أن يكون معذوراَ ممن لا حيلة له ولا قدرة، شريطة أن ينصح لدين الله ولإخوانه المؤمنين ولو بالدعاء لهم وذلك أضعف الإيمان، مصداقاً لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ ﴾ ، لأنه إن لم يكن المسلم كذلك في حال النفير للجهاد للدفاع عن الدين والوطن والعرض فهو ولا شك واقع في تفريط كبير، وتقصير ما بعده تقصير، ولا يبعد أن يكون المسلم في هذه الحالة قد دخل في زمرة العاصين وأنه عند الله من جملة المنافقين، مصداقاً للآية المذكورة وغيرها من الآيات..

ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى في الآية المذكورة قد ذكر من رجع من أهل المدينة إلى ديارهم، وكذا من تخلف منهم عن الخروج ممن بقي في المدينة ولم يخرج ووصفهم الحق تبارك وتعالى بقوله: (الذين نافقوا).. لأنهم اختاروا الحياد، وتخلفوا عن الجهاد، في الوقت الذي هم يعلمون علم اليقين الطرف المُحق  من الطرف المُبطل، ويعلمون كذلك أن خروجهم هو الجهاد في سبيل الله الواجب عليهم شرعاً، لدفع المشركين المعتدين الذين أرادوا غزو المدينة واستئصال شأفة المسلمين، بالإضافة إلى ما كان لرجوع أولئك وقعود من قعد ولم يخرج من أثر بالغ على سير المعركة، وربما كان من أهم العوامل التي ساعدت إلى حد كبير في تحقيق انتصار ولو مؤقت للمشركين، ولولا عناية الله لما قامت للأمة بعدها قائمة، ولكان قد وقع ما لا يحمد عقباه، مما قد يكون له أثره السيء على الأمة إلى قيام الساعة..

وهو الأمر الذي يمكن إسقاطه على الوضع الحالي والحالة الراهنة التي تعيشها اليمن والأمة العربية والإسلامية اليوم، سواء فيما يحصل من قبل العدوان الصهيوني الأمريكي على اليمن، أو ما حصل ويحصل في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وأفغانستان وغيرها..

فمما لا شك فيه ولا ريب أن المعركة الحالية مع الطاغوت وأئمة الكفر المتمثل اليوم في أمريكا وإسرائيل ومن تحالف معها ودار في فلكها من دول ومنظمات وأنظمة وجماعات وأحزاب عربية وغير عربية.. هي ولا شك معركة مصيرية، سيترتب عليها الشيء الكثير لعشرات وربما لمئات السنين، فإذا نحن صدينا عدوانهم وقمنا بواجبنا في مواجهتهم مهما كلف الثمن ومهما كانت التضحيات، فإننا بذلك نكون قد قمنا بالواجب الذي علينا أمام الله في حماية أوطاننا والدفاع عن ديننا ومقدساتنا، وفي ذلك شرف الدنيا وشرف الآخرة، وهو والله الشرف الذي ما بعده شرف..

وإما أن يكون الأمر غير ذلك والعياذ بالله، وحينها سنكون قد شاركنا في إقامة دولة إسرائيل الكبرى من حيث لا نشعر، وساهمنا بشكل مباشر أو غير مباشر في خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني لاحتلال المنطقة، وتدنيس المقدسات الإسلامية، بل والقضاء على الإسلام واقتلاعه من جذوره، طبقاً لبروتوكولات حكماء صهيون المشهورة التي أفصحوا عنها قبل عقود من الزمن، ووفقاً لتصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي صرح قبل أيام قائلاً: إن مليار وسبعمائة مليون مسلم هم الخطر القادم وأنه يجب استئصالهم والقضاء عليهم.. أو بنحو هذه العبارة، ومقطع الفيديو موجود يجري تداوله بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب لمن أراد التأكد من ذلك..

ولنا أن نتصور كيف سيكون الحال فيما لو حصل ذلك لا قدر الله.. ألا يعتبر موقف الحياد والتقصير والتفريط والتخلي عن المسؤولية هي أحد أسباب ذلك وواحد من أهم عوامله؟

ألا يتحمل أولئك المتخلون عن المسؤولية من المحايدين الصامتين القاعدين عن الجهاد ومن أيدوا المحتل وساعدوه وهيأوا له الساحة الإثم في كل جريمة يرتكبها المحتل وفي كل منكر يمارسه المستعمر في بلد الإسلام وفي مقدسات المسلمين وشرفهم وأعراضهم؟

أوليست الأجيال القادمة ستحتاج إلى التحرك والقيام بثورات ومحاولات كثيرة يقدمون فيها آلاف آلاف التضحيات في سبيل طرد المستعمر والتخلص من آثاره وجرائمه؟

فمن يا ترى يتحمل كل تلك التبعات والنتائج والآثام؟

ألا يعتبر أولئك الصامتون القاعدون عن الجهاد المتخلون عن المسؤولية وهم بالملاييين شركاء لمن أيدوا المحتل وهيأوا له الساحة وساعدوه على الاحتلال في كل ذلك؟؟

ثم هناك تساؤل مهم نختم به هذه العجالة وهو:

هل الجهاد لصد المحتل وحماية الدين والمقدسات ونصرة المستضعفين من المؤمنين واجب على القاعدين الصامتين أيضاً؟ أم أنه واجب فقط على القائمين المجاهدين المنتمين لحركات التحرر والمقاومة ؟؟؟؟؟؟؟

أترك الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها لضمير القارئ وإنصافه، وليحكم كل منا على نفسه، عملاً بالأثر القائل: (حاسبوا أنفسكم قبل تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم)..

والله من وراء القصد..

الدلالات: