كيف يتغلب الحق على الباطل ؟!

نشر بتاريخ: اثنين, 11/12/2017 - 6:25م

الصراع بين الحق والباطل سمة للحياة كانت ولا تزال وستظل طالما ظلت التخلية قانوناً سنه الله في أرضه وعلى خلقه ، والجميع يسأل : متى نتخلص من الشر والأشرار ؟

ومتى ننعم بحياة هانئة هادئة لا فساد فيها ولا مفسدين ؟ ولماذا لا يتدخل الله تعالى تدخلاً مباشراً لينقذ المستضعفين في أرضه والصالحين من عباده فلا يبقى على البسيطة ظالم إلا أزاله ؟

هذه الأسئلة هي أسئلة تقليدية لا بد أن تعرض على كثير من العقول على اختلاف الأزمان والعصور ومنها عصرنا هذا.

يكفينا أن نقول في جواب تلك الأسئلة بإيجاز: إن الحياة الدنيا باعتبارها دارا للبلاء والتمحيص كان لا بد لها من سمتين رئيستين حتى يتم البلاء ويكون التمحيص وتقوم المسؤولية ويميز الخبيث من الطيب ، والسمة الأولى منهما هي سمة التخلية وهي السمة التي تتلاءم مع الحرية في الاختيار، والسمة الثانية هي سمة التفاضل وهي السمة التي تتلاءم مع مادة الاختبار.

وكل استشكال بخصوص الدنيا وسننها من تفاوت في الأرزاق والمواهب والنعم وبخصوص تمكن الظالمين ووقوع المصائب والكوارث لا بد أن ينتهي عند استيعاب المؤمن وفهمه لفكرتي التخلية والتفاضل كأساس للبلاء وتحمل المسؤولية وضعه الله تعالى وقضى به وأراده.

فإذا كنا مازلنا في الحياة الدنيا - مرحلة البلاء والمسؤولية - فلا بد إذن من التخلية للجميع لفعل ما يشاؤون من خير أو شر وفق قاعدة المساواة في الفرصة ولذلك يظهر الفساد في الأرض ويستشري بل ويملؤها حتى ليظن البعض مخطئاً أن الله ترك الأمور هملاً تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وهو تعالى الرقيب الشهيد على كل شيء قضى وقضاؤه الحكمة أن تمضي الأمور بسننها المعتادة المطردة في التمكين لآدم وبنيه لفعل ما يشاءون حتى ولو كان الفساد البلائي المؤقت.

ولكن ورغم ما قضاه الله من قاعدة مطردة في التمكين لآدم وبنيه لفعل ما يشاءون وفق السنن الطبيعية إلا أن المدد الإلهي العظيم لأهل الحق والصدق والإخلاص والعمل الدؤوب والجاد قانون آخر مقرر في كتاب الله يقول فيه الحق تبارك وتعالى : { إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم}.

ولكن وإن كان وعد الله تعالى واضحاًَ بنصر عباده الصالحين في هذه الآية الكريمة إلا أن ذلك الوعد لم يكن مطلقا بل كان مقيداً بشروطٍ لا بد منها للحصول على مَدَدِ الله تعالى يستفاد ذلك من تحليلنا لألفاظ ذلك الوعد وسياقها ضمن آيات أخرى تناولت نفس الغرض ومن تلك الشروط

1-الشرط الأول:  الجهاد الأكبر (جهاد النفس):

إن أراد المؤمنون تحصيل مدد الله في جهادهم الأصغر (معاركهم وصراعاتهم مع الباطل) فلا بد أن يخلصوا نيتهم عند خوض تلك المعارك والصراعات و أن يكون عملهم خالصا لله تعالى غير مشوب برياء أو كبر أو عجب أو حسد أو طلب سمعة أو طلب فوز بمصلحة دنيوية زائلة كمنصب أو جاه أو مال أو مقام اجتماعي زائل وذلك مستفاد من قوله تبارك وتعالى : { إِن تَنصُرُوا اللهَ} بما يدل على ضرورة إخلاص النية لله وقوله عز من قائل : { إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }.

والجهاد الأكبر أو جهاد النفس يتعلق أساسا بأعمال القلب وهو من العلوم الدقيقة الجليلة التي ينبغي على كل مسلم ملاحظتها باهتمام بالغ وإلا فعمله المتراكم من الصالحات قد يتعرض للإحباط والمحق ولا يزيده من الله إلا بعدا ويكون مخوفا عليه جدا يوم العرض على الله.

كما أن إهمال ذلك العلم الدقيق الجليل قد يودي بالمسلمين في معاركهم وصراعهم مع الباطل وحزبه إلى أن يوكلهم الله إلى أنفسهم ويحرمهم من المدد الإلهي العظيم الذي يحققون به النصر الموعود فيتعرضون للنكسات والذل والهوان على أيدي أهل الباطل وحزبه.

كما أن من البديهي ضمن هذا الشرط للحصول على المدد الإلهي الاستثنائي أن يكون الصالحون مؤمنين بالله تعالى متوجهين إليه بإخلاص في عملهم وكفاحهم ونضالهم متسامين على الأهواء والشهوات والطاغوت والجبروت والترغيب والترهيب في نفسيتهم النظيفة السامية ، وهذا الإيمان وهذا الإخلاص هو القاعدة التي تقوم عليها عملية جهاد النفس (الجهاد الأكبر) وإلا فلا معنى لجهاد أكبر بدون إيمان بالله و إخلاص له عزوجل.  

 

2-الشرط الثاني : عدم الاستهتار بشريعة الله مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

بعد تصحيح النية وإصلاح النفسية بالجهاد الأكبر لا بد من أن تتجسد النية السليمة والنفسية السوية عند أهل الحق الطامعين في مدد الله في عمل صالح يؤدون به واجباتهم وينتهون عن محرماتهم في الحد الأدنى من الوجوب والحرمة حسب شريعة الله وبما يكفي لاستحقاق وصف التقوى ، وبهذه الكيفية يتحقق شرط حصول المدد الإلهي في قوله عز و جل : {إِن تَنصُرُوا اللهَ} فلا ينصر االله قوما يقصرون في الواجبات أو يتجرؤون على المحرمات فتفريطهم في جنب الله واستهانتهم بأمره ونهيه مانع من حصولهم على مدد الله ناهيك أنه قد يكون سببا في الهلاك واستحقاق العقوبة الإلهية التي أدناها إيكالهم إلى أنفسهم.

وأخص من ذلك وفرع له يجب على أهل الحق تطبيق شريعة الله المتعلقة بصراعهم مع أهل الباطل والبغي والفساد ، فلا يعتدون على أحد ولا يعاقبون إلا بمثل ما عوقبوا ولا يهلكون الحرث والنسل ولا يفسدون في الأرض ولا يقطعون شجرة ولا يهتكون حرمة ولا يقتلون شيخا فانيا ولا طفلا رضيعا ولا يجهزون على جريح .. الخ

وهذا الشرط مستفاد من قول الحق تبارك وتعالى : {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} . فالمدد مشروط بالصبر والتقوى ، والتقوى كما هي عمل للقلب هي عمل بالجوارح والأركان وعدم تفريط بالواجبات وعدم جرأة على المحرمات.

ولا بد أيضا للطامعين بمدد الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك لسببين : أولهما الاتقاء من خذلان الله وثانيهما الحصول على عون الله لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحدُ أهمِ التكاليفِ الشرعية لجماعة المؤمنين و أفرادهم ، وفي ذلك عدد كبير من النصوص الشرعية التي لا مجال لحصرها هنا كبيانه تعالى سبب لعنه بني إسرائيل بقوله : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} واللعن إخراج من الرحمة وحرمان من التأييد ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : »لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شرارَكم فيدعو خيارُكم فلا يستجاب لهم«.

ولكن لا بد أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب شروطه المعروفة وأن يكون على يد علماء الأمة ورثة النبي والكتاب لا على يد الجهلاء والدخلاء والفضوليين الذين لربما يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويحلون الحرام ويحرمون الحلال فيتحول عملهم من محاولة لعبادة الله إلى حرب لله ورسوله.

3- الشرط الثالث : تحصيل الشروط الطبيعية للنصر :

لا بد لتحصيل مدد الله من تحصيل الشروط الطبيعية للنصر ، فلا يتوقع المقصرون والمتواكلون والقابعون في المحاريب والصوامع أن يتنزل عليهم مدد الله بدون أن يكونوا قد بذلوا غاية جهودهم في إعداد العدة وتعزيز القوة وبذل التضحية بالمال والنفس والولد وفق القوانين الطبيعية التي تسير عليها الحياة ، فلا يظنن أحد أنه مستثنى من هذا الشرط إذ لم يستثنَ منه حتى سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم فحين انكسر المسلمون في أحد لم يشفع لهم وجود النبي أو الوصي أو جلة المهاجرين والأنصار وخير أهل الأرض في ذلك الزمان والسبب وراء انكسارهم هو إخلال بعضهم بالشروط الطبيعية للحرب عندما تخلى عن موقعه العسكري وكشف ظهر المسلمين.

ونفس القانون يتضح عند قراءة ما جرى على الحسين السبط سيد شباب أهل الجنة عليه وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه صلوات الله وسلامه عليه، فحين خذله الخاذلون وقد بايعوه لم يكن له ولأهله بد من التعرض للقتل والتنكيل والسبي رغم أنهم كانوا خير أهل الأرض في ذلك الزمان.

وهذا الشرط كما هو مستفاد من الواقع فهو مستفاد من أمره تعالى لأمة المؤمنين : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} وفي اشتراطه تعالى : {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم..} الآية، فهنا المدد مشروط بالصبر والتقوى والصبر هو من الشروط الطبيعية للنصر.

أما ما هي تلك الشروط الطبيعية للنصر ؟ فيمكن إيراد بعض عناوينها في التالي:

1- عدم تجاهل القوانين الكونية : لا ينبغي على المؤمنين وهم يصارعون الباطل ألا يتجاهلوا قوانين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والطبيعة في حساباتهم وقراءتهم للواقع وللساحة وللمعركة ووضع الخطط والتكتيكات فيتوقع بعضهم أنه لن تؤثر فيه طلقات المدافع ولا حمم الرصاص ولا لهيب النيران أو لن يضره  قصف الطيران أو ضربات الدبابات أو لن تكشفه أجهزة الإنذار والرؤية الليلية أو لن تضره الأسلحة الحديثة ،  ولنا فيما حدث في معركة بدر الكبرى أوضح بيان حين قال الحباب بن المنذر : »يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة« ...الخ.

وإذا كان البعض يتحدث عن آيات وخوارق تحدث للمجاهدين أثناء الحروب فنحن هنا لسنا بصدد إنكار أو إثبات تلك الخوارق بل نهدف إلى أن لا يكون توقع تلك الخوارق خطة واستراتيجية للدخول في المعركة فإذا أتت تلك الخوارق للمجاهدين بعد وضع الخطة المناسبة والملائمة للقوانين الكونية فمرحبا بها وإن لم تأت فلا مشكلة ، فلا يظنن أحد أن السماء قد خانته ومكنت منه وخلته في المعركة وقد كان اعتمد عليها - نعوذ بالله.

2-   عدم تجاهل القوانين الاجتماعية : لا ينبغي على المؤمنين وهم يصارعون الباطل أن يتجاهلوا القوانين التي تتحكم بالمجتمع من دعاية وإعلام وتوعية وتدريس ونموذج واقعي وقدوة صالحة ودوافع سلوكية ومؤثرات اقتصادية وسياسية وإقليمية وعادات وتقاليد ، فلا يطمع أحدهم أو يتوقع أن يستثنى من تلك القوانين بأن يعرفه الناس أو يقتنعوا بوجهة نظره أو ينتفعوا بعلمه وهو قابع في بيته لا يستخدم الوسائل العلمية في الدعوة والجهد الجهيد في العمل ، ولا يتوقع أن ينتخبه المجتمع ويسودوه بينهم دون أن يكون قد بذل غاية جهوده في الدعاية الحديثة والتوعية العامة والتدريس آخذا بعين الاعتبار المؤشرات الاجتماعية كافة والدوافع السلوكية عامة وغير متجاهل لطبيعة البشر النفسية أو لموازين القوى الواقعية أو لعوامل صناعة الرأي العام أو تأثيرات الاقتصاد وقوانينه.... الخ.

كما ينبغي عليهم عدم تجاهل حاجة مجتمعهم الإيماني وعمقهم الاستراتيجي كبقية البشر لمصدر الرزق والمال والمأوى والزواج والطموح والأمن والحماية كما ينبغي عليهم عدم تجاهل حاجتهم للتنظيم والمتابعة والتوعية والتشجيع والتوجيه وسد الخلل وإعالة الأيتام وأسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى والمنكوبين والمكروبين ... الخ

 

3-   عدم تجاهل القوانين الفردية : يجب على الطالبين لنصر الله ومدده أن لا يتجاهلوا القوانين النفسية والبيولوجية التي تتحكم بالفرد – ذلك الفرد – الذي قد يكون حليفا  أو مناوئا ، فلا ينبغي مثلا أن يتجاهلوا بأن إخوانهم من الأفراد لديهم طاقات نفسية وبدنية محدودة ويحتاجون للغذاء والدواء والأمن كما يحتاجون لإثبات الذات وتأكيدها وقد تكون فيهم نقاط ضعف أو يعانون من عيوب نفسية أو جسمية أو طباع غالبة أو ظروف قاسية أو عواطف طارئة ، وبناء على إدراك ذلك يجب التعاطي معهم برحمة ومودة خالصة وتسامح وتفهم واحتضان وإعانة لا بغلظة وجفاء وتصيد للأخطاء واتهام وغيبة .. الخ

وفي المقابل لا ينبغي عليهم أن يتجاهلوا بأن أفراد مناوئيهم الذين يخالفونهم في الرأي والمعتقد والتوجه  ليسوا أشرارا بطبيعتهم بل قد يكونون ضحايا للتعبئة الخاطئة والدعاية المضللة ويمكن التأثير فيهم مهما بلغوا من حالة التباين معهم  ، وعبر هذه العقلية المنفتحة في النظر للمناوئين تتأسس عملية الحوار بالحسنى بمصداقية وموضوعية وبجدية لتفهم وجهة نظرهم والزوايا التي ينظرون منها للأمور والهموم الكبرى لديهم ومعرفة نقاط الاتفاق بيننا وبينهم والبناء عليها .. الخ  

ومن ناحية شرعية ينبغي على الصالحين أن لا يتجاهلوا أن أفراد مناوئيهم ليسوا مستحقين للعذاب فورا طالما بقي لهم عرق نابض وفرصة في توبة فلا يستعجلون في النظر إليهم بأنهم هالكون لأن هذا الشعور يعكس نفسه كحاجز يمنع من التواصل ويحد من القدرة في التأثير على الخصوم.

4-عدم تجاهل قوانين النضال والكفاح : كل مناضل ومكافح لا بد أن يتحلى بسعة الصدر و الصبر وأن يكون مستعداً للتضحية والتحمل وإلا فإنه سيتخلف عن ركب النضال والكفاح عند أدنى عقبة وأتفه تحدٍ ، وكذلك أهل الحق لا بد لهم من أن لا يتجاهلوا تلك السنن المطردة للنضال والكفاح ويكونوا صابرين مرابطين مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس والمال والولد في سبيل إعلاء كلمة الحق وأن لا يكونوا انهزاميين واستسلاميين أو قانطين أو يائسين.

ومن ناحية شرعية ينفي الحق تبارك وتعالى حسبان دخول الجنة إلا للمستعدين جيدا لقوانين النضال والكفاح إذ يقول عز من قائل: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين} ويؤكد نفس المعنى في مقام آخر بقوله عزوجل : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيب}

استدراك هام : شعور المؤمنين بالإحباط بسبب الواقع المعقد وتفوق الأعداء:

قد يقول قائل : إذا كنا نعطي تحصيل الشروط الطبيعية كل تلك الأهمية بينما أوضاعنا المادية والمعنوية في غاية السوء ، فهل ينبغي أن يجعلنا ذلك نشعر بالإحباط واستصعاب الدرب الطويل في ظل تفوق الأعداء ماديا ومعنويا وعدة وعتادا علينا ؟

الجواب : لا ينبغي أن يشعر المؤمنون بالإحباط مهما كانت موازين القوى في غير صالحهم ولا ينبغي أن يبخلوا ببذل ما استطاعوا في سبيل الحق ، ولا أن يستهينوا بأي عمل ولا يقللوا من شأن أي جهد ولو كان بسيطا أو ظنه البعض تافها لا وزن له ،  وذلك لأن المؤمنين لا يناضلون لأجل تحصيل النتيجة التي هي النصر ، بل يعملون ويكافحون ويرابطون لأجل القيام بالواجب والتكليف الشرعي بقطع النظر عن النتيجة التي قد تكون النصر أو الشهادة.

الشهادة نصر وكذلك أي تضحية أدنى منها :

ومما يزيد المؤمن قوة ومنعة وعزيمة وإصرارا نظرته الخاصة  للشهادة كعنوان للفوز والسمو والكرامة ، بل إن الكثير من المؤمنين يتمنون الشهادة ويلحون في طلبها أكثر من حرصهم على نيل أي مطالب دنيوية.

وقياسا على الشهادة والإلحاح في طلبها كذلك ينبغي أن تكون نظرة المؤمن وشعوره بالبشرى والعزاء عندما يتعرض أثناء كفاحه ونضاله لتضحية أدنى من الشهادة كالخسارة المادية أو الحرج الاجتماعي أو الضرر البدني أو النفسي ...