تنصيب بن سلمان ولياً لعهد السعودية »الانتقال من العلاقات السرية بين الكيانين السعودي والصهيوني إلى التحالف العلني«

نشر بتاريخ: خميس, 02/11/2017 - 6:12م

يوماً بعد يوم تؤكد تطورات الأحداث ومستجداتها أن الكيانين السعودي والصهيوني وجهان لعملة واحدة وأن زرعهما في جسد الأمة العربية والإسلامية من جانب القوى الاستعمارية الدولية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية جاء بهدف إضعاف هذا الجسد وإنهاكه بصورة مستمرة بما يمكن هذه القوى ويتيح لها الاستمرار في نهب ثروات الأمة والاستحواذ على خيراتها وجعل بلدانها أسواقاً لمنتجات البلدان الاستعمارية وجعلها أمة مستهلكة وغير منتجة في مختلف ميادين الإنتاج الزراعي والصناعي وعرقلة المشاريع التنموية والإنتاجية فيها بشتى الطرق والوسائل حتى لا تقوم لهذه الأمة قائمة ..

وكان كل من الكيان الصهيوني والنظام السعودي يقوم بدوره في تحقيق هذه وغيرها من الأهداف الأخرى وفقاً لما هو مرسوم ومخطط له دون أن يظهر على السطح أن كلاً منهما يكمل الآخر في تنفيذ أجندة القوى الاستعمارية وخدمة مشاريعها وتحقيق أهدافها وبحيث تظل العلاقات بين الكيانين الصهيوني والسعودي طي الكتمان..

وهذا هو ما حدث طوال العقود الماضية إلى أن جاء الوقت الذي لم يعد فيه ممكناً استمرار هذا الوضع في ظل التطورات المتسارعة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة خاصة التطورات في كل من العراق وسوريا واليمن.

وهي التطورات التي ظهر معها وفي ظلها شيئاً فشيئاً مستوى التعاون والتنسيق بين الكيانين الصهيوني والسعودي في كل ما يجري على الأرض سواء في العراق أو سوريا أو اليمن خاصة بعد أن ظهر مع مرور الوقت وبشكل واضح وبما لا يقبل الشك أن الكيان الصهيوني يشارك في العدوان العسكري على اليمن بصورة مباشرة منذ الوهلة الأولى ومن خلال طائراته وطياريه ومستشاريه وخبرائه العسكريين، وبعد أن ظهر مع مرور الوقت وبشكل واضح أيضاً أن النظام السعودي يشارك بصورة مباشرة في تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة الكيان الصهيوني منذ أن طرح ما عُرف بـ(مبادرة السلام العربية) رسمياً في بداية الثمانينات من القرن الماضي التي هي في الأصل مبادرة سعودية حملت في البداية اسم »مبادرة الأمير فهد« عندما كان يشغل منصب ولي عهد السعودية قبل أن يصبح عاهلاً لها.

وهكذا بدا واضحاً أنه لم يعد في الإمكان أن تبقى العلاقات الصهيونية السعودية طي الكتمان إلى ما لا نهاية وأنه قد حان الوقت لإخراجها من السر إلى العلن وجاء هذا على يد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي اتخذ هذا القرار عقب توليه منصبه في الـ20 من شهر يناير الماضي عندما أعلن بوضوح أنه لم يعد مسموحاً في عهده »الصمت الذي كان النظام السعودي يمارسه تجاه التطبيع الذي تقوم به أجهزته وشخصيات سعودية مقربة منه مع الإسرائيليين«.

وكما هو واضح فقد حملت هذه العبارات في مضمونها إشارة واضحة إلى وجود التطبيع بين الكيانين السعودي –الصهيوني إلا أنه مغلف بالصمت ومحاط بالسرية وهو أمر لم يعد ممكناً أو لم يعد مسموحاً به في عهد "ترامب" .. ولم يكن هذا القرار سوى الخطوة الأولى في السير نحو تصفية القضية الفلسطينية وهو ما كشفت عنه تطورات الأحداث ومستجداتها خلال الأشهر القليلة الماضية والتي كان من أبرزها الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي للكيانين السعودي والصهيوني نهاية شهر مايو الماضي التي رأس خلالها ما سمي بمؤتمر الرياض لقادة الدول العربية والإسلامية الذي حضره رؤساء وأمراء الدول التي تدور في الفلك الأمريكي وتدين بالولاء لواشنطن.. وكان اللافت للإنتباه أنه لم يأت ذكر فلسطين في ذلك المؤتمر ولا في بيانه الختامي وإنما جرى التركيز على محاربة ما يسمى بالإرهاب إلا أن الإرهاب الذي جرى عليه التركيز ليس إرهاب القاعدة وداعش كما قد يتبادر إلى أذهان البعض وإنما إرهاب »حماس وحزب الله وإيران« وبعبارة أخرى فإن مؤتمر الرياض برئاسة ترامب اعتبر كل من يقاوم الكيان الصهيوني ويقف في وجه المشروع الصهيوني في المنطقة إرهابياً يجب محاربته..

ليس هذا فحسب وإنما أيضاً اعتبار كل من لا يحارب حماس وحزب الله وإيران داعماً للإرهاب حتى وإن كان منخرطاً في التبعية لواشنطن والعمالة لها والمشاركة في تنفيذ مخططاتها ومشاريعها في المنطقة حتى النخاع.. وهذا ما ظهر بوضوح بعد مؤتمر الرياض بفترة وجيزة عندما طلبت كل من السعودية ودويلة الإمارات ومشيخة البحرين ومصر رسمياً من قطر قطع علاقاتها مع إيران وطرد قادة حماس من أراضيها وإنهاء ارتباطاتها وعلاقاتها مع الحركة ووقف كل أشكال الدعم التي تقدمه لها وكذا قيام قطر بالإعلان الصريح والواضح باعتبار حزب الله اللبناني »منظمة إرهابية« .. وكان رفض قطر لهذه المطالب على لسان أميرها بطريقة غير مباشرة من خلال حديثه عن أن إيران قوة إقليمية ودولة محورية في المنطقة، وأن حماس حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية، وكذلك حزب الله.. وهو الحديث التي حاولت قطر نفيه بشدة وقالت أنه تم اختراق موقع الوكالة القطرية إلكترونياً ودس في الموقع.. كان الرفض القطري لتلك المطالب التي يبدو أنه تم تسليمها للقيادة القطرية بشكل سري وغير معلن هو الذي فجر ما بات يُعرف حالياً بالأزمة الخليجية..

وكان من بين ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية ومن بينها وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية عقب زيارة ترامب للسعودية أنه طلب من الحكام السعوديين القيام بتحركات أولية للتطبيع مع »إسرائيل«  مثل فتح خطوط هاتفية مباشرة بين الكيانين السعودي والصهيوني تسمح للصهاينة بالقيام بأعمال تجارية في السعودية، والسماح للطائرات »الإسرائيلية« بالتحليق فوق السعودية في طريقها إلى الشرق الأقصى ..

ومن أجل تبرير التطبيع العلني الكامل بين الكيانين السعودي والصهيوني وإخراجه بصيغة رسمية تم التسريع بخطوات نقل السيادة على جزيرتي »تيران« و»صنافير« من مصر إلى السعودية، والحديث بشكل واضح عن أن تحويل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية بموجب إتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أقرها مجلس الشعب المصري يعني فيما يعني أن السعودية أصبحت جزءاً من إتفاق »كامب ديفيد« بين مصر والكيان الصيهوني وأن النظام السعودي يلتزم بالتالي بما تضمنه ذلك الإتفاق .. وجرى تسويق هذا الحديث عبر اللواء أنور عشقي الذي بات يُعرف بأنه عراب التطبيع بين الكيانين السعودي والصيهوني.. ففي المقابلة التي أجرتها قناة »دوشتيه فيله« الألمانية مع عشقي الشهر الماضي أكد »أن السعودية بعد تسلمها السيادة على جزيرتي »تيران« و»صنافير« ستتعامل مع إتفاقية »كامب ديفيد« التي لم تعد إتفاقية مصرية - إسرائيلية«.

وكانت صحيفة »وول ستريت جورنال« الأمريكية قد كشفت عن وثيقة سرية توضح أن »دول الخليج«عرضت إتخاذ ما وصفته بخطوات ملموسة لإقامة علاقات أفضل مع »إسرائيل«.. ونقلت الصحيفة عن مسئولين مطلعين »لم تسمهم«أن المقترحات تتضمن: السماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجوائها ورفع القيود عن بعض المواد المستوردة ومنح تأشيرات للفرق الرياضية والوفود التجارية الإسرائيلية للمشاركة في مناسبات في الدول العربية فضلاً عن مسعى الدول الخليجية إلى دمج »إسرائيل« أكثر في الهيئات التجارية والاقتصادية في المنطقة .. وقالت الصحيفة الأمريكية نقلاً عن هؤلاء المسئولين:-

»إن السعودية والإمارات أبلغتا الولايات المتحدة وإسرائيل استعدادهما لاتخاذ مثل هذه الخطوات«.. وعلى ذات الصعيد أيضاً كشفت صحيفة »يديعوت أحرنوت«  الصهيونية عقب زيارة "ترامب" للكيانين السعودي والصهيوني »أن كلاً من السعودية والإمارات تضطلعان بدور في خطة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل«.. وبدا واضحاً من خلال ما نشرته صحيفة »وول ستريت جورنال« الأمريكية وبعدها صحيفة »يديعوت أحرنوت« الصهيونية وما تناقلته عدد من وسائل الإعلام العالمية وما كشفت عنه تطورات الأحداث ومستجداتها على أرض الواقع المعاش أن نظامي مملكة قرن الشيطان السعودي ودويلة الإمارات أصبحا رأس الحربة في تنفيذ المخطط الصهيوأمريكي الخاص بتصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بالتطبيع بشكل واضح وبدون أي مواربة، كما بدا واضحاً أيضاً أن واشنطن وتل أبيب قد أختارتا محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بالتحديد للقيام بهذه المهمة .. ومن بين هذه التطورات تنصيب محمد بن سلمان ولياً لعهد السعودية بدلاً من محمد بن نايف تمهيداً لتنصيبه في المستقبل القريب ملكاً بدلاً من أبيه، أو خلفاً له .. ووفقاً للعديد من المراقبين السياسيين المتابعين للمشهد السعودي  عن قرب فإن تنصيب محمد سلمان هو قرار أمريكي بامتياز، باعتبار أن ولي العهد الذي تمت تنحييته »محمد بن نايف« كان يعد بمثابة رجل أمريكا الأول في السعودية وهو ما يعني بوضوح أن أحداً لا يستطيع تنحيته وتنصيب بن سلمان بدلاً عنه بدون موافقة ورضاء واشنطن..

ومما يعزز هذه الرؤوية مسارعة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى الإتصال بمحمد بن سلمان لتهنئته فور تنصيبه في خطوة تظهر في مضمونها أن القرار كان قراراً أمريكياً من جهة كما تظهر من جهة أخرى دعم البيت الأبيض له وقطع الطريق على أي طرف داخل العائلة السعودية لمعارضة هذا القرار.. ومما يشير إلى أن تل أبيب لم تكن بعيدة عن قرار تنصيب بن سلمان مسارعة صحيفة »هاآرتس«القريبة جداً من دوائر صنع القرار في الكيان الصيهوني إلى الترحيب بالقرار بعد ساعات قليلة من صدوره بل أنها خصصت حيزاً في عددها الصادر صباح نفس اليوم »الأربعاء 21 يونيو« للترحيب بالقرار، اعتبرت فيه »تعيين بن سلمان« بشرى جيدة »لإسرائيل« .. وقالت: »إن مواقفه الحازمة تجاه إيران جعلت منه شريكاً إستراتيجياً هاماً فضلاً عن مواقفه ضد حزب الله اللبناني« وأشارت »هاآرتس« إلى أنه زار الكيان الصيهوني عام 2015م والتقى بشكل دوري مع المسئولين الصهاينة .. وكان اللافت للإنتباه في المقال الذي خصصته الصحيفة الصهيونية للترحيب بتنصيب بن سلمان الإشارة إلى »أنه كان يقود المملكة فعلياً وأن والده المريض الملك سلمان بن عبدالعزيز سيتنازل عن العرش قريباً« ، وهي إشارة لاشك أنها تحمل الكثير من المعاني والدلالات التي يأتي في مقدمتها التمهيد لتنصيبه ملكاً بدلاً من والده..

وفي ذات المقال تساءلت »هاآرتس« »إلى أي مدى يمكن لابن سلمان دفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين كجزء من برنامج الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وهل يمكن إحداث التحول في منظومة العلاقات بين إسرائيل والسعودية؟؟ «... وهو تساؤل يحمل أيضاً الكثير من المعاني والدلالات التي من بينها أنه أو لِنقل كأنه تم تنصيبه ولياً لعهد السعودية لكي ينفذ برنامج الرئيس ترامب ويُحدث التحول »المطلوب منه« في منظومة العلاقات بين إسرائيل والسعودية..

ولم يكن برنامج ترامب فيما يتعلق بما أسمته الصحيفة الصهيونية »عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين« سوى التخلي عن ما يُعرف بحل الدولتين وتصفية القضية الفلسطينية ودفنها .. ولم يكن برنامج ترامب فيما يتعلق بما وصفته »هاآرتس« بالتحول في منظومة العلاقات بين »إسرائيل« و»السعودية« سوى إخراج هذه العلاقات من إطارها السري إلى العلن وتخلي النظام السعودي عن »الصمت الذي كان يمارسه تجاه التطبيع الذي تقوم به أجهزته مع إسرائيل« ..

أما وزير المواصلات والاستخبارات الصهيوني »غسرائيل كاتس« فقد ذهب في ترحيبه بتنصيب محمد بن سلمان ولياً لعهد السعودية إلى أبعد من هذا حيث »حث السعودية على دعوة نتنياهو لزيارة الرياض« .. وقال الوزير الصهيوني في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام في كيان الإحتلال:

»لقد آن الأوان أن تلتقي السعودية وإسرائيل في حلف مُعلن طال انتظاره«.. وأن تصدر عن وزير المواصلات والاستخبارات الصيهوني عبارة كهذه »حلف مُعلن« فإنه لا شك تحمل الكثير من المعاني والدلالات التي في مقدمتها الانتقال من السرية إلى العلنية ومن التعاون إلى التحالف .. وهذا هو ما يتوقع حدوثه عدد من المراقبين والمحللين السياسيين في المستقبل  القريب... أي التطبيع المعلن بين الكيانين السعودي والصهيوني ويليه إعلان التحالف الكامل بينهما وفقاً لما خططت له الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ليس منذ تولي "ترامب" الرئاسة في الـ20 من يناير الماضي كما قد يتبادر إلى أذهان البعض وإنما منذ ما قبل تولي سلمان بن عبدالعزيز المعروف بعلاقاته مع الدوائر الصهيونية حكم مملكة قرن الشيطان السعودية بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مطلع عام 2015م .. ولا شك أن الأيام كفيلة بالكشف عن أن العدوان على يمن الإيمان والحكمة في الـ26 من مارس من نفس العام كان البند الأول في الأجندة الصهيوأمريكية التي عهدت الدوائر الصهيونية إلى سلمان القيام بتنفيذها.. وهي الأجندة نفسها التي سيتولى إبنه "محمد سلمان" القيام بمهمته إكمال تنفيذها .. لكن ما يجب إدراكه أن هذا مكرهم وكيدهم وما خططوا ويخططون له .. أي أنه بعبارة أخرى ليس قدراً محتوماً، والدليل على هذا أنهم خططوا لغزو واحتلال اليمن وابتلاعه خلال عدة أيام أو على أقصى تقدير خلال عدة اسابيع، لكن هاهم بعد عامين ونصف العام تقريباً يغوصون في وحل مستنقع دخلوه ولم ولن يتمكنوا من الخروج منه بالسهولة التي تخيلوها وكما خططوا وظنوا واهمين.

وصدق الله العظيم القائل  جل شأنه: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين﴾.