قراءة في الخطاب السياسي والثوري للسيد العلامة سهل بن عقيل ولمحات من سيرته

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 31/10/2017 - 10:32م

السيد العلامة المجاهد سهل بن إبراهيم بن عقيل شخصية علمائية بسيطة ومتواضعة جدا وقامة علمية وفكرية أثرت بمواقفها القوية وصراحتها المعهودة في الحياة السياسية ومعترك تجاذباتها لا سيما حين تكون السياسة بلا ضوابط ولا قيم وتكون الغاية مبررة للوسيلة عند كثير من الأحزاب السياسية العلمانية منها أو المتأسلمة كحركة الإخوان المسلمين والسلفية المسماة جهادية.

 إن المواقف والكلمات التي صدع بها العلامة سهل بن عقيل كثيرة وكلماته المعبرة وخطابه الثوري الهادف والصريح وجدت صدى وقابلية في وسط الأحرار والمتجردين للحقيقة من أبناء الشعب اليمني، أما المتعصبون والغلاة والأنانيون فهم محرومون من صدقه وصراحته وأفكاره التنويرية والثورية التي أسهمت في تصحيح التفكير على مستوى محافظة تعز التي شُرِّدَ منها مِن قِبَل خوارج العصر الدواعش الذين لم يقابلوا فكره بالفكر وعلمه بالعلم ومعارفه بالمعرفة، بل احتشدوا وتكالبوا على منزله كما تتكالب الذئاب انتقاما من فكره وخوفا من بيان لسانه، فانتقل إلى صنعاء ليكمل مشوار الفكري التنويري ومساره الثوري التصحيحي فكان ولا زال ذلك العالم المفكر والقامة العلمية التي قضَّت مضاجع الغلاة والمتنطعين من الوهابية السلفية الدخيلة على اليمن التي أشعلت فيه الفتن وبذرت فيه الإحن واستحوذت فيه على العقول وبدَّلت وزيَّفت المعقول والمنقول، فكان لهذه القامة الدور الريادي في مواجهة غلو هذه المدرسة وتياراتها فصدعت حنجرته بصوت الحق وجادت قريحته بالبيان عند الحاجة لا سيما عند تفشي الفساد وانتشار الظلم وانحراف المفاهيم، وهذا ما سنتناوله بقراءة موضوعية وتحليليه لعطاء هذه القامة الدينية والوطنية التي لا زالت رغم كبر سنها تسهم في دعم وتقوية النهج الثوري لا سيما بعد ثورة 21 سبتمبر.

ومن خلال القراءة المتأنية لحياته وتتبع مقالاته ومقابلاته وخطاباته في ساحات الثورة نجد خطابا موجها بقوة للساسة الفاسدين والأنظمة الجائرة سواء تلبست بلباس الدين أو تدثرت بدثار الوطنية والعروبة وهذا ما سنجده في كثير من محطات حياته ومنعطفات سيرته وصفحات تأريخه الأبيض والمشرف حيث يقول : هذا الوقت ليس وقت الوعظ وإنما وقت توحيد الصفوف لإزالة الفساد والمفسدين. ويؤكد في كلامه أن الأمة في أمس الحاجة إلى قيادة صالحة يتحقق على أيديها العدل والإستقرار مشيراً إلى قيادة ثورة 21من سبتمبر ومشيداً بها كقيادة إيمانية وشجاعة خلصت اليمن من قوى النفوذ والعمالة والخيانة مشيرا في كلامة إلى مظلومية المجتمع الصعدي الذي جعلها مظلومية ثبات وانتصار  فيقول حفظه الله: أنصار الله لم يحملوا معهم إلا الخير ومن زار صعدة خلال الستة الحروب وزارها اليوم سيلحظ الفرق حين زالت التقطعات واختفت العصابات وتلاشت التفجيرات والمركبات المفخخة وحلت التنمية والعلم والأمن والأمان لذا الفرق بين محافظة صعدة وبقية المحافظات كبير جداً لأن أبناء صعده وحدوا كلمتهم خلف الزعامات الصالحة والصادقة واليوم البلد بحاجة الى زعيم صالح فيه روح الوطنية والإنسانية والعلم واذا أراد الله الصلاح لهذه الأمه على يد السيد عبدالملك فنحن معه بدمائنا وأنفسنا وأموالنا.

وعندما يتكلم العلامة سهل بن عقيل عن مفهوم »الوسطية والاعتدال« هذا المصطلح الذي وظف توظيفا سياسيا وسلطويا فإنه يعتبر الوسطية ذلا عند تفشي الظلم والظلام وتسلط قوى الشر ويصف هذه الوسطية بالنفاق فيقول: (نقول ليس هناك وسطية بين الحق والباطل فإما حق وإما باطل ولا بين العدل والظلم فإما عدل تستقيم به شوكة الميزان بين كفتيه تميل إحداهما للحق فنسميه حق أو تميل الكفة الأخرى إلى الباطل فنسميه باطل إذن فليس هناك وسطية بينهما وكذلك نقول ليس هناك وسطية بين الإيمان والكفر فإما إيمان صحيح أو كفر صريح والوسطية بين الإيمان والكفر هو نفاق والنفاق اشد أنواع الكفر إذ أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار). وهذه العبارة العظيمة تعتبر تصحيحا لمفهوم الوسطية الرائجة في بعض الوسط الشافعي وغيره فيرى الحياد رضا بالمذلة والهوان.

وحين يتكلم العلامة سهل بن عقيل عن »التحزب السياسي« فإنه يرى أن كثيراً من الأحزاب إن لم يكن كل  الأحزاب قد تحولت إلى عصابات ومفاتيح شر وأسهمت إسهاما كبيرا في خدمة المشروع الصهيوني الساعي إلى تفريق وتمزيق الأمة العربية والإسلامية بأيادي محسوبة على الإسلام والعروبة فيقول في أحد مقابلاته الصريحة والشفافة: اليمن تمر في مرحلة خطيرة تتنازعها أحزاب عبارة عن عصابات وهي في حد ذاتها سبب هذا البلاء العظيم الذي تمر به الأمة العربية والإسلامية ككل وهذه الأحزاب جميعها وإن اختلفت مشاربها هي تعمل في سبيل إنجاح المخططات الصهيونية في تمزيق الأمة الإسلامية والعربية تقريبا في كل البلدان وبدأت الأقنعة تتمزق عن وجوهها الكالحة ومصادر تمويلها وبلا شك هي الجمعيات الماسونية في كل بلد فهي تدفع للجميع بغية إنفاذ السياسة القائمة على النظرية (كل الطرق تؤدي إلى روما) ,(الغاية تبرر الوسيلة)

وعن »الورقة الطائفية والمذهبية« التي يراد لها أن تكون وسيلة هدم وتدمير للحياة في اليمن والمنطقة يضع السيد سهل النقاط على الحروف ويسمي الأشياء بمسمياتها ويؤكد أن لا وجود لحرب طائفية إلا في ظنون ومخيلة من يروج لها ويسعى لبث سمومها خدمة لسلاطين الجور والمجون وتغطية لفسادهم وإلهاءاً للشعوب عن الوقوف أمام انحرافهم لا سيما بعد أن تحولوا إلى أقزام أمام سفراء أمريكا في اليمن والمنطقة قبل ثورة 21من سبتمبر فيقول في هذا الشأن: (إن الصراع الحقيقي للشعب اليمني هو في الواقع متمثلاً في وجود هذه الأحزاب والعصابات التي تستنصر وتدعوا القوى الأجنبية لإهدار كرامة الأمة واستغلال مقدراتها وبناء قواعد عسكرية أنجلوصهيونية لحماية عروش مهترئة أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن في الواقع وأصبح ولاة الأمر عبارة عن موظفين لدى السفير الأمريكي وخاصة في بلادنا اليمن)

وبلغة أدبية وتعبير صريح وعميق يؤكد العلامة سهل بن عقيل أن تيار التكفير الذي انتشر في الأمة إنتشار النار في الهشيم ما كان أن يوجد ويتوسع هذا التوسع ويقوم بهذا التحرك المشبوه لولا الدعم الدولي والرعاية الصهيونية فيقول: الجماعات التكفيرية التي يمولها العملاء بالمال والسلاح والرجال وتظاهرهم إسرائيل بالفعل والتخطيط والتوجيه فنحن نرى أعمالهم تدل عليها كما قال الشاعر:

تلك أعمالنا تدل علينا

 

فانظروا بعدنا إلى الآثار

 

وإن أعمالهم وآثارهم لن تغفرها الأمة الإسلامية ولا التأريخ فلا غفران لهم من الله ولا من عباده فهم أس البلاء وممولهم بالمال والسلاح هم الآن مزبلة التاريخ ولعنة الأمم.

وعن »العلمانية« ودعاتها المشبوهين المتبنين فكرة فصل الدين عن الدولة وإخراج السياسة من الدين واعتبارها تتناقض معه يؤكد العلامة سهل بن عقيل أن فكر »فصل الدين عن السياسة« دخيل على الإسلام والمسلمين ومستورد إن لم يكن مصدراً من الغرب بسبب فساد الكنيسة وتشويهها لتعاليم السماء وقيم الوجود التي وضعها الله في الأرض فيقول عن هذا الأمر: (هذه المقولة بدأت في بداية عصر النهضة في أوروبا وإنك لو نظرت إلى تاريخ الكنيسة وأفعالها ضد العلماء وأصحاب الرأي والمنطلقين مع الحياة على أسس تجريدية مادية لوجدت أنّ تاريخ الكنيسة يدعو إلى تجهيل الإنسان في جميع مناحي الحياة للحفاظ على مصلحة الكهنة والكهنوت القائم في الكنيسة في تلك العصور ولولا هذه النظرة التي قام بها التحرريون في الغرب حسب ما رأوه من تصرفات كنسية في حق المجتمعات لما قامت هذه النظرية في الغرب ومن خلال هذه النظرة لا يجب أن نطبق ما يدعو إليه أصحاب النهضة في أوروبا على ديننا الإسلامي فعلينا أولا أن نقرأ تأريخ الإسلام منذ بدايته في مكة والمدينة وانتشاره في جميع أنحاء المعمورة وأن ندرس كتاب الله ونعرف معانيه وما يصبو إليه من حياة سعيدة للفرد والأسرة والمجتمع وكذا الدولة وكذا التعامل مع الآخرين وأن نقرأ أول كلمه أوحى الله بها إلى نبيه سيد محمد صل الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وهي كلمة (إقرأ) ومعناها التجريدي: أنظر لجميع حواسك السمعية والبصرية والشم واللمس والعقل الحسي والمعنوي الذي هو وجداني وانظر إلى نفسك ووجدانك وما هو حولك من العالم وإلى من مضى قبلك وإلى ما يأتي بعدك انظر إلى كل ذلك بعين المعرفة المنطقية التجريدية وكذا لمعرفه الوجدانية فبذلك تكسب الاعتدال وتصير خليفة الله في أرضه لان الله عندما استخلف آدم وعلم آدم الأسماء كلها ... جعل الله آدم وذريته سادة على هذا الكون وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض والتسخير لا يكون إلا بالعلم والمعرفة ...فهذا هو الإسلام وهذا هو منهجه سعادة لا متناهية وبناء للإنسان وما في الكون ورحمة للعالمين لا تجهيل وتضليل وسفك دماء ودجل وجهل، وأخبث الكذب ما يكون على الله وهم الذين يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله .

وأما ما يتعلق بالعدوان على اليمن فيضع العلامة سهل بن عقيل رؤية أو شروطا مختصرة لتحقيق السلام في اليمن وسبل إيقاف العدوان على الشعب اليمني فيقول: شروط أساسية لتحقيق السلام الكامل والعادل
إن كان هناك هدنة وسلام فيجب:

أولاً: الاعتراف بالاعتداء من قبل منفذيه وعلى رأسهم المملكة السعودية
ثانيا: رفع الحصار براً وبحراً وجواً .

ثالثاً: يجب على القوات المحتلة مع مرتزقتها والحكومات المشرفة والممولة لها الجلاء الفوري عن كل الأراضي اليمنية شمالاً وجنوباً وفي أي بقعة كانت.

رابعاً: تسليم كل المناطق في الشمال والجنوب إلى ايدي اللجان الشعبية والجيش والدعم الكامل اللوجستي حتى تتمكن من تأمين البلاد والعباد في كل نقطة من أرض اليمن.

خامساً: يتم بعد ذلك في فترة لا تزيد عن ستة أشهر تشكيل الحكومة الوطنية من الرجال الوطنيين غير العملاء وأنصارهم.

سادسا: يكون التفاوض بعد ذلك على كل المخرجات الناتجة عن الحرب انسانا وتراباً ومقدرات ومسح ذلك مسحاً دقيقا على أن ينم العمل في بناء ما تهدم وتعويض المتضررين من الحرب العدوانية إنسانا وعقاراً وإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها الحرب ، مع تعويض الأضرار الناتجة عن تعطيل المصلحة للفترة الماضية أثناء الحرب وكذا الفترة المستقبلية لبناء هذه المرافق.

وعلى هذا الأساس ستكون الحرب وضعت أوزارها وبغير ذلك نعلم تمام العلم أن عدونا الأول (السعودية) ومن تحالف معها ظلما وعدوانا عرباً وغير عرب هم في الحقيقة في مرحلة الموت السريري وخاصة في الجزيرة العربية ... وبغير ذلك لن تكون هدنة ولن يكون سلام وسيكون الضرر أكبر إن لم يتم القضاء على رأس الأفعى باقتلاع النبتة الخبيثة في الجزيرة العربية.


لمحات من سيرة العلامة المجاهد سهل بن عقيل

 

 

ولد السيد سهل عام 1940م في مدينة الحديدة.

سهل بن إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى باعلوي الحسيني، تربى يتيم الأم في كنف أبيه العلامة إبراهيم بن عمر بن عقيل ومنذ نعومة أظفاره ينهل من العلوم والآداب من أبيه ما أهله لأن يكون نابغاً منذ صغره فدرس بالمدرسة الأحمدية الإبتدائية والثانوية في مصر والجامعة في بيروت، ولكنه كان قد أخذ العلم الشرعي واللغوي من مشايخ جملة منهم الحبيب إبراهيم، والسيد محمد سليمان الأهدل، والسيد محمد بن سالم بن حفيظ، والسيد علوي بن طاهر، وأخذ منه الإجازة، والشيخ محمد سالم البيحاني؛ والذي عمل معه في المعهد في عدن.

ومنذ نشأته كان صدَّاحاً بالحق لا يرهب أحداً من أهل الباطل فلم يطب له الحال في عدن إلا وكان من أشد المناضلين ضد الإنجليز بل إنه قاد المظاهرات وأعتقل أكثر من ستة أشهرـ  وبعد الثورة درس في بيروت وعاد منها وتقلد بعض الوظائف العامة والخاصة ولم يزل مركبا شاحنا بالخير والفتوة لم يعط زمام قياده لاحد قريبا من الناس بعيدا عن المتنفذين مقارع للظالمين من جميع اطوار وفترات عمره باختصار .

حتى لحق بركب ثورة 21 سبتمبر موجها وداعياً للخلاص من الباطل والفساد بجميع اطيافه والوانه لم يكن يوماً متحزباً قط إلا لوطنه ولشعبه متعرضا لشتى أنواع الضغوط والإغراءات مترفعاً من كل ذلك حتى ما أصابه من بلاء تهجيره قسراً ونزوحه عن مدينته وزاويته ومسجده الزاوية التي تخرج منها العلماء والآدباء وكم كان فيها من ذكر لله وإيواء وإطعام ... لم يغير ذلك كله ثباته بل زاده إصراراً على موقفه، وله تلك الخطب العصماء والمقابلات والمقالات والندوات التي تلخص صدق توجهه. أطال الله عمره وزاده من الخير ما لا نهاية له.