مفهوم الرافضة وثورة الإمام زيد عليه السلام

نشر بتاريخ: أحد, 15/10/2017 - 10:07ص

»الرافضة« الكلمة التي أصبح لها حضور كبير داخل العالم الإسلامي المعاصر، فتنبز بها تيارات دينية إسلامية تيارات إسلامية أخرى، ويتناقلها الناس دون أن يعرفوا معناها وسبب تسميتها، ودون المعرفة بالأحداث التي جرت في فترة تاريخية مفصلية واستثنائية نتج من خلالها مفهوم »الرافضة«.   

وللأسف ارتبط مفهوم »الرافضة« في أذهان كثيرين بالمقلوب، فأصبحت تُطلق على كل من يتحرك في مواجهة الصهيونية ويقف ضد سياسيات الولايات المتحدة الأمريكية.

      ولفهم الموضوع لا بد من توضيح بداية ظهور هذه التسمية وملابساتها، حيث أن لها علاقة بالثورة في الإسلام بثورة الإمام زيد عليه السلام ضد حكام بني أمية الظالمين، وباختصار فأول من أطلقها هو الإمام زيد عليه السلام نفسه على قوم تراجعوا في اللحظات الأخيرة خوفاً وجبناً عن الجهاد معه والمشاركة في الثورة بعد أن بايعوه، واختلقوا لذلك عذراً  ومبرراً أنه ليس الإمام وإنما هو جعفر الصادق عليه السلام ، وفي رواية أخرى ينكرها البعض - لكن سنناقشها على افتراض صحتها - وهي أنهم قالوا للإمام زيد رحمك الله! ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال الإمام زيد عليه السلام: رحمهما الله وغفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً، قالوا: فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت، إلا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم!؟ فقال لهم: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموك؟ فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا بظالمين؟ فقال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعته، وقالوا: سبق الإمام، وكانوا يزعمون أن الباقر محمد بن علي أخا الإمام زيد بن علي هو الإمام، وكان قد توفي يومئذ، وكان ابنه جعفر الصادق حياً، فقالوا: جعفر بن محمد إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد »الرافضة«.

وكانت طائفة منهم قبل خروج الإمام زيد عليه السلام  مروا إلى جعفر الصادق، فقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع أفترى لنا أن نبايعه؟ فقال لهم: »نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا«، فجاءوا فكتموا ما أمرهم به).  

ومن خلال التأمل البسيط والتحليل الموضوعي لهذه الرواية والتي يعتمدها الكثير ممن ينبزون غيرهم بـ »الرافضة« ويستدلون بها ويتشدقون بها على الآخرين، من خلال التأمل والتحليل نجد الآتي:

  • أن هذه الراوية تؤكد رؤية وعقيدة الإمام زيد عليه السلام حيث أكد فيها على أفضلية الإمام علي عليه السلام وعلى أحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أحقية أهل البيت عموما بقوله: (إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين).
  • توضح هذه الراوية رؤية الإمام زيد عليه السلام المتوازنة في أبي بكر وعمر كونهما تقدما الإمام علياً عليه السلام بأنهما أخطئا، ولكن لم يبلغا بذلك عنده كفراً، وأشاد بعدلهما في الأمة ولم يتبرأ منهما ولا سبهما بل ترحم عليهما وذلك بقوله: (رحمهما الله و غفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً) وطلب المغفرة هي لمن أخطأ وعصى وأذنب، ويقول أيضاً: (إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة) وهذا النص يؤكد أن مفهوم »الرافضة« لا يُطلق على من رفض خلافة أبي بكر وعمر كون الإمام زيد عليه السلام يعتقد أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام علي عليه السلام وأهل البيت بشكل عام بقوله: (إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين) وذكر أن أبا بكر وعمر استأثرا بالخلافة ودفعا أهل البيت عنها بقوله: (وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه) وذكر أيضاً موقفه من تقدم أبي بكر وعمر للخلافة بقوله: (ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة) ولذلك ترحم عليهما وطلب لهما المغفرة كونهما أخطئا في التقدم على الإمام علي عليه السلام بقوله: (رحمهما الله و غفر لهما) ويؤكد أيضاً موقف أهل البيت من أبي بكر وعمر بقوله: (ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً)
  • يوضح الإمام زيد عليه السلام أن لا مقارنة بين أبي بكر وعمر وبين الظالمين من بني أمية بقوله: (إن هؤلاء ليسوا كأولئك إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم) ففصل بينهم، واعتبر الظالمين من حكام بني أمية ليسوا كأبي بكر وعمر اللذين عدلا في الناس وعملا بالكتاب والسنة في الحكم بخلاف الحكام الظالمين من بني أمية الذين ظلموا الناس وخالفوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
  • أهمّ ما ركّز عليه الإمام زيد عليه السلام في فكره الثوري والجهادي - وهو موضوع في غاية الأهمية ودرس لكل الثوار وكل الأمة - هو أن موضوع خلافة أبي بكر وعمر ليس من أهداف الثورة، فلم يثر ويخرج على بني أمية من أجل خلافة الإمام علي عليه السلام ولا حتى من أجل إمامة أهل البيت، ولا ضد خلافة أبي بكر وعمر بل ضد من يظلم الأمة كلها .
  • بعد نقاش الإمام زيد عليه السلام مع من سألوه عن أبي بكر وعمر وإجاباته الرصينة الواعية في هذا الموضوع الحساس، وما سألوه إلا لكي يبحثوا لهم عن مبرر للتخلف عن المشاركة في الثورة ونكث البيعة، ولمعرفة الإمام زيد عليه السلام بما يبطنوه دعاهم مجدداً إلى القيام بواجبهم الثوري والجهادي رغم موقفهم من أبي بكر وعمر، ولم يأمرهم بالتخلي عن رؤيتهم، ووضح لهم أن هدفه هدف إسلامي إنساني وليس طائفياً مذهبياً بقوله: (وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل) وفي هذا إلجام لمن يريد تحويل مفهوم »الرافضة« ويجعل سبب تسمية الإمام زيد عليه السلام لهم بهذا الاسم رفضهم لخلافة الشيخين، حيث إن البعض للأسف يطلقون هذه التسمية ويصمون بالرفض بمجرد أن يفضل أحد الإمام علياً عليه السلام وممن وصموا بهذا المصطلح »الروافض« الإمام زيد نفسه يصمون الإمام زيداً بهذا الوصم من حيث يشعرون أو لا يشعرون كونه يؤمن بأحقية الإمام علي عليه السلام كما سلف ذكره في هذه الرواية، والأعجب أنهم يأخذون مصطلح »الرفض« عن الإمام زيد عليه السلام ثم يضللونه بسبب عقيدته ومواقفه وفكره السياسي، ويخطئونه بسبب ثورته وخروجه على الظالم وهو عليه السلام ما سمى »الرافضة« رافضة إلا لتركهم الجهاد معه ضد الحاكم الأموي الغاشم، بل ويقدسون من خرج الإمام زيد عليه السلام عليهم من الحكام الظلمة من بني أمية ويعتبرونهم أولياء الأمر الشرعيين ويحرمون الخروج عليهم،
  • إن هؤلاء المتناقضين مِن أكثر من يسئ إلى الشيخين أبي بكر وعمر حيث يقدمون أنفسهم للناس وكأن أبا بكر وعمر كانوا بمثل أخلاقهم، وأن عقيدتهم مثل اعتقاداتهم مع العلم أن عقيدة الشيخين في الله تعالى سليمة، ومثل عقيدة الإمام علي عليه السلام عقيدة التوحيد والعدل والوعد والوعيد وكان الإشكال فقط في العقيدة السياسية.
  • ثم إن التركيز على مفهوم »الرافضة« الذين لم يُقاتلوا الإمام زيداً عليه السلام ، وإنما تخلوا عنه في ظرف حساس ولحظة حرجة غير منطقي أمام التساهل وعدم تسليط الأضواء على من قاتلوا الإمام زيداً، وجاهدهم الإمام وثار عليهم وقتلوه وقطعوا رأسه وصلبوه عارياً وأحرقوه وحتوه وذروا رماده في نهر الفرات والبساتين، وفي ذلك ما فيه من تمييع لقضية الثورة في الإسلام حيث يُشنع على »الرافضة« القاعدين ولا يُشنع على قتلة الإمام زيد عليه السلام المحاربين له.
  • وفي الرواية الثانية أيضاً تأكيد لما هو موجود في كتب أهل البيت أن الإمام زيداً عليه السلام قطع أيضاً أعذار هؤلاء الذين أحجموا عن المشاركة في الثورة بقولهم أن الإمام هو جعفر الصادق عليه السلام حيث رجعوا إلى جعفر الصادق وقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع أفترى لنا أن نبايعه؟ فقال لهم: نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا، فجاءوا فكتموا ما أمرهم به. وفي هذه الرواية دلالة كبيرة وتأكيد لا يقبل الشك أن الإمام زيداً عليه السلام كان هو الإمام بتحركه وتحمله المسؤولية وليس كما تدعيه الشيعة الاثنا عشرية الذين يشنعون على الإمام زيد عليه السلام بسبب خروجه وثورته وأنه خالف الإمام المنصوص عليه والمعصوم جعفر الصادق – وهذا غير مُسَلّم به - ومَنْ يتكلمون بإيجابية على الإمام زيد عليه السلام فبدعوى أنه خرج بإذن جعفر الصادق عليه السلام وهو أمر غير صحيح.   

سيجول في الأذهان الآن تساؤل وهو: هل كل من قال بإمامة الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأنكر إمامة الإمام زيد عليه السلام »رافضي« طبقاً لسبب التسمية؟ وكيف ذلك؟ وأين هم اليوم من ثار ويثور كما صنع الشعب الإيراني في ثورته الإسلامية وكما يصنع حزب الله في جهاده ضد الصهيونية؟

والذي نستطيع قوله في الإجابة على هذه التساؤلات هو أن لفظ »الرافضة« ضد لفظ الجهاد الواعي والملتزم بأخلاق الإسلام، ومن هذا المنطلق فمن يجاهد منهم ويثور فلم يعد رافضياً بل أصبح مجاهداً مع الاحتفاظ بحق عدم قبول الأفكار غير المنطقية لديه، ومع الاحترام الكامل والتأييد الجهادي له ضد أعداء الأمة، والدعم السياسي في هذا الجانب دون الذوبان في التفاصيل المذهبية عنده، وإذا كنا لا نرضى أن نتمذهب بفكرنا فبالأحرى أن لا ننحدر إلى مربع المذهبية والطائفية بفكر غيرنا، وإن من لا يجاهد حين تتوفر المعطيات للجهاد ممن يعتقد بإمامة الإمام زيد عليه السلام ويقعد ويتعذر ويتعلل بمتابعته شخص قاعد يقول: إنه هو الأولى بالاتباع من الشخص القائم الذي  أثبت كفاءته وجدارته وأهليته فهو »رافضي«، والتاريخ يكرر نفسه، والذين من هذا النوع مشكلتهم جهادية وليست الإمامة، ولو قام القاعد الذي يلتفون حوله لخذلوه وتركوه ولقالوا – كما يحصل في الواقع المعاصر أيضاً - أن الواجب اتباع قاعد آخر، فمثل هؤلاء لا يثورون حتى يوم القيامة لأنها نفسية مترسخة فيهم، فالذي يترك ويخذل القائم بالحق دون عذر شرعي قرآني فهو »رافضي«، والذي يقاتل داخل الأمة بدون قائد قائم بالحق يقاتل تحت رايته فهو خارجي من الخوارج، إلا في حالة الدفاع عن النفس والمال والعرض.      

الدلالات: