لبَّيْك يا حُسين

نشر بتاريخ: أربعاء, 27/09/2017 - 7:47م

 

﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ 

أجيبوا داعي الله ولبوا نداءه وسارعوا إلى بناء الحياة معه.

هناك أمور نلحظها من الآية أولها أنها دعوة حقٍّ تكون إجابتها في إطار القناعة والإيمان، ليست مسألة تسلط أو قهر أو إجبار، وإنما مسألة قناعة وإيمان والتزام واستجابة لهذه الدعوة التي يرفعها داعي الله والمسارعة لقبولها لأن فيها الحياة الطيبة.

والإجابة هنا ليست من أجل هذا الشخص الداعي نفسه، وإنما من أجل القيمة والمبدأ العظيم الذي يدعو الناس من أجل إحياءه حتى تستقيم حياتهم؛ يقول الله سبحانه عن هذه الدعوة نفسها: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ ، ولذلك فإن الله سبحانه لا يدعو الناس إلى أن يعملوا من أجل إنسان ويضحوا من أجل هذا الإنسان ويجيبوه من أجله هو حتى يقوى سلطانه ويتسع ملكه، بل من أجل أنفسهم من أجل سعادتهم من أجل تحقيق العدالة وتحقيق الأمن، تحقيق الرخاء وإرساء الفضيلة وكل القيم العظيمة في واقع حياتهم ﴿إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، وعظمة أي إنسان هي في الحقيقة تكمن في أن يسخر نفسه وطاقته وكل ما لديه من أجل العطاء والخدمة للآخرين لا أن يسخر الآخرين من أجله هو.

دعوة الله لا يمكن أن تكون وسيلة يتوصل بها إلى استعباد الناس وإنما هي دعوة من أجل حريتهم في هذه الحياة من ربقة أي طاغٍ وعبوديتهم لله الواحد، وحاملها هو داعي الله وليس داعي غيره؛ ليس داعياً إلى نفسه، وهنا المقياس الذي يبيّن ما هي الدعوة التي ينبغي إجابة صاحبها؛ إنه كلام الله الذي يجب أن تكون الدعوة منطلقة منه والهداية التي بيّنها لنا الله سبحانه، فمن يدعو إليها ويمتثلها ويجسّدها في واقع حياته فهو الذي يجب إجابته وموالاته واتباعه.

من هنا نقول إن من خير من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، من دعا إلى التحرر من العبودية من الطغيان من الذلة من الحرمان من الظلم كان الحسين سلام الله تعالى عليه؛ الذي كان الداعي إلى الله ولأنه داع إلى الله فإنه في واقع دعوته لم يجبر أحداً على اتباعه، المسألة موكولة للآخرين؛ هم مسئولون أمام الله ومكلفون بإجابة من يدعوهم بدعوته، فالمنطلق يكون من أجل الله، هم عليهم أن يستشعروا مسئوليتهم أمام الله وأن يبادروا للقيام بها، لأنه لن يُلزِمهم لن يُجبرهم لن يُخضعهم لن يسوقهم بالسيف فهذه ليست صفات هؤلاء العظماء، هو جاء من أجل أن يزكيهم أن يربّيهم أن يجعلهم يحيون الحياة الطيبة وهذا لا يكون بالإجبار والقهر وإنما تكون بالقناعة وبالإيمان وبالضمير الحي.

لكن من شقاء الناس في ذلك الزمان تحديداً - وأيضاً في غيره من الأزمنة - أن يخرج فيهم هؤلاء العظماء الشرفاء فيتركوهم ويخذلوهم ولا يصغوا إليهم، هذه من مظاهر شقاء هؤلاء الناس، ولذلك عندما لم يلبوا نداء الحسين داعي الله ما كانت نهايتهم؟ أنه استبدل الله سبحانه وتعالى بهذا الإمام العظيم الحسين - ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة - الدعيَّ ابن الدعي عبيد الله بن زياد ابن أبيه ويزيد بن معاوية ثم الحجاج بن يوسف الثقفي ثم غيرهم من الجلاوزة والجلادين الذين لا يحملون للناس غير التعاسة والشقاء والظلم والقهر والمعاناة ولا يخاطبونهم بغير لغة الإذلال ولغة الحديد والنار.

ومن عجائب الدهر أن يقبع أولئك الأنذال الخبثاء في القصور الفارهة ويقف الناس على أعتابهم ويسهرون على حراستهم وخدمة شهواتهم وعبثهم، في الوقت الذي يحاصر فيه ريحانة المصطفى ويمنع حتى من الماء هو وأصحابه وأهل بيته بما فيهم الأطفال الرضع، أيّ حال وصل إليه الناس حتى يخذلوا ذلك الإنسان العظيم الذي ما زال المؤمنون حتى اليوم يبكون عليه ويتمنون لو كانوا - وهم من تأخر عنه مئات السنين – يفدونه بأرواحهم وبآبائهم وأمهاتهم وأبنائهم وبكل غال ونفيس!!

نعم؛ لقد خذلوه وتركوه ونقضوا عهوداً أبرموها معه وقبل ذلك ضيعوا الواجب الذي حملهم الله، فكانت عاقبة ذلك خسارة الإمام العظيم الذي قالها عندما استغاث به القاسم بن الحسن - وهو الغلام الذي لم يبلغ الحلم فهب لنجدته لكن لم يصل إلا بعد أن نال منه أعداء الله الذين تكالبوا عليه – فقال عليه السلام: عزَّ واللهِ على عمِّك أن تدعوَهُ فلا يُجيبكَ أو يجيبكَ فلا تنفَعك إجابَتُهُ، صوتٌ والله قلَّ ناصِرُه وكَثُر واتِرُه.

نحن هنا حتى لا نقع فيما وقع فيه الناس هناك نجدد النداء الذي كان لسان حال الأحرار في ذلك الزمان يرفعه، نجدد نداء زهير بن القين وحبيب بن مظاهر وأنس بن الحارث الكاهلي وبُرير بن خضير الهمداني ونجدد نداء علي بن الحسين وأبو بكر بن الحسن وأبي الفضل العباس ونداء ابنة الزهراء زينب، ونجدد نداء العظماء والعظيمات ممن حضر مع الحسين بن علي عليه السلام واحتذوا طريق إمامهم وقدوتهم وساروا على طريقه وكانوا بحجم الموقف؛ ثبتوا ولم يخضعوا ولم يتراجعوا ومضوا في ركب الحسين، فكانت ثورةً عارمة شرخت عرش بني أمية وأعادت الحيوية إلى جسد الأمة بعد أن كادت شمعة الإسلام أن تطفأ، ورغم أنهم انهزموا بالمقاييس المادية إلا أنهم بتضحياتهم وبدمائهم الزكية استطاعوا فعلاً أن يوصلوا رسالة الإمام الحسين إلى الجميع.

نحن نجدد النداء ونعيده ونكرره، ونقول: (لبيك يا حسين)، سنمضي على طريقك لن نتراجع لن يرهبنا التخويف ولن يغرّنا بريق الأموال ولا سنتأثر - بتوفيق الله وبإذن الله - بتزييف الدجالين، وسنمضي بإذن الله على طريقك حتى نلحق بك، وسنسعى من أجل تحقيق الأهداف التي سعيت من أجلها.

لن نتراجع لن نتوقف سنسعى من أجل ذلك كله، نحمد الله ونشكره أن صار بين أيدينا من يدعونا بدعوتك دعوة الحق من أجل سعادتنا من أجل إيصالنا إلى الحياة الطيبة؛ ينشر فينا هدى القرآن الكريم ويقودنا في مسيرة القرآن لمواجهة أعداء الإسلام أمريكا وإسرائيل، وإنا بإذن الله تعالى سوف نلبي النداء قائلين: لبيك يا حسين.. لبيك يا حسين .

الدلالات: