أهمية الوعي بالولاية عـلى أعـظـم مـقـدس

نشر بتاريخ: أربعاء, 13/09/2017 - 8:22م
الكاتب: 

المقدسات الإسلامية كثيرة ومتنوعة وأعظم مقدس في هذا الوجود هو الإنسان روحا وعرضا ونفسا ومالا وكرامة كما أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين: نظر إلى الكعبة فقال: " مرحبا بك من بيت! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والله إن المؤمن أعظم حرمة منك عند الله عز وجل، لأن الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: دمه وماله وأن يظن به ظن السوء. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».

 فالبنيان الأقدس والأعظم في هذا الكون هو الإنسان ومن يسعى لهدم هذا البنيان بهدر لدمه أو إفساد لروحه أو إفساد لنفسه أو تغيير لسر وجوده أو تعبيده للفراعنة وولاة الأمرة الفسقة الظلمة فهو بعيد عن الله ومطرود من رحمته وليس أهلا لأن يكون واليا وحاكما وأميرا كما قال الحبيب المصطفى : »إن هذا الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه« حتى جعل هذا الإنسان سببا ومعيارا وعلامة فارقة لمدى التوفيق الذي يحظى به الوالي على الأمة ومدى سلب التوفيق والرعاية عندما يشق الوالي على رعيته ويدخل عليهم المعاناة والمشاق والمصاعب والمتاعب ويتعامل معهم بشدة وقسوة وحيف وتعال وهذه المعاني الإسلامية أشار إليها النبي قائلاً: »اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم فارفق به«. وهذا الحديث النبوي عام وشامل لكل ولاية سواء أكانت ولاية سياسية كبرى أو صغرى أو ولاية اجتماعية أو إدارية أو اقتصادية أو تجارية فمن تقلد ولاية أو تحمل مسؤولية تتعلق بالأمة أو الرعية فعليه أن يكون حذرا أيما حذر من إدخال المشقة والعنت على المسلمين حتى لا يتعرض لدعوة النبي فيكون خاسرا وفاشلا .

 لقد بلغت القداسة لهذا الإنسان أن جعل النبي المؤذي له والمسيئ إليه مؤذيا ومسيئا إلى الله ورسوله حيث يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في الحديث الشريف الذي يرويه أنس بن مالك، قال: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، إذ جاء رجل يتخطى رقاب الناس حتى جلس قريباً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته، قال: »يا فلان، ما منعك أن تجمع «؟

قال: يانبي  اللّه: حرصت أن أضع نفسي في الموضع الذي ترى.

قال: »قد رأيتك تتخطى رقاب المسلمين وتؤذيهم، من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه«.

وهل أنزلت الكتب وأرسلت الرسل وشرعت الشرائع وفصلت الأحكام وأنزل القرآن إلَّا لهداية الإنسان وتكريمه وتنويره والرقي به والمحافظة على نفسه وعقله وروحه والوصول به إلى الحياة الطيبة حياة الإيمان والعدل والتقوى والإحسان والطمأنينة والانشراح والسرور والاستبشار؟ كما تؤكد ذلك آيات القرآن الكريم المحكمة لمن تدبرها وتفهمها ولم يكن على قلبه قفل مصطنع وبينه وبين القرآن عقدة مرض كاتباع الهوى وحب الدنيا والولاء لليهود والنصارى أو الركون إلى الذين ظلموا أو التلوث بسموم الأفكار الوهابية التي تسببت في فصل الأمة عن العمل بالقرآن وجعلت من الدين طقوسا باردة جامدة واختصرت الإسلام في سنن وشكليات لن تنفع يوم الحساب الدقيق الذي سيسائل فيه الإنسان عن مثقال الذرة قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *  وقال سبحانه: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }.

 لقد أسهم الفكر الوهابي والثقافة العربية السطحية والمناهج الدراسية الهزيلة والضعيفة إسهاما كبيرا في إفراغ الآيات القرآنية التي تتناول وعيد الله من أثرها ودورها وفاعليتها ورسالتها التوعوية الوعظية والإرشادية التي أراده الله وجنى علماء السوء والسلطان أيما جناية على القرآن عندما جعلوا الهدف من وجود القرآن هو مجرد الحفظ والتجويد والمسابقات القرآنية فكثر القراء والحفاظ الذين ليس لهم من القرآن إلا رسمه أما أن يكون القرآن هو الفرقان والنور والحاكم والمنظم والمصلح والمربي والآمر الناهي والمرشد والدليل والمحتكم إليه والمعروضة كل القوانين الوضعية والمواقف السياسية والاجتماعية والأسلاف والأعراف المتوارثة على آياته فهذا ما لا دخل للقراء والحفاظ وأئمة وخطباء المساجد فيه.

أما أن يكون للقرآن وحملته الواعين وحماته الصادقين والأمناء الربانيين القول الفصل عند الفتن والمشاجرات والخصومات ويكون لهم الموقف المشرف والحازم والحاسم عندما يشاهدون أولئك المسارعين إلى تولي اليهود والنصارى ويرون الولاة المحسوبين على الإسلام يسرون بل ويعلنون بالمودة لأئمة الكفر  ويقدم هؤلاء الولاة مليارات الدولارات لخدمة الاقتصاد الصهيوني الأمريكي ويقدمون التنازلات المذلة ويعقدون الاتفاقيات المخزية ويوقعون الصفقات التي تستهدف الإسلام والمسلمين وتخدم المصالح الغربية هنا لا بد من موقف لمن يقرأ القرآن ويرتل آياته وهو ما يجب أن يكون للقرآن حضوره العملي وتأثيره الفعلي على مجريات الأحداث بحيث يكون العالم والداعية والحافظ ذا بصيرة ووعي وتكون له عين ترتل القرآن وعين تقيم الأحداث وتزنها بميزان القرآن بحيث يكون القرآن فرقانا يفرق بين راية الحق والباطل وراية الخير والشر وراية الإيمان والشرك وراية الإسلام والكفر وراية الإصلاح والإفساد وراية العدل والظلم وراية الشرعية واللاشرعية وراية الإسلام الجهادي المقاوم وراية الإسلام الوهابي السلطوي الذي يعبد الشعوب للحكام ويجعلها شعوبا تساق كما تساق القطيع.

إن مبدأ الولاية على الشعوب يجب أن يكون له حضور فاعل وكبير في مساجدنا ومدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا وأن تخصص مراكز الدراسات والأبحاث مساحة من جهدها ودراساتها لمسألة ولاية الامر لتعرف الشعوب من هم ولاة الأمر الجديرون بالسمع والطاعة والمستحقون للاحترام والتقدير ومنهم ولاة الأمر الذين تحرم طاعتهم وتسقط شرعيتهم ويجب الخروج عليهم وإسقاط عروشهم ومحاكمتهم ومساءلتهم وتأديبهم وإيقافهم عند حدهم والحد من فسادهم وشرورهم فيا ترى هل سنرى ونشاهد يوما ما على مستوى يمننا وعالمنا العربي صحوة شعبية واعية ويقظة مجتمعية ترمي بزعماء وأمراء ووزراء الظلم والفساد خلف القضبان ليكونوا عبرة لمن يعتبر وحتى تتحصن مستقبلا من تسلط الأشرار وحكام الأنذال وخداع المنافقين.

وكل هذه المعاني يختزنها ويتضمنها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: »لا قدست أمةٌ لا تأمر بمعروفٍ، ولا تنهى عن منكرٍ، ولا تأخذ على يد الظالم، ولا تعين المحسن، ولا ترد المسيء عن إساءته«.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: »لا قدست أمة لا يقضى فيها بالحق فيأخذ ضعيفها حقه من قويها، غير متعتع«. وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: »إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك ظالم، فقد تودع منها«. والمعنى لقد أصبحت أمة ميتة لا وزن لها ولا قيمة ولا اعتبار ولا فاعلية ولا تأثير ووجودها وعدمها على سواء.

وهل هناك ظلم أفدح وأشد وأضر من ظلم هؤلاء الولاة المنتمين للإسلام في ظاهرهم الموالين والمتولين لترامب وأمريكا في سياستهم وقراراتهم وتوجهاتهم الذين أوصلوا الأمة إلى الذل وأوقعوها في الفتن ونشرو فيها الفساد المتمثل في تبني مشاريع التفرقة التمزيق ورعاية مخططات التطبيع والتسوية مع اليهود الغاصبين والأمريكيين المحتلين وصدق الله القائل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.