الجمع بين العلم والجهاد منهج آل البيت عليهم السلام

نشر بتاريخ: اثنين, 03/07/2017 - 9:05ص

موضوع في غاية الأهمية يجيب على تساؤلات الكثير من طلاب العلم ومن المجاهدين تضمنه فصلان من فصول (كتاب النمرقة الوسطى  الداعي لجميع المسلمين إلى سلوك الطريقة المثلى) تأليف المفتقر إلى عفو الكريم المتعالي عبدالغني علي ناصر حسين الحاشي.

وقد رأينا إفرادهما في موضوع مستقل ونشرهما في هذا العدد إسهاماً في ترسيخ الوعي وبيان الحق آملين أن يستفيد القارئ الكريم مما ورد في هذا الموضوع الحساس عن آل البيت عليهم السلام.

فصلٌ
في أنه لا تعارض بين العلم والجهاد

مذهب أهل البيت عليهم السلام هو وجوب التعليم للعلم الشريف ونشر الدين بين العباد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومجاهدة الفاسقين والكافرين لا يفرقون بين هذه الأمور وسيرتهم تشهد بذلك.

فلا عذر لمن يترك العلم متعذراً بالجهاد فقد كان أئمة أهل البيت وأتباعهم يجاهدون الظالمين ويعلمون الناس في خلال ذلك كما ورد في سيرة الهادي عليه السلام أنه كان في الأغلب لا يتمكن من إملاء مسألة من العلم إلا وهو على ظهر فرسه وكان السيد العلامة إمام العلماء وعالم الكرماء المجتهد المطلق صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيدي يجاهد مع الإمام القاسم بن محمد عليه السلام ويستصحب معه الكتب فأول ما يأمر به أصحابه عند وصوله البلاد التي يجاهد فيها هو نصب الخيمة لكتب العلم التي معه فلا يزال ليله جميعه ينظر في العلوم ويحرر ويقرر وألف المؤلفات العظيمة منها شرح الفصول وغير ذلك وكذلك إمام المحققين الحسين بن الإمام القاسم بن محمد عليه السلام قد كان  يجاهد مع والده ويستصحب الكتب وقد ألف كتاب »الغاية« أيام تلك المعارك الشديدة وكذا غيرهم من أهل البيت وشيعتهم.

والواقع أنَّ زمن القتال قصير وبإمكان الإنسان أن يستغل بقية الوقت في تعلم العلم النافع لا أن يجعل الجهاد ذريعةً له إلى الجهل والتنفير عن العلم النافع الذي لا يستقيم الدين إلا به

فقد قال الإمام الهادي عليه السلام عندما سئل هل يكتفي الرجل بالعلم اليسير ما لفظه: (وسألته عن الرجل يقول: قد فهمت وعرفت ما افترض الله عليّ، فأنا أكتفي باليسير، ولا أتعب نفسي بتعلم الكثير، وأنا أقوم بحلال الله وحرامه؛ فهذا يجزيني عن طلب غيره من العلم؟

الجواب في ذلك أن الله عز وجل لم يغفر لأحدٍ بالجهل، فالواجب عليه أن يكون عمره كله في طلب الخروج من الجهل إلى العلم، وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((اغد عالماً أو متعلماً ولا تكن الآخر فتهلك)).، يعني: الممسك عن طلب العلم)انتهى ص457 من المجموع

وقال عليه السلام في  مقدمة كتاب الأحكام ص 47 مبيناً ما يجب على المكلف ما لفظه: (ثم يجب عليه من بعد ذلك النظر فيما يحتاج إليه من أمره من حلاله وحرامه وجميع أسبابه، فإن الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله لا يرضى لعباده المؤمنين وأوليائه الصالحين الجهل والنقصان، بل يشاء منهم التزيد في كل خير وإحسان، فيجب عليه أن يطلب من ذلك ما ينبغي له طلبه، من علم أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله فيتبع من ذلك أحسنه، وأقربه إلى الكتاب، فإن الله سبحانه يقول: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ ، ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

وقال السيد العلامة بدر الدين بن أمير الدين عليه السلام في أثناء تفسيره قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾، ما لفظه: (ومن الخير : تعلم الدين وإعانة طلاب العلم بالمدارس وتيسير الكتب والمشايخ وترغيبهم في التعليم واجتناب تنفيرهم وغير ذلك.

ومن الخير: نشر التعليم في جميع أقطار بلاد الإسلام بقدر الوسع أو على الأقل نشر الإرشاد والمواعظ والدعوة إلى التعلم والتحذير من الجهل والإنذار للمعرضين) انتهى ص514 من التيسير في التفسير الجزء الأول.

ولا عذر أيضاً لمن يترك إجابة الداعي إلى الجهاد الكامل في الشروط متعذراً عن ذلك بالعلم فقد قال الإمام الهادي عليه السلام في مقدمة كتاب الأحكام ص46 ما لفظه (فإذا علم المسترشد ذلك وعرف كل من ذكرنا بصفاتهم، ووقف على أولي الامر منهم بدلالتهم، ودان الله سبحانه بولايتهم، وجب عليه من بعد ذلك أن يعتقد معرفة فضل الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يعلم أن ذلك أكبر فروض الله المفترضة عليه، فيظهر جهاد الظالمين، وينوي مباينة الفاسقين، بيده ولسانه وقلبه وبما يقدر عليه من طاقته).

وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام (وإن اعتل بطلب العلم فالجهاد لا ينافي العلم، ولو كان كذلك لسقط الفرض عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن الحاجة إلى العلم في ذلك الأوان كانت أمس؛ لقرب الناس بالجاهلية وعبادة الأوثان، والمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يلزمهم فرض الجهاد في جميع الأحوال ويطلبون العلم في خلال ذلك لكونهم في المعرفة مراتب انتهى  من المهذب ص 483

وقال عليه السلام في المجموع المنصوري ما لفظه: إن الجهاد فريضة من فرائض الله تعالى العظام، ونحن نروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه قال): ((الجهاد سنام الدين))، وسنام الجزور أفضلها بالاتفاق، وفي ذلك اتفاق أهل الفقه أن رجلاً لو أوصى بشيء من ماله لأفضل وجوه البر لصرف إلى الجهاد، ونحن نروي عن أبينا (عن) علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (فيكون في آخر الزمان قوم متقرؤون، متنسكون، متفقهون، لا يوجبون أمراً بمعروف، ولا نهياً عن منكر، إلا إذا درَّت لهم معايشهم، وسلموا في أمر دنياهم، فلو أن الصلاة والصوم أضرَّا بشيء من دنياهم لرفضوهما، وقد رفضوا من الفرائض أسنمها وأشرفها الجهاد في سبيل الله، فريضة تقام بها الفرائض، وتحيا بها السنن، وتعمر بها الأرض، وينتصف بها من الأعداء)، ولا حق في هذا المال إلا لمن جاهد أو كان بجهده وطاقته مع المجاهدين.

إلى قوله: وأمَّا العذر لخوف الظلمة فبعيد من الصواب جداً، وأي جهاد لا يخاف صاحبه ولا يخيف!!، وإذا كان الله تعالى قد: ﴿اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ﴾ ، والقرآن أكد حكمه في كبار الكتب المنزلة الشريفة، فهل يستحقّ المبيع من لا يسلّم الثمن!! إلى قوله: وكذلك المشتري إذا مطل البائع في ثمن المبيع كان حكمه حكم السارق وزال حكم البيع، وإنما يكون حكمه حكم السارق؛ لأن من شرى شيئاً معيَّناً بمال معيَّن ثم خبّأه من البائع وغباه ودافع دونه يكون حكمه حكم السراق: سرق نفسه، وماله، ودينه وأما الاعتذار بالمال والعيال فذاك من أعذار الأعراب فلم يقبلها ربُّ الأرباب، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.

وأما اعتذاره بالتعليم فلماذا يتعلم، إنما يراد العلم للعمل، فما ينفعه علمه وقد ترك أفضل الأعمال؛ ولئن مكّن الله تعالى لنفردنَّ  في هذا المعنى كتاباً لله سبحانه ينفع الله به المسلمين، ويقمع به المجرمين، ولا سلامة لمن ترك الجهاد ولا كرامة لا في الدنيا ولا في الآخرة. )انتهى ص 596 من القسم الثاني

فالأمر كما قدمنا لك أيها المطلع على كتابنا هذا أن أهل البيت لا يفرقون بين العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يعلمه المطلع على تواريخهم.

قال السيد العلامة الحسين بن يحي الحوثي عليه السلام في الجواب الراقي ص50 أثناء استدلاله على وجوب اتباع أهل البيت ما لفظه (وكذا قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ ، فجعلهم خير أمة لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولم نجد مثل هذه الذرية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر من زمان علي بن أبي طالب وزيد بن علي إلى زماننا هذا.

ولقول الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

ولم نجد مثل هذه الذرية الطاهرة وأتباعهم رضوان الله عليهم مثابرين على الجهاد إلى يومنا هذا إذا وجدوا لهم أنصاراً أولهم علي وآخرهم المهدي  عليهم السلام.ولقول الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، ولم نجد مثل هذه الذرية من ذراري المهاجرين والأنصار لا ذرية أبي بكر ولا عمر ولا عمار ولا أبي ذر ولا أنس ولا سعد بن عبادة ولا غيرهم.

أما هذه الذرية فلا زال العلم في بيوتهم وأعقابهم إلى زماننا هذا (1415هـ)، ولهم فيه اليد الطولى، والمؤلفات الواسعة، ويمتازون على غيرهم أنهم يذكرون في كتبهم مذاهب الفرق وحججها والجوابات عليها ومذهبهم وحجتهم)انتهى

وقال السيد العلامة محمد بن عبد الله عوض حفظه الله في قصد السبيل ص205 في سياق ذكره لأهل البيت بعد ذكره للفضائل الخلقية الكائنة لهم من الله عز وجل ما لفظه: (ولهم فضائل اكتسابية لم يسبقهم فيها سابق ولا يلحقهم لاحق ومن قرأ تاريخهم من لدن أمير المؤمنين عليهم السلام إلى يوم الناس هذا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الظالمين وما لحقهم في ذلك من الخوف والفقر والتشرد و...إلخ وفي العبادة والزهد والورع وطلب العلم ونشره والتودد إلى الناس والرفق والشفقة والنصيحة العامة والخاصة علم صحة ما ذكرنا ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾انتهى

(لا تعارض بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين   الإرشاد)

الإرشاد للناس هو مرتبة واحدة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أولها القول اللَّين وآخرها الضرب بالسيف والإرشاد قيام بالمرتبة الأولى من مراتبه وقد أمر الله بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه الأربع كما سيأتي وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الإرشاد فقط بل هو ما ذكره الإمام زيد عليه السلام بقوله (واعلموا أن فريضة اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هَيِّنُها وشَدِيْدُها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو: الدعاء إلى الإسلام، والإخراج من الظُّلْمَة، ورَدّ الظالم، وقِسْمَةِ الفَيء والغنائم على منازلها، وأخذ الصَّدقات ووضعها في مواضعها، وإقامة الحدود، وصِلَةِ الأرحام، والوفاء بالعهد، والإحسان، واجتناب المحَارم، كل هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول اللّه تعالى لكم: ﴿وَتَعَاوَنُوْا عَلَىْ البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوْا عَلَىْ الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوْا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيْدُ العِقَابِ﴾ ، فقد ثَبَتَ فرضُ اللّه تعالى، فاذكروا عهد اللّه الذي عاهدتموه وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ بِذَاتِ الصُّدُوْرِ﴾ .انتهى ص300 من المجموع  

فلا تعارض بين الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ الإرشاد نوع منه والإرشاد يقتصر نفعه على من كان من المؤمنين في المجتمعات وهناك أشخاص في المجتمعات لا ينفع فيهم إلا الأمر والنهي بالقوة فأمرنا الله بالقيام بالأمر والنهي بجميع مراتبه كي نواجه كل شخص بما يليق به ونستعمل معه جميع المراتب أولاً باللين ثم بالقول الخشن ثم بالضرب بالعصا ثم بالسيف كما هو موضح في علم أصول الدين.

فلا عذر لنا في ذلك مع الاستطاعة قال الإمام الهادي عليه السلام (وندين بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن نصر المظلوم والأخذ على يد الظالم فرض لازم، وحق واجب، لأن في ترك الأمر بالمعروف للحق إماتةٌ، وفي ترك النهي عن المنكر للباطل حياةٌ، ولذلك أوجبه الله على عباده، وفرضه عليهم فرضاً، بكل ما أمكنهم ولذلك قال رب العالمين: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ انتهى ص194 من المجموع.

وأيضاً فإن القيام بفريضة الأمر والنهي بالقوة هو استغلال لثمرة الإرشاد التي طالما بذُلت جهودٌ عظيمة من أجلها وترك أهل العلم  لذلك هو من ترك الفرصة للجهال والسفهاء الذين يحلون محلهم فيفعلون المنكرات ويفسدون في الأرض قال الإمام زيد عليه السلام (فكذلك الجهال والسفهاء إذا كانت الأمور في أيديهم، لم يستطيعوا إلا بالجهل والسَّفَه إقامتها، فحينئذ تَصْرُخُ المواريث، وتضج الأحكام، ويفتضح المسلمون).

هذا مع أن السكوت على المنكر لا يجوز كما قال السيد العلامة محمد بن عبد الله عوض في كتابه صحيح السنة ص 53 (السكوت على المنكر ليس من مذاهب الإسلام وشرائع الملة، بل هو مذهب الذين لعنوا على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه).

فإن قيل ما دام والإرشاد ينفع فلا فائدة في القيام بغيره ؟

فأقول والله الموفق الإرشاد كما قدمنا لا ينتفع به في الأغلب  إلا من كان من المؤمنين كما قال الله تعالىا: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الذاريات:55] وقال تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾[الأعلى:10]

وكم في المجتمعات من ليس منهم ولو صلح مجتمع من المجتمعات بالإرشاد فقط لكان ذلك في مجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة ومعلوم أنها كانت تحوي كثيراً من المنافقين كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ وهذا الأمر محسوس مشاهد لكل واعظ في أي مجتمع كان ومعلوم أنه يوجد فئة من الناس في المجتمع لا تنزع عن غيها ولا يردعها إلا القوة والصميل كما يُقال في المثل خُلق من الجنة فلو لم تُواجه تلك الفئة بالقوة لأفسدت المجتمع بأكمله واستحق الجميع السخط من الله.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مَنْ يَعْمَلُ الْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُ وَأَمْنَعُ فَلَمْ يُغَيِّرُوا إِلاّ أَصَابَهُمُ الله بِعَذَابٍ مِنْهُ))رواه الإمام أبو طالب عليه السلام.

وعن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا قدست أمة لا تأمر بالمعروف، ولا تنهى عن منكر، ولا تأخذ على يد الظالم، ولا تعين المحسن، ولا ترد المسيء عن إساءته))رواه الإمام زيد عليه السلام

ولو فرضنا الإكتفاء بالإرشاد فمن الذي يضمن لنا بقاء الإرشاد فقد نُمنع منه فإنه لو تمكن الظالمون من منعنا لمنعونا منه ومن غيره كما قد حصل ذلك من قبل .

ومن ثمة لا نستطيع القيام به ولا بغيره من الأمر والنهي بل يتسلط الظالمون علينا يسبب بتركنا لهذه الفريضة العظيمة كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه ثم يقول ما منعكم إذا رأيتموني أعصى ألا تغضبوا لي) رواه الهادي عليه السلام في الأحكام.

قال الإمام القاسم العياني عليه السلام بعد ذكره للحديث في كتابه المجموع ص351 ما لفظه (وما انتصر لنفسه من أمة إلا أهلكها بعذاب من عنده )انتهى.

وقال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام (واعلموا أرشدكم الله أن الله سبحانه لا يقبل الفرائض بعضها إلا ببعض، فلا يقبل الله صلاة إلا بزكاة، ولا يقبل صلاة وزكاة إلا بصيام، ولا يقبل ذلك من غير حج لمن استطاع إليه سبيلا، ولا يقبل ذلك كله من غير جهاد في سبيل الله بالمال والنفس لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ ونحو ذلك.)انتهى من النبذة المشيرة فالإسلام دين متكامل ليس مقتصراً على الوعظ والإرشاد في المسجد فقط بل هو شامل لجميع مناحي الحياة كما ذكر السيد العلامة محمد بن عبد الله عوض حفظه الله في كتابه قصد السبيل حيث قال ما لفظه (وعلى الجملة فقد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشريعة تحل مشاكل البشر على كل المستويات الصحية والإقتصادية والسياسية و...إلخ )انتهى ص146 فمن يقوم بتلك الشريعة إن تركناها 

 فإن قيل إن القيام بالأمر والنهي يشغل الطلاب عن الدراسة للعلم الشريف والتدريس والإرشاد؟

فأقول وبالله التوفيق:

بأن القيام بذلك واجب شرعاً  ولو فرضنا أنه شغل عن الدراسة فقد شرع الله القتال ولو شغل عن  إقامة الصلاة  تامةً  فإنه يجب فعل ما أمكن فيها كما ذكروا فكذلك فيما نحن بصدده  مع أنا نقول بأن طلاب العلم في أي مجتمع كان ليسوا على شاكلة واحدة وكذلك من هو في جانبهم من الناس بل هم أصناف مختلفة فمنهم من يهوى تعلم  العلم الديني ومنهم من يهوي تعلم العلم الدنيوي كتعلم الطب والهندسة وغير ذلك ومنهم من يهوى الجهاد وإلخ ...فالذي ينبغي هو توزيعهم على الأعمال حسب مهاراتهم وقدراتهم فيكون كل شخص في العمل الذي هو كفؤ له على حسب ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة وذلك بعد أن يتعلموا الشيء الواجب من العلم وهو شيء يسير.

 نعم والإمام الداعي من الآل له البصيرة الكافية في توزيعهم كذلك كما ذكر السيد العلامة محمد بن عبد الله عوض حفظه الله  في كتابه من ثمار العلم والحكمة ص681 حيث قال ما لفظه: (وأئمة المسلمين لهم من التوفيق وحسن النظر ما ليس لغيرهم لذلك فإنهم لا يفرطون في توزيع المسلمين على ما ينبغي وعلى حسب ما تدعو إليه المصلحة والحاجة فيوظفون للجهاد من يقوم به على حسب الحاجة ويوظفون لطلب العلم ما يحتاج إليه الشعب في جميع مجالات العلوم وهكذا من غير أن يفرطوا في الزراعة والتجارة وجميع ما تتطلبه الحياة.

هذا ولا يخفى أنه يجب على الكفاية أن يكون في البلاد الإسلامية على حسب الحاجة علماء طب وعلماء صناعة ورياضة.....الخ ولا ينبغي لولاة الأمر أن يفرطوا في ذلك)انتهى

فتبين لكم أيها الإخوة من خلال ما قدمنا أنه لا تعارض بين الإرشاد والأمر والنهي كما أنه لا تعارض بين العلم والجهاد فكلها وجبت بأوامر ربانية من رب حكيم لا يأمر إلا بالحسن ولا ينهى إلا عن القبيح ولا يكلف فوق الطاقة فيجب علينا امتثال جميع أوامره وترك جميع نواهيه عصمنا الله من الزلل والخطى ووفقنا لما يحب ويرضى

هذا مع أن الزيدية قد تميزت على جميع المذاهب الإسلامية بقيامها بفريضة الأمر والنهي على مر الزمان وتعاقب الأعصار واشتهرت بذلك حتى صار ذلك سمة وعلامة لها كما قال السيد العلامة محمد  بن عبد الله عوض في كتابه نظرات ص82 (وقد اتسم الزيدية بهاتين الصفتين أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ العهد الأول وإلى اليوم، وصار الخروج على الظلمة شعاراً يتميزون به بين طوائف المسلمين لا يفرطون في القيام بهذه الفريضة اللازمة، فصدق الله العليم ﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام:124].) انتهى

وقال السيد العلامة الحسين بن يحي الحوثي عليه السلام مبيناً حالهم  (وإنما قاموا بجهاد الظلم والمنكر بجهاد الدولتين الظالمتين الأموية والعباسية وبذلوا النفسَّ والنَّفيس، وقتلوا تحت كل حجر ومدر، وأوصدت عليهم الحبوس، وشردوا في الآفاق مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((ستنال عترتي من أمتي قتلاً وتشريداً))، ودعوا إلى الله: ﴿يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَءَامِنُوا...﴾ [الأحقاف:31]﴿وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ...﴾ [الأحقاف:32] انتهى من الجواب الراقي ص30 فإذا تخلينا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنا قد تخلينا عن الفضيلة التي امتاز بها أئمة أهل البيت وأتباعهم

فصلٌ
 في شوق أهل البيت للقيام والجهاد والشهادة في سبيل الله

 فإن قيل : إن قيام أئمة أهل البيت عليهم السلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقتال إنما هو لاضطرارهم إلى ذلك وإلا فإن الظلمة لو تركوا لهم المجال ليرشدوا الناس ويعلموهم معالم الدين لما احتاجوا إلى القتل والقتال؟

فأقول والله الموفق :

أولاً: إن هذه الدعوى تسلب عن أئمة أهل البيت عليهم السلام المدائح التي ذكرها الله في القرآن نحو قوله تعالى:﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور﴾ وغير ذلك.

ولم يعد لهم أي سمة يتميزون بها عن غيرهم كما تقدم فإن كل المذاهب تقوم بالإرشاد والتعليم.

ثانياً: تاريخ أهل البيت عليهم السلام وكلامهم يبطل هذه الدعوى تماماً وسنذكر بعضا من أقوالهم التي تبين شوقهم و رغبتهم الشديدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الظالمين والشهادة في سبيل الله رب العالمين.

ثالثاً: الشهادة في سبيل الله هي أفضل شيء يناله الإنسان المؤمن كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الإمام الموفق بالله في الإعتبار ما لفظه: (وسمع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم [رجلاً] يقول: أسألك خير ما تُسأل فاعطني خير ما تعطي؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن استجيب لك أهريق دمك في سبيل الله)).انتهى ص 541

فإذا كانت الشهادة هي أفضل شيء فلا شك أن أهل البيت عليهم السلام هم السابقون إلى كل فضيلة كما وردت به الآيات القرءانية والأحاديث النبوية وتاريخهم يشهد بذلك .

وإليك أخي القارئ بعضاً من كلامهم الذي يدل على رغبتهم الشديدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والشهادة في سبيل الله رب العالمين .

قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مجيباً على أخيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال له وكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه

فقال علي رضي الله عنه: ((ليس ذلك يا رسول الله من مواطن الصبر ولكنه من مواطن البشرى والشكر )) انتهى من مجموع الإمام القاسم بن إبراهيم ص642

وقال الإمام الحسين عليه السلام: (ليرغب المرء في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا شقاوة ) ذكره في الحدائق ص195.

وقال عليه السلام ما أولعني بالشوق إلى أسلافي اشتياق يعقوب عليه السلام إلى يوسف عليه السلام وأخيه ) انتهى من الحدائق .

وقال الإمام زيد عليه السلام: والله لو علمت أنَّ رضاء الله عني في أن أقدح نارا بيدي حتى إذا أضرمت رميت بنفسي فيها لفعلت ولكن ما أعلم شيئا أرضى لله عز وجل عني من جهاد بني أمية. انتهى من المجموع

وقال عليه السلام وكتبتَ تسألني عن حالي فأنا يوم كتبتُ إليك مفتقر إلى الله تعالى أدعوه وأسأله أن يلحقني بآبائي الشهداء المرزوقين لزهدي في الدنيا )انتهى ص317 من المجموع .

وقال الإمام يحيى بن زيد عليه السلام:

يا ابن زيد أليس قد قال زيد

 

من أحب الحياة عاش ذليلاً

كن كزيد فأنت مهجة زيد

 

واتخذ في الجنان ظلاً ظليلاً

 

وقال الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية عليه السلام: مجيبا لأبي خالد الواسطي رضي الله عنه: (يا أبا خالد أنا خارج وأنا والله مقتول والله ما يسرني أن الدنيا بأسرها لي عوض عن جهادهم يا أبا خالد إن امرأً مؤمنا لا يصبح حزينا ويمسي حزينا مما يعاين من أعمالهم إنه لمغبون مفتون قال قلت يا سيدي والله إن المؤمن كذلك ولكن كيف بنا ونحن مقهورون مستضعفون خاشعون لا نستطيع لهم تغييرا فقال يا أبا خالد إذا كنتم كذلك فلا تكونوا لهم جمعا وانفذوا من أرضهم)). انتهى من الحدائق ص 278 وهو في التحف.

أقول انظر إلى قوله وأنا والله مقتول مع أنه لو أراد السلامة لترك القتال وسلم وكذلك غيره من الأئمة .

قال الإمام الموفق بالله في الإعتبار ص539 ما لفظه (وجدنا خيار ذرية رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، بذلوا أرواحهم في سبيل اللّه، ابتغاء مرضات اللّه، في زمان عُظم الجهاد فيه، كالحسين بن علي عليه السلام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، ومحمد بن عبد الله، وإبراهيم بن عبد الله، والحسين بن علي الفخي.. وغيرهم، فتحملوا مكاره بالقتل والضرب والطرد ما تغني شهرته عن ذكره.

هذا زيد بن علي عليه السلام، قتل، ثم صلب سنين، حتى تفرخ الطير في جوفه، ثم أنزل فأحرق، وذري رماده في الفرات، وقد كان يخلى إن تخلى عن منابذتهم، والإنكار عليهم، فرأى جهادهم أفضل من جهاد أهل الشرك، إذ كان ذلك تطهير دار الإسلام، ولعظم مقام المجاهدين عند الله تعالى، أمر أن يدفنوا بدمائهم، ولا ينزع من ثيابهم ما قد أصابه الدم، ولا يغسلوا ليلقوا اللّه تعالى يوم القيامة، وعليهم آثار المجاهدين)انتهى.

وقال الإمام يحي ابن عبد الله عليه السلام في جوابه على هارون الغوي ((والله ما أكلي إلا الجشب، ولا لبسي إلا الخشن، ولا شعاري إلا الدرع، ولا صاحبي إلا السيف، ولا فراشي إلا الأرض، ولا شهوتي من الدنيا إلا لقاؤكم، والرغبة في مجاهدتكم ولو موقفاً واحداً، انتظارا لإحدى الحسنيين في ذلك كله في ظفر أو شهادة ))إلى آخره ص340 الحدائق وهو في التحف وقال الإمام الهادي عليه السلام: والله لولا كرامة الله ومحبة ما أحب الله والإيثار لما أراد ووجوب الحجة وأداء واجب الفريضة والمعرفة من نفسي مالا يعرفه مني غيري والرغبة فيما بذل الله من الثمن الربيح حين يقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

ومع ذلك طلب الدرجات اللواتي فضل الله بهن المجاهدين على القاعدين حين يقول تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ والرجاء أن يصلح الله أمور المسلمين ويلم بنا شعث المؤمنين ويهدي بنا العباد ويؤمن بنا البلاد ويشبع بنا البطون الجائعة، ويكسي بنا الظهور العارية ونرد المظالم على المظلومين ويقوى في الحق جميع العالمين ونذل المبطلين ونعز المحقين ونسير بسيرة ملائكة رب العالمين وأنبيائه المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ونذكّر بسيرتنا أفاضل من مضى من آبائنا ونكبت أعداء الحق، ونظهر كلمه الصدق ونرضي الرحمن ونسخط الشيطان، لسقيت أخرها في أثر أولها ولرددت وجوه أولها على آخرها وخليت قليلها الباقي يلحق بأوله الماضي حتى يعلم الجهال وأهل الشك من الضلال أن دنياهم عندي أمرها أيسر وأهون على يحيى بن الحسين من النقير، ولكن يحجب عن ذلك ويمنعنا عن أن يكون كذلك ما وصفنا وقلنا وذكرنا مما فيه رغبتنا من كرامة ذي الجلال والسلطان والرغبة في مرافقة الصالحين في الجنان ورحمة المسلمين ونصر الحق والدين والاقتداء بأولى العزم من النبيين فنسأل الله الخيرة في كل الأمور والدفع لكل مخوف على الدين أو محذور وأن يبلغنا في ذلك ما أملنا به من طاعة ربنا وسيدنا والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الحق المبين وحسبنا الله العلي الكريم عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطيبين)انتهى من الأحكام ص 505 ج 2

أقول انظر إلى قوله أيسر وأهون على يحي بن الحسين من النقير ففيه دلالة واضحة على أن الدافع له ولمن سار على نهجه من أئمة العترة  إنما هو القيام بأمر الله في  إصلاح البلاد بتطبيق الشرع الشريف بين العباد وجهاد أهل الظلم والفساد لا من أجل حطام الدنياوالفساد فيها. كما قال جده أمير المؤمنين علي عليه السلام (وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ).

وقال الإمام الناصر الأطروش  عليه السلام:

 فخشيتُ أن ألقى الإله وما

 

أبليت في أعدائه عذري

أو أن أموت على الفراش ضناً

 

موت النساء أجر في قبري

وعلمت أني لا أزاد بما

 

آتي وينقص من مدى عمري

فشريت للرحمن محتسباً

 

نفساً عليَّ عظيمة القدرِ

 

إلى آخره. انظر مآثر الأبرار.

وقال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام: في معرض كلامه عن أعداء الدين  ما لفظه:(فلذتي في الدنيا قتاله وقتال أمثاله من أعداء الله تعالى، وقد نغَّصتُ عليه وعلى غيره من أهل الدنيا دنياهم في كل ناحية، ولي اليوم نيف وعشرون سنة، كلما فرغت من حرب قوم من الظالمين، قمت بحرب آخرين من أعداء رب العالمين، وإني لا أبرح كذلك حتى أموت.

..إلى قوله: فليعلم أن الداء الذي لا دواء له هو الموت، وأنا له كذلك إن شاء الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((نحن السم فمن شاء فليستم، ونحن الشم فمن شاء فليشتم))، وأنا له داء ولضده دواء، فليعلم ذلك والسلام، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.انتهى.من التحف شرح الزلف . ص240

وقال الإمام المنصور عبد الله بن حمزة عليه السلام: ما لفظه

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى

 

وجدك لم أحفل متى قام عوَّدي

فمنهن خلط الخيل بالخيل ضحوة

 

على عَجَل والبيض بالبيض ترتدي

ومنهن نشر الدين في كل بلدة

 

إذا لم يقم بالدين كل مبلد

ومنهن تطهير البلاد عن الخنا

 

ورحض أديم الأرض من كل مفسد

بذلك أوصاني أبي وبمثله

 

أُوَصِّي بني أوحداً بعد أوحد

 

انتهى من التحف. ص 247

فتبين لكم أيها الإخوة بما قدمنا شوق أهل البيت للقيام بأمر الله ضد الظالمين والكافرين وعدم صحة مايقال بأنهم مضطرون لذلك

وتبين أنهم ما قاموا إلا رغبة في الآخرة وزهداً في الدنيا وأنهم لو شاؤا الدنيا لحصلوا عليها .

كما ذكر الإمام يحي بن عبد الله عليه السلام مبيناً حال أمير المؤمنين على عليه السلام في رسالته إلى هارون الغوي حيث قال ما لفظه (ولو شاء أمير المؤمنين لهدأت له، وركنت إليه ؛ بمحاباة الظالمين، واتخاذ المضلين، وموالاة المارقين)الخ انتهى ص116 من التحف.

وقد سار على نهجه أئمة الهدى من ولده من ذلك الزمان وإلى هذا الأوان بل وإلى آخر أيام الدنيا كما جآءت به الأخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار.


[المصادر : مجموع الإمام الهادي يحيى بن الحسين]