ناتو الشرق الأوسط« حلقة جديدة من سلسلة التآمر على فلسطين وعلى الأمة

نشر بتاريخ: سبت, 24/06/2017 - 1:19ص

لم يعد مسموحاً للعلاقات بين الكيانين السعودي والصهيوني في ظل إدارة الرئيس »دونالد ترامب« أن تظل في إطارها السري وطي الكتمان .. بهذا الوضوح صدرت تعليمات البيت الأبيض لنظام مملكة قرن الشيطان عقب تولي »ترامب« مقاليد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في الـ 20 من شهر يناير الماضي .. ووفقاً لما ذكرته وتناقلته وسائل الإعلام فإنه: »في عهد ترامب لم يعد مسموحاً الصمت الذي كان يمارسه النظام السعودي تجاه التطبيع الذي تقوم به أجهزته وشخصيات سعودية مقربة منه ولقاءات الأمراء السعوديين مع الإسرائيليين«.

ولم يتأخر تنفيذ هذه التعليمات كثيراً حيث سجل الـ19 من فبراير الماضي أول ظهور رسمي علني بين الكيانين السعودي والصهيوني وعلى مستوى وزير الخارجية السعودي »عادل الجبير« ووزير الحرب الصهيوني »افيغدور ليبرمان« على هامش مؤتمر الأمن الذي عقد بمدينة ميونخ الألمانية.. وقد جرى إخراج الظهور العلني الأول إخراجاً مسرحياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فقد اعتلى »ليبرمان« منصة القاعة التي عُقد فيها المؤتمر ليلقي كلمة بينما جلس الجبير يستمع إليه ويصفق له ويجهز نفسه للصعود إلى المنصة لكي يعلم بشكل مباشر موافقته على ما تضمنته كلمة الوزير الصهيوني .. هكذا جاء الإخراج المسرحي بهذه الصورة المكشوفة والمفضوحة خاصة عندما تحدث ليبرمان في كلمته عن مخاوف السعودية ودعا إلى حمايتها وكأنه وزير سعودي يتحدث باسم نظامها وليس وزيراً صهيونياً.. ومما جاء في كلمته حرفياً وفقاً لما تناقلته وسائل الإعلام عن وكالة »رويترز« البريطانية العالمية:-

»إيران تهدف إلى زعزعة الاستقرار في كل دولة في الشرق الأوسط ووجهتها الرئيسية في نهاية الأمر هي السعودية .. وإذا سألتني ما هو أهم حدث في الشرق الأوسط؟؟ أُجيب أنه يتمثل في إدراك بعض الدول العربية (السُنية) »هكذا قال ليبرمان« للمرة الأولى منذ عام 1948م »وهو العام الذي شهد إعلان قيام الكيان الصهيوني« أن الخطر الأكبر المحدق بها يكمن في إيران وليس في إسرائيل ... « وأضاف الوزير الصهيوني قائلاً:-

»آمل في الإطلاع على موقف وزير الخارجية السعودي »عادل الجبير« تجاه ذلك .. لأنني أعتقد أن الإنقسام الحقيقي ليس بين اليهود والمسلمين وإنما بين أطراف معتدلة تواجه أخرى راديكالية.. « وهنا صعد وزير الخارجية السعودي إلى المنصة ليقف بجانب الوزير الصهيوني متحدثاً في ذات السياق حيث قال:-

»طهران هي الراعي الرئيس للإرهاب في العالم وقوة مزعزعة للإستقرار في الشرق الأوسط وتريد تدميرنا«  هكذا قال »الجبير« وكأنه وزير صهيوني وليس وزيراً سعودياً باعتبار أن إيران تتحدث علناً عن تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود أو استصئالها كونها غدة سرطانية كما وصفها قائد الثورة الإيرانية الراحل الإمام الخميني..

وتابع الجبير حديثه قائلاً:-

»إيران تدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وتمول المتمردين الحوثيين في اليمن وجماعات العنف في أنحاء المنطقة«.

ومن يُمعن النظر في مضامين كلمتي الوزيرين الصهيوني والسعودي لا يجد صعوبة في اكتشاف أنه قد جرى إعدادهما بعناية فائقة بحيث يؤديا معنى واحد ويصبا في خانة واحدة لتحقيق هدف واحد هو تشكيل تحالف ضد إيران..

وذلك بغض النظر عن ما تضمنته من الأكاذيب والمغالطات التي تثير الضحك كحديث ليبرمان عن »الدول العربية السنية« وعن »الأطراف المعتدلة التي تواجه أخرى راديكالية«.

وكحديث الجبير عن أن »طهران هي الراعي الرئيس للإرهاب في العالم« وعن أن »إيران تدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وتمول المتمردين الحوثيين في اليمن وجماعات العنف في أنحاء المنطقة .. « فحديث ليبرمان والجبير لا يحتاج إلى تفنيد نظراً لأنه يفند نفسه وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالإرهاب ومموليه ورعاته الرئيسيين في المنطقة والعالم وبالتالي فإن حديثهما يثير الضحك.. ذلك لأن العالم مُجمع على أن الجماعات التكفيرية وعلى رأسها القاعدة وداعش هي من يمارس الإرهاب بل ومن يتبنى القيام بالعمليات الإرهابية حول العالم، ولم يعد سراً أو خافياً على أحد أن هذه الجماعات تعتنق الفكر الوهابي وتتلقى الدعم والتمويل من نظام مملكة قرن الشيطان السعودي وتعد بمثابة أدوات رخيصة بيد الولايات المتحدة الأمريكية تخدم مصالحها وتنفذ أجندتها في المنطقة وتحقق أهدافها وأهداف الكيان الصهيوني وهو ما ظهر بوضوح أكثر من أي وقت مضى خلال عدوان تحالف الشر (الأمريكي – البريطاني – الصهيو – سعودي) على اليمن وخلال الحرب التدميرية التي تتعرض لها سوريا ..

ففي اليمن ظهر مقاتلوا »القاعدة« و»داعش« علناً وبصورة لا يستطيع أحد إنكارها وهم يقاتلون في صف العدوان في مختلف جبهات القتال..

وفي سوريا ظهروا تحت أسماء مختلفة في مقدمتها »جبهة النصرة« و»جيش الإسلام« و»جيش الفتح« وهم يخوضون الحرب التدميرية نيابة عن الكيان الصهيوني الذي يتولى تقديم كل أشكال الدعم الإستخباراتي لهم والإسناد اللوجستي ويقوم بعلاج جرحاهم في مستشفياته ..

وبعد كل هذا يأتي »الجبير« و»ليبرمان« ليتحدثا في مشهد مسرحي هزلي عن الإرهاب وجماعات العنف لتبرير ظهورهما العلني الرسمي الأول الذي جاء بناءً على التوجيهات التي أصدرها البيت الأبيض للنظام السعودي بعدم السماح له في عهد سيد البيت الأبيض الجديد »ترامب« بممارسة الصمت تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني والإنتقال به من الإطار السري إلى العلنية .. وكان الملفت للإنتباه أن الظهور العلني لوزيري الخارجية السعودي »عادل الجبير« والحرب الصيهوني »افيغدور ليبرمان« في ميونخ جاء بعد أربعة أيام فقط من استقبال ترامب لرئيس وزراء الكيان الصهيوني »بنيامين نتنياهو« في البيت الأبيض يوم الأربعاء الـ15 من شهر فبراير الماضي في لقاء هو الأول عقب تسلم »ترامب« السلطة .. وهو اللقاء الذي خرج »ترامب« بعده ليعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع »نتنياهو« أنه لن يسمح أبداً لإيران بحيازة السلاح النووي وقال في هذا الصدد:-

»إن الاتفاق النووي الإيراني هو من أسوأ الاتفاقات التي رأيت، وإدارتي فرضت أصلاً عقوبات جديدة على إيران وسأقوم بالمزيد لمنعها بشكل بات من أن تطور سلاحاً نووياً«.

وحديث »ترامب« هذا عن السلاح النووي الإيراني يعيد إلى الأذهان أحاديث الرئيس الأمريكي الأسبق »جورج بوش« الإبن التي ظهر زيفها في المفاوضات بين إيران ودول (5+1) التي ضمنت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين إضافة إلى ألمانيا .. وهي المفاوضات التي انتهت بالتوقيع على ما عُرف بالاتفاق النووي بين هذه الدول وإيران وهو الإتفاق الذي وصفه »ترامب« في حديثه بأسوأ الإتفاقات التي رأى متعهداً بعدم السماح لها بحيازة السلاح النووي على حد تعبيره في الوقت الذي أصبح واضحاً أمام العالم بما في ذلك الولايات المتحدة التي وقعت على الإتفاق أن البرنامج النووي الإيراني هو برنامج سلمي وأن كل ما تردد طوال السنوات التي سبقت توقيع الإتفاق كان مجرد أكاذيب لتبرير حصار إيران وشن الحرب الإقتصادية الشرسة عليها بسبب موقفها الصريح والمعلن من الاحتلال الصهيوني لفلسطين والمسجد الأقصى المبارك منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م بقيادة الإمام الراحل آية الله خميني الذي وصف الكيان الصهيوني بالغدة السرطانية التي لابد من استئصالها..

وبقدر ما يعكس حديث »ترامب« عن السلاح النووي الإيراني جهله السياسي بوصفه تاجراً لا يفقه الكثير في السياسة فإنه يعكس بنفس القدر تعصبه الشديد والأعمى للكيان الصهيوني بصورة تفوق بكثير تعصب سابقيه من الرؤساء الأمريكيين وهو ما بدا واضحاً في حديثه في ذات المؤتمر الصحفي حول ما بات يعرف بحل الدولتين (فلسطين وإسرائيل) الذي دعمته إدارة سلفه »باراك أوباما« .. فقد قال »ترامب«:-

»إن حل الدولتين للصراع العربي الإسرائيلي ليس السبيل الوحيد من أجل السلام« .. ولم يكتف بهذا القدر لإظهار تعصبه الشديد والأعمى وانحيازه للكيان الصهيوني وإنما تجاوزه إلى التنديد بالأمم المتحدة بسبب القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في شهر يناير الماضي والذي يدين الاستيطان الإسرائيلي (بناء المستوطنات) في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وهي الضفة الغربية والقدس الشرقية .. حيث قال »ترامب« في المؤتمر الصحفي:-

ومن خلال ما جاء في حديث الرئيس الأمريكي »دونالد ترامب« بعد لقائه مع رئيس وزراء الكيان الصيهوني »بنيامين نتنياهو« يمكن فهم الأبعاد الحقيقية للمشهد الذي جمع الوزيرين السعودي والصيهوني في ميونخ التي يأتي في مقدمتها تحويل بوصلة العداء للكيان الصيهوني نحو إيران بشكل رسمي ومعلن وهو الهدف الذي ظلت الدوائر الصهيونية تعمل من أجله وتسعى نحو تحقيقه على مدى العقود الثلاثة الماضية، إضافة إلى الكشف عن تحالف بين الكيانين السعودي والصهيوني سيتطور ليصبح تحالفاً عربياً – صهيونياً ترعاه الولايات المتحدة بحسب ما ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية .. ووفقاً لما تناقلته وسائل الإعلام فإن هذا التحالف سيضم إلى جانب السعودية كلاً من مصر والأردن والإمارات وهو ما بات يُطلق عليه في تناولات وسائل الإعلام (ناتو الشرق الأوسط) في إشارة إلى حلف شمال الأطلسي المعروف اختصاراً باسم (الناتو) .. وبحسب (وول ستريت جورنال) أيضاً فإن ظهور »الجبير« إلى جانب »ليبرمان« في ميونخ لم يحدث صدفة بل نتيجة المحادثات السرية التي تمت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء تحالف إسرائيلي عربي .. ومن وجهة نظر المراقبين والمحللين السياسيين الذين تابعوا عن قرب ذلك الظهور الرسمي العلني الأول من نوعه فإن قبول »الجبير« بما جاء في كلمة »ليبرمان« هو قبول بقتل القضية الفلسطينية إلى الأبد حيث تحدث »ليبرمان« بوضوح عن شكل جديد للحل وعرض فكرة »أن تصبح الأراضي الفلسطينية التي يقيم فيها مستوطنون يهود جزءاً من دولة إسرائيل فيما تغدو القرى الإسرائيلية التي يقطنها عرب جزءاً من الدول الفلسطينية المقبلة« على حد تعبير الوزير الصهيوني ..

وكان الملفت للإنتباه أن هذه الصيغة أو الفكرة جاءت في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي »دونالد« ترامب »أن حل الدولتين للصراع العربي – الإسرائيلي ليس السبيل الوحيد من أجل السلام« وهو ما يعني بوضوح إعلان موت حل الدولتين الذي جرى الحديث عنه والترويج له طوال السنوات الماضية ..

كما أنه يعني في ما يعني أن الأولوية في الوقت الراهن هي إقامة التحالف (الصيهو- عربي)  أو (ناتو الشرق الأوسط) وهذا ما بدا واضحاً في الجولة التي قام بها وزير الحرب الأمريكي »جيمس مايتوس« في شهر إبريل الماضي  والتي زار خلالها مملكة قرن الشيطان السعودية والكيان الصيهوني وقطر ومصر وجيبوتي حيث كشفت مجلة (الدفاع الإسرائيلي) عقب زيارة الوزير الأمريكي لتل أبيب أن الإدارة الأمريكية الجديدة »معنية«  بتدشين »حلف ناتو شرق أوسطي«  .. ونقل موقع المجلة الصيهونية عن »مايتوس« قوله خلال لقائه مع نظيره الصهيوني »افيغدور ليبرمان« في تل ابيب أواخر إبريل الماضي:- »على رأس أولوياتي تعزيز التحالفات وأنماط التعاون الإقليمية بهدف ردع أعدائنا وإلحاق الهزيمة بهم« .. وكذا قوله:-

»تحالفنا مع إسرائيل هو حجر الزاوية في تحالف إقليمي شامل وواسع يتضمن تعاوناً مع كل من مصر والسعودية والأردن ودول الخليج«.

وقالت مجلة (الدفاع الإسرائيلي) في هذا الصدد:-

»إن التعاون بين الأطراف العربية وإسرائيل يتضمن تعاوناً عسكرياً وتكنولوجيا وإستخبارياً«.

وهكذا يصبح واضحاً أمام كل ذي عقل أن الكيانين الصهيوني والسعودي يمثلان رأس الحربة الأمريكية التي بواسطتها يتم تدمير المنطقة ونهب ثرواتها وقتل شعوبها طوال العقود الماضية وما يحدث حالياً جاء ليكشف هذه الحقيقة وينقلها من تحت الطاولة إلى سطحها ومن الإطار السري إلى العلن..

﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾