الفتح المبين.. ودرس نُصرة المستضعفين..

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 06/06/2017 - 12:47ص

تأتي ذكرى فتح مكة كواحدة من الذكريات الخالدة والمهمة في تاريخ الإسلام وذلك لما لها من الأهمية التاريخية والدينية بالنسبة للمسلمين لارتباطها بشهر رمضان المبارك من ناحية ، ولما كان لها من الأثر الكبير والمكاسب العظيمة التي تحققت من خلالها من ناحية أخرى ، والتي من أهمها : توطيد أركان دولة الإسلام ، وظهور المسلمين بعد هذا الفتح كقوة لا يستهان بها ، بالإضافة إلى المكسب الأكبر وهو تطهير البيت الحرام والجزيرة العربية من الشرك والوثنية..

كثيرة هي الأبحاث والدراسات التي تناولت فتح مكة بالدراسة والتحليل ، وكثيرة هي الدروس والعبر التي استلهمها العلماء والباحثون والمفكرون من التفاصيل الدقيقة لمجريات الأحداث التي صاحبت هذا الفتح ، ولسنا هنا بصدد سرد تلك الدروس والعبر لأن المجال قد لا يتسع للإحاطة بها أو بعضها ، ولكننا نشير هنا إلى ما يمكن أن نستفيده اليوم من هذا الحدث الهام في تاريخ الإسلام ، لا سيما وشعبنا اليمني المسلم يواجه اليوم عدواناً كونياً قلَّ أن يوجد له نظير في تاريخ البشرية ، استخدمت فيه قوى الشر الشيطانية مختلف الأسلحة الفتاكة، وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة من وسائل القتل والتدمير المتطورة ، وهي واحدة من المؤامرات والمخططات الإجرامية الفضيعة التي يجري تنفيذها اليوم على أرض الواقع في اليمن وفي غير اليمن وبأيدي محسوبة على الإسلام!! في الوقت الذي نجد الأمة الإسلامية تمر بمرحلة تعد بالفعل من أصعب المراحل وأشدها خطراً على الإسلام والمسلمين..

إن أول وأهم الدروس التي نستفيدها من حادثة غزوة الفتح هو درس نصرة المستضعفين ، حيث يذكر المؤرخون وأهل السير أن رسول الله تصالح يوم الحديبية مع قريش، وكان من ضمن بنود صلح الحديبية : ” من شاء أن يدخل في عقد محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل"، فكان نتيجة هذا الصلح أن أعلنت قبيلة خزاعة دخولها في عقد محمَّد وعهده، في حين أن سائر القبائل كانت في حلف قريش ومنها قبيلة بني بكر.

ثم إن بني بكر الذين كانوا قد دخلوا في عقد قريش وعهدهم استقوت على خزاعة بقريش ومكانتها بين العرب، وهجموا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول الله وعهده ليلًا، وقتلت منهم من قتلت، وكانت قريش قد استغلت الموقف، وأعانوا بني بكر بالكراع والسلاح، وقاتلوا معهم للطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وراء ستار، فسارعت خزاعة تستـنجد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كونها حليفة له ، وبينهما ما يطلق عليه اليوم (اتفاقية دفاع مشترك)، وتوجه عمرو بن سالم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره الخبر ،  فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنشد أبياتاً قال فيها:

يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتم وُلْداً وكنا والدا ... ثُمَّتَ أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصراً أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا....ونقضوا ميثاقك الموكدا

وجعلوا لي في كداء رَصَدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا ...

وهم أذل وأقل عددا...

هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعاً وسُجَّدا

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نصرت يا عمرو بن سالم)، ثم عرضت له سحابة من السماء، فقال: (إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب) ....

وما إن بلغ قريشاً استنجاد خزاعة برسول الله صلى عليه وآله وسلم، حتى شعرت أنها قد تورطت في دعم ومساندة حلفاءها بني بكر في عدوانها على خزاعة وإعانتها بسلاحها ومقاتليها؛ فالعدوان على خزاعة حليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو عدوان صريح على المسلمين، ونقض صريح للعهد الذي بين قريش وبين المسلمين، وقريش تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يتأخر في نصرة خزاعة، فسارعت بإرسال أبي سفيان إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لإنقاذ الموقف، في محاولة منها للإبقاء على معاهدة الصلح، ولم تنجح محاولة أبي سفيان وعاد إلى مكة خائباً وقد تأكد له من خلال تلك الطريقة التي قوبل بها في المدينة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  قد عزم على تأديب قريش على غدرها وعدوانها ، وهو الأمر الذي وقع بالفعل، فقد سارع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى تجهيز جيش كبير بلغ تعداده عشرة آلاف مقاتل، وتوجه بهم نحو مكة، ودخل مكة فاتحاً ولم تجرؤ قريش على حربه ومواجهته، مما اضطرها إلى إعلان إسلامها.

نخلص مما سبق إلى أمرين:

الأمر الأول:  أن الواجب يحتم على المسلمين في كل زمان ومكان الإسراع في نصرة إخوانهم المستضعفين أينما كانوا، امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر﴾ [الأنفال: 72]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال صلى الله عليه وآله : «تمنعه من ظلمه، وذلك نصره»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله» ، وفي رواية: «ولا يسلمه» أي لا يخذله إذا استنصر به، ولا يسلمه أو يتركه لأعدائه ينالون منه، وقوله: «المؤمنُ للمؤمن كالبُنيانِ يَشُدُّ بعضُه بعضًا»، ونحو ذلك من الأحاديث الدالة على وجوب نصرة المؤمنين المستضعفين أينما كانوا وكان كائنهم.

الأمر الثاني: أن نُصرة المستضعفين لا تكون بالضرورة ضد المعتدي نفسه، وإنما توجّه التوجيه الصحيح الذي من شأنه أن يوقف العدوان، ويحصل منه التأديب للمعتدي الحقيقي، وهو بلا شك من دعم العدوان وسانده، والذي لولاه لما حصل عدوان المعتدي المباشر، بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سارع إلى تأديب قريش ولم يسارع إلى تأديب بني بكر، لأن قريشاً في الحقيقة هي المعتدية، ولولا أن بني بكر استقوت بها لما تجرأت على ذلك العدوان، ولما حصل عدوان من الأساس.

الأمر الذي يعني أنه من الواجب علينا في معركتنا اليوم مع أعدائنا أن نوجه بوصلة العداء توجيهاً صحيحاً ، وهو توجيهها نحو العدو الحقيقي الذي يمثل رأس الحربة في العدوان، باعتباره هو المدير، والمخطط، والمقرّر، والآمر، والناهي، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: 12] ، والمقصود بـ (أئمة الكفر) هنا قادته، ودعاته، ومن بيدهم الأمر والنهي، وأصحاب الكلمة النافذة في أهله.

ويدل على ذلك الواقع أيضاً ويؤكده، فقد رأينا أنه في الوقت الذي قامت بعض الدول والمنظمات العربية والإسلامية في بداية سنوات الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وإلى وقت قريب بدورها في إعلان مواقف عدائية تجاه الدولة العبرية اليهودية المسماة إسرائيل ، وألهبت مشاعر الجماهير العربية والإسلامية للتحرك والجهاد بكل الوسائل المتاحة والممكنة - السلمية وغير السلمية - ضد العدو الصهيوني ونصرة إخوانهم الفلسطينيين المستضعفين الذين تعرضوا لسنوات من القتل، والتشريد، والاعتقال، وصودرت أراضيهم، وأملاكهم، وتعرضوا لأنواع التعذيب والتنكيل ، ودعمهم بالمال والسلاح ، من واقع الوجب الذي يمليه عليهم دينهم في وجوب نصرة إخوانهم المؤمنين ، رأينا تلك الدول والمنظمات في نفس الوقت ترتبط بعلاقات مختلفة - وتربطها اتفاقيات سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها - مع دول الاستكبار الداعمة للعدو الصهيوني، وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من القوى الاستكبارية التي وقفت وتقف وراء قيام دولة العدو الصهيوني، وتقدم لها كل أشكال الدعم والمساندة ، منذ اليوم الأول لإعلانها وحتى اليوم!! ولذا رأينا كيف أن الأمة العربية والإسلامية ذهبت في التيه سنوات طويلة ، ولم يتحقق شيء لهذه الأمة كثمرة من ثمار التضحيات التي بُذلت، والنضال والجهاد عبر عقود من الزمن ضد هذا العدو الغاصب أي نتائج تذكر.

الأمر الذي يعني أن من الواجب على الأمة اليوم أن تصحو من غفلتها، وتستيقظ من سباتها، وأن تقف موقف العداء الحقيقي بالقول والفعل لكل دول الاستكبار العالمي، التي لولاها لما كان الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، والتي لولاها لما حصل العدوان في الماضي والحاضر على بلدان عربية وإسلامية، بأيدي دول وجماعات محسوبة على الإسلام، كانت ولا زالت تعمل ليل نهار لهدم الإسلام وخدمة أعدائه!! (ولله عاقبة الأمور)..

 

الدلالات: