في الذكرى العاشرة لرحيل السيد العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي (لمحات من سيرته المضيئة)

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 30/05/2017 - 11:04م

نبذة عن حياته وسيرته الذاتية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله الطاهرين وبعد:

فهذه نبذة يسيرة عن حياة شيخنا سيد الآل وإمام أهل البيت الكرام، وحيد عصره في القيادة الروحية، وسفير الإسلام لتجديد معرفة نظمه الأساسية، ومنتج الثروة العظمى من علوم العترة النبوية، وحامي سرح الشريعة المطهرة من تيارات المبادئ الإلحادية، الناقد الثبت، المسدد الرشيد، رباني العترة وحافظها ونحريرها وحجتها الإمام المجدد لتراث آل الرسول، والقاموس المحيط بعلمي المعقول والمنقول، مولانا الولي بن الولي بن الولي مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي قدس الله روحه ورفع الله منزله مع الأنبياء والمرسلين.

اسمه ونسبه:

أما اسمه الكريم ونسبه فهو مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبدالله بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبدالله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام المؤتمن الهادي إلى الحق عزالدين بن الحسن عليهم السلام.

كان رضوان الله عليه يقتصر في أكثر مؤلفاته على هذا النسب، وبقية النسب أشهر من نار على علم المؤيدي، اليحيوي، الهادوي، الحسني، العلوي الفاطمي ابن علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبدالله بن محمد بن المختار القاسم بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليهم.

مولده ووالداه:

مولده رضوان الله عليه كما أخبرني يوم السبت 26 من شهر شعبان سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف من هجرة سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بالرضمة من جبل برط، دار هجرة والده الأولى لما انتقل إلى هنالك من هجرة ضحيان صعدة مع من ارتحل من العلماء الأعلام إلى مقام الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي لاستقرار الإمام هناك وقيامه بواجب الدعوة ونشر العلم الشريف رغم استيلاء الأتراك على أكثر اليمن.

أما والده فهو السيد العلامة العابد الزكي محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي رضي الله عنه المتوفي في جماد الأولى سنة ستين وثلاثمائة وألف بمدينة صعدة، كان لا يجارى في فضل ولا يسامى في نبل، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، عالماً وقوراً عازفاً عن الدنيا، مبايناً لأرباب الولايات.

ووالدته هي الشريفة الطاهرة النجيبة الزاهرة حليفة الذكر والعبادة والزكاء أمة الله بنت الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي رضوان الله عليهم.

نشأته رضوان الله عليه:

نشأ شيخنا قدّس الله روحه بين هذه الأسرة الكريمة وعليه رقابة عين العناية القدسية، وتوجيهات العواطف الروحانية الأبوية، فدرج بين أحضان البيئة العربية، والتربية الهاشمية العلوية، يتلقى المواهب الفطرية السنية، وفتوحات الطموح إلى المعالي العبقرية، فصفت سريرته وخلصت عن كل شائبة سجيته، وانطبعت نفسه بمبادئ الخلاصة المصطفاة، ومقومات السعادة والصراحة في ذات الله، وطهرت طفولته الغضة عن أوضار  لِداته، وحاز الـمُـثُل العليا في عنفوان حياته، ورب صغير قومٍ كبيرُ قومٍ آخرين، فنبغ منه مُثَقّف مؤيد، ومقوم مسدد، مؤهل للمكرمات، مرشح للكمالات، وقد استزاد من ظروفه المحيطة ولمحاته الصادقة الحَدِيدة علماً  إلى فهم، وتصميماً في الجد والعزم، كي يلحق بركبه، فدخل مرحلته الثانية في حياته وهي الدراسة، أقبل بكليته إلى العلم وشغف به وعكف عليه وألب به وقد ساعده اتقادُ ذهنه وذكاؤه المفرط.

فدرس على والدته القرآن الكريم وعلى والده جُل العلوم المنطوق منها والمفهوم، في النحو والصرف، والمعاني والبيان، والبديع والمنطق، واللغة والأصولين، والتفسير والحديث، والفقه والفرائض، ومعرفة رجال الرواية، والتاريخ والسير.

لقد نشأ على طريقة سلفه الأكرمين، وآبائه الطاهرين سلام الله عليهم وهي طريقة التقوى واليقين، نشأ على الزهادة والعبادة، واقتبس من نور والده الوقاد، وارتوى من علم الآباء والأجداد، والتحلي بآداب الأئمة الهادين، جمع بين العلم والعمل، أحرز من العلوم الشرعية والمعارف الإلهية الكثير الطيب في وقت يسير وعمر قصير.

لم يُعرف عنه في حال صغره أنه اشتغل باللعب، ولا مال إلى اللهو والطرب، حيث أخبرنا أنه لم يكن يعرف أن الأولاد الذين كانوا في سنِّه يلعبون حتى عاد به والده إلى مدينة صعدة فتعجب عندما رأى الأطفال يلعبون.

كان والده يحثه على طلب العلوم، وتحقيقها، ويخصص له يوماً في الأسبوع هو يوم الجمعة لتعليمه الرماية.

وبعد أن استولى على علمي الدراية والرواية، وسملته أزمتّها أربابُ التحقيق والهداية، طار اسمه في كل مكان، وشاع ذكره، وعظم خطره فصار قبلة الأصابع، وممثل الفضيلة الجامع، ورائد المتطلعين إلى ذروة الفوز والفلاح، وطليعة السابقين من دعاة الحكمة والعدالة.

وبعد أن استولى على ما ذكر وطار اسمه خَفَتْ إليه جموعُ الطلبة أهل الهمم الساميات، وأحدقت به الآمال من كل المناحي والجهات، فبسط لهم رضوان الله عليه من خُلقه رحبا، ومَنَحهم إقبالاً وقرباً، وملأ قلوبهم شغفاً بالعلم وحباً، وشحذ عزائمهم، ورتَقَ ما فتِق من تصميمهم ونشاطهم، فكان لهم أخاً شغوفاً، ووالداً براً عطوفاً، وصَيِّباً هتاناً دفوقاً، أنسى رضوان الله عليه طلبته آباءهم وإخوانهم وأقاربهم.

تنقلاته وجهوده في نشر العلم:

إبان الستينيات والحرب اليمنية بين الجمهوريين والملكيين، انتقل هو وأسرته إلى نجران واستقر بها، وهناك أحاط به طلاب العلم، ثم انتقل إلى الطائف، فما زال يتَنَقّل بين نجران والطائف وجدة والرياض ومكة والمدينة وصنعاء وصعدة وسودان مدينة في بني معاذ تبعد عن مدينة صعدة من جهة الغرب حوالي أربعة عشر كيلوا.

صفته رضوان الله عليه:

صفة مجد الآل الخَلقية: طويل القامة إلى الاعتدال، أقرب بين النحافة والسمن، أقنى الأنف، أبلج الوجه، أزج العينين، أقرب إلى شهلة، تام اللحية مع خفةٍ في العارضين، جميل المنظر، تلمع أساريرُه، وتبرق بَرْقَ العارض المُتَهَلِّل، لا عاهة أبداً، صحيح الأطراف، سليم الحواس، كان يعتريه مرض في أذنيه لا يُخل بسمعه أبداً.

كان من ذوي العقول الثاقبة، والأحلام الراجحة، والأفهام النيرة، والأذهان الصافية.

صفته الخُلقية:

أما صفته الخُلقية فقد آتاه الله تعالى غُرَر المكارم وحجولَها، ومحاسنَ الأخلاق وفضائلها، فهو حسن الأخلاق، رحبُ الصدر، وقورُ النفس، لين الجناب، لطيف الشمائل، متواضع، سهل الطبيعة إلا إذا سمع بأحد يتعدى حدود الله أو يخالف أوامر الله فإنه لا تأخذه في الله لومة لائم.

أساليبه رضوان الله عليه في التدريس:

لا يستطيع المرؤ أن يصف أسلوبه الحسن وطرايقه الفذة في التدريس والتلقين بالتوضيح والتفهيم، والصبر على طبع المعاني في قرارة نفوس الطلبة، وتصويرها الممتاز والتنازل إلى حد أن تنهال عليه المناقشة والاعتراضات، فيرسل عليها أشعة أنواره، وصِحاحَ علومه وآرائه فتنسخ غياهبها، وتقطع شجونها، فيتحول المعترضُ مقتنعاً متقنعاً، راضياً مستسلماً، وعلى هذا هو دايم البحث في القرآن الكريم وعلومه، باحثاً عن ذخائر النفايس والجواهر، مشرفاً على همسات الأفكار والخواطر، وفلتات الأصاغر والأكابر، مميزاً الصحيح من الردي، كاشفاً عن وجهي الشناعة والوضي، إن رد أَفْحَم أو استدل أجاد وأفعم، أو جُوريَ سبق، أو استُمطر تدفق.

هو البحر من أي الجهات أتيته:

بغزارةٍ في المادة، وقوة في العارضة، وبُعد في النظر، وإجازة في وجازة، وسهولة في جزالة، وطلاوة في بلاغة، وإبداع في الاختراع، وسعة في الإطلاع، ووقوف عند الحد، وتصميم في دعم كيان الحق، واقتحام في غمار الفحول، وانقضاض للأخذ بتلابيب الجهول، إلى حضيرة المعقول والمنقول، كم نَعَشَ حكماً دفيناً من بين أطباق الحضيض، وكم له من مساعٍ محمودة، ومقامات مشهورة، ومصالح مسطورة، وشفاعات مقبولة، وخلاصة الأمر أنه رضوان الله عليه كان لا يزال بين العلم والعمل، والدرس والتدريس، والذكر والفكر، وكان مقامه الشريف يغص بمن فيه من عالم مستزيد على خصمه اللدود، ومستنصر من ظالمه الكؤود، فيؤب كل بما طلب، ويحظون بالزيادة والإفادة والرفادة، والسلامة والعزة والكرامة.

ليس على الله بمستنكر

 

أن يجمع العَالَمَ في واحدٍ

وهيهات أن يأتيالزمان بمثله

 

إن الزمان بمثله لبخيل

 

ولا نقصد بهذا التعريف فقط فهو أعرف من المعرفة وأجل وأسمى من الإطناب في الوصف.

وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً.

وإنما هو من باب قوله:

أساميا لم يزدن معرفة

 

وإنما لذة ذكرناها

 

  اهتمامه بالعلم والتدريس ونشر علوم أهل البيت المطهرين:

أما اهتمامه بنشر العلم لأهله ومستحقيه وبذله لطالبيه فشيء فوق منتهى العقول، وشاهد الحال يغني عن المقال، وكما في الحديث »ليس الخبر كالمعاينة«.

فقد لازمت عنده أكثر من عشرين عاماً قراءةً وإملاءً وتحقيقاً كان رضوان الله عليه لي أباً وأستاذاً ومربياً، كان يكتب في إجازته لي: الولد الأحب الذي له عندي الحق الأوجب.

نعم لقد أنفق على بث العلوم في الحل والترحال، في السهول والجبال، في البكور والآصال في حال المرض والصحة، في الأمن والخوف، حتى في تنقلاته من مكان إلى مكان لا يعرف عطلة عن العلم، لا يفتر عن القراءة والمطالعة، والبحث والمراجعة، والتدريس والمذاكرة، أصبح العلم ونشره شغلَه الشاغل وهمتَه الكبرى، وغذاءه الروحي.

أقسم رضوان الله عليه بالله تعالى أنه لو وضع في أعظم قصر وجُهِّز القصر بأكمل التجهيزات وليس فيه كتب يطلع عليها إلا كان عنده أسوأ مكان وأضيقه، ولو وضع في سجن ضيق وفيه كتب لكان عنده من أحسن الأماكن.

ومن شدة اهتمامه رضوان الله عليه أنه كان يربط شعره بحبل يربط في السقف فإذا هوى رأسه للنوم شد الحبل رأسه.

ما قيل فيه:

ترجم له جملة من علماء عصرنا منهم المولى السيد العلامة نبراس آل محمد وحافظهم الأوحد الحسن بن الحسين الحوثي رضوان الله عليه، والمولى العلامة جمال الإسلام ونبراس العلماء الأعلام علي بن محمد العجري رضوان الله عليه، حيث قال في كتاب ما لفظه: سيدي المولى العلامة المجتهد الفهّامة الحجة القائمة في نجد وتهامة، والعين الناظرة في الآل والعلامة، زينة المتقين، مجدد الدين مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى بالذكر المبين، وأطال بقاه لحفظ شريعة سيد المرسلين وحماية عقايد ومذاهب الآل الأكرمين، وأعاد عليه السلام الأسنى، ورحمة الله أفراداً ومثنى، صدرت للسلام بعد أن ألقي إليَّ كتابكم الكريم وخطابكم العذب الرخيم الفخيم، وأنا أحمد الله إليكم ونسأله إسبال الخيرات والمسرات علينا وعليكم، وأن يمن بالفرج العام على المؤمنين وكافة المسلمين إلى قوله وفي هذا حسن نظركم فأنتم مرجعنا وبركتنا وقدوتنا ولا يقع إلا ما تحبون .. إلخ كلامه رحمة الله تعالى 26 جمادى الأولى 1397هـ.

وقال أيضاً في كتاب آخر: بسم الله الرحمن الرحيم سيدي المولى علم العلماء الأعلام وتاج العترة الكرام، مغناطيس أصحاب الشريعة النبوية، الغائص في بحر العلوم الأدبية والعقلية، شمس مشكلات المسائل، ومفتاح معضلات النوازل، زينة عصرنا ومجدد أواننا، ضياء الدين مجد الدين بن محمد المؤيدي حرسه الله تعالى بأم القرىن وكفاه مهمات نوائب الزمان وحفظ به مآثر الفضايل وأحيا به ما أماته الجاهلون من علوم آبائنا الأوائل، وأعاد عليه من السلام أتحفه وأهناه، ومن الرحمة أوسعها، ومن البركات أطيبها، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وعلى آله كاشفي كل غمة، صدورها للسلام بعد أن أُلقي إلى كتابكم الكريم، وخطابكم الوسيم، فابتهجت به سروراً، وزادني غبطة وحبورا، إذ كان من جنابكم العزيز مسطوراً وإليّ مصدوراً.

- ومنهم المولى العلامة نبراس المحققين ورأس أهل التقوى واليقين أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي الحسني رضوان الله عليهما في التقريض للوامع الأنوار حيث قال: سيدي العلامة، بقيّة أهل الاستقامة، بيكار نقطة بني الحسن، وترجمان علوم الآل في الزمن، ذي المجد الأثيل، والشرف الأصيل، ذي الأنظار الثاقبة، والمعارف الصائبة، مطهّر علوم الآل، عن دنس أولي الغيّ والضلال.

الفاطمي العلوي الأحمدي

 

مجد الهدى والدين نجل محمدِ

نهدي إليكم تحيةً محفوفةً

 

بالخير والبركات أزكى ما  بُدِي

 

 سلام الله يغشاكم ورحمة الله وبركاته إلى أن قال:

فحباك مجدَ الدين ربُّك

 

فز بالسلامة والكرامة في غد

فلقد أفدت وقد أجدت بما حوى

 

هذا من الدر النفيس وعسجدِ

قولاً لمن يبغي الهدى وسبيله

 

فعليك بالأنوار فابحث ترشدِ

 

 إلى آخر القصيدة.

- ومنهم المولى العلامة سيد الآل، والعمدة من أهل الفضل والكمال، حليف القرآن بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رضوان الله عليهم حيث قال في قصيدة طويلة مهنئاً بسلامة عودة شيخنا بعد تمام الحج والزيارة عام 1376هـ.

قد كنت الصبح لو عَقَلُوا

 

والطيب للحرمين والطهرُ

كم يكتبون من الفضائل وال

 

خيرات يا من كله خير

مالي وتهنئتي بواحدة

 

منها وهل لمخصص عذر

لك في المكارم صفو عسجدها

 

ولغيرك المغشوش والتبر

 

 إلى آخر القصيدة..

- ومنهم السيد العلامة المحدث محمد بن الحسن العجري رحمه الله تعالى حيث قال: أما شيخي فهو السيد العالم العلامة الحبر الفهامة أبو الحسين رئيس المجتهدين وكعبة المسترشدين، الجامع لما تشتت من علوم الآل، والمعلن الحق في الغدو والآصال، علامة عصره، والقدوة في قطره، ضياء الدين وعون صدق المؤمنين مجد الدين بن محمد بن منصور، ثم أكمل نسبه إلى الإمام علي بن المؤيد سلام الله عليهم.

- ومنهم السيد العلامة صارم الدين كهف الضعفاء والمساكين الولي بن الولي إبراهيم بن علي الشهاري رضوان الله عليه، والسيد العلامة الأوحد نجم آل محمد الحسن بن محمد الفيشي حفظه الله تعالى، من قام بترجمة في آخر التحف شرح الزلف، والسيد العلامة إسماعيل بن أحمد المختفي رحمه الله تعالى، والسيد العلامة محمد رضا حسين الجلالي حيث قال: هو عملاق من عمالقة الفكر الإنساني، وبطل من أبطال المعرفة الإسلامية، وإمام في التحقيق، وجامع للمنقول، ومتضلع في المعقول، وحافظ لآيات القرآن وتفسيره، وحاكم في السنة الشريفة سنداً ومتنا، ومتبلغ واسع الأطراف، ذو باع طويل في الفقه، ومجتهد ضليع في الأحكام ومالك لأزمة اللغة وتصريف الكلام، وأديب ماهر في البلاغة والفصاحة تنساق المعاني طوعاً لبيانه فيصوغها في بديع ألفاظه وكلماته إلى جانب تواضع فذ، وتحرق على الحق وأهله، ومما يجد من التحريف عند المعاندين والانحراف عن سنن الدين وإلى هدف الإصلاح الذي يتابع به خطواته وحركاته عندما يحاور المخالفين ويحاول إرشاد قارئيه، فهو بكل ذلك يمثل بحق [الأئمة الهداة من أهل البيت] الذين أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهم وجعل الهداية عندهم، والضلالة في مفارقتهم ومخالفتهم، التخلف عنهم .. الخ كلامه.

والقوم والقرآن فاعرف قدرهم

 

ثقلان للثقلين نص محمد

ولهم فضائل لست أحصي عدها

 

من رام عد الشهب لم تتعدد

 

- ومنهم السيد المولى الحافظ المجتهد المطلق شيبة الحمد عبدالله بن الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي رضوان الله عليه.

- ومنهم السيد العلامة بدر آل محمد محمد بن إبراهيم المؤيدي الملقب بابن حورية رضي الله عنه عندما أجاز شيخنا إجازة عامة نظماً ونثراً حيث قال:

وبعد إن الولد العلامة

 

الفذ والنبراس ذا الشهامة

وواحد العصر فريد  عهده

 

لِما حوى من نبله ومجده

فهو بلا ريب طباق اسمه

 

فلم يكن مخالفاً لرسمه

نجم الهدى والدين والإسلام

 

ونجل رأس العلماء والأعلامِ

 

 إلخ القصيدة.

- والسيد العلامة علي بن عبدالكريم الفضيل وغيرهم كثير كثير من موالف ومخالف حتى وصفه بعض المخالفين بأنه أعلم علماء الشيعة على الإطلاق وبأنه الغاية في الذكاء  والمعرفة "والحق ما شهدت به الأعداء".

من شعره رضوان الله عليه وقدست روحه:

قد مضت وانقضت ثمانون عاماً

 

وأنافت حولاً كطرفة عين

لم أحقق ما كنت أرجوه فيها

 

من جهاد ونشر علم ودين

رب فاغفِر وارحم وأيد وسدد

 

واعف والطف رباه في الدارين

 

ولا أقول كما قال:

إن الثمانين وبلغتها

 

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

 

بل أقول تحدثاً بنعمة الله سبحانه وعظيم لطفه وامتنانه:

إن الثمانين بفضل الإله

 

ما أحوجت سمعي إلى ترجمان

لكنها قد أوهنت من قواي

 

وأبدلتني بالنشاط التوان

ولم تدع فيّ لمستمتع

 

سوى لساني وكذاك الجَنان

أدعو به الله وأرجوه أن

 

يزلفني في غرفات الجنان

 

ومن قوله في قصيدته المسماة عقود المرجان:

عجباً لهذا الدهر من دهر

 

ولأمة مهتوكة الستر

يا أمةً علمت وما عملت

 

لنبيها في أهله تزري

أضحى كتاب الله مطرحاً

 

وتركتم المقرون بالذكر

آل النبي ومن يتابعهم

 

يتجرعون مرارة الضر

ضاقت فسيحات الديار بهم

 

وتوسعت لأئمة الكفر

 

من أقواله العظيمة:

قسماً بالله العلي الكبير، قسماً يعلم صدقَه العليم الخبيرُ، أن لا غرض ولا هوى لنا غير النزول عند حكم الله، والوقوف على مقتضى أمره، وأنا لو علمنا الحق في جانب أقصى الخلق من عربي أو عجمي أو قرشي أو حبشي لَقَبلناه منه وتقبّلناه عنه، ولَمَا أنِفْنَا من اتِّبَاعِه، ولكنا من أعوانه عليه وأتباعه، فليقل  الناظرُ ما شاء ولا يراقبْ إلا ربه، ولا يخش إلا ذنبه، فالحكم الله والموعد القيامة وإلى الله ترجع الأمور.

مؤلفاته رضوان الله عليه:

له المؤلفات الباهرة، والردود والتعاليق النّيرّة المضيئة الزاهرة، المُدعمة بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، المليئة بأسرار العلم، وينابيع الحُكم.

وتمتاز مؤلفاته رضوان الله عليه بالأساليب الرائعة، والطرائق النافعة، والألفاظ المهذبة الفصيحة، والعبارات المنقحة المليحة، والسّبك المحكم، والكلام المنظم، وفصاحة اللسان، وحلاوة  المنطق والبرهان، والأدلة القاطعة، والأجوبة النافعة عن شُبَه المخالفين ما يقضي بأنه السابق في هذا الميدان.

وإن أفضل دور قام به مولانا وحجتنا مجد الدين بن محمد المؤيدي قدس الله روحه في مؤلفاته هو الدفاع عن الحق الذي تغافل عن إعلائه –بل ذكره- كثير من أصحاب العلم والقلم والرأي في التاريخ بل سعى بعضهم في هجره وإخماد نوره وإطفائه وهو تراث أهل البيت النبوي الطاهر الذين كانوا منذ صدر الإسلام على طول خط تاريخه ومدى القرون الخمسة عشر وحتى اليوم في طليعة المدافعين عن الإسلام في عقيدته وفقهه وكل معارفه فمن مؤلفاته العظيمة:

1- التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية: مجلد استوعب فيه من الفوائد العلمية والتاريخية مالم يستوعبه أي كتاب وتبرز قيمته العلمية والتاريخية في الجوانب التالية:

أ. اقتصاره على ذكر الأئمة الهداة معرضاً عمن سواهم ممن لم يبلغ المستوى اللائق بالإمامة الشرعية والخلافة النبوية.

ب. اشتماله على أهم الأفكار العلمية التي اختص بها هذا الإمام أو ذاك أو تبناها.

ج. اشتماله على ذكر أكبر الشخصيات العلمية الإسلامية ومنهم الذين غمطهم المؤرخون.

د. توضيحه لأكثر المسائل التي كثر فيها الأخذ والرد بين العلماء وتبيين الحق فيها مدعماً بالحجة والبرهان.

2- وله رضوان الله عليه (مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرايد وضالة الناشد) اشتمل على قسمين القسم الأول فيه كتاب (فصل الخطاب في تفسير خبر العرض على الكتاب) الحديث المشهور الذي ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: »سيكذب عليّ كما كذب على الأنبياء من قبلي فما آتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته وإن لم يوافق كتاب الله فليس مني ولم أقله«، و(إيضاح الدلالة في تحقيق أحكام العدالة)، و(الفلق المنير بالبرهان في الرد لما أورده ابن الأمير على حقيقة الإيمان) و(الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة)، و(الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديل والتضليل)، و(الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة)، و(الدليل القاطع المانع للتنازع)، و(الماحي للريب في الإيمان بالغيب)، و(إيضاح الأمر في علم الجفر) جواب على عبدالمجيد الزنداني، و(فصل الخصام في مسألة الإحرام)، و(رفع الملام في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام)، وغير ذلك من المباحث، أما القسم الثاني فهو تعليقات وردود  على ابن حجر وابن تيمية وابن القيم وابن الوزير وابن الأمير والشوكاني وغيرهم واشتمل على فتاوي وبحوث فقهية كالجمع بين الصلاتين وصلاة  الجمعة وزكاة المستغلات والطلاق والشركة العرفية والبيع والشراء بواسطة التلفون وبيع الدم ونقله وجواز التصوير  الفوتغرافي واختيارات والده وغيرها من الفوائد المهمة فهو اسم على مسمى.

3- الجواب الكافي المسمى بعيون الفنون.

4- كتاب الحج والعمرة.

5- البلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهي.

6- المنهج الأقوم في الرفع والضم.

7- الجامعة المهمة في أسانيد الأئمة.

8- الجوابات المهمة في مسائل الأئمة.

9- ديوان الحكمة والإيمان.

10- كتاب النسيم العلوي والروض المحمدي في سيرة والده محمد بن منصور المؤيدي.

11- كتاب منهج السلامة في جمع أخبار المحيط بالإمامة.

وغير هذه من غرائب العلم ونوابغ الحكم والفتاوى والمراسلات والمطارحات الأدبية والمراجعات والمذاكرات الغضة الندية، وكلها خالية من الألغاز، حالية بمحاسن الحقيقة والمجاز بالطرائق المألوفة، واللهجة الممتازة المطبوعة، تشنف المسامع، وتطرب القارئ والسامع، ولا غرو فهي من خلاصة الصفوة، وينبوع الحكمة، وفيض معادن العصمة، قد باركتها أفكار العترة ومسحت عليها يد القدرة ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

فسائل الشهب عنه في مطالعها

 

والصبح حين بدا والبدر حين أضاء

سل سنة المصطفى عن نجل صاحبها

 

من علم الناس مسنوناً ومفترضا

 

 وفاته سلام الله عليه:

توفي مغرب يوم الثلاثاء السادس من شهر رمضان الكريم عام 1428هـ  18 من سبتمبر 2007م عن 96 عاماً وزهاء سبعة عقود من التدريس وقرابة نصف قرن من الإسهام الحاسم في تشكيل الهوية الزيدية ما بعد 26 سبتمبر 1962م.

وحمل جثمانه الطاهر إلى مدينة ضحيان حيث ووري جثمانه في مسجده رضوان الله عليه وكان موكب جنازته مهيباً وجمعاً كبيراً لم تعهده المحافظة من قبل حيث توافد إلى محافظة صعدة عند سماع وفاته الجم الغفير من محافظات الجمهورية اليمنية وأيضاً من السعودية والأردن وغيرهما، وقد أقيمت الصلاة عليه أولاً في جامع جده الإمام الهادي يحيى بن الحسين سلام الله عليه ثم في مقبرة صعدة عند والده ثم في ضحيان.