شهر الصبر والرحمة والنصر

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 30/05/2017 - 12:45ص

فرض الله شعيرة الصيام لغايات وأهداف عظيمة لخير الأمة وتهذيبها كما هو شأن كافة العبادات من صلاة وحج وزكاة فهي ليست مجرد إبتلاء وإختبار لمدى خضوع الإنسان لربه وإستجابته لأمره فقط، بل أن غايات الصيام تتجلى في أثرها وإنعكاسها على شخصية الإنسان وتأثيرها الإيجابي على المجتمع، فهي بدايةً عبادة تكشف مصداقية الإنسان مع ربه بإعتبار أن إلتزام الإنسان بأدائها تعكس عمق إيمانه وإستجابته لله وإخلاصه له، ذلك أنه من الممكن اذا لم يكن صادقاً ومخلصاً في إيمانه أن يرائي ويخادع الآخرين من دون أن يكتشفوا ذلك وهي في ذلك تختلف عن الفروض الأخرى كالصلاة والزكاة والحج......, بإعتبار أن الرقابة على أدائها منوطة بالفرد نفسه وبمدى خشيته من لله, كما أنها تجعل المؤمن الصائم يكون أكثر مايكون استعداداً وتهيئة لأداء بقية العبادات بإخلاص فيصبح الصوم محطة تمحيص وإنطلاق لتقييم النفس ومراجعتها وتقويمها وتهذيبها في أجواء روحانية تمكنه من تجاوز حالة الخدر والإعتياد اليومي الذي قد يكون صرفه بعيداً عن الله وعن المثل والقيم العظيمة التي يتحتم على المسلم تمثلها والتخلق بها.

فكيف لنا أن نستفيد من هذه العبادة وتحقيق مقاصدها الربانية؟ إن امتناع الإنسان المسلم عن تلبية شهواته من أكل وشرب وغيرها تخلق في الإنسان حالة من التقوى والروحانية تتيح المجال لتربية النفس على الصبر والتحمل ومشاركة الآخرين من الفقراء معاناتهم، فالصوم يقوي في الإنسان القدرة على التحمل والتصبر والتغلب على شهوات النفس بما يساعده على تقويم شخصيته، وبالتالي تجعله أكثر قدرة على مقاومة الأهواء والرغبات والشهوات المعتادة وتجاوزها بمايمكنه من تحمل الكثير من مشاق الحياة ومصاعبها,ولهذا نجد أن الأمة الإسلامية بدءً من معركة بدر الكبرى وعبر قرون من الزمن كانت تحقق أكبر انتصاراتها في شهر رمضان بما يخلقه هذا الشهر من أجواء روحية وإيمانية خاصة ومثالية للبذل والتضحية والعطاء، وبما يتيحه الصوم من فرصة للإحساس بمعاناة الآخرين من الفقراء والمحتاجين بمعايشته الذاتية ومشاركته لبعض معاناتهم مما يدفعه للتعاطف معهم ومد اليد إليهم.

إننا جميعاً معنيون ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم الذي أنزل الله فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان أن نسعى لتعظيم الإستفادة من هذه العبادة العظيمة على المستوى الشخصي والمجتمعي، ليعمل الجميع في إتجاه تحقيق غايات الصوم العظمى في تزكية النفس وتحقيق التقوى وإخلاص الإيمان وإحياء قيم التضحية والبذل والعطاء التي ستنعكس إيجاباً بكل تأكيد على إستقامة المجتمع وإنتصاره على نوازع الضعف والإنحراف، ومساعدته على مقاومة كل أشكال العدوان الداخلي والخارجي,على أن ذلك رهن أيضاً بمدى إدراكنا وسعينا لتحقيق غايات الصوم وأهدافه بصدق وإخلاص مع التأكيد على ضرورة مقاومة كل السلوكيات الخاطئة التي ارتبطت بمجتمعنا في رمضان والتي تبرز على شكل حماقات وإنفعالات يرتكبها بعض الناس نتيجة السهر الذي يكثر في رمضان وتخزين القات، والذي يفسد على كثير من الصائمين أجواء الروحانية والسكينة والصبر المفترض أن يحققها الصوم, ونحن بحاجة إستثنائيه وبلدنا تتعرض لعدوان وحصار غاشم دولي وإقليمي بمساعدة بعض الأطراف المحلية وما خلفه من مخاطر ومعاناة واسعة إلى أن نعزز ونقوي ثبات المجتمع ومقاومته للعدوان كحق طبيعي وشرعي، بالإضافة إلى تعزيز قيم التعاطف والمواساة والمساندة للمحتاجين والمساعدة على تخفيف بعضاً من معاناتهم وتلبية إحتياجاتهم الإنسانية الضرورية فعلى قدر المعاناة التي تعاني منها فئات واسعة من شعبنا بقدر مايتعاظم الواجب والأجر لكل من يستطيع البذل والعطاء في هذه الظروف الإستثنائية الصعبة.

نسأل الله أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتق رقابنا جميعاً من النار إنه سميع مجيب.

و شهر مبارك كل عام والجميع بخير واليمن في أمن وسلام وإزدهار.

الدلالات: