الجامعات الحكومية بين انعدام المعرفة وغياب الهوية الوطنية

نشر بتاريخ: سبت, 20/05/2017 - 9:24م

أبرزت الأحداث العصيبة التي مرت وتمر بها بلادنا في السنوات الأخيرة وآخرها العدوان الهمجي الوحشي الذي تقوده السعودية ومن حشدتهم معها، أبرزت لنا حقيقة دور الجامعات اليمنية من خلال أبرز مكون فيها ومحور العملية التعليمية فيها الأكاديميون أساتذة تلك الجامعات.

فبينما نجد في كثير من تاريخ الثورات العالمية والعربية وحركات التحرر من طواغيت الأرض ورموز الفساد أن رواد تلك الثورات والحركات التحررية هم المتنورون من أبناء المجتمعات وفي مقدمتهم وطليعتهم أساتذة الجامعات ومفكرو الأمم.

إلاَّ أن الحال في بلدنا ووطننا اليمن كان بخلاف ذلك وعلى العكس تماماً من ذلك.

فقادة الثورة ورموز التحرر ضد طغيان النظام السابق وعمود الجهاد المركزي في وجه قوى الغزو والعدوان كانوا ولا زالوا من فئات الشعب العادية الأقل تعليماً ومعرفة وثقافة من يوصفون (بالبدو، خريجي الكهوف) حسب توصيف البعض لهم.

ولم يكن للجامعات اليمنية كونها مراكز التنوير والتعليم ولا لأساتذة الجامعات الأكاديمية (باستثناء القليل والقليل جداً منهم) بمختلف تخصصاتهم العلمية والثقافية والإعلامية والأدبية .. الخ، أي دور في مقاومة غزو ولا في محاربة فساد ولا مواجهة باطل.

وهنا يشغل عقولنا وفكرنا جميعاً تساؤل وهو تساؤل وجيه مفاده لماذا غاب دور مراكز الفكر وبناء العلم في بلادنا؟

وكيف أصبحت حالة الأكاديميين وأساتذة الجامعات هكذا؟ ومن المتسبب في ذلك؟ وهل من تفسير علمي لذلك.

كيف أصبحت جامعاتنا وأساتذتها ومفكرونا ومثقفونا حالة استثنائية ؟

وقبل محاولة الإجابة على تلك الأسئلة لابد من الإشارة إلى حقيقة هامة وهامة جداً وهي أن دور قادة الفكر ومنار التعليم أساتذة الجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية لم يكتفوا بالصمت فحسب، لم يقفوا موقف المتفرج من كل ما حصل ويحصل، بل نقولها وبحرقة وتألم للأسف شاركوا وبفعالية بالتنظير للفساد والتشريع للباطل والتمهيد والتبرير للمعتدي الغازي، فقد كانت وكانوا ألعوبة بيد الفساد سابقاً وشاركوا في الغزو والحرب العدوانية على البلد حالياً، وآخر تلك المخازي التي قاموا بها ولا زالوا محاولة الإضراب عن التدريس وإيقاف الدراسة وشل الجامعات بحجة المطالبة برواتبهم.

وإن كانت الرواتب مطلباً مستحقاً لهم، فلهم أن لا يسألوا أحداً وكيف يسألون وهم أهل الوعي والعلم والمعرفة والثقافة.

فقط كان عليهم أن يسألوا أنفسهم عمن وقف ويقف وراء منع رواتب دولة وشعب بأكمله، وأين هي تلك الرواتب؟

وحتى لا نسهب في الكلام دعونا نعود للإجابة على التساؤلات المطروحة لعلنا نخلص إلى نتيجة مقنعة وفعالة.

ولأننا إذا عرفنا ذلك ندرك الواقع الذي كنا نعيشه وتعيشه مؤسسات الفكر والمعرفة والعلم والثقافة.

وحينها سيتضح لنا حقيقة واقع ومخرجات تلك المؤسسات.

وكلنا يعي ويدرك أنه ومنذ بدأت الجامعات اليمنية عملها خلال سبعينيات القرن الماضي كان أبرز كوادرها من المصريين وهم من وضع لنا المناهج لتلك المؤسسات التعليمية.

وكلنا يدرك تماماً أن فكراً ومكوناً هاماً من مكونات الشعب اليمني تم إزاحته فكراً وإنساناً وبتعمد من كافة مراكز العلم والمعرفة كنتيجة طبيعية من وجه نظرهم لما يسمى بثورة الـ 26 سبتمبر وما نتج عنها من تداعيات.

أصبح المصريون حجر الزاوية للعملية التعليمية والتربوية والثقافية في اليمن، فلا ترى في الجامعة ولا في المدرسة وفي الإعلام إلا مصريين حتى ظننا أننا مصريون لا يمنيون ولكن وللأمانة وللإنصاف ورغم إزاحة فئة ومكون كبير من مكونات وفئات الشعب اليمني إلا أنا لمسنا تعليماً لا بأس به، فكان الدكتور والأستاذ المصري يعمل بشكل رائع وفعال، بل ولمسنا مخرجات علمية تربوية جيدة وإن كانت ذات رؤية وتوجه واحد، واستمر الحال حتى اقتنع المصريون بضرورة الرحيل وظنوا أن اليمنيين أصبحوا مؤهلين لتولي مهامهم لبناء وطنهم وبلدهم، كما كان لتداعيات العدوان الإسرائيلي على مصر دور في ذلك.

وهنا كان لزاماً على اليمنيين أن يحلوا محل المصريين وإن استعانوا ببعض منهم في بعض التخصصات والمرافق، وبدأ اليمنيون يستلمون قيادة البلد بما فيها الفكرية والعلمية والثقافية ذات اللون والصبغة والتوجه الواحد، والممزوج بالانتقاص والاستهزاء والمحاربة للمكون الآخر.

نتج من  هذه الرؤية الآحادية أن نتج لنا نموذج واحد في الفكر، واحد في المعرفة، واحد في التوجه، واحد في الرؤية.

وتم منع وبقوة محاربة وإقصاء الآخرين وإبعادهم، كما كان لفتح البلاد للفكر الوهابي والتيار السلفي وبدعم داخلي وخارجي أثره السيء الكبير في الفكر والثقافة والإعلام وتم منحهم تسهيلات مالية وعلمية وثقافية كبيرة جداً جعلتهم ينطلقون بنشاط وفاعلية في أوساط الشعب اليمني يستهدفون نفس المكون والفئة التي لا زالت مستضعفة ومقموعة فكرياً وثقافياً وتغييب الهوية اليمنية.

فكل ما يمت لليمن فكراً وثقافة أصبح بدعة وضلالاً واجب التغيير إن بالفكر والعلم والمعرفة، وإن بالقوة والسطوة والمال.

ازداد الأمر سوءاً مع بداية التسعينيات وقيام دولة المحاصصة الحزبية وما نتج عنها من تنافس على كل شيء في هذا البلد، فكل حزب وكل تيار يريد أن يستحوذ ويسيطر على أكبر عدد يمكن له من المناصب الإدارية والأكاديمية.

والجامع المشترك لهم والهدف الذي يتفقون عليه إبعاد الآخر وإقصاؤه وتهميشه وقمعه.

ولنا تجربة غنية ثرية أثناء دراساتنا في جامعة صنعاء وما عانيناه من قمع لأي فكرة مغايرة أو رؤية مخالفة.

وكنا وغيرنا نلتزم الصمت خشية الأذى في الدرجات والامتحانات، وحينها أصبحت الجامعات والمدارس ومؤسسات الإعلام والثقافة ساحةً للتنافس الوظيفي والقمع الفكري والآحادية المعرفية.

وبلغ بهذا التنافس رغم رداءة التعليم وأحادية المعرفة إلى أن يتم التوظيف والتعليم في هذه المنابر العلمية لأبناء الحزب وأتباع الحزب وأنصار الحزب حتى أصبحت الجامعات وللأسف مكاناً للجهلة وضعيفي المعرفة وأرباب التعصب الحزبي والمذهبي.

فوظائف المعيدين والأكاديميين أصبحت غالية الثمن صعبة المنال مهما كان تفوقك ومهما كانت حصيلتك العلمية، ما دام أنك لست من أحزابهم ولا من أنصارهم فلا تفكر ولا تؤمل في نيل ذلك. وحل محلهم الجهلة وأصحاب الدرجات المتدنية نتيجة الولاء والحظوة والمكانة والقرب بل والفكر الذي ينتمي إليه.

لا أقول ذلك من واقع الخيال والمبالغة فأنا أحد خريجي جامعة صنعاء، وكنت الأول على دفعتي حينها وفق المنهج والفكر والثقافة التي أرادوها وسعيت بكل ما أوتيت من قدرة للحصول على مكان ومقعد علمي فيها، فقُوبلت بالرفض والمراوغة والإقصاء.

وقد يقول قائل ها أنت اليوم أصبحت دكتوراً وعُينت قبلها معيداً بإحدى تلك الجامعات، فكيف نصدق ما تقول؟

وهذا صحيح ولكن ما لا تعلمونه أنني نافست واختبرت وحصلت على درجة معيد في كلية بعيدة نائية ونائية جداً لم يكن ولا يفكر أحد بالذهاب إليها وليست ذات مطمع لأحد فيها، بل ونعرف عن يقين أسماءً دخلت السلك الجامعي لا لكفاءة علمية ولا لتفوق معرفي وإنما لوساطة، ومن خلال ما سبق من بيان وإيضاح فلا غرابة أن يكون أساتذة الجامعات ومخرجات تلك الجامعات بهذه الرداءة العلمية والمخرجات الهزلية وانعدام الهوية الوطنية، فلم يصبحوا أساتذة ورواداً لتلك المنابر الفكرية لفكرهم وعلمهم ومعارفهم وإنما لانتماءاتهم الحزبية والجهوية والسلطوية والإناء الفارغ لا يخرج منه شيء.

ولكم أن تقوموا بزيارة إلى النيابات الأكاديمية للجامعات وتطلعوا على ملفات أساتذة الجامعات وسترون حقيقة ما أكتب لكم.

وحينها أيضاً فالولاء والإنتماء لم يكن لفكر ولا لمعرفة بل إنهم أصلاً لا يحملون فكراً ولا ثقافة ولا علماً ولا معرفة.

وإنما الولاء للحزب والتيار والشيخ و........

وحيثما كانوا كان، وحيثما اتجهوا اتجه .. وإنما لوساطة مشيخية وانتماءات حزبية وصارت وأصبحت التعيينات العليا لقيادة تلك الجامعات ولمنابر خاضعة للولاء الحزبي والاستعباد المشيخي لا لمن له أهلية فكرية أو إدارية أو ثقافية ولو كانت هزيلة حتى ولو كان على حساب وطنه وعرضه ومبادئه.

فالوطن في فكرهم الحزب، والبلد في علمهم المصلحة، والعِرض في ذهنهم المال، والمبادئ في تصورهم متغيرة.

وهل ينتمي لوطن من أسهم في هدم الهوية الوطنية.

وهل ينتمي لبلد من سعى إلى تشريع الفساد في بلده.

وهل آن الأوان لتدارك ولو شيء بسيط يعيد للجامعات ومراكز العلم والمعرفة قيمتها ومكانتها.

أترك الإجابة عن هذا السؤال الأخير لمن هم يحملون هماً أو يتوقون إلى تغيير.