رقصة المنامة واستمرار التآمر على الأقصى

نشر بتاريخ: أحد, 14/05/2017 - 9:54م

في نهاية العام المنصرم 2016م قام وفد من حاخامات حركة «حباد» الصهيونية المتطرفة بزيارة لعاصمة مملكة البحرين «المنامة» وصفت بأنها زيارة ذات طابع تجاري .. وكان الملفت للإنتباه في الزيارة الحفل الغنائي الراقص الذي أقيم على شرف الوفد الصهيوني والذي جرى تناقله عبر عدد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع .. ولم يكن الرقص والغناء هو الملفت للإنتباه في حد ذاته وإنما الكلمات التي تضمنتها الأغنية التي تم الرقص على أنغامها، وهي أغنية عبرية تتحدث كلماتها بمنتهى الوضوح عن إقامة ما يسمى بـ«الهيكل» على أنقاض المسجد الأقصى، وتقول: «شعب إسرائيل حي»، وهي عبارة ظل يرددها الراقصون البحرينيون والصهاينة بأعلى الصوت .. وكانت هذه الكلمات في حد ذاتها كافية لكشف دلالات ومعاني الزيارة وأبعادها رغم ما قيل عن طابعها التجاري إضافة إلى أن الوفد الصهيوني يتألف من حاخامات حركة «حباد» التي تعد أكثر الحركات الدينية الصهيونية تطرفاً وكراهية للعرب وتحاملاً عليهم..

ووفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الإلكترونية الصهيونية التي تصدر باللغة العربية فإن زيارة الوفد الصهيوني للمنامة تمت بناء على دعوة من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.

ونقلت الصحيفة عن وزير التعاون الإقليمي في كيان الاحتلال تساحي هنغبي بـ«أن البحرين هي واحدة من البلاد العربية التي لها علاقات إقتصادية وأمنية متميزة مع إسرائيل» كاشفاً النقاب عن أن عدداً من قادة ما يسمى بقوات مكافحة الشغب البحرينية يتلقون حالياً تدريبات ودورات خاصة في الكيان الصهيوني.

وكل هذا يعني في ما يعني أن «رقصة المنامة» التي تمت على أنغام تلك الأغنية العبرية لم تكن سوى خطوة من خطوات التطبيع الكامل مع كيان الاحتلال الصهيوني على طريق تصفية القضية الفلسطينية والتآمر المستمر من جانب أنظمة العمالة والخيانة على المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي يمثل جوهر القضية الفلسطينية كما يعني في جانب منه أنه بعد أن كانت الأنظمة العميلة في المنطقة تحيط علاقاتها مع الكيان الصهيوني بالسرية التامة وتتآمر على القضية الفلسطينية داخل الغرف المغلقة طوال العقود الماضية فقد انتقلت بهذه العلاقات إلى الغرف المفتوحة بل وإلى حلبات الرقص وبدون أدنى خجل.

كما أصبحت أنظمة العمالة والخيانة تتآمر على المسجد الأقصى المبارك أمام الكاميرات بل وترقص على أنغام الأغاني العبرية التي تتحدث بكل وضوح عن إقامة «الهيكل» على إنقاص أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما تتحدث عن «شعب إسرائيل» الحي وبدون أدنى حياء.

وبعد أن كانت أنظمة العمالة والخيانة في الماضي تغلق مؤامراتها على القضية الفلسطينية بالمبادرات السياسية التي كانت تصنعها على طاولات النقاش والبحث على استحياء بهدف تمريرها بعد إضفاء نوع من الشرعية عليها هاهي أنظمة العمالة والخيانة في الحاضر لا تستحي من إظهار مؤامراتها إلى العلن دون الحاجة إلى أي غلاف من أي نوع.. وهذا هو ما شجع سلطات الاحتلال الصهيوني على المضي قُدماً وبخطوات متسارعة وبوتيرة عالية في مواصلة عمليات حفر أنفاق أسفل وبجوار المسجد الأقصى المبارك بهدف هدمه وإقامة ما يسمى بالهيكل على أنقاضه، ومواصلة هدم المساكن والمعالم التاريخية في مدينة القدس وإقامة المستعمرات الاستيطانية أو ما يسمى بالمستوطنات في أنحاء متفرقة من المدينة وتغيير معالمها وتهويدها.. ويكفي أن نشير هنا إلى أن العام المنصرم 2016م قد شهد هدم ألف منزل فلسطيني في القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948م داخل ما يسمى بالخط الأخضر وهو الخط الوهمي الذي يُقسم فلسطين بموجب قرار التقسيم الشهير الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1948م.

وبالتوازي مع هدم منازل الفلسطينيين فقد شهد عام 2016م إقامة مئات المستعمرات والإعلان عن اعتزام سلطات الاحتلال بناء مئات أخرى خلال العام الجاري 2017م وفقاً لما ذكرت وسائل إعلام صهيونية نقلاً عن نائب رئيس بلدية القدس الصهيوني مائير ترجمان الذي كشف النقاب عن تقديم خطط لبناء خمسة ألف وستمائة وحدة إستيطانية إضافية في «القدس الشرقية» المحتلة.

وجاءت تصريحات مائير ترجمان بعد أيام من قرار مجلس الأمن الدولي بحظر الاستيطان هناك حيث أشار إلى أنه لا يوجد أي خطط لإلغاء ما هو مطروح بشأن بناء المستوطنات استجابة لقرار مجلس الأمن الذي صدر في ديسمبر الماضي بشأن حظر الاستيطان وهذا هو ما حدث بالفعل فقد صادق رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان مساء يوم الثلاثاء الـ 24 من شهر يناير الماضي على بناء ألفين وخمسمائة وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة وهو ما يعني أن سلطات الاحتلال الصهيوني تسير قدماً في اتجاه التوسع الاستيطاني ضاربة عرض الحائط بقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية ومستغلة هرولة أنظمة العمالة والخيانة وعلى رأسها أنظمة الحكم في مملكة قرن الشيطان السعودية ودويلة الإمارات ومشيخة قطر وإمارة البحرين نحو التطبيع وإقامة العلاقات مع كيان الاحتلال على حساب مصالح الأمة العربية  والإسلامية وقضاياها العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تمثل القدس والمسجد الأقصى المبارك لُبها وجوهرها .. وبعد أن كانت هذه الأنظمة وغيرها من أنظمة العمالة والخيانة تحرض في الماضي على أن تظل هذه العلاقات طي الكتمان وتحيطها بالكثير والكثير من السرية، وبعد أن كانت تحيك المؤامرات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية داخل الغرف المغلقة وتخرجها إلى الأضواء في شكل مشاريع ومبادرات كما فعل النظام الأردني وكما فعل نظام الرئيس المصري أنور السادات أيضاً، وكما فعل ملوك وأمراء مملكة قرن الشيطان السابقين هاهي الأنظمة العميلة تقيم العلاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني وتحيك المؤامرات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية أمام الكاميرات وبدون رتوش .. وهنا نجد من المفيد أن نشير على سبيل المثال إلى المشروع الذي طرحه العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال في سبعينيات القرن الماضي تحت اسم (مشروع إقامة المملكة العربية المتحدة كدولة فيدرالية تتكون من قطرين هما المملكة الأردنيه الهاشمية والضفة الغربية).. وقد طرح الملك حسين المشروع في رسالة بعثها إلى قادة الدول الغربية في مارس 1972م طالباً فيها منهم تأييده ودعمه .. ومما جاء في الرساله حول مشروع الفيدراليه :

1- تصبح المملكة الأردنية الهاشمية مملكة عربية متحدة وتسمى بهذا الاسم .

2- تتكون المملكة العربية من قطرين :

أ – قطر فلسطيني .. ويتكون من الضفة الغربية وأية أراض فلسطينية أخرى يتم تحريرها ويرغب سكانها في الانضمام إليها ..

ب- قطر الأردن ... ويتكون من الضفة الشرقية.

3- تكون القدس عاصمة لقطر فلسطين وتكون عمان عاصمة لقطر الأردن وعاصمة للملكة المتحدة ..

4- يتولى السلطة التنفيذية في كل قطر حاكم من أبنائه ومجلس الوزراء القطري من أبنائه ..

5- يتولى السلطة التشريعية في كل مجلس يعرف باسم مجلس الشعب يتم انتخابه بطريق الاقتراع السري المباشر وهذا المجلس هو الذي ينتخب الحاكم العام للقطر..

6- السلطة القضائية في القطر لمحاكم القطر ولا سلطان لأحد عليها ..

7- تتولى السلطة التنفيذية في كل قطر جميع شؤون القطر باستثناء ما يحدده الدستور للسلطة التنفيذية المركزية ..

8- رئيس الدولة هو الملك ويتولى السلطة التنفيذية المركزية ومعه مجلس وزراء مركزي ..

9- تنحصر مسئوليات السلطة التنفيذية المركزية في الشؤون ذات العلاقه بالمملكة كشخصية دوليه واحده وبما يكفل سلامتها واستقرارها وازدهارها ..

ومن خلال قراءة تحليلية سريعة لهذه البنود يتضح أن الهدف الرئيس للمشروع هو ضم الضفة الغربية إلى الأردن .. وهذا يظهر جلياً في الفقرة (أ) من البند الثاني التي ركزت على أن قطر فلسطين يتكون من الضفة الغربية وأية أراض أخرى يتم تحريرها ويرغب سكانها في الإنضمام اليها ذلك لأن إضافة العباره الأخيره (ويرغب... الخ ) جاء ليسلط الضوء أكثر على الهدف خاصة إذا ما تذكرنا أن الملك حسين ليس ممن يطلقون الكلام على عواهنه وإنما هو ممن يدركون المعاني ويجيدون صياغة الكلمات وترتيب العبارات بل والألفاظ ناهيك عن الحنكة السياسية التي يتمتع بها.. ويضاف إلى ماسبق ما تضمنته البنود ( 7،8،9) التي في مجملها لا تحمل سوى معنى واحد هو تصفية القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة هي المملكة العربية المتحدة تتمتع بشخصية دولية واحدة ويتولى الملك فيها مسؤوليات السلطة التنفيذية المركزية في حين تتولى السلطة التنفيذية في قطر فلسطين ( الضفة الغربية ) جميع شؤون القطر ولم يكتف الملك حسين بهذا النص وإنما زاد عليه باستثناء ما يحدده الدستور للسلطة التنفيذية المركزية (أي للملك)..

وباختصار يمكن القول أن هذا المشروع يعيد إلى الأذهان محاولة جد الملك حسين – الملك عبدالله – ضم الضفة الغربية إلى الأردن عقب نكبة 1948م ..

وكما فشلت محاولة الملك عبدالله فقد فشلت كذلك محاولة حفيده الملك حسين نظراً لأن معظم القادة العرب الذين وجه الملك حسين اليهم رسالته المتضمنة مشروعه عبروا كل بطريقته عن رفضهم له.. وكان لكل واحد منهم أسبابه الخاصة في التعبير عن رفضه لذلك المشروع.