فاطمة الزهراء .. قدوة نساء العالمين

نشر بتاريخ: أربعاء, 06/04/2016 - 1:22ص

فاطمة الزهراء البتول بضعة الحبيب المصطفى والمرأة الرسالية القدوة والأنموذج المثالي والراقي لنساء العالمين هذه الشخصية التي يعتبر الحديث عنها صورة حية للقيم والمبادئ والأخلاق والآداب والمثل العليا التي مثلتها وحملتها وعاشت بها؛ولذلك كانت وستبقى أنموذجاً حيا لنساء العصر المؤمنات اللاتي عرفن أن الله هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين بهن وأعلم بما يصلحهن ويحافظ على سترهن وكرامتهن ومنزلتهن التي شرفهن الله بها إن حياة الزهراء البتول حياة فريدة ومليئة بالدروس التربوية للأمة الإسلامية التي هي في امس الحاجة لاستلهامها والاستفادة منها لا سيما مع الحملات الغربية الممنهجة لمسخ المرآة وإخراجها من وظيفتها المقدسة والكلام عن شخصية الزهراء بنت الرسالة الخاتمة لا بد أن تأخذ حقها من الدراسة والتأمل بغية التأسي بها.

  لقد نشأت في بيت النبوة فكانت طفولتها ترقب عن كثب تحركات  أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيؤذيها ما يتعرض له من السخرية والاستهزاء  ووصمه بالساحر والمجنون والكذاب فحينما ألقى عقبة بن أبي معيط على ظهره الشريف سلا جزور وهو ساجد  في صلاته عند البيت الحرام أتت فاطمة تزيل وتمسح ذلك عن أبيها رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي تبكي شؤم صنيع المشركين بل لقد شاركت أباها وأمها  آلام وشدة حصار شعب أبي طالب حين "تمالأت قريش على قتل رسول الله فتواثق بنو هاشم وبنو عبد المطلب مسلمهم وكافرهم ـ إلا أبا لهب ـ على حماية رسول الله فأيقن المشركون أن دماء قريش جميعاً سوف تسيل دون محمد فاتخذوا سبيلاً آخرًا للظلم دون القتل فكان ميثاق الظلم والعدوان للمقاطعة الكلية خلال ثلاثة أعوام والذي علق في جوف الكعبة : (( أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل ))" (1) حتى اضطر كل من كان  في الشعب  إلى أكل أوراق الشجر من شدة الجوع فتأثرت فاطمة بكل هذه الأحداث تأثراً بالغاً إلا أنها لم تصب بحالة نفسية أو عُقد نفسية ولا حالة انفصام في الشخصية ولا احتمل قلبها الطاهر حالات الحقد والكره لذلك المجتمع الشركي بل لقد تشذبت نفسها ومكونات شخصيتها على حداثة سنها  بصفات المؤمنين الأتقياء وأولياء الله  و زادها ذلك قوة ايمانية وروحية لمساندة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )   في تحمل أعباء الرسالة فلقد عاشت آلام الرسالة حين ضيق الخناق على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )  والمؤمنين بأشد أنواع السياسات التضليلية والإغوائية والاستهدافية  ففاطمة طفلة الأمس التي عاشت طفولة رسالية بتألمها لآلام الرسول والمؤمنين وآهاتهم وأوجاعهم وأحزانهم واحتضانها لمعاناة ولألام أبيها هي اليوم المرأة اليافعة التي ما زال بها ذلك الألم والحزن تألماً وحزناً لألم وحزن أبيها  .

 ففي غزوة أحد كانت هي وزوجها يضمدان جراحات رسول الله فقد "كُسِرَتْ رباعيته وشجت جبهته وضُرِبَ عاتقه ضربة قوية اشتكى لأجلها أكثر من شهر "(2) وجرح وجهه الشريف فكانت تغسل الدم عن وجه أبيها رسول الله فرأت أنَّ الدم لا يزداد إلا سيلاناً فأخذت قطعة من الحصير وأحرقتها حتى صار رماداً والصقتها بجرح رسول لله( صلى الله عليه وآله وسلم )   فوقف الدم  (3). فهذا هو دأب فاطمة طفلة وامرأة يافعة وهو دأبها منذ أن كانت جنيناً فلما حملت بها أمها خديجة (ع) لم ترَ بأساً ولا ألماً فالرسالية فاطمة الزهراء أنس وسعادة وراحة لأمها وأبيها ؛ لذلك كانت بضعة رسول الله فكل ذرة في تكوينها وخلقتها جزء لا يتجزأ من رسول الله  روحاً وخلقاً وايماناً وتقوى وعبادة وفكرًا وطهرًا وجهادًا وزهدًا وصدقًا وأمانة وصلة وثيقة بالله عزوجل فحنانها و رحمتها من حنان ورحمة رسول الله وأخلاقها وتعاملاتها من أخلاق وتعاملات رسول الله حركاتها وسكناتها وأقوالها وأفعالها ومواقفها من شخصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فبضعة رسول الله فاطمة قد امتلأ عقلها وروحها  وقلبها بعقل وروح وقلب رسول الله فأصبحت أم أبيها في حنان الأم وإشفاقها على وليدها وخوفها من أن يصاب بأي مكروه قط ورجائها وتطلعها الى أن يغدو في القريب العاجل وقد حقق آماله وطموحاته وأهدافه . "ولم يكن سوى فاطمة أم أبيها فلقد ملأت بيت أبيها بعبق  الأمومة وروحها وطهرها وعاطفتها فكانت أمه بروحها وروحانيتها وبعاطفتها التي غمرته بها كانت تهدهد روحه وتبتسم له عندما تلمح الكآبة والحزن والألم  في وجهه وتملأ عليه بيته إن هذه الكلمة ( أم أبيها ) تختزن كل احساس النبي بحنان ابنته وقلبها الكبير الذي يحنو على رسول الله وهذه الكلمة   تختصر كل حياة فاطمة ودورها في تخفيف الآلام التي عاشها رسول الله والأعباء والأثقال التي واجهها من المشركين والمنافقين"  (4) لقد عاشت في بيت النبوة مهد الرسالة ظِلَالها وزُهْدَها وعاشت صفاء الروح وحقائق الإيمان وأخلاق القرآن وعبادات الشكر والبذل والعطاء فالأنس بقرب الله واستشعار معيته عند فاطمة خيراً ورضاً من شدة العيش أو رفاهيته فحياتها الدنيوية إنما كانت لله وبالله وعلى ما يرضي الله فنطق كل كيانها بالإسلام حركاتها وسكناتها أقوالها وأفعالها ومواقفها وبذلك نالت الغايات والفضائل السامية والشرف الأعلى من الإيمان قولاً وعملاً ومن العبادة مفهوماً وجوهراً ومما كسبت نفسها فعلاً وواقعاً أجراً حسناً ومما زان عقلها علماً ومعرفة ومما سكن قلبها رحمة ورأفة وحناناً فإذا شخصيتها هي الأنموذج الذي حمل كل جوانب شخصية أبيها إيماناً وقلباً وعقلاً وفكراً وروحاً ورسالة وطهراً وزهداً وسلاماً وجهاداً فعاشت بذلك كل ما يرضي الله في كل كيانها ومراحل حياتها وابتعدت عن كل مايسخطه عزوجل لأنها لا ترضى ولا ترتضي إلا ما كان يرضاه الله ورسوله فهي كما ابيها وزوجها قد عاشت الحق في قلبها وعقلها وحركتها ووجدانها وضميرها  فكان الله ورسوله حربًا لمن حاربها وسلمًا لمن سالمها لأن رضاها رضًا لله ولرسوله وغضبها غضبًا لله ولرسوله فلا يمكن أن ينفذ الى عقلها و قلبها ما لم يوافق رضى الله ورضى رسوله وإن كان لمماً ؛ولذلك  كان لها من الصفات و الفضائل أن أصبحت هي الأنموذج الأكمل لنساء العالمين فلقد وعت  وفهمت وعقلت ما معنى الله وما معنى القرب منه وما معنى الأنس بمناجاته وما معنى الخضوع بين يديه  ومامعنى وجودها في هذه الحياة الدنيا ومامعنى وجودها في الحياة الآخرة وما معنى عبوديتها لله وتحررها من عبودية غيره عزوجل وقد عملت بنتائج هذا الوعي فكانت كل حياتها تعبدًا لله  ؛ولذلك سمت بها عبوديتها الخاصة إلى الدرجات العلا حب الله رب العالمين لها فظلت كما فطرها ربها في أحسن تقويم وكأنما قد حازت جنان الآخرة في حياتها الدنيا .

"إن فاطمة الزهراء أثبتت للنساء بالمثال والقدوة أن المرأة عندما تعيش الإيمان العميق الذي يتحرك به عقلها وينبض به قلبها ويعيش في حركتها لن تكون امرأة هامشية لاهثة وراء غرائزها وشهواتها بل تكون المرأة المتحركة والفاعلة من خلال إرادة تتصلب ومن خلال موقف يثبت ومن خلال قضية تنطلق ــ لمقتضى تكليف الله لها وتحملها مسؤوليات جمة ــ  ففاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين القدوة الخالدة بخلود روحها وإيمانها وعبوديتها لله عزوجل"  (5) .

فأين النساء المؤمنات من اتخاذ فاطمة الزهراء قدوة ومثالاً يقتدين بها في طفولتها وشبابها الَّذَيْن مثلا عطاءًا زاخراً للرسالة ؟ وأين هن من شأن بيتها المتواضع جدًا حين كان محضناً للرسالة  مفعماً بروحانية الايمان ومميزاً ببساطة العيش وقناعة النفس وصفاء الروح وأنموذجًا حيًا للبيت المسلم الذي يعيش الأجواء الايمانية فتنشأ وتنمو الأجيال وتتنفس روحانية الايمان ؟(6)

فكانت هي أم سيدا شباب أهل الجنة وكانت هي زوج صنو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأين النساء المؤمنات اللائي يعشن رسالية فاطمة اليوم ؟ فينقذن أنفسهن وأبناءهن وكل مجتمعاتهن من براثين جاهلية اليوم التي أعادت تمحور المرأة  وتمحور أدوارها كجزء لا يتجزأ  من عنصري الإغواء والإغراء بين دعوات الغرب التحررية الانحلالية ودعوات التطرف والغلو و الانكفاء والكبت  والقمع المتلبسة بالإسلام فكانت المرأة بين الدعوتين رفيقة لقيود الجهل والتخلف والمرض والخنوع والذل والهوان  فدعوة التطرف والغلو المتلبسة بالإسلام هي أن تظل المرأة حبيسة بيتها مالها من حق إلا أن تعلن السمع والطاعة وإلا كانت هي حبائل للشيطان وسبب الغواية والضلالة والفتن فإن استطاعت التحرك خارج أسس وأطر قفص التطرف والغلو المتلبس بالإسلام فلا تزداد إلا شروراً وفتنة وإضلالاً وغواية وفساداً وإفساداً لذا كان لزاماً وواجباً ألا يسمح لها بتفتح مداركها وبتنوير عقلها وقلبها بحقائق الإيمان والعلم والمعارف وبمعنى المكانة التي حُضِيت بها وحُفِظَت لها في دين الإسلام  فتكون المرأة التي كرم الله وحفظ لها حقوقها وحرياتها وحَمَّلَها واجبات ومسؤوليات تتجاوز حدود البيت الذي هو أول وأولى مسؤولياتها مثال أول مسلم بالرسالة الخاتمة على وجه الأرض خديجة ( ع) وأول شهيد في الإسلام  سمية أم عمار بن ياسر (ر)  وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء

وأما دعوة الغرب التحررية الانحلالية فقد جعلت المرأة تنسلخ انسلاخاً جذرياً من كل مقومات العفاف والطهر والقيم الإنسانية والأخلاقية وأوهمتها لدرجة الاقتناع الكلي أنها بذلك أنموذج للمرأة العصرية المتحضرة المتحررة من قيود الاضطهاد والتمييز والتسلط والتجبر والجهل والفقر والمرض والعبودية  فأصبحت المرأة وسيلة إعلانية ودعائية لكل منتج تجاري سواء كان متاجرة بالعقول والأخلاق أو بالقلوب والعواطف  وبهذه الدعوة تحولت المرأة  من كيان إنسان له كامل الأهلية الى جسد يرافق كل سياسة وبرنامج ودراسة شيطانية صهيوأمريكية وكل منتج تجاري من الأحذية والمراحيض الى الأسلحة الحربية الفتاكة  فهمش بذلك أثر وجودها وأثر أدوارها بما يعود على المجتمعات من تفسخ أخلاقي وتمزق أسري وانحلال اجتماعي وفساد شلت به الحركة الفاعلة البناءة لجوانب الحياة المختلفة  ومن ثم كان الجهل والمرض والتخلف وانتهاك قيم وحقوق الإنسانية وأخلاق وتعاليم الإسلام  حالاً وواقعاً نتأثر به جميعاً في عالمنا العربي والاسلامي إلا أن النساء المؤمنات اليمانيات  قد تشربن الثقافة الرسالية والمسؤولية الفكرية والتربوية  لفاطمة الزهراء (ع) وعشن مُثلها وقيمها ومبادءها وبذلها وعطاءها وماهية حركتها الإيمانية المرافقة للحق ولذلك كان وعيهن بأدوارهن وواجباتهن ومسؤولياتهن أمام المخاطر والمؤمرات الصهيونية الأمريكية  التي أصبحت واضحة وحقيقة كاملة فعلاً وواقعاً تتربص بهن وبأبنائهن وبأسرهن وببلادهن  يمن الايمان  دوائر القتل والدمار والاجتثاث لكل مقومات حياتهن وعقيدتهن وإيمانهن وفكرهن وتاريخ بلادهن الإيماني والحضاري والثقافي  فصمدن ببسالة وقوة إيمانية مستمدة من قوة الله عزوجل ــ وعلى سبيل قوة إيمان خديجة وفاطمة الزهراء ومريم وآسيا (عليهن السلام) ــ في وجه العدوان الصهيو أمريكي المتوحش الذي أحكم قبضته بمثلث القتل إما بالصواريخ والقنابل، وإما بالجوع والمرض حصاراً ،وإما بتحريك أدواته القاعدة بمسماها الجديد داعش وبمسماها الأكثر حداثة المقاومة بل وأنفقن مايملكن من حلي ومال في سبيل الله  وأرسلن فلذات أكبادهن الى ساحات الشرف والعزة والإباء والإيمان ساحات الجهاد لمواجهة ومجابهة فراعنة وطواغية هذا العصر من أمراء وملوك الخليج والصهاينة والأمريكان وأدواتهم  وكل غاز ومحتل  ليعود فلذات الأكباد اليهن إما جرحى فَيَشْتَدُ امتحانهن وابتلاؤهن وصبرهن وعطاؤهن وجهادهن ،وإما أن يعودوا احياءًا يرزقون عند ربهم  جثامين طاهرة زاكية تَزُفُ اليهن خاصة نبأ اقتراب النصر مرفرفة راياته على جثامينهم عالية بعزة الله وعزة رسوله وعزتهم .

وبمثل فاطمة الزهراء (ع) قدوة وأنموذج لنساء العرب والإسلام بل والعالمين فإن الصحوة والوعي والإيمان والتحرك به الذي وُجِدَ في نساء اليمن بإذن الله سيوجد لدى نساء العرب والإسلام وكل العالمين .

فقط أخبروهن من هي فاطمة الزهراء  وعلموهن ماذا قالت وماذا صنعت ونشئوهن على مانُشِّئَت فاطمة الزهراء (ع)  ولتعلموا أنتم ايضاً من هي فاطمة الزهراء (ع) فهي قدوة وأنموذج كامل للنساء وللرجال.


الهوامش :ـ

(1)-المباركفوري : صفي الرحمن : الرحيق المختوم، د .ط ( الرياض : دار المؤيد للنشر والتوزيع ، 1418هـ ـ 1998م ) ، ص 109

(2)-المبار كفوري : صفي الرحمن : الرحيق المختوم ، ص 286

(3)-الخشن : حسين أحمد :الزهراء قدوة  ، ط2 ( بيروت : دار ملاك للطباعة       والنشر والتوزيع ،1422هـ ـ 2001م ) : موقع السيد محمد حسن فضل الله ،  ص 197

(4)-الزهراء قدوة  ،  ص ص 157 ،158 بتصرف

(5)-الزهراء قدوة  ،ص 57

(6)-الزهراء قدوة ، ص71 بتصرف


 

 

 

الدلالات: