التأسي بالحبيب المصطفى في السلم والحرب

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 19/01/2016 - 10:11م
الكاتب: 

من أساسيات الدين وأركان الرسالة ومسلمات القرآن ومحكماته أن النبي محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدوة وأسوة ورسالته التي بعث لتبليغها ودعوة الناس إليها هي رسالة الله رب العالمين للناس قاطبة بلا استثناء قال تعالى {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [النساء : 79] فرسالته عالمية ويؤكد على ذلك آيات كثيرة منها على سبيل المثال قوله سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى أيضاً {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء : 107

لذلك فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة لمراجعة السيرة النبوية والأخلاق المحمدية والآداب و الضوابط والقوانين التي من خلالها يستحقون أن يكونوا خير الأمم وشاهدين على الناس، فالقيم و الأخلاق التي بعث الحبيب المصطفى ليتممها ثابتة لا تسقط بحال من الأحوال ولا تتغير أو تتبدل، ومن الأحوال والظروف التي لا بد من مراعاة الضوابط الأخلاقية والقيم الإسلامية فيها ظروف  الحرب وأحوال المواجهة بحيث لا يتحول كل شيء إلى هدف مشروع كما يحلو للعقلية العسكرية المجرمة توصيفه لكن بأدنى تأمل وأبسط مراجعة لسيرة الرسول في الحرب والمواجهة نجده يصدر قرارات وتوجيهات يحرم فيها قتل من لا يقاتل واستهداف من لا يواجه كما بين ذلك النبي عندما قتلت امرأة فقال معاتباً وناهياً: (مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِل) وكان في مقدمة الجيش الإسلامي خالد بن الوليد فأرسل إليه النبي توجيهاً وقال لحامل التوجيه أو الرسالة (قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا) وكان رسول اللّه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- إذا بعث جيشاً من المسلمين بعث عليهم أميراً، ثم قال: (انطلقوا باسم الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول اللّه، أنتم جند الله تقاتلون من كفر بالله، ادعوا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به محمد من عند الله، فإن آمنوا فإخوانكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن هم أبوا فناصبوهم حرباً، واستعينوا بالله عليهم، فإن أظهركم الله عليهم فلا تقتلوا امرأة، ولا وليداً، ولا شيخاً كبيراً لا يطيق قتالكم، ولا تغوروا عيناً، ولا تقطعوا شجراً إلا شجراً يضر بكم، ولا تمثلوا بآدمي، ولا بهيمة، ولا تظلموا ولا تعتدوا، وأيّما رجل من أقصاكم، أو أدناكم، أو أحراركم، أو عبيدكم أعطى رجلاً منهم أماناً، أو أشار إليه بيده، فأقبل إليه بإشارته فله الأمان حتى يسمع كلام الله، فإن قبل فأخوكم في الدين، وإن أبى فردوه إلى مأمنه، واستعينوا بالله، لا تعطوا القوم ذمتي ولا ذمة اللّه، فالمخفر ذمة الله يلقى الله عزَّ وجلَّ وهو عليه غضبان، أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم، وفوا لهم، فإن أخفر أحدكم ذمته، أو ذمة أبيه فذاك، ولا يخفر ذمة الله، ولا ذمة رسوله) هذا النص النبوي الشريف يحتوي على توجيهات وتكاليف لا مناص لمسلم من الالتزام بها ولا حجة له بعد أن نطق لسان الرسول بها فإن خالف وتجاهل أو جهل هذه التعاليم السامية فالعاقبة سيئة والمآل وخيم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

إن مما يقر به كل مسلم ومسلمة ويسلمون به تسليما مطلقا ويقطعون به أن طاعة الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي عين طاعة الله وأن من يتأسى بالرسول محمد فهو في الحقيقة يمثل أو يتمثل حقيقة العبودية لله تعالى حتى أن الله تعالى جعل التأسي بحبيبه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم دليلاً حقيقياً  على رجاء المؤمن لربه وقربه الصادق منه وإخلاصه الكبير  له قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب : 21] وجعل الله تعالى علامة حب العبد له اتباع نبيه والسير بسيرته والتأسي بسنته وأخلاقه والتزام آدابه التي أدبه ربه بها فهو المقر بفضل الله عليه قائلا (أدَّبني ربِّي فأحسنَ تَأْديبي) وهكذا هي سنة الله وحكمته مع الأنبياء المرسلين يرعاهم بلطفه ويحوطهم بعين عنايته ويكرمهم برحمته وقربه ويؤهلهم لتحمل أعباء الوحي وتبليغ الرسالات وإقامة الحجج البينات كما هو الحال مع موسى الكليم ومحمد خاتم النبيين وكل رسله أجمعين حيث قال في شأن موسى {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }.

وأمام الرعاية الإلهية والعناية الربانية للأنبياء والرسل نجد الغاية من ذلك والحكمة التي لأجلها أرسلهم الله تعالى للناس كافة قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه} [النساء 64].

 فطاعة الأنبياء مقصد إلهي ومبدأ قرآني وفريضة من الفرائض التي كلف الله بها عباده في الحياة الدنيا وهذا التكليف لا يخضع لاختيار الإنسان أو هواه ومزاجه ومصلحته أو يدور مع مصلحته حيثما دارت بل عليه أن يدور مع التعاليم والقيم والتوجيهات النبوية حيثما دارت مهما كانت الأحوال والظروف والتحديات فلا يكتمل إيمان المؤمنين بالله  ورسوله حتى تكون أهواءهم وعواطفهم ومشاعرهم وسلوكياتهم ومواقفهم وتوجهاتهم وكل أخلاقهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم في السلم والحرب تابعة لما جاء به الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال النبي في هذا الشأن (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) حتى إن حب النبي والتأسي به يجب أن يكون أعظم من حب المؤمن لنفسه وولده وأهله وكل الناس مهما كانت منزلتهم ومهما بلغت هيبتهم وكان إحسانهم كما أشار إلى ذلك الحبيب المصطفى بقوله (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)- فلا يكونُ الْمؤمن مؤمناً حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميعِ الخلق، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرْسله. والمحبةُ الصحيحة تقتضي الْمتابعة والْموافقة فِي حب المحبوبات وبغض المكروهات، قال عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24].

والأمر الثاني الذي لأجله أرسل الله الأنبياء هو إقامة الحجة والبرهان وقطع الطريق على أولئك المعاندين والغافلين الأكثر جدلا وأعذاراً  ودحضاً لتلك الشبه التي قد يحتج بها البعض ممن جهلوا النبي أو تجاهلوه وأنكروه أو تنكروا لهداه وأخلاقه وآدابه في السراء والضراء والشدة والرخاء والغنى والفقر والسلم والحرب  فالله تعالى يعلم خبايا النفوس المتمردة وخفايا العقول المتحجرة التي تسير وراء أهواءها وتقودها وتتحكم فيها ولاءات وانتماءات ومصالح دنيوية فانية ويعلم مدى ميلها إلى الشهوات وخلودها إلى الملذات وجموحها لارتكاب المحرمات حيث أن الإنسان قد يقول محتجا على ربه عند إهلاكه واستحقاق عذابه وسخطه  {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه : 134].   

 فحاشا الله تعالى أن يهلك أمة أو يدمر قرناً من القرون السالفة أو اللاحقة لم تبلغهم الحجة ويصل إليهم البلاغ المبين {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].

 وبعد أن بعث الله خاتم النبيين محمدا فلا حجة لأي إنسان في العالم لا سيما المسلمون فلاعذر للجميع أمام الله تعالى القائل {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء : 165].

وكما أن الأخذ الوبيل والنكال الكبير استحقه فرعون اللعين وقومه لأنهم لم يستجيبوا لموسى ويطيعوا أمره ويؤمنوا برسالته فإن أمة محمد قد يصيبها ما أصاب فرعون وقومه كما دلت على ذلك النصوص القرآنية: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا }[المزمل:15-19].

وقال تعالى{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } [النساء : 14] وقال سبحانه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.

ومما يجب أن يتنبه له  كل مسلم حريص على صلاح دنياه والنجاة في آخرته وأن تكون كلمة الله هي العليا وراية الإسلام هي المرفوعة  أن الحبيب المصطفى كما يجب أن يقتدى به في أداء الصلوات المفروضة والزكاة الواجبة وكما يجب أن تأخذ عنه مناسك  الحج وتؤدى بدقة وانتظام والتزام واهتمام وحذر من كل محظور حتى يحل الإحرام  فإن كل مسلم يجب أن يتأسى به تأسيا كاملاً فيما يتعلق بفريضة الجهاد ومواجهة الأعداء الذين يحادون الله ورسوله والمؤمنين ويبغون في الأرض بغير الحق والتأسي به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يتعلق بفريضة الجهاد التي يجب أن يهتم بها كفريضة من البداية حتى النهاية بمعنى أن على كل مسلم أن يعيش حالة العداء لمن يعاديه ويعادي المؤمنين من حوله ومع حالة العداوة والبغضاء كحالة نفسية وموقف إيماني ومبدأ قرآني يجب أن يكون للإعداد ترتيبه وحضوره بنفس النفسية والهيبة والحرص الذي نتهيأ به ونتهيب لأداء الصلاة والحج فكلها فرائض مفروضة وكلها لله تعالى فصلاتنا لله وحجنا لله وصيامنا لله وكذلك جهادنا هو في سبيل الله وبما أن المستضعفين في هذا العصر يخوضون حرباً ومواجهة عادلة ومقدسة مع شرار الخلق وفجرة الخلائق من اليهود والنصارى ودول الكفر وأنظمة النفاق فإن أسلوب المواجهة وأسلحة الدفاع التي يمتلكها أهل الحق تختلف تماماً عن الأسلحة التي يمتلكها المستكبرون والطغاة والمتسلطون والفراعنة في الأرض فهم يملكون أسلحة مادية فتاكة ومدمرة تهلك الحرث والنسل وتحرق الأخضر واليابس وتستهدف المرأة والطفل والمزارع والصياد وكل بريء بعيد عن ساحة المواجهة وميدان المعركة أما حَمَلة القضية العادلة والمدافعين عن الحق فنظرتهم وتحركهم وأساليبهم وأسلحتهم تختلف عن أعدائهم فمواجهتهم ترتكز على قيم وتنطلق وفق مبادئ سامية وتتحرك على ضوء ضوابط عادلة ومقاصد نبيلة وشريفة هذه الفئة المؤمنة تسير ومعها مرجعية وقيادة تبصرها وتذكرها وترشدها وتقوّم اعوجاها وتضبط تصرفاتها وتحركاتها حتى يكون النصر حليفها والتمكين نصيبها وعندما يرجع المسلمون إلى ضوابط الجهاد وآداب المواجهة مع كل الطغاة والمستكبرين وجميع الظلمة المعتدين فإن القرآن الكريم يمثل المرجعية الموجهة والمنظّرة والدستور لكل شؤون الحياة ومنها الشأن الجهادي ثم السيرة النبوية التي تمثل المرجعية الثانية ولكن بصورة أدق وكلاهما حجة وكل جهاد وعداء ومواجهة لا تستند في تحركها الجهادي أو العدائي إلى القرآن ولا تضبط تحركاتها وفق المرجعية النبوية فجهادها لا قيمة له ولا فائدة منه ولا بركة فيه ولا هدف له بل سيكون هذا الجهاد وبالاً وشناراً على الإسلام والمسلمين وستكون له آثار وتبعات سيئة وسيصيب حياة المسلمين وتعاليم الإسلام السمحة والرحيمة في مقتل وتجرأ أعداءه للإساءة منه والاستهزاء به واستغلال التمثيل السيئ له من قبل أهله للنيل منه وتشويه صورته العظيمة.

إن رسول الله محمداً هو المرجعية الأولى والأخيرة على مستوى الحياة في سلمها وحربها ومن يسير على خطاه في الحالتين ويقتدي به ويبذل الوسع في التأسي به عند المواجهة فهو الجدير بأن تجري سنن النصر على يديه وتتحقق وعود الله معه ويكون أهلاً للتأييد والتمكين في الأرض  وبما أن صورة الإسلام تتعرض لتشويه ممنهج وفريضة الجهاد صارت فريضة مهجورة ومغيّبة رغم تكاثر الآيات التي تدعو إلى إحيائها والقيام بأعبائها إلا أنا نجد أناساً من المسلمين يرفعون راية التوحيد ويزعمون أنهم يسعون لإقامة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة وأنهم حماتها وأنصارها والحريصون عليها إلا أنا نجد منهم تصرفات وأفعالاً ومواقف تنسف كل دعاويهم وتبطل كل أقاويلهم وتدحض كل مشاريعهم التي يزعمون أنها من الإسلام والإسلام منها براء والدليل على ذلك جلي وواضح بل صار بديهياً أنهم على غير هدى ولا سبيل يقاتلون وإنما تقودهم أهواؤهم وتتحكم فيهم غرائزهم وتتلاعب بهم أجهزة الاستخبارات الصهيونية وتستخدمهم كدمى وأداة لتحقيق أهدافها الاستعمارية والتوسعية على مستوى الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم وبنظرة بسيطة وفاحصة وتأمل هادئ ومنصف نجد أن طبيعة المواجهة وأساليب القتال التي ينطلق منها هؤلاء في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن نجد أنها تتنافى كلياً مع آيات محكمات وأحاديث واضحات كالحديث النبوي السابق أما إذا عرضنا جهاد هؤلاء -إن جوزنا تسميته بالجهاد وإلا فهو انتحار وحرب عبثية- على آية واحدة من القرآن فهي كفيلة ببيان ما هم عليه من وهم وباطل كما كان الخوارج بالأمس فطبيعة الحرب التي يقومون بها ويشعلونها والأساليب التي يتخذونها والتفنن في الإجرام الذي يوثقونه بأحدث آلات التصوير كل هذا  يبرهن على بطلان جهاد هؤلاء وأنه جهاد عبثي وفوضوي بل شيطاني قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء : 94] فهذه الآية الكريمة تدحض دعوى الجهاديين الباطلة وتكشف حقيقة منطلقاتهم الزائفة وتدلل على أنهم لا يتأسون في جهادهم بنبي ولا يسيرون على هدى ولا يمثلون قرآناً ولا إسلاماً فالآية الكريمة تأمر وتوجب التبيّن والتثبت والأناة وتخاطب المؤمنين بوجوب التريث عند نية الغزو والجهاد فلا يجوز بحال أن يوجه العداء والسلاح في غير وجهته الصحيحة والسليمة والشرعية فسلاح المسلمين الحقيقي والشرعي لا يوجه إلا لأشد الناس عداوة للمؤمنين من اليهود والمشركين وأي سلاح أو قوة لا تكون بوصلتها الأولى في العداء والمواجهة هم الصهاينة المحتلون واليهود الغاصبون فهو سلاح عِبري لا عربي والأدهى من كل هذا والأمرّ أن يوجه السلاح العربي والإسلامي إلى صدور عربية وإسلامية كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرها من الدول الإسلامية والشعوب العربية التي لم تر من حكامها وولاة أمرها سوى الفساد والظلم والتسلط والخيانة وطلب ود ورضا الأجانب.

إن من يرفعون راية الجهاد على مستوى الشرق الأوسط ويفتون بوجوب الجهاد ضد روسيا كونها اعتدت وانتهكت سيادة بلد عربي مسلم وتمارس القتل وتسعى لإعادة تموضعها ووصايتها وهيمنتها ومشروعها في المنطقة العربية فلماذا لا يجرؤون في إصدار نفس الفتوى واتخاذ نفس الموقف ضد أمريكا وإسرائيل وبريطانيا رغم اتحاد العلة واتفاق الأهداف فهذا دليل كاف على أن راية جهادهم ومنطلق فتاواهم بعيدة عن أسس الدين وأصول الشريعة وخاضعة لأهواء الملوك والأمراء وتسير وفق أجندات المخطط الاستعماري العالمي.

ومن يرفعون السلاح ضد إخوانهم وأبناء وطنهم ويستعينون بالأجنبي ويستنجدون به ويتسولون وده ويخطبون رضاه ولا يقطعون أمراً دونه ويرفعون رايته على ثرى وطنهم وفوق معالم حضارتهم ، ما أعمالهم هذه ومواقفهم تلك إلا خير شاهد ودليل على حمقهم وبلادتهم ونذالة نفسياتهم ودناءة طبعهم وأن فطرتهم التي فطرهم الله عليها قد مسخت فوصلوا إلى درجة ومستوى أدنى من البهائم التي لم نرها يوما تستعين بحيوان ليس من جنسها فيقاتلون على الظنون والشبهات ويمارسون أبشع الجرائم بحق المسلمين مما يدلل دلالة واضحة على أنهم مخالفون للنبي ومجانبون لهداه وواقعون فيما حذر منه بقوله: (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)

 لقد كثرت الرايات العمية وتنوعت القيادات العمياء والمتعصبة التي تقاتل تحت راية الطاغوت  وهي لحمقها وغباءها تظن أنها تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وراية التوحيد هي الأعلى لكنها سواء كانت تدرك أم لا، أنها تهدم أركان الدين هدماً وتسيء إليه وتشوهه وتجعل أعداءه يحتقرونه ويزدرونه لأنهم يشاهدون أمثال هؤلاء الأغبياء والحمقى الذين يستغفلون ويستحمرون ثم يستعمرون وهم لا يشعرون ولا يميزون بل يتحولون إلى مسوغين للاستعمار والغزو الأجنبي والتدخل الخارجي وشاكرين تعاون المستعمر وممتنين لوصول الغازي معتبرين ذلك من الجهاد ..

إن التأسي بالحبيب المصطفى يزداد ضرورة وفريضة لا سيما عندما تتعدد الرايات العمية وتتكالب قوى الطاغوت التي تسعى جاهدة لتحويل الصراع والمواجهة إلى بينية لتقتطف الثمرة لصالح أهدافها الكبرى وسياق القرآن عندما ذكر مسألة التأسي برسول جاء في سياق الحرب وأجواء غزوة الأحزاب ونحن اليوم على مستوى الشعب اليمني وشعوب المنطقة العربية نكتوي بنيران التحالف المشئوم التي تقدم للأعداء خدمات وتنازلات كبرى ومصيرية ستورث الأمة الذل دهراً طويلاً إن لم يستيقظ الشرفاء ويتنبه الأحرار ويقوم العلماء الربانيون بدورهم ليدافعوا عن حياض الشريعة ويخلصوها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين أفسدوا الدنيا والدين .

الدلالات: