الوحدة الإسلامية..أمل الأمّة وعنوان كرامتها

نشر بتاريخ: أحد, 10/01/2016 - 11:07ص

الوحدة الإسلامية ليست مَطْلَباً ترَفِيّاً أو مشروعاً مُعاصراً ومُستقبلياً آنياً يطمح إليه البعض دون البعض الآخر، ولا هي أيضاً عبارة عن إيجاد مُبرّرات وسرد أدلّة نقلية وعقلية لمجرد تهييج المشاعر أو إثارة العواطف هُنا وهُناك، فالوحدة الإسلامية بقدر ما هي أمل الأمّة وعنوان عزّتها ومجدها وكرامتها وقوّتها هي امتثالٌ لأمر الله تعالى وهدفٌ من أهداف رسالة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذا فإنّ من واجب الأمّة العمل والسعي الحثيث نحو تحقيق الوحدة وفق أُسس إسلامية وأهداف سامية وغايات نبيلة لا تقتصر على جنس، أو لون، أو وطن؛ وإنما تشمل الأبيض والأسود والأصفر، والأجناس المختلفة والألسن المتعددة الذين ينتمون للإسلام وللأوطان، ولا تقتصر أيضاً على وحدة عربية فحسب وإنّما وحدة إسلامية أشمل وأعم؛ كون الإسلام هو دين الوحدة والجماعة؛ والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103] ويقول جلّ شأنه: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾[المؤمنون: 52] ويقول تعالى: ﴿َلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

وتُعتبر قضية الوحدة الإسلامية من القضايا الكبرى التي اهتمّ بها الفكر الإسلامي في الفترات السابقة والى الآن، وقد أُلِّفَ العديد من الكتب والأبحاث حولها، كما كانت هذه الفكرة من أولويات الحركات والجماعات الإسلامية غير أنّ المنطلقات التي انطلقت منها تلك الدعوات الوحدوية لم ينتج عنها تحقيق الوحدة الإسلامية؛ لأنها غالباً ما كانت تنطلق من إثارة العواطف وتهييج المشاعر فقط - وذلك عبر سرد آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تدعو إلى وحدة الصف وخطورة التفرقة والتنازع، وكذا التطرّق إلى قضية المصير المشترك والعدو المشترك الذي يتمثل في الصهيونية وإسرائيل والاستعمار الغربي والدعوات الإلحادية - فكانت كُلّ فئة تحدد الطريقة التي تعتقد أنها صحيحة للتعامل مع النصوص وفهمها ولا تقبل من الآخرين إلا الطاعة والخضوع، ولا تؤمن واقعاً بضرورة الاعتراف بالآخر ضمن الإطار الوحدوي، كما أنّ أغلب الذين طرحوا قضية الوحدة كانوا يبحثون عن مبرراتها ومسوغاتها ولم يكونوا يبحثون عن هدفها وغايتها ورسالتها تجاه المسلمين والعالم؛ ولذا لم تؤدِّ إلى الوحدة ولم تشكّل قوّة فكرية وروحية ملهمة للشعوب لكي تقدم الغالي والنفيس في سبيل الوحدة، كما أنّ إثارة العواطف لا تثمر عملاً منظماً مبرمجاً بل ردّات فعل هائجة غير متعقلة ولا محسوبة؛ ولذا ينبغي أنْ تُبنى الوحدة الإسلامية على مشروع نهضوي رسالي يقوم على تحليل الواقع العالمي ومعرفة طبيعة الصراعات والنزاعات فيه وتحديد النقطة التي وصلت لها البشرية في الشرق والغرب تمهيداً لإيجاد البديل الأعدل والأنفع والأرحم للناس جميعاً، وحيث إنّ وضع العالم اليوم يشير إلى أنه وصل إلى نقطة صار فيها التغيير حتمياً فإنّنا نؤكّد بأن الإسلام هو المؤهّل لأداء هذا الدور الرئيسي في التغيير ونجزم بأنه الحل.

وممّا سبق فإنه عندما ننادي نحن العرب والمسلمين بالوحدة العربية والإسلامية ونعتزُّ بها؛ فيجب علينا أنْ نعي ونُدْرِك إنّما نقوم بذلك استجابة لأمر الله تعالى في كتابه الكريم وتطبيقاً لدينه وطاعةً لرسوله أولاً؛ وثانياً لِما في ذلك من منافع ومصالح عديدة للأمة من أهمّها: تحقيق الخير والتعاون والتكافل والرحمة والقوّة والعزّة وعدم التنازع؛ وكذا تحقيق الأمن والعدل والسلام والاستقرار والتعايش والقبول بالآخر وتذليل سُبل العيش الكريم وخدمة المصالح المشتركة والمشروعة على المستوى الفردي والمجتمعي والعالمي، والوقوف كجسدٍ واحد ضِدّ مُؤامرات المُستكبرين والمُعتدين أيّاً كان سببها أو شكلها أو مصدرها.

عوائق الوحدة و أسباب التمزق:

هناك الكثير من العوائق والعقبات التي تقف أمام تحقيق الوحدة الإسلامية ومنها: النعرات القومية والطائفية، وأنظمة الحكم المهزومة والخانعة والعميلة والتي لا تمثّل الشعوب ولا تلبّي طموحاتها، وما يحصل اليوم من عدوان بربري همجي على بلادنا يمن الإيمان والحكمة من قِبَل السعودية ومجموعة من الدول الخاضعة لدول الاستكبار وفي مقدّمتها أمريكا خير شاهدٍ على ذلك، بالإضافة إلى وجود علماء السوء وفقهاء السلاطين، وفشل الأطروحات الداعية للوحدة؛ لأن أغلبها انطلقت من الأوساط المنحرفة عن الرسالة الإلهية، وكذا عدم تشخيص السبب الرئيسي للصراع ومن ثم عدم الاستطاعة على تقديم العلاج الناجع؛ بالإضافة إلى هيمنة الدول المحتلة والاستكبارية على الدول الإسلامية سواءً بطريقة مباشرة أم غير مباشرة كالغزو الفكري والثقافي، وكذا تخويف الشعوب الإسلامية من بعضها البعض باسم الطائفية والهيمنة الأحادية والاستئثار بالمصالح، وكذا العمل على تشويه الإسلام وتغذية الجماعات المتطرفة والتكفيرية وضَرْب الحركات التي تهدف لتحقيق الوحدة ومناهضة دول الاستعمار؛ وما حدث ويحدث اليوم في العراق وسوريا وليبيا واليمن من دعم لتلك الجماعات المتطرفة والفكر التكفيري المنحرف والمُتمثّل في داعش والقاعدة تُؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ وراء هذه الجماعات الاستخباراتية الصهيو أمريكية؛ كون الأعمال الإجرامية الوحشية التي ترتكبها هذه الجماعات التكفيرية لا تمت للإسلام ولا الإنسانية بصلة، ولا تخدم سِوى أعداء الأمّة وفي مُقدّمتها تلك القوى المهيمنة، وقد ظَهَرَ ت الكثير من الدلائل الدامغة المُؤكّدة على تجاوز التحالف السرّي بين آل سعود وحلفائهم مع العدو الصهيوني إلى التحالف العلني والظاهر في العدوان على اليمن وبلسان الصهاينة أنفسهم، وكذا المسئولين السعوديين وفي أكثر من موقف!!!.  

ولستُ مُبالغاً إذا قلت بأنّ تلك الأنظمة الحاكمة المهزومة هي أبرز العوائق أمام تحقيق الوحدة الإسلامية ولمّ شمل الأمّة في عصرنا الحاضر؛ وذلك من خلال اهتمامها في الحفاظ على مصالحها الأنانية؛ رغبةً في البقاء جاثمة على صدور تلك الشعوب؛ وتلبيةً لرغبات قوى الاستكبار وأجندة الخارج وفي المقدّمة المشروع الصهيو أمريكي القائم على الاحتلال والهيمنة وزرع الفرقة والخلاف بين المسلمين لإضعافهم وإحكام السيطرة على ثرواتهم ونهب مقدراتهم، وليس غريباً علينا اليوم ما يحدث في بلداننا الإسلامية فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن من مؤامرات دولية وجرائم قتل وتفجيرات وزعزعة الاستقرار وتغذية الصراعات وتقسيم للبلدان وتمزيق وحدة المجتمعات عبر أدوات استخباراتية وعملاء خونة؛ كلّ هذه المُؤامرات تهدف إلى تفتيت الأمة الإسلامية وجعْلها دويلات ضعيفة متفرقة غير قادرة على حماية أبنائها وأراضيها وثرواتها من أطماع تلك الدول الاستكبارية والإمبريالية، ورحم الله الشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي مُحيي الثقافة القرآنية ومُجدّد العصر وقائد الصرخة في وجه المستكبرين؛ فقد ضحّى بدمه في سبيل نصرة دين الله تعالى والمستضعفين ومناهضة المشروع الصهيوأمريكي ضِدّ الغزاة وضِدّ المشروع الأجنبي الاستعماري المُهيمن.

الواقع المرير الذي نعيشه اليوم وواجبنا نحوه:

من المُؤسف جداً أنّ الأمّة الإسلامية مرَّتْ بها عصورٌ من التخلُّف والخلاف والتطرّف والفتن والاستعمار وما زالتْ تفتك بها إلى يومنا هذا إلى درجة أنّ بعضهم استباح دم وعرض الآخر دون أيّ مُبرّر شرعي أو مُسوّغ قانوني؛ فأشعلوا الحروب والفتن، وقاموا بتغذية الصراعات وأسباب الكراهية، واحترفوا التفجيرات، و استخدموا المفخخات، وأحدّوا السكاكين والشفرات، وانتهجوا مذهب الذبح والبشاعات، وزرعوا العبوات الناسفة في أماكن خاصة وعامة، واستهدفوا الآمنين في الأسواق والطرقات حتى وصلوا إلى بيوت الله «المساجد» ودُور العبادة من كنائس وغيرها، وحَصَدَتْ تلك الجرائمُ البشعةُ وما زالت إلى اليوم أرواحَ عشرات الآلاف الآمنين من المسلمين وغير المسلمين من مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي؛ وما «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» عنّا ببعيد، ومن خلال قراءة المُعطيات والدلائل والنتائج لهذه الأعمال الإجرامية يتّضح جليّاً بأنّ مَنْ يقوم بها هم في الأساس ينفذون مشاريع تخدم في المقام الأول أعداء الأمّة لغرض تشويه الدين الإسلامي الحنيف الذي يُحرِّم سفك دم الإنسان المسلم وغير المسلم بغير وجه حق بل ويعتبر هَدْم بيت الله الحرام أهون عند الله من سفك الدم، ومن المُلاحظ وبالاستناد إلى تلك الأعمال البشعة يبدأ العدو بتسويق تلك الجرائم كمبررات لتدخلّه السافر في الشئون الداخلية للبلدان العربية والإسلامية وشن الحروب ضِد تلك الدول وشعوبها وانتهاك سيادتها وقتل وتشريد مواطنيها ونهب ثرواتها، وأحد الأدلّة المُبرهنة على ذلك ما يحدث في بلادنا «اليمن» من عُدوان وحشي لا مُبرّر له من قِبَل السعودية وحلفائها أذناب أمريكا وإسرائيل، وما من شكّ أنّ هذه الأعمال الإجرامية والأفكار المتطرفة هي أحد عوامل وأسباب فرقة الأمّة وشتاتها وتناحرها وعدم مواكبتها للنهضة الحضارية والتطورات العلمية والتكنولوجية، إضافةً إلى ما تبذله المنظمات الأجنبية من تغريب وتفريق، وما تقوم به الحكومات العميلة للدول الاستكبارية والمحتلة من تغييب لثقافة الوحدة الإسلامية بما تملكه من آلة هدم فكري وإعلامي عبر إثارة النعرات العرقية والطائفية والقطرية ودعوات الأقلمة وغيرها.

ولذا فإنّ على الأمّة العربية والإسلامية أنْ تتوق نفوسهم وتهتزّ مشاعرَهم وأنْ يتحرّكوا جميعاً في العمل وبذل الجهود بحماس واندفاع نحو تحقيق الوحدة وفق أُسس إسلامية قويمة وقواعد علمية منهجية بنّاءة هادفة لوحدة العرب والمسلمين في شتى أقطارهم، وتبايُن ديارهم ؛ لتكون أمَّة قوية قائدة إلى الخير، وهادية إلى الرشاد، تدعو إلى الله وإلى دينه وإلى البناء والعمران والحضارة والقبول بالآخر، وتجاهد في سبيل الله بالنفس والمال أفرادًا وجماعات، يشعر بها الكل، وتزدهر بها أيامهم، ويتحقق بها مجدهم، وتسعى لخير الجميع وللصالح العام، وتسترد حقوقهم المغتصبة وفي المقدّمة فلسطين المحتلة بوصلة الأمّة وجرحها النازف؛ ليتحقق للوحدة الثبات والاستمرار؛ وللأمة المجد والعزّة والكرامة؛ وللناس جميعاً حق الحياة والحرية والتعايش، وهذا ما نُؤمن به ونسعى من أجله ونهدف لتحقيقه بقيادة السيد القائد المجاهد الحكيم/ عبدالملك بدرالدين الحوثي قائد المسيرة القرآنية وقائد الثورة الشعبية - حفظه الله ورعاه - .

 

العوامل المساعدة على تحقيق الوحدة الإسلامية:

ولكي تتحقّق الوحدة الإسلامية فلا بُدّ من النية السليمة والرغبة الصادقة والعزيمة القوية، ومواجهة الهدف بتبسيطه وبمنطق الواقع، واستخدام كافة الإمكانات المتاحة كحشد الطاقات العلمية والعُلمائية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية لتعزيز مفهوم الوحدة الإسلامية، وكذا إنشاء مراكز أبحاث في كلّ منطقة لتأصيل ذلك المفهوم، والقيام بعمل مؤسساتي يتناسب مع مهمة تحقيق الوحدة الإسلامية ودراسة الواقع الإسلامي والعالمي وإمكانية العمل فيه، وكذا تفعيل المنظمات الحكومية والأهلية لإيجاد فرص وحدوية واستثمارها، وحشد الرأي العام وتأهيله للضغط على الأنظمة باتجاه الوحدة الإسلامية.

وفي الختام؛ الوحدة الإسلامية لا تتحقّق في الواقع إلا في إطار الرسالة الإلهية؛ لأنّ هذه الرسالة هي القادرة على تربية الفرد والمجتمع الإنساني وفق قيم ومعايير تزول معها كل ألوان الصراع المصلحي المادي بين أبناء البشر، وليس معنى هذا أن الدين الإلهي يستهدف خلق نوع من المصالحة بين الظالم والمظلوم في المجتمع الإنساني بل إنه يتأمل الظلم والظالمين من المجتمع ويخلق بين الأفراد وحدة في القلوب والأفكار، ووحدة في الهدف والمسير، ووحدة في المصالح والطموحات، وهذه المسألة لا تخفى على كل متتبع لأهداف الرسالات الإلهية التي جاء بها الأنبياء لا التي اختلقتها الكنائس والأديرة والبلاطات.. ولقد سجّلت الفترة القصيرة التي مرّت بها التجربة الإسلامية - بداية البعثة النبوية- قبل انحراف المجتمع الإسلامي سجّلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحّد في الأفكار والعواطف والأهداف.

الدلالات: