النازحون.. مآس وآلام .. صمود وثبات

نشر بتاريخ: اثنين, 12/10/2015 - 7:02م

 

براءة لم تختبر الحياة بعد لحداثة سنها، شاهدت الموت عياناً وهو ينتزع الأرواح في مجازر جماعية، وآلات الهدم والدماء تكمل رسم ملامح وحشيتها ودمويتها بتقطيع الأوصال وحز الرؤوس وتفحيم الجثث، مشاهد وصور مؤلمة اختزلتها مخيلة الصغار كشاهد حي يفضح جرائم العدوان وخسته.

وشيخوخة هدَّ الزمن قواها وخُطَّ فوق تجاعيدها تاريخ مرحلة عمرية بأكملها، لم تشهد على امتداد مسيرتها في الحياة وحشية كوحشية آل سعود وأذنابهم، مدن وقرى دمرت بالكامل حتى أصبحت أثراً بعد عين، وقف الجميع على أطلالها رجالاً ونساء وأطفالاً بعزة وكبرياء، ولسان حالهم يهتف في آذان الزمن (ألا لعنة الله على الظالمين).

ومن بيوت استأنس بها أهلها إلى مراكز الإيواء تجمعت أطياف متباينة من البشر بأشكال ولهجات مختلفة ألّفت بينهم النكبة وجمعتهم المحنة على بساط من الألفة والمودة والصمود فالتفّت حولهم قلوب أهل اليمن بدلاً وعطاء ومحبة فتناسوا ألم المصاب وتطلعوا إلى بناء يمن جديد يسوده الأمن والاستقرار والحرية. الأستاذ عزيز القاسم النشاط الحقوقي والمدني عضو اللجنة الإشرافية لإيواء النازحين.

** المحرر: للحروب تداعياتها وآثارها السلبية المدمرة على نفسية الفرد والجماعة كيف تقرأون العدوان من خلال تعاملكم مع أفواج النازحين؟

* عزيز القاسم: من التأثيرات المباشرة للحروب -بشكل عام- هو خروج المدنيين الذين لا دخل لهم بتلك الحروب إلى أماكن آمنة بعيداً عن لهيب ساحات المعارك، هذه الأماكن تقوم عليها العديد من المنظمات الدولية لتقديم كل ما يمكن تقديمه من المساعدات الإنسانية لمن شردوا وخرجوا بجلودهم طلباً للحياة والأمان.

هذا ما يحصل في العالم طبعاً الذي اليمن أحد أجزاءه وهذا هو ما يحصل في كل الحروب أو أغلبها في العالم، لكنه لم يحصل عندنا هنا في اليمن شيء مما نراه ونسمعه يحدث في الدول الأخرى التي تحدث فيها الحروب.

ففي اليمن وفيما يحدث في اليمن من قبل دول تحالف العدوان عديد من الاختلافات سواء على مستوى الحروب أو على مستوى النازحين أو على مستوى المنظمات الإنسانية أو على مستوى الشعب اليمني وكرمه وتعاونه وإنسانيته التي فاقت كل تنظيرات الغرب وكل نظريات الشرق الإنسانية.

 

 

** المحرر: للحروب قوانين وأعراف دولية يتم احترامها فهل احترم العدوان السعودي هذه القوانين؟

* عزيز القاسم: من المعروف أن للحروب قوانين تحكمها وضوابط تحكمها على الأقل ولو نظرياً لكن حروب الأعراب الذين وصفهم الله سبحانه فقال: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} هذه العقلية المتحكمة في آلة الحرب والتدمير لا تعرف ولا تعلم حدود ما أنزل الله الذي هو الدين ولا حدود ما صنعه الإنسان من قوانين ومواثيق ومعاهدات سواء في ما يخص الإنسان المدني العادي - المحمي بقوانين الأرض والسماء- أو المباني والمنشئات العامة الخدمية التي تمس حياة المواطن مباشرة على رأسها المستشفيات والمدارس والطرق والجسور والمواني، بل حتى المناطق الأثرية التي أجمع العالم - على أنها من التراث الإنساني المحمي بل وحتى المقدس- ، كل هذه المقدسات على اختلاف مقياس قداستها.. تهشمت هذه القداسة أمام عقليات الأعراب وآلة عدوانهم.. فقد طالتها جميعاً وبلا استثناء مخالب وحوش همجية في شكل إنسان وعلى هيئة بشر.. وهذا لم نشاهده ولم نعرفه في حروب العالم أجمع.. إلا الصهاينة في ما يخص قتل المدنيين.

 

** المحرر: فيما يتعلق بالنازحين كيف تعامل النازحون مع وضعهم الجديد وهل يشعرون بأنهم نازحون داخل بلدهم؟

* عزيز القاسم: الأغلبية من النازحين قالوا: لم نغادر مناطقنا ولم نخرج من أرضنا بسبب الحصار أو الجوع أو نقص المواد الغذائية أو الطبية - بل بسبب أنا أصبحنا أهداف رسمية وغايات مرسومة للعدوان حيث أصبح كل مواطن يرى الاستهداف المباشر والممنهج للمدنيين في قراهم وفي مزارعهم وفي مساجدهم وفي مصادر رزقهم.. وفي بيوتهم بل أكثر من هذا هو أننا أصبحنا ضمن بنك أهداف العدوان اليومية ولم تعد تلك الغارات مجرد أخطاء أو بلاغات كاذبة كما كانوا يدعون سابقاً، هنا لم يبق من خيار إلا الخروج والنزوح.

وفيما يخص التاريخ اليمني هو أنه رافض لمخيمات النزوح التي تقدمها المنظمات الإنسانية لنازحي العالم، بل ويرى تلك المخيمات لا تناسب معتقداته الدينية ولا قيمه المجتمعية ولا عاداته القبلية ويرى فيها وفي مساعداتها امتهان لكرامته وشرفه، لذلك أبى النازح اليمني الانضباط لتلك المخيمات ورؤاها... فضل عليها التوجه إلى الحارات لاستئجار شقق، حتى وإن كانت مجرد غرفة أو التوجه إلى قريب أو صديق إلى حين انفراج الأزمة..

لهذا رفض رسمية المنظمات الإنسانية وهي بدورها رفضت مساعدته إذا لم يكن حسب ما تريد داخل منظومة خيامها وأرقامها المهولة.

 

** المحرر: هل تفاعلت المنظمات الإنسانية مع أزمة النازحين وبجدية؟ وما مدى تفاعلها معكم؟

* عزيز القاسم: هناك العديد من المنظمات الدولية التي لم تخلق ولم توجد إلا لمساعدة النازحين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم بعيداً عن اللون والعرق والعقيدة والطائفة أو أي اعتبار آخر خارج إطار الإنسان بدء من الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى العابرة للقارات نزولاً إلى الجمعيات الصغيرة المحصورة في إطار دولة ما أو بلد ما لكنها جميعاً أصبحت اليوم أمام آلاف من الأسر النازحة من صعدة إلى صنعاء - مجرد يافطات معلقة أو عناوين جوفاء ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب فإلى اليوم ومنذ بدايات موجات النزوح في بداية العدوان لم تقدم لنا أي منظمة أي شيء يذكر، باستثناء ما قدمته لنا منظمة الغذاء العالمي التي كانت وعدتنا بتغطية كل النازحين، لكنها في الأخير أعطتنا 389 حالة لما يزيد عن خمسة آلاف أسرة نازحة؟؟؟!!!!.

مرت أشهر ولم تصل إلينا هذه المنظمات ذهبنا نحن إلى المنظمات على خلاف العادة فهي من تأتي إلى النازحين لتقديم الخدمات.

لا أخفيكم أنا لم نكن نعلق آمالاً كبيرة على تلك المنظمات (لأنا نعرف مصادر تمويلها وعمليات الاستغلال المفروضة عليها ، والأجندة المرتبطة بها قد يكون الإنسان في أسفل سلم أولوياتها، ولكن قلنا كما يقول المثل(الحق الكذاب إلى جوف الباب)

غسلنا أيدينا منها .. وتوجهنا إلى أهل الخير والعطاء، الذين أذهلونا وأذهلوا العالم بكرمهم وتعاونهم ومساعداتهم التي نعلم جميعاً أنهم على حبها،وفي أمس الحاجة إليها..

والآن الحمدلله لقد استطعنا بدعم الخيرين والمنفقين من أبناء اليمن مساعدة ما يقرب من ثلثي النازحين ولم يبق سوى ثلث..

المحرر: ماهو تقييمكم لتفاعل الشعب اليمني مع إخوانهم النازحين؟

عزيز القاسم: تسود شعوب العالم ثقافة: (أنه في حال حصول الأزمة يجب الاحتفاظ بما تحت اليد) إلا الشعب اليمني:

فهو يرى - إن لم يكن كله فأغلبه- أنه في حال الأزمة أنفق مما في اليد لكي تنفرج الأزمة..

شعوب العالم بدأت تتهاوى الروابط والعلاقات الأخوية وتسودها الفردية والذاتية لكن الشعب اليمني والحمدلله لازال للنخوة قيمة سامية في عقله ولازال للمحبة والتراحم تأثير مباشر فيهم وفيما يقدمون..

لا تتعجب إن قلت لقد قدم الشعب اليمني لنا مواد غذائية ومواد إيوائية وملابس وأدوات مطبخ وألعاب أطفال وفلوس وابتسامات وتعاطف وتعاون، أجزم بالقول أنه لا يوجد له نظير في العالم، حتى وإن كانت تلك المقدمة لنا مستخدمة في أغلبها - إلا أن تأثيرها أكبر من الجديد، لأنا نعلم أن من قدمها لنا قدمها من أدوات ومن احتياجات بيته الخاصة وليس من المخزن الذي ربما لا يحتاجه مطلقاً..

خلاصـة القــول:

-دائماً تأثيرات الحروب سلبية في الغالب على الإنسان وعلى الأرض فكيف سيكون التأثير في حروب الأعراب الهمجية؟!!.

-النازحون كل نازح هو مبتلى في ذاته وبلوى على من حوله..

-المنظمات هي في الأعم الأغلب منها إن لم يكن كلها - طبعاً من خلال مواقفها منتجاتها لنا منذ بدء العدوان (هي جزء من الحرب علينا).

-أهل اليمن: يعيش نازحوا العالم حالة غريبة في فترة نزوحهم إلا في اليمن فإن أغلب الشعب اليمني يشارك النازحين في كل شيء حتى يكاد أن ينسيهم غربة الدار وبؤس النزوح..

في الأخـــير:

لا منظمات قدمت شيء، شعب قدم حسب استطاعته.. جهات رسمية غارقة في مشاكلها فكيف تحل مشاكل غيرها..

لكن خلف هذا كله نازح يحتاج كل شيء وفاقد لأغلب الأشياء، مدة تروح استمرت لأشهر فأثقلت ظهر النازح ومن يساعد النازح..

بطالة طالت أغلب أهل البلد فكيف بالنازح الجديد ، كساد في الأسواق ، توقف أو شبه توقف في حركة التجارة ..

هذا الخليط أنتج مأساة لا يعلمها إلا الله والنازحون..

 النا

ز مـــع النازحــين

حين** المحرر: ماهو شعوركم وأنتم تعيشون في مراكز الإيواء في ظل العدوان السعودي الأمريكي على اليمن؟

* زكريا صالح: صحيح أننا خرجنا من بيوتنا بالقوة وتحت وطأة الحرب العدوانية الهمجية على اليمن إلا إننا لا نشعر بالغربة لأننا بين أخوتنا وأهلنا، وعلى الرغم من مرارة الغربة وألم الفاجعة وشدة الظلم إلا إننا ثابتون على قيمنا ومبادئنا وصامدون في وجه العدوان حتى يتحقق النصر.

 

** المحرر: كيف تعيشون داخل المخيمات؟

* محمد عبدالله: أولاً نحن لسنا في مخيمات فالمخيمات التي تنشئها المنظمات الدولية سيئة السمعة فهي أماكن لامتهان كرامة الإنسان واحتقاره ولهذا نحن نرفض أن تكون في تلك المخيمات فلليمني كرامته وعزته، نحن نعيش في مراكز إيواء.. صحيح أننا نازحون وأ،نا نعاني ونتألم ولكننا قد تأقلمنا مع طبيعة الوضع، ومهما حصلنا عليه فهو لا يعوضنا عن منازلنا التي هدمها العدوان ولا عن ممتلكاتنا التي فقدناها .. وتلك الذكريات الأليمة وتلك الصور والمشاهد التي شاهدناها لن تمحى وستظل خالدة في عقولنا تلعن آل سعود وأعوانهم..

 

** المحرر: كيف وصلتم يا حاجة إلى مراكز الإيواء في صنعاء؟

فاطمة محسون: أيش أقل لك يا ولدي ضربتنا الطائرة واحنا راقدين وخربت البيت علينا ومات منا اثنين من جهالي وكذلك زوجي ذلحين بلا رجل .. سقطت الصبة عليه وقطعوها في المستشفى والحمدلله على كل حال.. خرجنا من بين الحجار وقبرنا جهالي وبعدها نزحنا صنعاء وما وصلنا إلا سلامات والحمدلله ذلحين احنا في المدرسة معنا فصل وأهل الخير ما قصروا معنا... عالجوا زوجي وجاء لنا فراش وملابس..السعودية ما خلت لنا شيء الله ينتقمهم (تبكي)..

 

** المحرر: كم عمرك يا بطل؟

أحمد عبدالله علي : عمري 13 سنة.

 

** المحرر: من أين نزحت؟

الطفل: نزحننا من باقم.. أنا وأهلي..

 

** المحرر: هل تدرس وماهو شعورك عندما تركت المدرسة؟

*الطفل: نعم أنا في الصف الثامن.. وغصب عنا تركنا المدرسة ولقد غمرتنا الفرحة عندما فتحوا لنا باب الدراسة من جديد في مراكز الإيواء لنعوض ما فاتنا..

 

** المحرر: هل أنت مرتاح في مراكز الإيواء؟

* الطفل: يعني.. ولكنها ليس مثل بيوتنا .. ومع ذلك لابأس بها سوف نتحمل ونصبر فهذا أقل ما نقدمه من أجل الوطن وحريته..

 

** المحرر: لماذا خرجتم من منطقتكم إلى صنعاء؟

* إبراهيم عيظة: لم نخرج خوفاً من العدوان ولا هرباً من الموت ولكن لأن مقومات الحياة أصبحت شبه معدومة كما أن الحالة النفسية للأطفال والنساء أصبحت منهارة ، هذا بالإضافة إلى مرض ابنتي وإصابتها بشلل رباعي أفقدها الحركة مع أنها حامل في الشهر الثامن.. ولم نجد لها أي علاج في منطقة رازح ولا في مدينة صعدة .

 

** المحرر: إذن كان نزوحكم من أجل البحث عن الدواء؟

* إبراهيم عيظة: نعم من أجل البحث عن الدواء وكذلك البحث عن مقومات الحياة الأساسية من مآكل ومشرب ونحوه..

 

** المحرر: كيف تفاعلت اللجنة الإشرافية للنازحين من مرض ابنتكم واستشهاد ولدكم بمنطقة رازح؟

* إبراهيم عيظة: لقد تعاونت لجنة إغاثة النازحين معنا بشكل كبير وخصوصاً الأستاذ القدير نبيل عبدالله الرازحي رئيس اللجنة وكذلك بعض الأطباء والطبيبات بالإضافة إلى فاعلي الخير من أبناء المنطقة، والحمدلله على كل حال ، سوف نصبر ولو كانت أرواحنا هي السبيل الوحيد لتحرير اليمن وانتصاره فسوف نضحي بأرواحنا وأولادنا وأموالنا في سبيل اليمن حتى تنعم الآجيال القادمة بالأمن والاستقرار والحرية.