الحرية في القاموس الغربي

نشر بتاريخ: اثنين, 12/10/2015 - 6:59م

لقد كانت بعض الشعوب العربية ، تظن أن الإنسان الغربي قد بلغ من الرقي ، ما يؤهله إلى إدراك بعض الجوانب الإنسانية الهامة واحتياجاتها ، خصوصا وأنه قد خرج من رحم المعانة التي ظل يرزح تحت وطأتها لقرون عديدة ، تلك المعاناة التي جعلته يتيقن أنه لن يستطيع العيش بسلام إلا إن عمل على إيجاد ثقافات تقوم على احترام الحقوق والحريات لكل أفراد المجتمع ، وهو ما دفع بالحكومات الغربية إلى إعادة النظر في أيدولوجياته وقوانينه لسن القوانين التي تنظم حقوق الانسان وتكفل الحرية والعيش الكريم لكل فرد من أفراد المجتمع بعد أن خاضت معارك مدمرة صار ضحيتها قرابة الأربعين مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية ، استخدمت فيها أفتك الأسلحة المحرمة، لتلقي بقنابلها النووية على اليابانيين ، التي لاتزال أثارها الإجرامية من تشوهات وإعاقات باقية ومستمرة حتى اليوم .  

ومن أجل أن تظهر تلك الحكومات الغربية أمام بقية دول العالم بشكل جذاب وراقٍ ، سعت عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى التباهي بما توصلت إليه من الرقي بالفرد في شتى المجالات ، وما أحدثت من نقلة نوعية بالمجتمع ككل، عبر الحريات والقوانين والأيدولوجيات التي عملت على الترويج لها في هالة إعلامية واسعة النطاق .

وهذا ما جعل بعض الشعوب العربية  تنظر بإعجاب واحترام إلى ذلك المجتمع الذي جعل من أولوياته الاهتمام بالفرد -باعتباره النواة الاولى للمجتمع- والعمل على الرقي به في شتى نواحي الحياة .

إلا أن تلك الأيدولوجيات والحريات التي أفرطت الدول الغربية في التنظير لها والتباهي بها سرعان ما تحولت إلى مجرد تنظيرات جوفاء ، وذرائع واهية لتبرير الأطماع الاستعمارية الكامنة اساسا خلف تلك المسميات التي جعلتها في الواجهة لتسطو من خلالها على ثروات بلدٍ ما هنا أو هناك ، وهو ما حصل بالفعل حين قادت أمريكا تحالفها المشؤم للتدخل السافر في شؤون العراق وأفغانستان وغيرها من الدول التي كانت شعوبها تعتقد أن أمريكا ستأتي لتطبيق الحرية التي طالما سمعوا عنها وتمنوا أن تصل إلى بلدانهم ، وهذا أيضا ما جعل بعض الشعوب العربية -خصوصا تلك التي آمنت بكذبة الحرية الغربية-لا ترى حرجا في دخول أمريكا العراق ما دامت ستأتي بالحرية والازدهار للشعب العراقي ، وهذه كانت قناعة بعض الشعوب العربية التي ترسخت بسبب التطبيل الإعلامي عن الحرية الغربية من قنوات تدعي أنها عربية مع أن تمويلها وتوجهها غربي بامتياز ، حتى وصل الحال بالشعب العراقي نفسه إلى تصديق ذلك ، على الرغم من أن الشعب العراقي كان أكثر الشعوب العربية تقدماً في الجانب الثقافي والعلمي ، إلا أن الدور الإعلامي التي لعبته تلك القنوات المأجورة كان له تأثير كبير عليهم ، حتى أن البعض ذهب لاستقبال المارنز الأمريكي بالورود عند وصوله إلى بلدهم، ليتحول ذلك التفاؤل المفرط إلى ثورة عارمة في وجه الحرية الغربية الكاذبة، أكدتها حذاء حرة لأحد الأحرار ، انطلقت كالقذيفة صارخة في وجه زعيم التحالف الغربي ، لتعلن للعالم أجمع زيف الادعاءات الغربية  في احترامها لحقوق الانسان وتصدير الحريات إلى العالم الثالث ، وتفضح كذب أمريكا التي أرادت أن تُظهر للعالم عبر الظهور المتلفز لزعيمها في مؤتمر مع أبناء الشعب العراقي  مدى الود والاحترام الذي يكنّه شعب العراق لأمريكا لأنها منحته الحرية، فجاءت تلك الحذاء الحرة لتقلب الموازين ، ولتؤكد أن تلك الحرية  لم تكن سوى صور القتل والتدمير والاعتقالات ..

تلك الحرية التي من خلالها سمحت الحكومات الغربية لنفسها في التدخل في شؤون البلد السيادية ، والتصرف في خصوصياته ، ونهب ثرواته..

تلك الحرية التي تمثلت في المداهمات لمنازل الآمنين وترويعهم ، واغتصاب نسائهم وقتل أطفالهم ..

تلك الحرية التي تمثلت في بناء السجون السرية وتعذيب المعتقلين بأبشع وسائل التعذيب المبتكرة..

تلك هي الحرية التي جاءت أمريكا لتعلن عنها ولتهديها إلى الشعب العراقي ، والتي تسعى إلى تصديرها إلى بقية الشعوب العربية ..

وهذا هو مفهوم (الحرية) في قاموس الحكومات الغربية !!

فمفهوم الحرية الغربية ..يعني حرية التصرف في سيادة أي بلد .. يعني حرية القتل لأبنائه.. يعني حرية الاعتقالات .. وتعذيب المعتقلين ..وتعريض أجسادهم لنهش الكلاب الجائعة .

مفهوم الحرية الغربية يعني حرية تأجيج الصراعات الطائفية والتحريضات المذهبية وإذكاء النعرات المناطقية وتفريخ الجماعات الارهابية والإساءة إلى الرموز الدينية .. كيف لا؟! وهي في قاموسهم تعبير عن حرية الرأي والرأي الاخر ، حرية الرأي التي لم يوظفوها إلا في أبشع المعاني التي اختلقوها لها وركبوها عليها .

إذاً هذا هو مفهوم الحرية الغربية، التي جاءت لتبشر به شعوب العالم الثالث، وهذه الصورة القبيحة هي التي ترسخت في أذهان شعوب العالم عن الحرية الغربية ، التي شاهدتها على أرض الواقع العراقي مباشرة في شاشات التلفزة ، حتى صارت أغلب شعوب العالم، تدرك تماماً أن الحكومات الغربية لم تع ولم تستوعب بعد معنى حرية الشعوب النابعة من إرادتها ، التي هي -لا سواها- الحرية الحقيقية التي تكفل لأي فرد من أفراد المجتمع إنسانيته وكرامته؛ لأن الحكومات الغربية لو وعت المعنى الحقيقي للحرية  لما حاولت الوقوف أمام إرادة الشعب اليمني ، الذي ثار كالبراكين ليستعيد حريته المسلوبة وسيادته المنتهكة .. 

لو وعت معنى الحرية لما سمحت لنفسها بالتدخل المقيت ، في الحديث عن الشؤون الداخلية لهذا البلد الحر ، محاولة أن توهم الشعب اليمني ، أنها حريصة على مصالحه وحرياته كل الحرص ، ولم تعرف أن النموذج السيئ لحريتها المزعومة ، التي حاولت تطبيقه على الشعب العراقي لن يُمسخ من ذاكرة الشعوب ، بل إن ذلك النموذج الفاشل هو من أيقظ ثورة الشعب اليمني ، الذي سيصدر للعالم معنى الحرية والكرامة، وسيوقظ كل الشعوب المستضعفة الأخرى.