فقه الصيام

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 07/07/2015 - 5:29م

حقيقة الصيام:

الصيام في اللغة عبارة عن الإمساك والكف، يقال: صام عن الشيء؛ أي أمسك عنه، وأكثر ما يستعمل في اللغة في الإمساك عن الكلام، ومنه قوله تعالى في خطابه لمريم عليها السلام:( فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ).

والصوم في الشرع : هو الإمساك من مسلم عاقل عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية.

أنواع الصيام:

الصيام ثلاثة أنواع:

  1.  الصوم الواجب: وهو قسمان:

الأول: ما يجب في جميع الأحوال، وهو صوم رمضان، قال تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ).

الثاني: ما يجب في حالات مخصوصة: ومنه: النذر، والكفارة، والقضاء لمن فاته صوم رمضان لعذر.

(2) الصوم المستحب: وهو كل صوم قصد به فاعله التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض كصوم رمضان، ولا واجب كالنذر والكفارة .

والصوم المستحب قسمان: المسنون و المندوب .

 (3) الصوم المنهي عنه: وهو إمّا محرم  مثل ( صوم العيدين وأيام التشريق – صوم الحائض والنفساء ... ) ،أو مكروه مثل L صوم الدهر – تطوع المسافر – افراد يوم الجمعة بالصوم .) .

أركان الصيام:

يتضح من التعريف أن للصوم ركنين أساسيين:

  • الأول: النية؛ وهي واجبة في الصوم وسائر العبادات، لحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى»، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ قَوْلَ إلاّ بِعَمَلٍ وَلاَ قَوْلَ وَلاَ عَمَلَ إلاّ بِنِيَّةٍ، وَلاَ قَوْلَ وَلاَ عَمَلَ، وَلاَ نِيَّةَ إلاّ بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ».

والواجب في الصوم تبييت النية من الليل، بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلن أنه قال: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ».

 والمراد بتبييت النيّة: إيقاع النيّة من المكلف في الليل، ما بين غروب شمس اليوم الأول إلى طلوع الفجر.

ويمكن تقسيم الصوم  من حيث شرط التبييت إلى قسمين:

أ ـ ما يشترط فيه تبييت النية وتعيينها: وهو الصوم الواجب الثابت في الذمة؛ ومنه: قضاء رمضان، وصوم الكفارات، والنذر المطلق.

ب ـ ما لا يشترط فيه تبييت النية وتعيينها: وهو الصوم الذي يتعلق بزمن بعينه؛ ومنه: صوم رمضان، والنذر المعين زمانه، وصوم التطوع، والصوم المستحب.

وسيأتي الكلام في نية الصيام مفصّلاً في السطور التالية.

  • الثاني: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج - أي الأكل والشرب والجماع - وسائر المفطرات، طيلة ساعات النهار، وذلك من طلوع الفجر الصادق، حتى دخول أول الليل بغروب الشمس ودخول وقت المغرب، ودليله قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ).

شروط صحة الصوم:

يشترط في صحة الصوم الشروط التالية:

  1. النية؛ والواجب في الصوم تبييت النية من الليل، على نحو ما سبق ذكره، حيث قلنا: إن تبييت النية إنما هو في الصوم الواجب غير رمضان، كالنذر المطلق، والكفارات، وقضاء ما فات من رمضان، وأما صوم التطوع وصوم رمضان فالأرجح أنه لا يجب تبييت النية فيهما.

أمّا صوم التطوع فلأنه ليس بواجب فلا يلزم فيه تبييت النية، ومما يدل على ذلك ما روي عن أم المؤمنين عائشة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم دخل عليها ذات يوم فقال: «هل عندكم من غداء؟» قالت: لا، قال: «فإني إذن أصوم»، قالت: وقال لي يوماً آخر: «أعندكم شيء؟» قلت: نعم، قال: «إذن أفطر، وإن كنت فرضت الصوم» أي نويته، وعن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء يغدونا أحياناً ضحًى فيسأل الغداء، فربما لم يوافقه عندنا فيقول: (إذاً أنا صائم).  

وأمّا صوم رمضان فإن الإمساك في نهار رمضان واجب على المكلف وإن لم ينو الصيام، بمعنى أنه يكفي من علم دخول رمضان في نهار اليوم الأول منه ولو في آخره ولم يكن قد تناول شيئاً من المفطرات أن ينوي الصيام عند علمه بالوجوب قبل غروب شمس ذلك اليوم ويمسك، ويصح حينئذٍ صومه، ولو لم يتبق من نهار ذلك اليوم إلا الشيء اليسير، ويدل على ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه يوماً بالصيام، فقال رجل: يا رسول الله تركت قومي منهم صائم ومنهم مفطر . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( اذهب إليهم؛ فمن كان منهم مفطراً فليمسك، ومن كان صائما فليتم صومه ) رواه الطبراني.

وكذلك الأمر في المسافر والمريض وغيرهما من أصحاب الأعذار، وكذا من ظن أن يوم الثلاثين من رمضان هو أول أيام العيد،  فمن نوى منهم الصيام في ساعة من ساعات النهار وأمسك، ولم يكن قد تناول شيئاً من المفطرات؛ فإنه يصح صومه، ولا يجب عليه قضاء ولا كفارة، حتى وإن كان قد بيّت الإفطار أو عزم عليه في أول اليوم.

وعند الشافعية والجمهور أن تبييت النية واجب في رمضان وفي غيره عملا بالأصل في ذلك وهو وجوب التبييت، ولعل القول الأول هو الأرجح والله أعلم.

  1.   الطهارة من الحيض والنفاس؛ إذ الحيض والنفاس يمنعان صحة العبادة – الصوم أو الصلاة – لذا فلا يجوز للحائض أو  النفساء الصوم، ولا يصح منها لا فرضاً ولا نافلة، ولو طرأ في أثناء النهار حيض أو نفاس بطل صومها ووجب عليها أن تفطر، ومتى طهرت بانقطاع الدم وجب عليها مواصلة ما بقي من شهر رمضان وقضاء ما فاتها منه بعد انقضائه. 

سنن الصوم:

يستحب للصائم ما يأتي:

  1. السحور؛ وذلك لما فيه من التقوّي به على الصوم، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ».
  2. تعجيل الفطور وتأخير السحور؛ لما روي من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لاَ تَزَالُ أُمَّتِى بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ».

ويقصد بتعجيل الفطور أن يكون عند تيقن الغروب وقبل الصلاة، وإنما يكون التعجيل إذا كان الجو صحواً، وأما في حالة عدم التيقن بسب الغيم أو غيره فينبغي تيقّن دخول وقت المغرب، والاحتياط حفظاً للصوم عن الإفساد.

ويندب الفطر أن يكون على التمر أو الرطب أو الماء، وما لم تمسه النار، وأن يكون وتراً ثلاثة فأكثر.

  1. الدعاء عقب الفطر؛ وذلك لكون وقت الفطر من مظان إجابة الدعاء، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «للصائم عند فطره دعوة لا تُرد»، ومن الدعاء المأثور في ذلك: «اللهمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ . يَا وَاسِعَ الفَضْلِ اغْفِرْ لِي، الحَمْدُ للهِ الذِي أَعَانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ» .

مكروهات الصيام:

    يكره في الصوم ما يأتي:

  1. صوم الوصال؛ وهو ألا يفطر بين اليومين بأكل ولاشرب.
  2. التقبيل، ومقدمات الجماع.
  3. تذوق الأشياء ومضغها بلا حاجة؛ لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه فيفطره.
  4. جمع الريق في الفم قصداً ثم ابتلاعه.
  5. فعل ما ظن أنه يضعفه كالفصد والحجامة.
  6. استعمال السواك الرطب أو المبلول بالماء.
  7. المبالغة في المضمضة والاستنشاق، لقوله صلّى الله عليه آله وسلم للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماًَ».

مبطلات الصوم:

يفسد الصوم بأحد ثلاثة أمور، وهي:

1-  الوطء.

2-  الإمناء؛ وهو إنزال المني لشهوة 3-    ما وصل الجوف؛ سواء كان مما يؤكل أم لا كالحصاة والدرهم ونحوهما.

فإذا وقع أحد هذه الثلاثة الأمور ولو كان في تلك الحال ناسياً لصومه أو مكرهاً على ذلك فإنه يفسد صومه على الأرجح، ويلزمه الإتمام للصوم، رعاية لحرمة الشهر، وجوب القضاء، ويجزيه قضاء يوم مكان يوم، وهذا هو قول الزيدية والإمام مالك وافقهم الإمام أحمد فيمن أفطر ناسيا بالجماع.

وعند جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والأحناف أن الصوم لا يفسد بما وصل إلى الجوف في حال النسيان عملا بالأصل في ذلك وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ , فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»، وقد أوّل أصحاب القول الأول بفساد الصوم بما تناوله الصائم ناسياً بأنّ المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» في الحديث المذكور أن الناسي لا إثم عليه ولكن يلزمه القضاء، ولعل القول الأول هو الراجح عملاً بالأحوط، والله تعالى أعلم.

ما لا يفسد به الصوم:

  1. من أصبح جنباً من الليل فإنه لا يفسد صومه باعتبار الجنابة كانت من الليل قبل وقت الإمساك.
  2. خروج المني بالاحتلام.
  3. خروج المذي أو الودي في اليقظة أو في المنام.
  4. تقبيل الزوجة ولمسها ومباشرتها بما دون الجماع.
  5. ما لا يمكن الاحتراز من وصوله إلى الحلق مثل اللعاب والنخامة والدخان والغبار ونحوه.
  6. الحجامة والعمليات الجراحية.
  7. الحقن الطبية والمغذيات التي يتم حقنها عن طريق الجلد.
  8. التحاميل التي تعطى للمريض بواسطة الفرج من القبل أو الدبر.
  9. تذوق المطعومات باللسان دون جري لعابه في الحلق.
  10. ابتلاع ما لا يعد من المأكولات والمشروبات كالنقود المعدنية ونحوها.

ما يبيح الفطر:

رخّص الشارع الإفطار في رمضان لأحد ثلاثة أمور، وهي:

1-  السفر؛ إذا كانت المسافة توجب القصر – أي قصر الصلاة - ولا يفطر إلا إذا خرج من الميل كالقصر.

2-  الإكراه على الفطر؛ وذلك بأن يتوعّده من هو قادر على إنفاذ ما توعّد به - بأن يحبسه، أو يضربه، أو يضرّ به ضرراً مجحفاً، أو نحو ذلك - إن لم يفطر فإنه حينئذٍ يجوز له الإفطار.

3-  خشية الضرر من الصوم؛ ويكفي غالب الظن في حصول الضرر ولو في المستقبل، وذلك كالمريض يخشى إن صام حدوث علة أو زيادة فيها، وكالشيخ الكبير يخشى ذلك، ونحوهما، فإنه يرخص لهؤلاء في الإفطار لخشية الضرر.

ويجب الإفطار لأحد أمرين:

الأول: خشية التلف؛ فإذا خشي الصائم التلف جوعاً أو عطشاً، أوخشي من علّة تحدُث بسبب الصيام أو تَقْوى مع خشية التلف لزمه الإفطار.

الثاني: خشية ضرر الغير؛ كرضيع أو جنين خافت أمهما أنها إذا صامت لحقهما ضرر بصيامها من قلة لبن أو نحو ذلك فيجب عليها حينئذٍ الإفطار.

قضاء الصوم:

إذا أفطر المسلم المكلف في رمضان لعذر أو لغير عذر لزمه القضاء، وهو أن يصوم بعدد الأيام التي أفطر فيها بنفسه، فلا يصح أن يقضي عنه غيره، إلا الميت إذا مات ولم يقض ما فاته فيجوز لوليه أن يصوم عنه لحديث: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود.

ومن فاته من رمضان شيء ثم لم يقضه في بقية السنة حتى حال عليه رمضان المستقبل لزمته فدية واحدة عن كل يوم مع القضاء، سواء كان القضاء في العام التالي أو فيما بعده من الأعوام فلا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام إذا لم يقض، وقدر الفدية: نصف صاع من أيّ قوت يستنفقه حال إخراجها، وتجزي القيمة ولو أمكن إخراج الطعام.

وتجب الفدية فقط على من أفطر في رمضان لعذر مأيوس من زواله إلى الموت كالشيخ الهرم الذي قد ضعف بالشيخوخة عن الصيام، والمريض بمرض مزمن لا يبرأ، فإن هذا يسقط عنه الصوم ويجب عليه أن يكفِّر، وكذا من فاته شيء من رمضان لغير عذر، أو لعذر مرجو الزوال ولم يقضه حتى أيس عن قضاء ما افطره فحكمه حكم من قبله في وجوب الكفارة عما فاته من رمضان عن كل يوم نصف صاع من أي قوت.

ونكتفي بهذا القدر من أحكام الصيام، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين..

الدلالات: