حوار مع أمين عام رابطة علماء اليمن

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 07/07/2015 - 4:52م

أعتبر أمين عام رابطة علماء اليمن عبدالسلام عباس الوجيه، العدوان الهمجي ليس من قبل السعودية ودول عربية فقط، بل من قبل أميركا و"إسرائيل" اللتان تدعمان الغزاة استخباراتياً ولوجستياً ومشاركةً بالطيران والبوارج في حصار الشعب اليمني.

كما أشار الوجيه خلال حوار خاص مع وكالة فارس للانباء، الى التاريخ الطويل من الحروب والويلات للنظام السعودي ضد الشعب اليمني.

فيما يلي نص الحوار الخاص مع امين عام رابطة علماء اليمن عبدالسلام عباس الوجيه:

كيف هي معنويات الشعب اليمني بعد أيام من الحرب المفروضة من قبل قوات السعودية؟

وكيف ترى هذه المعنويات؟

 بسم الله الرحمن الرحيم، أرحب بكم وأشكر اهتمامكم وبداية أصحح سؤالكم الذي تذكرون فيه الحرب المفروضة من قبل قوات السعودية وقوات عربية، فأقول: الحرب الهمجية الوحشية الظالمة ليست من قبل السعودية ودول عربية فقط، بل أيضاً من قبل أميركا و"إسرائيل" اللتان تساندان الغزاة وتدعمان استخباراتياً ولوجستياً ومشاركةً بالطيران والبوارج في حصار الشعب اليمني.

أمام كل هذا الحشد الهمجي المتغطرس يقف الشعب اليمني ثابتاً حراً أبياً شامخاً مستبسلاً في الدفاع عن أرضه وعرضه واثقاً من نفسه متوكلاً على الله سبحانه وتعالى متيقناً من عونه ونصره وتأييده مردداً قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ ، في قمة الحماسة والشجاعة والثبات رجاله ونساؤه وأطفاله وقد رأيتم الحشود والجموع الذين لا يهابون الموت يتظاهرون ويحتشدون ويهتفون تحت عين وبصر طائرات العدوان الهمجي وتحليقها وقصفها.

 لأي ثورة خلفيات شعبية ومعنوية وثقافية، في رأيك ما هو أهم هذه الخلفيات لثورة الشعب اليمني؟
الشعب اليمني شعب حضاري عريق له تاريخ عميق يمتد مئات السنين، تأريخ كله شموخ وعزة وكرامة لم يقبل عبر تاريخه الطويل الخضوع لغازٍ أو محتل قهر أكبر الإمبراطوريات والممالك التي حاولت أن تخضعه، وكان وما زال صعب المراس، أرضه وجباله وسهوله مقبرة للغزاة في تاريخه القريب والبعيد، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة ابتداءً بالغزو الحبشي مروراً بكل الممالك التي حاولت إخضاعه عبر تاريخه الإسلامي كالأيوبيين والمماليك والأتراك العثمانيين والمصريين وغيرهم، كما أن للشعب اليمني تراث وفكر أصيل مستمد من الينبوع الصافي المحمدي الأصيل الذي حمله ومثّله آل البيت عليهم السلام وعنهم ومنهم استقى الشعب اليمني العظيم قيمه ومبادئه من عهد الإمام علي عليه السلام الذين أسلموا على يديه وحتى التاريخ الحاضر مروراً بأكثر من (100) إمام عدل وجهاد من آل البيت أرسو قواعد العدل والتوحيد وحفظوا الأرض والعرض وصانوا العزة والكرامة.

ومع هذا كان من أهم خلفيات النهوض والثورة للشعب اليمني مظلوميته التي اشترك فيها مع أبناء الأمة العربية والإسلامية من قبل تحكم الدول الاستعمارية وأطماعها وجرثومتها الخبيثة التي زرعتها في جسد الأمة (إسرائيل الصهيونية) وما جرى ويجري على أقطار العالم الإسلامي من مؤامرات وتدخلات وأطماع في ثرواته وتقسيمه وزرع ملوك ورؤساء خاضعين للغرب ولهيمنة الدول الاستكبارية يتحكمون على رقاب الشعوب وينهبون ثرواتها ويحكمونها بالحديد والنار ويحاولون تدجينها لتبقى ذليلة خاضعة مستضعفة. وهذا كله شكل خلفية ودافعاً ووقوداً للثورة اليمنية. كما أن موقع اليمن الجغرافي وقربه من جيران السوء عبيد الإستعمار وذيول الغرب قد أدخله منذ عشرات السنين في صراع مرير مع من يحاول فرض سيطرته وهيمنته عليه وهم آل سعود الذين قاسى منهم الشعب اليمني الويلات منذ قيام مملكتهم مملكة الشر قرن الشيطان التي عبر تاريخها لم يكن لها مع اليمن تاريخ جيد، بل تاريخ من الحروب والويلات، فمن محاولاتها التوسع وضم أراضي اليمن، إلى مجزرة (تنومة) التي قتل فيها قرابة (3600) حاج يمني على خلفية مذهبية، إلى تدخلها السافر الوقح في اليمن من عام 1962م ودعمها حرب سبع سنوات لا تريد فيها منتصراً، إلى إخضاع القرار السياسي لليمن الجمهوري وقتل كل من يحاول الفكاك من أسرهم كالرئيس الحمدي رحمه الله، إلى إثارة النعرات والحروب ومحاولة فرض المذهب النجدي الوهابي، إلى تغذية الحروب والصراعات بين اليمنيين فكانت عشرات الحروب منها حرب الإنفصال سنة 1994م وست حروب ظالمة على أنصار الله في عهد صالح وعشرات الحروب التي شنها التكفيريون والقاعدة والدواعش، وغير ذلك مما أدى إلى إنهاك الاقتصاد والفقر والظلم والفوضى، فكان لا بد للشعب أن يثور وأن يقرر مصيره ويخلص قراره السياسي من الارتهان لهؤلاء وأسيادهم الصهاينة والأميركان.

ما هي مكانة عنصر الاستشهاد وثقافة الشهادة في سبيل الله بين الشعب اليمني والثورة اليمنية؟ هل لها عمق جذري في مقاومة الشعب اليمني أمام الهجمات الأخيرة؟

 الشعب اليمني شعب مؤمن مسلم مجاهد عبر التاريخ، وهو شعب محمدي علوي حسيني تشرب حب الجهاد والاستشهاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومنهج وسيرة آل بيته الأطهار أعلنها ويعلنها حسينية وأبى ويأبى الذلة وهيهات منه الذلة، فقد قدم ويقدم الآلاف من الشهداء في سبيل الله، ينبري للجهاد جيلاً فجيلاً .. وشهيداً في إثره شهداء، كلما عانق الحمام زعيماً .. هام بالموت بعده الزعماء، نرى ونلمس على أرض الواقع عشقاً للشهادة ينمو ويكبر حيث تتدافع الجموع للفوز بالشهادة وكلما قدمت الأسرة اليمنية أو القبيلة أو العشيرة شهيداً اندفع بعده العشرات والمئات للجهاد والاستشهاد في حماس واندفاع وإيمان قل نظيره.
ما هو مكانة الفكر الزيدي في الثورة اليمنية وتأكيدات هذا الفكر المذهبي على الجهاد في سبيل الله؟ وهل هناك بعض المخاوف من التطرف على سبيل التأكيدات هذا الفكر على الجهاد صحيح أم لا؟

كما قلت الفكر الزيدي هو امتداد للفكر المحمدي العلوي الحسيني، فالإمام زيد بن علي عليه السلام هو من أئمة العلم والجهاد، وهو من رفع راية علي والحسين وجدد نهج الحسين عليهم السلام وأعلن الثورة والخروج على الظالمين وقدم حياته رخيصة من أجل الحفاظ على الدين ومقارعة الطغاة والمستكبرين، وبعده ابنه الشهيد يحيى وسلسلة طويلة ممن اعتنقوا فكره ولزموا خطه من أتباعه وشيعته إلى يومنا هذا، إذ أن أهم مبدأ من مبادئ الزيدية هو الثورة والخروج على الظالم كائناً من كان، وعلى نهجهم قارع الثوار والأحرار الظلمة والطغاة عبر الزمن وكان وما زال فكر الجهاد والثورة والاستشهاد حاضراً كلما طغى الجبابرة والمستكبرون في الأرض قام أصحاب هذا الفكر بالثورة والتغيير باذلين النفوس رخيصة في إحياء معالم الدين وإحياء ما اندثر من سنن سيد المرسلين، وهو جهاد وثورة واستشهاد لا يمكن أن يطلق عليه مصطلح التطرف، إذ لا يقوم به إلا المستضعفون المؤمنون بعد أن تستنفد كل الوسائل الأخرى في مقارعة المستكبرين والظالمين ولا يقدمون عليه إلا في وجه من يستحقه وهم على يقين وبصيرة وعلم بأن ما يقومون به في سبيل الله وعلى منهج الله ورسوله وبناءً على استكمال شروط القيام وعلى معرفة آداب الحروب والجهاد والقتال مقتدين بالإمام زيد بن علي عليه السلام الذي يقول: ((عباد الله..البصيرة البصيرة ثم الجهاد)) إلى آخر أقواله وخطبه عليه السلام، منهج الثوار منهجه، وبصيرتهم بصيرته، ودعوتهم دعوته، وهي دعوة الإسلام ومنهج الإسلام، وانظر إن شئت المزيد رسالته إلى علماء الأمة، ومجموع كتبه ورسائله التي كانت وما زالت زاداً لكل مجاهد.

 ما هي مكانة فكر الثورة الإسلامية الإيرانية وفكر الإمام الخميني التي نراها في كلمات الشهيد حسين الحوثي في الثورة اليمنية؟

 لا شك أن الثورة الإسلامية في إيران هي أم الثورات المعاصرة كان وما زال وسيظل لها الأثر الكبير في استلهام الثورات والحركات الكثير من الدروس وفي إعادة روح النهوض لمقاومة الظلم والاستكبار وفي إشعال فتيل المقاومة وإحياء مبادئ الجهاد وإثارة الحماس والغيرة في قلوب وعقول الشرفاء والأحرار في كل أنحاء العالم. وفكر وإيمان وجهاد الإمام الخميني (قدس سره) ساهم إلى حد كبير في توجيه الأمة الإسلامية بأجمعها وليس اليمن فحسب، إلى التراث المحمدي العلوي الحسيني المستمد من القرآن الكريم، الداعي إلى النهوض والقيام والثورة على المستكبرين، فالشهيد الحسين بن بدر الدين سلام الله عليه قد تأثر به كما تأثرت سائر الأجيال التي عاصرت الإمام وعاشت ثورته وواكبت صمودها وانتصارها ومراحلها التي مرت بها إلى الوقت الحاضر.

كانت وما زالت وستظل ثورة الإمام وتجربة إيران الإسلام مثلاً يحتذى ومشعلاً ينير دروب الحرية والعزة والكرامة.

أما نموذج حزب الله وتجربة حزب الله وجهاد وشموخ وصمود رجال الله في لبنان فقد كان وما زال وسيظل من الأمثلة الحية التي لها الأثر الكبير في كسر روح التخاذل وإحياء الأمل في نفوس الثوار الأحرار، ومن السيد المجاهد حسن نصر الله حفظه الله وحزب الله ومسيرته يستلهم أنصار الله وأبناء الشعب اليمني أعظم الدروس في التنظيم ومسيرة الثورة والتغيير وفي الصمود والتضحية والبذل والعطاء.

هناك مخاوف من جدال بين السنة والشيعة في اليمن، هل هذه المخاوف صحيحة أم لا؟ هل هناك نشاطات من قبل القوى الثورية ورابطة علماء اليمن لصد أي نشاط لإيجاد بلبلة بين السنة والشيعة؟

تجربة الشعب اليمني عبر تاريخه الطويل في التعايش والتسامح المذهبي لا نظير لها فقد تعايشت شيعته وسنته وطوائفه ومذاهبه بسلام ولم تحصل أي حرب مذهبية (الزيدي، والشافعي، والمالكي، وغيرهم) يصلون في مساجد موحدة لا يوجد بينهم فرقة ولا اختلاف خطير ولا تكفير وفي الفترة المعاصرة ومنذ بدأ الفكر النجدي الوهابي بالأموال السعودية يغزو بلادنا حاول معتنقوه أن يثيروا هذه النعرات، وأن يفرقوا بين أبناء الشعب اليمني على أسس مذهبية وأنفقوا المليارات واستعانوا بالسلطة في ذلك، لكن الشعب اليمني صد محاولاتهم وكسر شوكة مخططاتهم وخاض معركة ثقافية فكرية بوعيه وبعمقه التاريخي، فكانت الثورة وكان التعايش والتوحد والالتحام والتركيز على العدو الأكبر أميركا والصهيونية، فأخرست أبواق الفتنة والتئم الشعب مع ثورته وكان وما زال للقوى الثورية وللمخلصين من أبناء الشعب اليمني دورهم في التصدي لمثيري الفتن بكل الوسائل، ورابطة علماء اليمن كان لها الدور الريادي في سحب البساط من تحت علماء السلطة وعلماء حزب الإصلاح أصحاب التوجه الوهابي، إذ أنشئت وضمت علماء اليمن من زيدية وشافعية وصوفية وغيرهم، وأقامت المؤتمرات ، ولعل أهمها مؤتمر التصدي للفتن الطائفية، وعشرات الفعاليات والندوات والإصدارات من المجلات والنشرات، والمشاركة مع كافة علماء الشعب من خلال المساجد وحلقات العلم والمنابر في التصدي لكل دعوى تكفيرية، وحصرت مع غيرها من المؤسسات والمنتديات العلمائية والثقافية أنشطة التكفيريين في أضيق نطاق، والعمل قائم على قدم وساق في هذا المجهود، والتواصل قائم، وسنعمل كل جهد ممكن في هذا السبيل.

هناك نشاطات إعلامية وفنية وثقافية من قبل القوى الثورية في اليمن ومن قبل أعدائها في قنوات مثل الجزيرة والعربية، أما لهذه النشاطات تأثير على الشعب اليمني؟ هل في رأيك هناك حرب ناعمة على الشعب اليمني.

كان وما يزال للقوى الثورية أنشطتها الإعلامية والفنية والثقافية رغم قلة الإمكانيات وضآلة الموارد، إلا أنها والحمد لله أسهمت إلى حد كبير في إيقاظ وتنمية الوعي لدى أبناء الشعب اليمني، وما هذه الثورة إلا نتيجة تنامي الوعي ووصول الرسالة الإعلامية والفنية والثقافية إلى عقول ونفوس عامة الشعب، ورغم الحرب الإعلامية الهائلة التي يشنها الأعداء عبر إمكانياتهم ووسائلهم وأجهزتهم التي تمتلك أضخم الموارد وتسخر كل الطاقات وتشتري الأقلام والكوادر المأجورة، إلا أن تأثيرها والحمد لله محدود، لأنها اعتمدت على الكذب والدجل والتضليل والخداع وعدم المصداقية والتناقض والوقوف ضد قضايا الأمة العادلة، فمع مرور الزمن وتراكم الأخطاء فقدت هذه الوسائل بحربها الناعمة ثقة عامة الشعب وأصبح تأثيرها محدوداً.ولقد كان لنشوء بعض القنوات الإعلامية الهادفة، كالعالم والمنار والميادين والمسيرة والإتجاه وغيرها، أثرها الكبير في كشف زيف الإعلام المعادي، وكلما مضت الأيام تنامى دور الوعي الشعبي وقل تأثير هذه الوسائل المناهضة لتطلعات الشعوب والخادمة لعبيد الغرب وأذيال العدو الأميركي الصهيوني.

ختاماً الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والنصر المؤزر للمجاهدين. نحن واثقون أن الله معنا ولن يخذلنا.