ادخلوا في السلم كآفة

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 10/02/2015 - 11:28م

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وبعد، فإن ربنا الكريم يقول في تنزيله الحكيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [سورة البقرة:208].

فالخطاب موجه لكل المؤمنين يأمرهم أن يدخلوا في السلم، ومعناه المسالمة التي تثمر الألفة والمحبة والرحمة، والصلاح والنجاح والفلاح، ونقيض السلم الحرب التي تثمر الفرقة والعداوة والبغضاء والفساد والهلاك والدمار، والتي جاء النهي عنها بقوله تعالى: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)، أي ما يخطط ويزين من فعل الشر والفساد، ومصدر ذلك العداوة التي كان عليها العرب قبل نعمة الإسلام. فالأمر والنهي في هذه الآية المباركة قد جاء بعد ذكر صفات وعلامات أولياء الشيطان، وأولياء الرحمن في الآيات قبلها.

ففي الصنف الأول، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [سورة البقرة: 204-206].

قوله (إذا تولى) أي من الولاية لمنصب من المناصب التي ينال بها القوة والأعوان، بحيث يتمكن من السيطرة والنفوذ، فيسعى في نشر الفساد وتدمير البلاد، [فيظلم ضعيفاً، ويطرد لهيفاً، أو يسب حليماً، ويقهر يتيماً، أو يظهر بدعةً، أو يدحض سنةً، أو يخذل حقاً، أو ينصر باطلاً. (ويهلك الحرث) بظلم أو عقر أو سرق. (والنسل) يقتل نفساً بغير حق، أو يخرجها إلى الباطل من الحق. (والله لا يحب الفساد) ولا من يفسد في البلاد بنشر الكراهية والبغضاء والشقاق والنزاع، والاختلاف بين العباد. (وإذا قيل له اتق الله) الذي شهدت بتوحيده. (أخذته العزة بالإثم) بكبره وعناده، فسطى بمُذَكِّره بالله حين ذكّره، فأظهر ما أخفى من العلة وستره بأن كذب قوله بفعله، ونبه بما أظهر من جهله على ما أخفى من نفاقه وسخف عقله] (الفتوح العلواني: ص24 للشيخ أحمد بن علوان رحمه الله).

وفي الصنف الثاني، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [سورة البقرة: 207].

فالأمر للمؤمنين بالدخول في السلم يبين عظمة الخطر المحيط بالأمة، والذي ظهر أثره في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى.

فالأوضاع التي تمر بها اليمن على وجه الخصوص، وتمر بها جميع البلاد العربية والإسلامية منذرة بالخطر، وداعية لكل المؤمنين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم بلا استثناء إلى اليقظة والحذر، فكلهم إخوة، إلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، والإيمان بغير المحبة والسلام منفي ومعدوم بشاهد ما روي في الأثر عن يد سيد البشر (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

إن الله سبحانه وتعالى قد أقام الحجة على العباد، ودلهم على طريق الخير والرشاد، وأخبرهم أن عدوهم القديم هو الشيطان الرجيم، الذي تعددت مظاهره، وتنوعت حبائله، فقد رفع رايته، وأظهر دعوته، وأعلن دولته، فانتشرت طلائعه واتسعت مزالقه، واندلعت حرائقه، فشُحِذت سيوفه، وضُربت دفوفه، وأجلب بخيله ورَجِله، فكم من حامل لرايته باسم الإسلام، مفاخر بآياته ومعجب بحالته، ليخدع أخاه الإنسان.

فتفطن أيها العقل لدهائه حتى لا يخدعك بدعائه وادعائه، فإنما يغريك بولائه لتصبح تحت لوائه، وتكون من أوليائه، كيف تواليه وأنت تسمع سيدك ومولاك يقول: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [سورة فاطر: 6].

إن السعير هي نار الكراهية والبغضاء والحقد الذي أثمر التعصب الطائفي والمذهبي، والغلو في تكفير المخالف، وتحليل دمه وماله وعرضه، وهذا ما يراه العالم ويشاهده من أفعال أصحاب السعير الذين (اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) [سورة الأعراف: 30]. فقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وساعدوا الصهاينة على تدنيس المقدسات واحتلال الأرض، ونهب خيراتها وثرواتها.

ولا شك أن الذي سهل لهذا الصنف التمدد والظهور هو غياب الإحساس بالمسؤولية الشرعية والإنسانية.

لذا يجب على جميع العلماء والمثقفين، وكل الشخصيات الاجتماعية في الأمة، بسرعة التحرك والنهوض لتحمل مسؤوليتهم من أجل إنقاذ الأمة وتضميد جراحها، كي يقوموا بواجبهم الإنساني والوطني والديني، فالأمة بأمسّ الحاجة إليهم، لأن هذه المرحلة من أخطر المراحل في حياة الأمة لكثرة أهل الباطل، وقلة أنصار الحق.

نعم فالحق منتصر والنصر قادم إن شاء الله، ولكن لا بد من الأخذ بأسبابه بتوحيد الصف، وجمع الشمل، وبالعمل الجماعي الممزوج بالصدق والإخلاص.

املأوا الدنيـــا ابتســامـــــــــا

 

وارفعوا في الشمس هــامـــــا

واجعلوا القوة والقدرة فـــــي

 

الأذرع الصلبة خيراً وسلامــا

واحفظوا للعز فيكم ضــــوءه

 

واجعلوا وحدتكم عرشاً لـــــه

واحذروا أن تشهد الأيام فــي

 

صفكم تحت السموات انقسامـا

وارفعوا أنفسكم فوق الضحى

 

أبداً عن كل سوء تتســامــــــا

 

من قصيدة للشاعر/ عبدالله عبدالوهاب نعمان.

قال الدكتور مصطفى السياغي في كتابه (هكذا علمتني الحياة): الذين يسيئون فهم الدين أخطر عليه من الذي ينحرفون عن تعاليمه، فأولئك يعصون الله وينفرون الناس من الدين وهم يظنون أنهم يتقربون إلى الله، وهؤلاء يتبعون شهواتهم وهم يعلمون أنهم يعصون الله، ثم ما يلبثون أن يتوبوا إليه ويستغفرونه.

قال: وأكثر الناس خطراً على الدين هم رجال الدين (أعني بهم: الذين يتخذون الدين مهنة، وليس في الإسلام رجال دين، بل فيه فقهاء وعلماء).

الدلالات: