الظواهر والاختلالات في وزارة التربية والتعليم وآثارها ومعالجاتها

نشر بتاريخ: أربعاء, 01/01/2020 - 10:31م

يمثل النظام التعليمي في أي بلد المحدد الرئيسي لمستقبل ذلك البلد وخط الإنتاج الرئيسي لبناة المستقبل ويتوقف مستقبل البلد وجودته على مستوى جودة العملية والنظام التعليمي وكفاءته ويتولى مسؤولية صناعة مستقبل البلد من خلال النظام التعليمي الوزارات الثلاث المعنية بالتعليم المتمثلة في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم الفني والتدريب المهني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي الا ان وزارة التربية والتعليم تعد حجر الزاوية والاساس في النظام التعليمي والذي يعتمد على كفاءتها وجودة مخرجاتها جودة وكفاءة الأدوار المناطة بالوزارة الأخرى المعنية بالتعليم لذا فهي المحدد الرئيس لكفاءة وجودة التعليم ومخرجاته ورسم وصناعة مستقبل البلد .كما ان أي اختلالات في وزارة التربية والتعليم يترتب عليها انحراف مسار مستقبل البلد عن المسار الصحيح والمرضي.

وبالرغم من الاختلالات الكبيرة والجسيمة التي رافقت العملية التعليمية في وزارة التربية والتعليم منذ عقود من الزمن نتيجة الاستهداف الممنهج لهذا البلد ومقومات نهضته الا ان الفترة الأخيرة كشفت عن تعميق وتوسيع دائرة الاختلالات في وزارة التربية والتعليم بشكل لم يسبق له مثيل خلافا لما كان متوقعا ولأهمية الأثر الذي تحدثه تلك الاختلالات على المستوى العام للبلد ومستقبله نتوقف هنا لعرض عينة من تلك الاختلالات القائمة والمدمرة من منطلق المسؤولية والسعي لاحتوائها ومعالجتها ومنها :-

  • عدم تبني وزارة التربية والتعليم سياسة تعليمية هادفة يمكن من خلالها بناء جيل قوي قادر على صناعة المستقبل المنشود للبلد .

تتمحور المهمة والوظيفة الأساسية والجوهرية لوزارة التربية والتعليم في بناء جيل قوي وقادر علميا ونفسيا وثقافيا على صناعة المستقبل المنشود والذي لا يمكن أن يتحقق الا من خلال رسم وتبني سياسة تعليمية هادفة يتم من خلالها تحديد الأهداف والغايات من العملية التعليمية وتوضع على أساسها الخطط التنفيذية والوسائل والأساليب والمناهج والكوادر الملائمة لتحقيقها حيث تستلم الوزارة كافة أبناء المجتمع في مرحلة الطفولة لمدة 12 عاما والذي هم في الأساس المستقبل وطاقته .لذا فإنها تتحمل مسؤولية بناء المستقبل وتحديد تفاصيله وبالتالي فإنه بمجرد استقبال الوزارة لهذه الطاقة البشرية تبدأ مسؤوليتها عنهم كمدخلات في عملية إنتاجية وفق سياسة هادفة وخطط مدروسة وخطوط انتاج تعليمية يتم خلالها صناعة وتشكيل تلك الطاقة البشرية بوسائل وأساليب وأدوات انتاج ذات كفاءة عالية وبالتالي فإن السياسة التعليمية الهادفة والفاعلة يجب ان تتعامل من منطلق مسؤوليتها عن هذه الطاقة البشرية وتشكيلها الهادف خلال 12 عاما كفترة انتاج وصناعة بكل تفاصيلها بشكل مستمر الا ان واقع الحال عكس ذلك تماما والذي يتضح من خلال :-

  • عدم تبني الوزارة لسياسة تعليمية هادفة وبرامج عمل متكاملة للتعامل مع مدخلاتها من الطاقة البشرية ،وعشوائية العملية التعليمية وغياب الهدف منها .
  • عدم ادراك أهمية التعامل مع الطاقة البشرية من الطلاب من منطلق المسؤولية عنها كخط انتاج في العملية التعليمية بشكل مستمر من خلال 12 عام من فترة العملية الإنتاجية التعليمية حيث يقتصر دور العملية التعليمية على فترة دراسية قصيرة تصل الى خمي ساعات في اليوم في حين انه من المفترض ان يمتد ذلك لفترة أطول تصل الى معظم ساعات اليوم بحيث لا تخرج تلك المنتجات التعليمية عن خطها الإنتاجي التعليمي وفق برامج تعليمية وانشطة متكاملة لكامل اليوم.
  • تركيز العملية التعليمية على الجانب التلقيني والتدريسي للمنهج بعيدا عن متطلبات بناء الطالب نفسيا وثقافيا واجتماعيا وبدنيا كبناء متكامل لتشكيل منتج تعليمي متكامل حيث يلاحظ غياب أي أنشطة ثقافية او كشفية او غيرها.
  • من مظاهر عدم سلامة السياسات التعليمية نظام الاختبارات المكثفة في مراحل التعليم الأولى للأطفال بما يجعل التركيز على تحصيل الدرجات وليس بناء القدرات وبناء شخصية الطفل وقدراته على التعليم والتفاعل .
  • عدم ملائمة المناهج الدراسية وعدم تلبيتها لتحقيق متطلبات جودة التعليم إضافة لعدم توفرها .

أسهمت المناهج الدراسية المعتمدة في العملية التعليمية  بشكل ملحوظ في تدني جودة وكفاءة العملية التعليمية ومستوى مخرجاتها بحيث تحولت الى وسيلة تجهيل للطالب وليست وسيلة تعليم في وضعها الحالي في كل المجالات العلمية والعملية حيث تم وضعها بما لا يتلاءم مع البيئة اليمنية ومتطلباتها حيث ترتبط المناهج بشكل كبير بالتطبيقات العلمية التي تفرض وجود معامل ومختبرات متكاملة وكافية في كل مدرسة وطاقم تدريس على درجة عالية من الكفاءة والخبرة وهذا لا يتوفر عادة وبالتالي لا يمكن تحقيق تحصيل علمي مقبول من خلالها. إضافة الى انفصالها الكلي عن البيئة اليمنية من الناحية الثقافية والاجتماعية.

 

  • انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات الوزارية وتفشيها بشكل غير مسبوق .

برزت خلال السنوات الثلاث الماضية الى العلن ظاهرة تفشي الغش في الامتحانات الوزارية بصورة متزايدة جدا دون ان تحرك الوزارة ساكنا تجاه ذلك خاصة في الشهادة العمة الامر الذي ترتب عليه تحقيق معدلات نجاح عالية جدا خلافا للمستحق ونظرا لما لامتحانات الشهادة الثانوية العامة من أهمية جوهرية في قياس مستوى التحصيل العلمي لدى الطالب الذي يترتب عليه تحديد مجالات البناء التي يمكن للطالب الاسهام بها في صنع مستقبل البلد الا ان القياس غير الصحيح لمستوى الطالب نتيجة الغش وحصولهم على معدلات وهمية غير متناسبة مع مستوياتهم العلمية يخلق صورة مشوهه ومظلمه لمستقبل البلد.

فمن لا يستحق النجاح حصل على معدلات تمكنه من دخول كليات الطب والهندسة والاقتصاد والتربية ولنا ان نتخيل مستقبل الطب والهندسة ولاقتصاد والتربية في ظل هذا الوضع .

كما تتزامن ظاهرة الغش مع جباية لجان الرقابة على الامتحانات مبالغ مالية من الطلاب نظير ذلك.

  • تدهور مستوى التحصيل العلمي للطلاب في المدارس

استفحلت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة تدهور مستوى التحصيل اعلمي للطلاب بدرجة كبيرة وخطيرة بحيث اصبح هناك خريجي ثانوية عامة لا يستطيع كتابة اسمه بشكل واضح وسليم ولا يستطيع الكتابة بشكل لغوي سليم ولا يمكنه بناء مجموعة من الجما التعبيرية السليمة ولا تتوفر لديه ادنى مقومات واساسيات التعليم الذي يمكنه ويسمح له بدخول الجامعة نتيجة للعديد من العوامل منها :-

  • الضعف الشديد في العميلة التعليمية التي يتلقها في المدارس.
  • انعدام التوجيه والإرشاد للمدرسين وتقييم أدائهم .
  • الضعف الشديد في إمكانيات وقدرات ومؤهلات المدرسين .
  • انعدام الاشراف والمتابعة والتقييم للعملية التعليمية من قبل الوزارة .
  • ضعف كفاءة المناهج التعليمية وعدم ملائمتها وعدم فدرة المدرسين انفسهم على التعامل معها.
  • عدم الكفاءة الإدارية للعملية التعليمية ابتداء من الوزارة الى المناطق التعليمية الى إدارة المدارس.
  • العديد من العوامل التي يطول شرحها.
  •  
  • بروز ظاهرة التعليم الخاص والأهلي في ظل غياب الاشراف والمعايير.

هناك توسع ملحوظ في مدارس التعليم الخاص والأهلي بشكل متزايد في ظل غياب شبه تام للدور الاشرافي والرقابي لوزارة التربية والتعليم على تلك المدارس والتزامها بشروط ومعايير ممارسة العمل التعليمي وعدم انطباق المعايير عليها بالإضافة الى سعي تلك المدارس الخاصة لتحقيق الربحية على حساب كفاءة اعملية التعليمية وبحثها عن أدوات ووسائل تعليم متدنية الكلفة من مدرسين ووسائل تعليمية ومستوى تحصيل وحرصها على منح معدلات نجاح وهمية غير واقعية لكسب الشهرة وتحقيق المزيد من الطلاب المنتسبين لها .

 

  • الإدارة غير السليمة للعملية التعليمية في الوزارة.

حيث يلحظ المتتبع للعملية التعليمية عدم ادارتها بشكل سليم سواء من خلال التصرفات الإدارية داخل الوزارة واحترام التخصص والمستويات الإدارية ومهامها ومسؤولياتها .

حيث برزت العديد من الصراعات وتنازع الصلاحيات في الهيكل التنظيمي والإداري في الوزارة وتجاوز الصلاحيات خصوصا في القطاعات ذات العلاقة بالمخصصات المالية كصراع مصالح او من خلال إدارة العملية التعليمية الهادفة وانتهاج سياسة تعليمية واضحة وهادفة تؤدي الى بناء جيل قادر على حمل لواء المستقبل ومواجهة تحدياته حيث يجب التعامل مع العملية التعليمية كخط انتاج يتم تشكيل نوع وجودة وكفاءة المنتج المطلوب والمستهدف بشكل ملاءم حيث لا تتوفر أي سياسة ممنهجة لدى الوزارة تفيد بذلك.

ز-  الافتقار للشفافية في العمليات المالية والإدارية والأنشطة في الوزارة ومكوناتها والتهرب من الرقابة عليها.

حيث انتهجت الوزارة مؤخرا سياسة وآلية عمل خطيرة تكرس انعدام الشفافية والوضوح في عملياتها المالية والإدارية والأنشطة التي تديرها والتهرب من الرقابة المفروضة عليها لاسيما ما يتعلق بالمساعدات الخارجية والإنسانية وانشطتها المدارة عبر الوزارة ومكوناتها .

حيث أدى ذلك الى اصدار الجهات الخارجية المقدمة للدعم العديد من التقارير تتهم فيها الوزارة بممارسات فساد كثيرة برزت على مستوى الاعلام يكرسها ويعززها تهرب الوزارة العلني من الخضوع للرقابة التي يفرضها القانون وما يحمله ذلك من اضرار بالمصلحة العامة للبلد ومن ذلك ما برز مؤخرا من اتهامات صادرة عن برنامج الغذاء العالمي حول المساعدات الإنسانية المنفذة عبر الوزارة ممثلة بالإدارة العامة لمشروع التغذية المدرسية والإغاثة الإنسانية التابعة للوزارة والمخصصات المالية المتعلقة بها.

الى جانب المخصصات المالية لدعم العملية التعليمية والامتحانات المقدمة من اليونيسف وجهات أخرى عبر برنامج الشراكة العلمي في التعليم وقطاع الامتحانات .

إضافة الى ذلك كتكريس لحالة الفساد الموروثة من النظام السابق تعيين اشخاص قياديين في الوزارة من النظام الفاسد والذي تم احالتهم بقضايا فساد للنيابة العامة.

الى جانب العديد من الاختلالات الجوهرية التي لا يتسع المجال هنا لاستعراضها.

 

وكنتيجة طبيعية لتلك الاختلالات والانحرافات الخطيرة والجوهرية وما يترتب عليها نجد انحراف شامل للعملية التعليمية وعدم كفاءة جودة مخرجاتها مما يجعل تلك المخرجات عبئا على البلد ولا يمكن من خلالها بناء المستقبل المنشود .

الامر الذي يتطلب معه الوقوف بحزم لتلافي تلك الاختلالات وآثارها ومعالجتها من خلال تبني سياسات تعليمية هادفه وواضحة وانتهاج سياسات إدارية سليمة وشاملة كفؤة وفعالة والشفافية المطلقة في العمليات المالية والإدارية والأنشطة التي تقوم بها الوزارة واحترام القانون والخضوع التام للرقابة التي تفرضها قوة القانون.