القضاء: المظالم المتراكمة والعدالة المنشودة

نشر بتاريخ: أحد, 15/09/2019 - 9:14ص

 

العدل أساس الحكم ، والقضاء أساس العدل، والمؤسسة القضائية هي صمام أمان لاستقرار البلاد وتطبيع الأوضاع، وضمان حقوق المواطنين وإنصاف المظلومين..

ولذا نادت القوانين والشرائع الحديثة باستقلاله بعيداً عن هيمنة السلطة التنفيذية لاسيما وقد عُرف حكّامها بعدم العدالة واتباع الأهواء ، وكانت الدول الإسلامية في كل أزمنتها تعتمد قوانينها وتشريعاتها من أحكام الشريعة الإسلامية بغض النظر عن التطبيق من عدمه، حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما بدأت مصر تتأثّر بالقوانين الغربية، خصوصًا القانون الفرنسي، فنقلت عنها القانون المدني والتجاري والجنائي وغيرها من القوانين الغربية، ولم يتبق إلا مسائل الأحوال الشخصية التي تطبّق عليها أحكام الشريعة الإسلامية؛ وذلك لوجود قاعدة تقضي بخضوع الشخص -في مسائل الأحوال الشخصية- لقانون دينه، ومع ذلك يتستر الباحثون حول هذه الجريمة الكبرى بحق قوانين المسلمين مباركين المزج بين روح التشريع الإسلامي ووضعية القانون الفرنسي..

بعدها تسلل القانون المصري إلى بقية قوانين الدول العربية فنقلت نصوصه كماهي، ومن حينها لم يعرف المسلمون منها إلا تأخر في أخذ الحقوق وبطء في تحقيق العدالة..

والقانون اليمني هو أحد ضحايا هذه المؤامرة عندما أخذ ببعض هذه القوانين، بالإضافة إلى مؤامرات أخرى أضعفت دور القضاء وحكمت بإعدام الثقة بينه وبين المواطن..

وفي هذا التحقيق الصحفي سوف نسلط الضوء على أبرز معوقات الهيئات القضائية وتشخيص واقعها موضحين الحلول التي يراها رجال القضاء في اليمن لاسيما في ظل العدوان على اليمن واستهداف القضاء والخوف من إيجاد حركة قضائية تحت دعاوى شتى من بينها دعوى التشطير والانفصال..

وننوه بأن ذكر المناصب في هذا التحقيق كُتب على صفتهم قبل التعيينات الأخيرة في هيئات المؤسسة القضائية.

المؤسسة القضائية في ظل العدوان

تعتبر المؤسسة القضائية أحد الجبهات المهمة التي تناهض العدوان والذي يعمل بشكل مستمر وبطرق ممنهجة في استهدافها وإحباطها بشكل عام وفي كافة الاتجاهات ليصل الناس إلى حالة يأس من عدالة الدولة ، ومع ذلك لا تزال المؤسسة القضائية بالقضاة الشرفاء والأحرار صامدة بقيامها بدورها المهم رغم استهداف بعض رجالها ومبانيها، حيث تشير إحصائية إلى أن عدد الشهداء من المؤسسة القضائية وصل إلى 14 قاضياً و 112 إدارياً ، وعدد المحاكم التي تعرضت وثائقها للعدوان 49 محكمة ، والأضرار المادية بلغت 19 مبنى دمّر بشكل كلي ، 23 بشكل جزئي..مما أدى إلى صعوبة فتح المحاكم في المحافظات البعيدة والمستهدفة والتي تتطلب إلى شجاعة القاضي وإيجاد الظروف الآمنة لمسكنه وللمحكمة التي سينظر فيها قضايا الناس ، وفي هذا الشأن يوضح لنا رئيس مجلس القضاء القاضي أحمد بن يحيى المتوكل: نحن عانينا في البداية من سطوة العدوان فعلاً بقصف المباني القضائية فكنا نحاول نوجد بديل للمقر لاستمرار العمل، لأنه الناس لو انقطعت عنهم المحكمة لن يشعروا بالدولة، فوضعت البدائل، وعاش القضاء حالة طوارئ حقيقية.

كما استخدم العدوان سلاحاً آخر لتعطيل العمل القضائي من خلال التواصل برجال القضاء ومن خلال توقيف المرتبات لاسيما ممن يتم تعيينهم من مجلس القضاء في صنعاء يقول القاضي محمد عبدالله الشرعي –أمين عام مجلس القضاء الأعلى - : العدوان يدغدغ أحلام البعض، والبعض من أعضاء السلطة القضائية ثابتين في جبهات لا ينكر هذا، وصابرين على المرتبات تتأخر، ونفقات تشغيلية في المحاكم والنيابات قليلة وضعيفة جداً، ومع ذلك صامدين و صابرين، هؤلاء أجرهم عند الله كبير، وأيضاً خدمتهم للوطن خدمة لا تقاس بها خدمة.

ويقول القاضي أحمد العقيدة –نائب وزير العدل-: لا شك أن نشاط السلطة القضائية تأثر بعد نقل البنك وانعدام المرتبات وهذه خلقت لنا مشكلة في الواقع، هناك من يذهب وراء المرتبات ، كما اشتغل العدوان على  الساحة القضائية بالاتصالات وشراء الذمم، وكان في حسبانهم أنهم سيعطلون السلطة القضائية بالكامل، ولكن الحمد بقيت تؤدي وظائفها ومهامها.

ومع ذلك قد أوجد العدوان شواغر داخل كثير من المحاكم والنيابات وأصبحت بعضها معطلة تماماً ، وعمل مجلس القضاء على سد هذه الشواغر طوال المرحلة الماضية كما أوضح لنا ذلك القاضي الشرعي –بقوله: كرسنا جهودنا على سد الشواغر داخل المحاكم والنيابات، كانت هناك محاكم ابتدائية وأيضاً شعب استئنافية معطلة، وقد سددنا أغلبها..

 

قضاة وأعضاء نيابة مع العدوان

بالطبع أن العدوان قد عمل فرزاً كبيراً في جميع المجالات ومن بينها القضاء، ولأهميته سعت دول العدوان إلى شراء ذمم الكثير ترغيباً وترهيباً ، وفي هذا الجانب سألنا عن كيفية التعامل مع القضاة الذين يساندون العدوان فرد القاضي المتوكل بالقول: لقد حرمنا بعض القضاة من ترقياتهم ، وسنتخذ إجراءات مع من سار مع العدوان ، وقد رفعنا الحصانة عن بعض الذي نزلوا إلى عدن ويكيلوا بمكيالين، وحولناهم للتحقيق. ويقول القاضي الشرعي : نحن نطالب بتقديم الخونة والمجرمين والمتعاونين مع العدوان ومع مجلس القضاء المنتحل في عدن، وقد سحبنا حصانة البعض من مجلس القضاء وكلفنا النائب بإعداد ملفاتهم للجزائية المتخصصة لمحاكمتهم وإلى الآن لم يفعل فيها شيء.

 

محاكمة الخونة وتحريك قضايا العدوان:

إن أحد القضايا التي لطالما سمعنا الحديث عنها مراراً وتكراراً وبدأ خفوتها في هذا العام قضية محاكمة الخونة الذي وقفوا في صف العدوان وأيدوا الاعتداء الذي أودى بحياة آلاف الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البنى التحتية لليمن وحصار وتجويع أبنائه مباركين كل تلك الحملات، فكان تساؤلنا عن وجود مثل هذا المشروع ووجود هذه الملفات يقول القاضي الشرعي: لدينا ملفات كاملة من عام 2016 و 2017 و 2018م ونحن نتابع النيابة لتحاكم الخونة، وإلى الآن لم يتم فيها شيء ، ويضيف: هؤلاء الذين ذهبوا إلى الرياض وإلى بلد العدوان، ، تأخير محاكمتهم إلى الآن فضيحة..

ويقول الأستاذ عبدالعزيز البغدادي –المستشار القانوني للمجلس السياسي الأعلى-: هذه مشكلة كبيرة، لأنه في أولاً إهمال في هذا الجانب، وثانياً عدم وعي بكيفية تحريك قضايا العدوان..

وقد أشار الأستاذ البغدادي في حديثه بأنه قد تقدم بمشروع لتحريك القضايا تجاه العدوان فيقول: كنا قد تقدمنا بمشروع كيفية تنفيذ جرائم العدوان وتشكيل لجان فيما يتعلق بملف العدوان؛ بحيث يتم تشكيل ملفين، ملف رئيسي الذي هو ملف العدوان وملف آخر يتعلق ببقية القضايا المتعلقة بالجرائم الواقعة على الأشخاص المتضررين من العدوان مباشرة، بحيث تقوم النيابات المختصة كلاً في مجال اختصاصه عند حصول غارة أو عدوان فيها يتم جمع الاستدلالات وتحريز الأدلة وعمل محضر ورفعها إلى الجهة المختصة ضبطياً ثم تقدم إلى النيابة العامة وتضمّن ضمن الملف الرئيسي، وقد تم تجميد هذا المشروع.

كما أوضح القاضي الشرعي بأنه قد تم مطالبة مأمور الضبط القضائي، والداخلية وكل من تربطه علاقة، والنيابة بتجهيز الانتقال إلى مسرح الجرائم في صنعاء، ورصد عدد الشهداء وعدد الجرحى، وعدد البيوت، على أساس تقديمهم للمحاكمة من أول يوم ونحن نطالب، وإلى الآن ولم يقدموا شيئاً.

ولكون وزير العدل مناط به تقديم طلب إلى مجلس النواب لسحب عضوية الخونة منهم أجاب القاضي عقبات: أنا طلبت سحب الحصانة عن كثير من أعضا ء مجلس النواب ، ولم يتم ذلك حتى الآن، وهذا ليس عيباً في القانون ، بل في الأشخاص القائمين على ذلك.

القضاء مكبل

لا تزال رواسب من الماضي تحاول أن تكبّل القضاء وتقيده لحسابات ومصالح أخرى في هذا الشأن يتكلم بوضوح القاضي محمد الشرعي قائلاً: بعض إخواننا داخل السلطة القضائية وبالأخص رؤساء الجهات القضائية ليس لديهم إرادات لتصحيح القضاء بكل وضوح.

ويقول القاضي أحمد عقبات –وزير العدل- : كان هنالك سد منيع في عدم الإصلاح، أو إجراء حركة قضائية، أو تطوير في جانب القضاء، حتى لا يمكن إزالة فاسد، أو تصحيح للأشخاص الذي لا يجوز أن يكونوا في القضاء ممن اشتهروا بالفساد.. لكن الحمدلله أزيل كثير من الفاسدين ، والآن نتابع عبر مجلس القضاء تغيير أي شخص يظهر منه بعض الفساد، وهناك تغيير مستمر والعدوان لا يريد أن ينشر أي فضيلة لاسيما في جانب القضاء، والفساد في القضاء يجب تعيينه لا تعميمه ، ولا يجوز أن تخلط العدالة بظلم أو بفساد ، وسنقطع اليد التي تمتد إلى الحرام.

استقلالية القضاء

إن استقلالية القضاء يراه الكثير بأنه هدف خالد يسعى للتغلب على الجريمة والفساد وتحقيق العدالة وحماية الحريات، وتثبيت سيادة الثقة في الدستور والقانون، وأن تكون جميع الأحكام القضائية حيادية غير خاضعة لنفوذ السلطات الأخرى للدولة تنفيذية أو تشريعية أو لنفوذ المصالح الخاصة أو السياسية أو الحزبية..

ومن هنا يجمع القضاة بأن هناك سعي حثيث للاستقلالية في بلدنا وفي غيرها من البلدان حتى تقوم المؤسسة القضائية بدورها فيقول القاضي المتوكل: " في الواقع نحن نسعى إلى موضوع استقلالية القضاء، والحقيقة لا تقوم السلطة القضائية بدورها الحقيقي مالم تكن متمتعة باستقلالية تامة؛ لأن القاضي عندما يحكم دون أن تكون هناك عليه أي مؤثرات في قضاءه، ربما يكون موفق في قضاءه، لكن أي ضغوط أو أي مؤثرات أخرى تكون سبب في مفارقته للصواب ، وهذا هو يفترض أن يكن مسعى قيادات السلطة القضائية والدولة، لأنه لا يتحقق القضاء العادل إلا إذا وجدت الاستقلالية التامة والمناخ المناسب المهيأ لأن يحكم القاضي بحرية مطلقة.

ويقول القاضي الشرعي: نحن نريد أن يكون القضاء مستقلاً، وندافع ونجاهد لأجل استقلاله ، حتى المجتمع نفسه يجب أن يسعى للاستقلال القضاء ولاستقلال السلطة القضائية مالياً وإدارياً حتى لا يكون لأحدٍ منّة عليه،

ويرى القاضي عبدالملك الجنداري –عميد المعهد العالي للقضاء- والقاضي عقبات والأستاذ البغدادي أن استقلال القضاء مكفول باستقلال القاضي نفسه ولذا يلزم حسن اختياره، فيقول القاضي عقبات: الاستقلال المالي والإداري والقضائي مهم جداً للقضاة، ولكل قاضي، لأنه إذا كان القاضي مرهون بيد قسم الشرطة أو بعاقل الحارة أو شيخ القبيلة أو كذا، فإنه سيبقى ضعيفاً في هذا الجانب، وبحكم الحاجة والواقع قد يجامل هذا الشخص الذي حاجته إليه، ولكن بهذا الاستقلال يصبح هنالك فسحة للقضاء بأن يمارس عمله في الجانب المالي والإداري وهو خالٍ من كثير من الضغوط التي تمارس فيما لو كان غير مستقل، ولكن أساس الاستقلال هو القاضي. ويقول القاضي الجنداري: إن استقلال القضاء كمسؤولين أو كقيادات ليست غاية بل هي وسيلة لاستقلال القاضي، وللأسف انعكست الأمور و أصبح فيها استقلال الجهات الإدارية هو الغاية وليس الوسيلة، دون الحديث عن استقلال القاضي قضائياً في حكمه، الذي هو الغاية والأساس. وأضاف: استقلال القضاة ليست ميزة شخصية لهم وإنما لأجل حسن سير العدالة، لأن القضاء يحمي الكليات الخمس، فإذا ضعف القضاء إذاً من سيحمي هذه الكليات أساساً؟!. بينما يقول الأستاذ البغدادي: قضية استقلال القضاء تستخدم استخدام سطحي وغير صحيح ولا يوجد في اعتقادي -من خلال الواقع العملي- -قضاء مستقلاً في الوطن العربي بكله، بل في جزء كبير من العالم لا يوجد قضاء مستقل، يتأثر بالسياسة تأثير كبير جداً، ونستطيع أن نقول إن استقلال القضاء نسبياً يعود إلى حسن اختيار القاضي،  أنت تحسن اختيار القضاة أولاً، هذا هو القاضي الذي غير قابل بأن تمس استقلالية القضاء، واستقلالية القضاء متعلقة بالحكم، ليس بشيء آخر.

هيئة التفتيش القضائي

هيئة التفتيش القضائي هيئة رقابية كانت تابعة لوزارة العدل اليمنية ، وفي تعديل قانون السلطة القضائية في العام 2013م أصبح تابعاً لمجلس القضاء الأعلى ، تقوم الهيئة بتقييم القضاة في اليمن. وينص قانون الهيئة على وجوب إجراء التفتيش مرة على الأقل كل سنة ، ويجوز أن يكون مفاجئاً في أي وقت ، ويجب إيداع تقرير التفتيش خلال شهرين على الأكثر من تاريخ انتهاء التفتيش ويخطر القاضي به خلال أسبوعين على الأكثر من تاريخ الإيداع .وللهيئة وحدة مهمتها الرقابة على قضاة محاكم الأموال العامة وفئات أخرى من القضاة. ولكن دور هيئة التفتيش القضائي في ظل العدوان أصبح شبه مشلول ، ولأجل الاستفسار بشكل أدق حول دور هيئة التفتيش لا سيما في ظل العدوان ، تم التواصل مع رئيس هيئة التفتيش القضائي وقتها القاضي يحيى العنسي، وكان رده حاداً أكثر من كونه اعتذاراً. رغم ما أفادنا به عدد ممن استطلعنا معهم بأنه هناك هفوات وفعلات يحتاج الأمر إلى بسط أكثر للرقابة عل المحاكم ، وتضع هيئة التفتيش خطة لديمومة الرقابة ، لأن الملف المسلكي المتعلق بسلوك القاضي هو من أهم أعمال الهيئة ، ويقيّمون دور الهيئة بأنه شبه مشلول ومعطل تماماً ، ولا يؤدي دوره أبداً  فالتفتيش عندنا في المحاكم يتحرك وهناك تفتيش دوري وتفتيش مفاجئ ولكن الغاية من التدقيق والتمحيص لا يوجد ، ولم يقدموا فاسداً إلى الآن، يقومون بحفظ الشكاوى التي فيها إدانات لبعض القضاة، إدانة بكل وضوح، حتى بعضهم مزور ، يرتكب جريمة تزوير في الأحكام، وثبتت، ومع ذلك يحفظونها، ويبررون بأنا في حالة عدوان،  ومن المفترض أن يقدم ويرفع لرئيس مجلس القضاء فقط أما أن تحال للحفظ فهذا ليس من مهامه..

ويؤكدون إلى أن التفتيش يحتاج إلى شخصيات لديها تراكم معرفي في كيفية التفتيش ومساءلتهم فيها، ويكون عنده خبرة بالأمور الشرعية وبالأمور القانونية أيضاً،  لأن بعض القضاة أذكياء ما تستطيع أن تكتشف مخالفته إلا بعد جهد كبير، فبعضهم يرتب نفسه.

المعهد العالي للقضاء (مصنع رجال العدالة)

إن أهمية المعهد العالي للقضاء لا تخفى على أحد حيث هو الهيئة المنوط بها تأهيل وإعداد الكوادر القضائية سواء في المحاكم أو في النيابة العامة ، حيث أنشئ في العام 1980م وأصبح معظم العاملين اليوم في السلك القضائي بما فيهم أعضاء مجلس القضاء من مخرجات هذا المعهد..

ولقد تميّزت مخرجات المعهد في الفترات الماضية عدا العشر السنوات الأخيرة التي فتح لها الباب بمصراعيه تحت دعاوى المحاصصة المناطقية وغيرها فضعفت مخرجات المعهد بشكل كبير ،بالإضافة إلى تعديل القانون في العام 2008م الذي أدى أيضاً إلى ضعف مخرجاته كما أوضح لنا ذلك القاضي عبدالملك الجنداري -عميد المعهد العالي للقضاء-  والقاضي أحمد العقيدة –نائب وزير العدل والقاضي محمد الشرعي، حتى إنهم ملأوا المحاكم والنيابات بالأخطاء والسلبيات، ولا يوجد فحص ولا مسائلة.

وأهم المعوقات التي تواجه المعهد منذ نشأته هو تأثره بالمتغيرات السياسية يقول القاضي الجنداري: المتغيرات السياسية -وهي متقلبة بطبعها- أحياناً تعكس أثرها على المعهد، والقضاء أيضاً للأسف مرتبط بطريقة أو بأخرى بالعمل السياسي ؛ لأنه جرت العادة في دول العالم الثالث أنه ما يستقر القضاء ، هذه التغيرات تنعكس على مخرجات المعهد سلباً أو إيجاباً، لكن الحمد لله في الغالب كانت المخرجات جيدة إلى حدٍ كبير.

وللأسباب السياسية توقف المعهد سبع سنوات مابين الدفعة الحادية عشرة والثانية عشرة مما سببت في ندرة في عدد القضاة وقتها ، في الوقت الذي تم إحالة عدد كبير منهم للتقاعد، وهذا يوضح عدم وجود سياسة واضحة.. وهذا ما يستدعي رسم سياسة للمعهد تجعله يؤدي دوره كما ينبغي وهذا ما تحدث عنه القاضي الجنداري بقوله: نسعى جاهدين مع قيادة مجلس القضاء الأعلى إلى إعادة رسم  سياسة خاصة بالمعهد بحيث يؤدي دوره كما ينبغي، لأنه للأسف بعد تعديل 2008م للقانون كان له أثر سلبي على المخرجات لأنه صيغ القانون بطريقة يجعل منه أكاديمية ذات طابع أكاديمي أكثر من طابع قضائي.

وهذا ما نادى به الأستاذ عبدالعزيز البغدادي بضرورة رسم سياسة قضائية عامة حتى تلك التي تتعلق بمخرجات المعهد والموازاة بين عدد القضاة وعدد أعضاء النيابة التي يتخرجون منها.

وحتى في مسألة المحاصصة كانت متأثره بالمتغيرات السياسية ولم يكن فيها عدالة أو مساواة يقول القاضي محمد الشرعي: لو حصرت اثنين وعشرين دفعة من أول ما تأسس المعهد وتم حصرها، يعني جاءت بعض المحافظات نسبة المتخرجين منها 38%، ونسبة صعدة نص واحد في المائة من المتخرجين منها، على مدى من أربعين عام، ويضيف: لأنه ما دام كان مجلس القضاء يوضع على أسس حزبية طبيعي أنه ينعكس هذا على المعهد وعلى غيره، الآن إن شاء الله نعمل أن لا يحصل تقاسم حزبي، ويكون القضاء والتعليم بعيداً عن السياسة.

منهج المعهد

يعتبر المنهج أحد أهم ركائز بناء القضاة ولقد اتسم المنهج بداية بالثروة العلمية التي أنتجت قضاء أكفاء ، وبعد صدور قانون 2008م للمعهد وجعله متسماً بالشكل الأكاديمي ضعفت المخرجات وأدت إلى هزالة في شخصيات القضاة يقول القاضي الجنداري: غلب على المناهج الطابع الأكاديمي، الآن يكاد الطالب يقرأ نفس المواد الذي درسها في الجامعة، إنما يقرأها بتعمق، الذي هو الأسلوب الأكاديمي حق الماجستير ، وهذا ليس الأمر الذي نهدف إليه، نحن نهدف إلى تكوين قاضي، لكن الذي جعل المقنن يلتمس هذه الفكرة سوء مخرجات الجامعة، وأجمع المستطلع معهم بأن الدفع السابقة والتي كانوا من طلابها تعنى بالمواد الشرعية وكثافتها يقول القاضي المتوكل: كان في السابق  تكثيف لبعض المواد الشرعية ، الآن يركزوا على الجوانب القانونية ، ويوضح القاضي الشرعي بقوله: المنهج فيه قصور في المواد الشرعية شيئاً فشيئاً تدرجوا في ذلك، قصروا الآن في المواد الفقهية وهي أساس تزويد القاضي بالمعرفة، في مسألة العام والخاص والمقيد والمطلق لم يعد يعطى الطالب الوجبة الكاملة.. ويشير القاضي الجنداري لبعض المواد التي درسوها  بقوله: في الدفع السابقة كان مثلاً لما نقرأ في آيات الأحكام كنا نقرأ وعاده مخطوطة، وكان بعض الزملاء يعتبرها ساع الطلاسم، وفي مثلاً أصول الفقه كنا ندرس كافل لقمان، في اللغة العربية قطر الندى ثم شرح ابن عقيل ، كانت حتى أمهات الكتب، وبعدين للأسف حصل التراجع أيضاً في عدد المواد الشرعية، وأيضاً في المادة العلمية نفسها، الآن يدرس لهم في اللغة العربية كتاب مبتدئ ، أيضاً ضج الطلاب حتى على بعض الأساتذة العلماء الجيدين، الذي هو دقيق في التصحيح يرفضوه الطلبة، وللأسف كان يلقوا استجابة من القيادة، واستبعد عدد من الأساتذة..

مادة القرآن الكريم واللغة العربية

في الفترة الماضية حصلت ضجة كبيرة في المعهد العالي للقضاء عندما جعلت مادتي القرآن الكريم واللغة العربية من المواد الأساسية بعد أن كانت متطلبات ، وجاء ذلك بحسب طلب المجلس العلمي في المعهد وقرار مجلس القضاء الذي أناط بهم قانون المعهد العالي للقضاء تقييم المناهج الدراسية بصفة دورية ووضع المقترحات ورفعها للمجلس لاتخاذ القرار المناسب بشأنها.. والذي من المعيب عقلاً وشرعاً وقانوناً أن يكون القاضي غير مجيد للغة العربية ناهيك عن القرآن الكريم، فرحل كثير من الطلاب من صنعاء إلى محافظة أخرى بسبب أنهم رسبوا في هذه المواد ، ورفعت القضية إلى المحكمة لإصدار حكم قضائي في المسألة.. ويقول القاضي عقبات والقاضي الجنداري: البعض ذهب ليطعن في المحكمة الإدارية ، ولا يحق للمحكمة أن تخوض في مناهج أكاديميات وجامعات ومعاهد، فليس لها الحق أن تقول تبقى هذه المواد أساسية أو متطلبة؛ فالمحكمة تستهدف قراراً إدارياً، وهذا ليس بقرار إداري، هذه من اختصاصات مجالس مختارة بحكم القانون،  ويضيف القاضي عقبات: الآن عملنا على أن تكون مادتا القرآن الكريم واللغة العربية مادتين أساسيتين وقررت المجالس كلها على أن تكون أساسية، هذا الجانب كان مهمشاً تماماً، وكان هناك استهدافاً للإسلام وعلمائه ومحاولة للتغريب.

وأجاب القاضي الجنداري عن تعليلات بعض الدارسين من أن القرآن واللغة ومادة الإدارة القضائية ومادة إصدار الأحكام لا تدخل ضمن القوانين العامة والخاصة قائلاً:  : افترضنا أن القرآن قانون، أليس قواعد عامة مجردة، فليعتبروه قانوناً عاماً، اللغة العربية ألا تعطي قواعد عامة مجردة، إذاً هي تعتبر قانون عام، عندما أقلك إدارة المحكمة، كيف تديرها، أليست قواعد عامة تركب على المحكمة وتركب على النيابة وتركب على أي منشأة عمل، إذاً هي قواعد عمل مجردة، لكن الذي قرأوا في الكتب أن القوانين العامة كذا والخاصة كذا ، هي آراء فقهية وليست قواعد ولا قوانين على الإطلاق.

ومن المهم أن تجعل مادتا القرآن الكريم واللغة العربية من شروط القبول للطالب كما يوضح ذلك القاضي الجنداري: نحن الآن نفكر بأن نجعل علوم القرآن وعلوم اللغة شرطا للقبول، فلا نشغل وقت الطالب بها وقت الدراسه، ونجعل تركيزه على العلوم الفقهية، ، كما يعلمون الآن في التوفل ، مثلاً في الجامعات يشترط توفل، لغتنا العربية أولى أن نشترطها من أي معهد معترف به.

شروط القبول:

من المهم أن يكون هناك تشديد في شروط القبول للمعهد لأن المخرج هو رجل يفصل بين الناس بالعدل وللأسف الشديد أن شروط القبول مازال يسيطر عليها الجانب الشكلي وفي هذا الشأن يقول القاضي المتوكل: الحقيقة تحتاج إلى مراجعة لبعض النصوص، وتجديد الشروط في حسن الاختيار لمن يدخل المعهد العالي للقضاء لاعتبارات كثيرة، من حيث تتبع حالة الشخص ، والتدقيق في شروط الاختيار.

ويقول القاضي أحمد عقبات: للأسف قد أدخل في المعهد من هب ودب ، لا يوجد حسن اختيار، ولم تستهدف الأسر الصالحة ، فالقاضي له مواصفات تختلف عن كل الناس وعن كل المناصب، فلابد أن يكون القاضي معروف منشأه وأصله وفصله، ومكانه، ومهنته، وجلسائه ، والبيئة التي يعيش فيها إلى غير ذلك.. ويقول القاضي الشرعي: المعهد العالي للقضاء هو البوابة الرئيسية، لكنه لا يوجد اهتمام عن تشكيل لجان الفحص ، بتفحص المتقدمين واختيارهم من البيوتات الصالحة ، الذين لم يوغلوا في أكل أموال الناس بالباطل، وفي أكل الربا وغيرها.. بالإضافة إلى أن الطالب بحاجة إلى تتبع أثناء التدريب والتلقي والدراسة وكيف يتعامل مع الناس ومع رؤسائه وكيف سلوكه ، لكن التقييم لا يتم إلا لأشياء شكلية فقط، وينبه القاضي الشرعي إلى أن البعض يعتقد أن مجرد دخوله معهد القضاء يعتبر قاضياً ، وهذا خطأ ، نحن نستقبل الطالب للدخول إلى المعهد ثم ندرسه ومن ثم نرى أين يكون مخرجه المناسب، من يصلح للقضاء، ومن يصلح للنيابة بحيث تقسم الدفعة الواحدة إلى عدد من التصنيفات.

مع أنّا نميل إلى الاتجاه إلى الجانب المسلكي لشخصية القاضي نفسه بعيداً عن ربطه بالأسرة أو العائلة المنتمي إليها بحيث يكون حسن السيرة والسلوك لم يوغل في أكل المحرمات أو الانزلاق في مستنقع الشهوات.

وقد دعا القاضي الجنداري إلى أهمية الاهتمام بالجانب المسلكي للقاضي واعتبار القضاء رسالة تؤدى لا وظيفة كغيره  بقوله: التركيز على الجانب المسلكي والروحي هو المهم ، وللأسف الشديد أنه غاب عن الأذهان أن القضاء رسالة ، وهي في الأساس مناطة بالأنبياء، وأصبح القضاء الآن وظيفة مثله مثل غيره، وهذه انعكست عليه شروط قبوله في المعهد.. ونوّه أنه من اللازم أن نفرق بين شروط القبول وشروط الكفاءة ، فللأسف أنه لا يتم التركيز على شروط الكفاءة ، فالتركيز ينصب على شروط القبول المعتادة لأي وظيفة. ولدينا لائحة سلوك دقيقة للتقييم ربما لا يوجد مثلها ، لكنها للأسف لا تطبق.

ومن أهم الشروط التي نبّه أيضاً إليها القاضي عقبات والقاضي الجنداري أن يكون عدم تحزب القاضي شرطاً أساسياً من شروط القبول ، ولكن عندما يتم تنمية الطالب على العمل الحزبي ونريده يخرج غير حزبي فهذا لا يمكن ، فالحزبية والتجرد خصمان..

ويقول القاضي عقبات: عملنا من الدفعة 23 على حسن اختيار القاضي من البداية، واستهدفنا البيئة الصالحة للقضاء، وتشددنا في القبول منذ تقديم الملفات، ونحن نسير على تهيئة هذه الدفعة حتى نقر إدخالها ..

 

النيابة العامة

النيابة العامة، هي هيئة من هيئات القضاء وظيفتها الأساسية تحريك الدعوى الجزائية باسم المجتمع،  وهذا ما نص عليه فصل في قانون الإجراءات الجزائية يتكون من عشر مواد في هذا الجانب تحديداً.

هناك قضايا أخرى تختص بها النيابة العامة في القضايا غير الجزائية، وغالبها غير مفعل في الواقع العملي وهي القضائية المتعلقة بالعنصر الضعيف في المجتمع، ناقص الأهلية، وفاقد الأهلية، والغائب لسبب مجهول وتوجد قضية مدنية أو شخصية منظورة أمام المحكمة ولا يوجد من يمثله،  والقضايا المتعلقة مثلاً بحماية البيئة، والصحة العامة، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان وحقوقه العامة التي لا يوجد فيها مدعي أو مدعى عليه في الحق الشخصي والحق المدني،  وتعتبر النيابة العامة عنصراً مهماً يجب إدخاله ويجب تدخله في هذه القضايا، وإذا لم تتدخل فيجب على القاضي إدخالها، لكي تكتمل عناصر العدالة في هذه القضايا.

النيابة العامة كانت تعتبر تبعاً لوزارة العدل حتى صدور قانون 2013م الذي أعطاها استقلالية ولم يعد للوزارة علاقة بها ، وهذا الذي حسبه البعض تقدماً وحسبه الآخرون مؤامرة على القضاء، وأياً كان فمن خلال النظر نجد أن المشكلة بشكل مستمر تكمن في القائم على الهيئة أو المؤسسة ذاتها ومدى كفاءته ونزاهته وتعاونه مع بقية الهيئات حتى تحقق العدالة.

ويجمع من التقينا بهم بأن دور النيابة أصبح اليوم ضعيفاً وواقعها مأساوياً بسبب انقطاع عدد كبير من أعضاء النيابة الذين عطلوا كثيراً من  القضايا ، سواء فيما يتعلق بجانب العدوان كما أسلفنا أو بما يتعلق بحقوق المواطنين القابعين خلف القضبان بسبب غيابهم كما أوضح لنا رئيس مجلس القضاء ويقول:  نحن في أخذ ورد في كيفية إيجاد الحلول للعجز الموجود ، فأكثر القضايا متعثرة لأنه لا يمكن للمحكمة أن تسير في الدعوى إلا بحضور عضو النيابة ، فإذا لم يوجد العضو تصبح الإجراءات باطلة، وتتعثر القضايا وهكذا ..

ويقول القاضي الشرعي: النيابة الجزائية والمحكمة الجزائية المتخصصة في الأمانة  معطلة وبدون جلسات، ويشير إلى تعليل النيابات بعدم وجود أعضاء ، فنطلب من  المعنيين ترشيح شخصيات ولا تلقى استجابة لأنهم يخافوا، لأنه معرض للاعتداء،  رغم ما يتم إعطاؤه من احتياجات ونفقات تشغيلية في المحكمة الجزائية المتخصصة من النفقات التشغيلية للمجلس نفسه لأجل نعينهم على واجبهم، لأننا نرى الواجب كبيراً.

ويؤكد على ذلك أيضاً القاضي أحمد عقبات قائلاً: هناك قصور شديد في بعض أعضاء النيابة ذلك أن البعض منهم ينتمي إلى أحزاب وينتمي إلى اتجاهات أخرى، فما أن جاء العدوان وصرفت لهم المرتبات من مرتزقة العدوان حتى راق لهم أن يرقدوا ويأتيهم رزقهم رغداً إلى بيوتهم، وما همهم بعد ذلك ما يجري في النيابة. وأضاف: الآن خصصت بعض الدفعات للنيابة العامة، ونحن الآن انتدبنا في مجلس القضاء دفعتين من خريجي المعهد العالي للقضاء لكي يعملوا في النيابة لسد العجز، كما ننوي على أن يكون هنالك تأهيل مستمر لمجموعة من الشباب ليلتحقوا بالنيابة العامة،

 

ويقول القاضي الشرعي: أغلب القضايا في داخل السجون معطلة بسبب عدم تواجد أو عدم وجود أعضاء نيابة داخل جهاز النيابة العامة، وكيل النيابة تجده وحيداً لا يدري ما يعمل هل يحضر جلسات ويتابعها في المحاكم؟، أم يتفرغ للتحقيق؟، أم لمتابعة عمله؟ الكادر كبير أكثر من ألف عضو نيابة، لكن في الواقع العملي لا تجد إلا القليل. ويضيف : النيابات معها تفتيش وقطاع مستقل من أصحاب النيابة، لكنها معطلة، ولديها جانب ضعف في الرقابة ، ولا تكاد تجد أحياناً علاقة بين هيئة التفتيش والنائب العام ، ولهذا تحتاج الأمور إلى نظرة جادة، لا يجوز أن تترك الأمور هكذا..

المحاكم والقوانين

مازال هناك تساؤل كبير عن سبب ضعف الجانب القضائي وانعدام الثقة بين المواطنين وبين المحاكم رغم أن الشريعة الإسلامية تميزت بسرعة الفصل وإنجاز القضايا بسهولة ويسر ، فقد مر القضاء في البلدان الإسلامية بعدة مؤامرات غيّرت فيها القوانين حتى أصبح نيل العدالة – عبر المحكمة – بعيد المنال، فيحتاج المرء لسنوات حتى خروج الحكم ، وبعد سنوات أخر حتى تنفيذه هذا إن تم تنفيذه، ومن هنا قيل: العدالة البطيئة ظلم ، وهنا تأتي تساؤلات المواطنين الذين يعاينون المرض ولا يدرون ما عرضه..

ومن المؤامرات المتأخرة في هذا الشأن ما نبه عليه القاضي أحمد عقبات بقوله: ما حصل في قانون السلطة القضائية من تعديلات للأسف لم تكن تعديلات مفيدة ولكن كانت هيكلة، كما تم هيكلة الجيش والأمن وأفرغوا الجيش والأمن من مضمونه بعد أن حصلت هذه الهيكلة، وكذلك وزارة العدل والتعديلات التي حصلت في السلطة القضائية هي هيكلة كانت ضارة أكثر مما هي نافعة. لأنهم عملوا تعديلات ولم يحصل الربط بين الهيئات السلطة القضائية مجلس القضاء، وزارة العدل، المحاكم، والنيابة العامة، والمعهد العالي للقضاء.

وعن أسباب تطويل أمد التقاضي وتأخر تنفيذ الأحكام سألنا رئيس مجلس القضاء فأجاب معللاً ذلك بقوله: أسباب التطويل في التقاضي هي أسباب قانونية في الغالب، وهذه قد تكون عائقا، إن شاء الله تكون طموحاتنا في المستقبل بجعل حلول لهذا العائق، أما أسباب تأخر تنفيذ الأحكام فيرجع إلى المنازعات التنفيذية بسبب وجود ثغرة في الحكم، يثير منازعات واستشكالات حول تنفيذه ، وهذا من ضمن خطتنا تكثيف الدورات لعدد من القضاة لأجل ضبط الأحكام في الدعوى من البداية.

ويقول القاضي الشرعي: أغلب المواد القانونية المعرقلة تأتي في القوانين الإجرائية، قانون المرافعات المدني، قانون الإجراءات الجزائية العام، وقانون الإجراءات الجزائية العسكرية، وقانون الجرائم والعقوبات عندنا، وقانون الجرائم والعقوبات العسكرية، هذا أغلب ما يوجد فيها، في قانون السلطة القضائية أشياء ومواد تحتاج إلى تعديل لكن ليست مكبلة بالقدر الذي يوجد في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجزائية، لأنها التي تنظم الإجراءات، فيها أشياء كثيرة معيقة للقضاء وتحتاج إلى تعديل.

ويقول القاضي العقيدة: في الواقع في خطتنا الخطة الحكومية عندنا مصفوفة قانونية من التعديلات، ولكن هي تحتاج مصادقة من مجلس النواب.

بينما ينظر القاضي عقبات من زاوية أخرى فيقول: أحياناً يأتي الخلل من القاضي وليس من القانون، قالوا في المثل القانوني: (أعطني قانوناً عادلاً وقاض ظالم فلا أضمن لك العدل، واعطني قاضياً عدلاً وقانوناً ظالماً وأنا أضمن لك العدل) في الأساس في القضاء هو القاضي، حتى لو كان هناك محام سيء النية فالقاضي يستطيع أن يوقفه عند حده.

 كما أشارت تقارير بعض المنظمات الدولية إلى أن أحد أسباب تأخر القضايا في اليمن وطول أمد التقاضي هو قلة عدد القضاة ، فيجيب القاضي عقبات: بأن إنجاز القضايا أمر نسبي، يتوقف على شخصية القضاة، أحياناً قد يقضي القاضي في خمس ست إلى عشر قضايا في الجلسة الواحدة، وبعضها قضايا تحتاج إلى عمق وإلى وقت طويل حتى تكتشف عناصرها وخباياها وخلفياتها ومن وراءها ومن يخطط لها ومن يرتب لها، لأن في اليوم برزت قضايا كثيرة جداً منها قضايا النصب والاحتيال، والذي يعمل النصب والاتحيال إلا وهو محترف بطريقة يمكن لم يصل إليها الشيطان، فتجده قد احتاط من كل الجوانب بحيث من الصعب أنك تلقى عليه ثغرة أو لمسة، ولكن القاضي الحصيف المؤهل القادر الذي له عون من الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يصل إلى كل هذه الأماكن.

ويؤكد القاضي الجنداري على أن المعيار هو شخصية القاضي فيقول: للأسف زيادة القضاة تعني التنازل عن الشروط، لأنه كل ما احتجت لعدد أكثر من القضاة تضطر أنك تتنازل في الشروط، وتأتي بنتائج عكسية، والواقع خير شاهد، كان في الماضي يوجد قاض واحد في المحكمة وينجز عشرات القضايا ، والآن يوجد في المحكمة خمسة وعشرين قاضياً والقضايا تتراكم، والسبب يكمن في قدرات القاضي وإمكانياته.

 

 

قانون شاغلي الوظائف العليا

صدر قانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في اليمن والذي عقّد مسألة محاسبة شاغلي الوظائف العليا المتمثلة في رئيس الجمهورية ونائبة ورئيس الوزراؤء ونوابه والوزراء ونوابهم ، حيث تنص المادة (5) منه يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو... بناء على طلب يقدم من نصف أعضاء مجلس النواب، وذلك إلى رئيس المجلس مشفوعاً بأدلة تؤيد الاتهام ويعتبر قرار الاتهام إحالة إلى المحكمة المختصة بموافقة ثلثي أعضاء المجلس. وغيره من المواد التي فصّلت  كثوبٍ يواري سوءاتهم ، وسألنا رجال القضاء في ذلك فأجمعوا على بطلان هذا الدستور حيث قال القاضي المتوكل: ينبغي أن يطعن فيها بعدم دستوريتها، ، لأنه كان تفصّل ، لتمرر أمور معينة. ويقول القاضي الشرعي: بناء على هذا القانون لن يتحقق محاكمة لأحد؛ لأن الجهاز الحاكم كان ماسكاً أكثر من الثلثين في المجلس، هذه هم ربطوها ربط على أساس لا يقدموا رئيساً ولا نائباً ولا وزيراً ولا نائب وزير إلى القضاء.

وأضاف الشرعي: قد وضعوا المكبلات داخل الدستور وداخل هذا القانون، وداخل لائحة مجلس النواب، وداخل قوانين السلطة القضائية، وجعلوه من اختصاص المحكمة المحكمة العليا فقط ، ولا تخضع للقضاء الابتدائي أو الاستئنافي أبداً،  ويكون قرارها نهائياً ولا يقبل عليه الطعن.

ويؤكد القاضي عقبات والقاضي البغدادي على أن هذا القانون مخالف للشريعة الإسلامية ولا يوجد حصانة في الإسلام وأن هذا المبدأ يخالف مبدأ المساواة (الناس سواسية كأسنان المشط) فالحصانات المعروفة في العالم هي إما حصانة قضائية لغرض أداء مهمة القضاء وليست  لمصلحة شخصية، وحصانة برلمانية مرتبطة بالوظيفة، والغرض أنه تحميه بحيث أنه يكون حراً في أداء رأيه في البرلمان، هذه الحصانة تنتهي عند هذه المسألة، لكن  اعتبروا الحصانات مزايا شخصية وأصبح القانون إذا جاز التعبير أشبه بقانون حماية الفساد..

 

حلول ومعالجات

من خلال إجراء هذا التحقيق الصحفي استخلصنا من كلام القضاة الكرام حلولاً تتمثل في الآتي:

  1. العمل على حركة قضائية وسد كل الشواغر في كل المحاكم والنيابات من خلال البرامج والخطط المدروسة والمزمنة.
  2. الاستمرار في مشروع الأستاذ عبدالعزيز البغدادي المقر من قبل مجلس القضاء الأعلى والذي يتعلق بإعداد ملفات لكل جريمة يرتكبها العدو في الأرض اليمنية.
  3. العمل على محاكمة كل الخونة والمجرمين المساهمين في سفك الدم اليمني وحصار الشعب، ومحاسبة كل من يعمل في بطء إجراءات المحاكمة أو تأخيرها.
  4. رفد التفتيش القضائي بعناصر كفؤة من القضاء ، ونتلمس الخير في التعيينات الجديدة التي أعلنت بعد إجراء هذه التحقيق الصحفي.
  5.  تفعيل دور التفتيش القضائي بحيث يتم الاعتناء بالجانب المسلكي للقاضي ، وعدم الاحتفاظ بملفات فسادهم تحت مبررات العدوان، فالتستر على الفاسدين جزء لا يتجزأ من العدوان.
  6. النظر إلى الاختلالات الموجودة في القوانين ، وإعادة النظر في قوانين الإجراءات والمرافعات وغيرها سواء التي تتعلق بتطويل أمد التقاضي ، أو التي لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
  7. تقرير عمل القضاء الرسالي وتنمية روحية الاستقلال والصدع بكلمة الحق للطالب منذ دخوله كلية الشريعة والقانون إلى حين قبوله في المعهد العالي للقضاء من خلال مناهج تنّمي فيهم قيم الإسلام ومبادئه وعدم الخضوع للباطل.
  8. ينبغي إعادة النظر في قانون السلطة القضائية واللوائح المنبثقة عنه ، ويكون المعهد العالي للقضاء مستقلاً شأنه شأن بقية هيئات المؤسسة القضائية عن السلطة التنفيذية ، بحيث لا يتأثر بالمتغيرات سياسية و يبقى فاعلا وفقاً لسياسة عامة تخدم الناس.
  9. قيام مجلس القضاء بدوره في رسم السياسة العامة لتطوير شؤون القضاء بحيث تبقى دائمة لا ترتبط بتغير المناصب القضائية في النيابة العامة أو المحكمة العليا أو المعهد أو التفتيش القضائي وغيرها من الهيئات القضائية.
  10. إعادة النظر في شروط القبول في المعهد العالي للقضاء ، ووضع معايير وشروط الكفاءة ، واشتراط الإجازة في القرآن الكريم واتقان اللغة العربية للراغبين في سلوك العمل القضائي.
  11. أن يصاحب استقلال الهيئات القضائية ربط وتنسيق فيما بينها لتصب جميعها في مصب واحد وهو تحقيق العدالة.
  12. الطعن في دستورية قانون "اتهام وإجراءات شاغلي الوظائف العليا" والعمل على إلغائه تحقيقاً للعدالة المنشودة وردماً لثغرات الفساد والمفسدين.