عن دورالنيابة العامة في تحقيق العدالة

نشر بتاريخ: أحد, 28/07/2019 - 7:28م

النيابة العامة – محاولة للتعريف:

(النيابة العامة مؤسسة قانونية قضائية تمثل المجتمع في تحريك الدعوى الجنائية أو التصرف فيها وفق أحكام القانون كما تقوم برفع الدعوى المدنية عن فاقدي الأهلية أو ناقصيها وفي قضايا الحسبة المختلفة التي يحددها القانون سواءً بالتدخل مباشرةً أو بناءً على قرار من المحكمة بالإدخال).

وقد بين الفصل الأول من الباب الثاني في قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994المواد من (21 إلى 31) منه الدعوى الجزائية وحصرالاختصاص في رفعها وجوباً على النيابة العامة حيث نصت المادة 21-(إ- ج) على :( أن النيابة العامة هي صاحبة الولاية في تحريك الدعوى الجزائية ورفعها ومباشرتها أمام المحاكم ولاترفع من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون ، كما نصت المادة (22) منه على أنه (لا يجوز للنيابة العامة وقف الدعوى الجزائية أو تركها أو تعطيل سيرها أو التنازل عنها أو عن الحكم الصادر فيها أو وقف تنفيذها إلا في الأحوال المبينة في القانون ) أي أن قيام النيابة العامة بعملها كنائب عن المجتمع في تحريك الدعوى أو التصرف فيها ليس حقاً للنيابة ولكنه واجبٌ عليها القيام به أي أن وكالتها وكالة وظيفية محكومة بقواعد وأحكام قانون السلطة القضائية والقوانين المتعلقة بالوظيفة العامة  وليست وكالة عقدية مربوطة بعقد مباشر ومحكومة بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، وكالة تلتزم فيها النيابة  العامة – الوكيل بالقيام بواجباتها القانونية مقابل الحقوق المحددة في قانون السلطة القضائية والقوانين ذات العلاقة من الموكل – المجتمع.

وبموجب هذه العلاقة ليس للوكيل – النيابة العامة حق التنازل عن الدعوى الجنائية أو غيرها كما سلف أو عن الحكم الذي يصدر بشأنها أو وقف تنفيذها إلا وفق القانون وفي الحدود التي يبينها لأن هذه الحقوق إنما هي للوكيل وإرادة الموكل فيها إنما هي إرادة مؤسسية اعتبارية تتضمنها القوانين النافذة ويحكمها مبدأ يسمى مبدأ سيادة القانون على الكافة بمن فيهم الوكيل! وبصورة مجرَّدة ودون تمييز، والمصلحة في القضايا التي ترفعها النيابة لها صفة العموم وإن تعلقت بحقوق خاصة للفئات التي ذكرنا، اما المصلحة في عقد الوكالة الخاصة فإنها محكومة بالعلاقة التعاقدية المباشرة وللموكل الحق في إلغاء العقد بشأنها بإرادته المنفردة كما له الحق في التنازل عن الدعوى في أي مرحلة كانت عليها أو عن الحكم الصادر فيها.

وتتركز مسؤولية قيام النيابة العامة بمهامها في شخص النائب العام ويعتبر رؤساء ووكلاء النيابة مسؤولين أمام النائب العام باعتبارهم وكلاء عنه كما يعدون جميعاً مسؤولين مسؤولية فردية وتضامنية أمام القانون ويتبع أعضاء النيابة رؤساءهم بترتيب وظائفهم ثم النائب العام طبقا لحكم المادة (149) من الدستور اليمني والمادة (54) من قانون السلطة القضائية رقم (27) لسنة المعدل للقانون رقم (1) لسنة 1991 بشأن السلطة القضائية والمادة (21) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (13) بشأن الإجراءات الجزائية.

مبادئ من دور النيابة في تحقيق العدالة: 

انطلاقا من محاولة التعريف السابق ومن مفهومَيْ – النيابة – والعموم المكونة لمصطلح النيابة العامة يمكن محاولة الوصول إلى معرفة هذا الدور كهيئة قضائية أو كخصم قضائي من خلال التعرف على الاختصاصين الرئيسين اللذين تختص بمباشرتهما وهما:  

أولاً: (الاختصاص الحصري في تحريك الدعوى الجزائية ورفعها ومباشرة التحقيق فيها وتحريكها أمام القضاء الجنائي وذلك وفق قواعد وأحكام قانون الإجراآت الجزائية).

ثانياً: اختصاص النيابة العامة في رفع الدعاوى في بعض الحالات غير الجنائية أو التدخل فيها والمنصوص عليها في المادتين (126،127) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م وفي كلا الحالتين تمثل النيابة العامة المصلحة العامة أو الحق العام انطلاقاً من الغاية والفلسفة أو الأساس الذي أنشأت من أجله وتتسق مع مفهومي النيابة، والعمومية.

     وفيما يلي إطلالة سريعة على بعض أهم المبادئ الأساسية لمسؤوليات النيابة وصلاحياتها في تحقيق العدالة والبحث عن الحقيقة ومحاولة توصيف دورها في هذين الاختصاصين:

أولاً: اختصاصها حصراً بتحريك الدعوى الجزائية والتصرف فيها:

النيابة العامة تمثل المجتمع وهيئاته في تنفيذ السياسة العقابية المرتكزة في وضعها افتراضاً على رؤية وطنية لتحديد هذه السياسة المستوعبة للمصلحة العامة في إصلاح من ساقتهم الظروف والأسباب الموضوعية والمجتمعية إلى اقتراف أفعال يعاقب عليها القانون والمسترشدة بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية والأخذ بأفضل التجارب الإنسانية في الإصلاح والعقاب والتهذيب وتحويل المؤسسات العقابية إلى مؤسسات للإصلاح وإعادة التأهيل ، ولأن المصلحة التي تمثلها النيابة العامة كهيئة من هيئات السلطة القضائية عليها يقع الدور الأساس في الالتزام بتمثيل المسؤولية الاجتماعية التي أكد ها مؤتمر لاهاي في العام 1964م والمتمثل في حماية النظام الاجتماعي والقانوني الذي أخل به ارتكاب الجريمة لذلك فإن مقتضيات هذه المصلحة العامة أن يكون جهد النيابة العامة التي تمثلها منصباً في إظهار الحقيقة والوقوف إلى جانبها وليس في تكريس الجهد والاجتهاد باتجاه إدانة المتهم بشتى الطرق والوسائل مهما كانت مشروعيتها من عدمه !، ولهذا قرر قانون الإجراءات الجزائية اليمني للنيابة العامة الحق في استئناف الحكم أو القرار لصالح المتهم أو ضده متى رأت لذلك موجباً وفقاً لما قرره حكم المادة ( 413 ) فقرة ( 1 ) من القانون ؛

لذلك كان من الواضح أن صفة النيابة العامة كمدعية بالحق العام وضع على عاتقها واجب بذل الجهد الضروري في سبيل البحث عن الحقيقة أنَّا كانت والحرص على تحقيق النتيجة هو ما حدى ببعض فقهاء القانون الجنائي إلى إضفاء صفة الخصم الشريف ولست مع هذا التوصيف لأن الخصم يظل خصماً سواء كان ممثلاً لنفسه أو وكيلاً عن غيره ولأن وصف النيابة العامة بالخصم الشريف قد يؤدي لدى البعض بمفهوم المخالفة إلى وصف الطرف الآخر في الدعوى الجزائية بالخصم غير الشريف وفي هذا إهدار لقاعدة المتهم برئ حتى تثبت إدانته كما قررت ذلك المادة ( 47 ) من دستور الجمهورية اليمنية والمادة ( 4 ) من قانون الإجراءات الجزائية بالإضافة إلى ما قد يعد داعياً للقاضي بالاعتماد القطعي على ما تقرره النيابة فيما تصل إليه بشأن التحقيق من تصرف .

ووصف النيابة العامة بالخصم مصدره التأثر بالنظام الاتهامي مثل النظام الإنجليزي الذي يملك فيه الفرد حق الاتهام كحق أصيل وكذلك يملك حق الاتهام من يمثل الدولة (إما دفاعاً عن مصالح الأفراد أوعن مصالح الدولة في بعض الجرائم الهامة ونظراً إلى أن ممثلي الدولة يشاركون الأفراد في تمثيل الاتهام فإنهم ينزلون منزلته فيصبحون خصماً بالمعنى الدقيق) انظر ص (158) الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية –أحمد فتحي سرور

ويعتمد سرور في إضفاء صفة الخصم على النيابة العامة على معيارين - المعيار الأول التفرقة بين المصلحة التي يمثلها فإن كانت خاصة كان خصماً وإن كانت عامة فإنها ضمناً لا تعد خصماً كونها كما قال (يباشر وظيفتها بوصفها هيئة من هيئات الدولة لا باعتبارها طرفاً في النزاع مع المتهم) وهو في هذا يرجع إلى مرجع عن الإجراءات الجنائية الدولية هو الفقيه بيتر؛

أما المعيار الثاني فهو معيار كشف الحقيقة (لا تخضع النيابة العامة في تصرفاتها لغير مقتضيات الحقيقة وعليها أن تتأكد قانوناً من مسؤولية المتهم) نفسه ص (158). ومعلوم أنه تبعاً لتأكدها من توفر هذه المسؤولية قبل المتهم من عدمه عليها أن تتخذ الإجراء المناسب

وفي اعتقادنا أن المعيارين غير كافيين لإلغاء صفة الخصم عن عمل النيابة العامة – لأن تمثيل المصلحة العامة لا تمنع أن يكون من يمثلها خصماً وكذا عدم خضوعها في تصرفاتها لغير مقتضيات كشف الحقيقة إذ أن تقدير كونها قد مثلت المصلحة العامة أو أنها قد تحرت في عملها كشف الحقيقة مسألة موضوعية يقدرها قاضي الحكم ، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنه مهما كانت النتيجة أو الادعاء فإن ذلك لا يلغي كون النيابة خصما أي في جميع الأحوال وفي حدود المسؤولية التي تتحملها كخصم وللطرف الثاني أن يحاجه ويواجهه بما لديه من أدلة فكلا طرفي النزاع له حقوق الادعاء والدفاع والإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية ولهما ذات الحقوق المتساوية كل في مواجهة الآخر فهما خصمان ينبغي المساواة بينهما حسبما تضمنته أحكام ومبادئ القانون ، ولا يؤثر كذلك على كون النيابة خصم عدم وجود مصلحة خاصة وأنها تمثل الدولة والمجتمع في إقرار مالها من سلطة العقاب كونها تدخل لإثبات هذه السلطة انطلاقاً من أسس ومنطلقات السياسة الجنائية المقرة فإن كل ذلك يبقى في نطاق الدعوى ومن يمارس الدعوى مدعياً ( أي خصماً ) .

ومحاولة نفي صفة الخصم عن النيابة العامة وكذلك وصفها عند البعض الخصم الشريف وكذلك أية أوصاف أخرى غير كونها خصم كل ذلك قد يؤثر إلى جانب ما سبق في تكوين قناعة القاضي في الحكم الذي يصدره.

وما يحتاجه المجتمع في تنفيذ سياسة جنائية سليمة هو قيام كل من قاضي الحكم والنيابة العامة أو قاضي الاتهام والمحامي أي كل أطراف الخصومة هو علاقة الاحترام اللائقة بالخصومة القانونية فالمكانة ليست للموقع مجرد الموقع بل في أسلوب أداء الوظيفة التي يتضمنها هذا الموقع فإن كان هذا الأداء لائقاً ومهذباً وملتزماً بالمعايير العلمية وجاداً في توخي عدم اللجوء الى الأساليب غير المشروعة مثل التدليس والتزوير ومحاولة قلب الحقائق كان من أداه محترماً قاضياً كان أو نيابة أو محامياً أو غيره!

والنيابة العامة كنائب عن المجتمع ملزمة قانوناً ببذل عناية ولكنها تختلف عن عناية المحامي الخاص باعتبار أن العلاقة التي تحكمها في أداء واجبها علاقة بالمجتمع وبتحقيق المصلحة العامة في حين أن علاقة المحامي الخاص هي علاقة مرتبطة بمصلحة موكله فإذا ثبت تقصيره في أداء واجبه بحيث ترتب على هذا التقصير إضرار بموكله ثبت للموكل الحق في رفع دعوى تعويض ضد الوكيل كما هو مبين في قانون المحاماة وقد يترتب على إخلاله بواجبه مساءلته مهنياً،

أما النيابة العامة فإن مسؤوليتها تقع على النائب العام الذي عليه اتباع الإجراءات الواجب اتباعها إزاء كل من يخالف واجبات عمله من أعضاء النيابة العامة لأنهم وكلاء عنه في أداء واجباتهم.

إذاً: حيث توجد جريمة يعاقب عليها في القانون توجد صلاحية للنيابة العامة في تحريك الدعوى بشأنها ووفق الأسس والقواعد التي حددها قانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات ومختلف القوانين الإجرائية والموضوعية؛

ويكون تحريك الدعوى إما بناءً على شكوى في القضايا التي اشترط القانون لتحريكها تقديم الشكوى أو بناءً على إذن من مجلس القضاء في حال رفع الدعوى على القضاة وأعضاء النيابة ، أو بناءً على بلاغ في القضايا التي استوجب القانون التبليغ عنها أو دون حاجة إلى شكوى أو بلاغ: أو بناءً على إذن النائب العام في حال رفع الدعوى الجزائية على أحد رجال الضبط القضائي أو موظف عام لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته وأوجبت المادة( 26 ) ( أ – ج ) صدور الإذن في أحوال القصاص والدية والأرش وفي أحوال القذف إذا تقدم المجني عليه بالشكوى وأصر عليها .

ومن الأمثلة على عمومية المصلحة والحياة العامة والحق العام كمعيار أساس في حق النيابة العامة للتحرك لحمايتها دون الحاجة إلى بلاغ ضرورة القيام بواجبها في القضايا التالية:

1- التحرك القضائي من قبل النيابة العامة ضد العدوان القائم على اليمن لا يحتاج لا إلى بلاغ ولا إلى شكوى لأنه عدوان شمل كل مقومات الحياة وهو جريمة مشهودة على مستوى العالم ومنقولة وقائعه عبر الأقمار الصناعية وموثق عالمياً وهذا لا يعفي الجهات المعنية من ضرورة التوثيق بكل أشكال التوثيق الحقوقي والجنائي والقضائي والإعلامي وإذا كانت ظروف الحصار السياسي وبشاعة الاستخدام السيئ لما يسمى بالشرعية على هذا النحو الذي نشاهده فإن هذا لا يعفي الجهات المعنية من القيام بواجبها ومحاولة إيجاد أي منافذ لاختراق الحصار والاستعانة بالشخصيات والمنظمات الحقوقية الشريفة في النفاذ إلى أي مؤسسة دولية يمكنها المساعدة في الوصول إلى بوابة العدالة الدولية لتقديم رموز العدوان ومرتزقته للمحاكمة ، فهذه جرائم من الواضح أنها لا تنتهي بالتقادم وواجب التحرك ضدها واجب انساني وقانوني واخلاقي وديني .

2- قضايا البيئة : أي أضرار بالبيئة نتيجة أنشطة تؤثر بها سلباً على التوازن البيئي مثل استخدام المبيدات الضارة أو تخزينها في أماكن تعرض حياة الناس للخطر أو المساس بالمحميات الطبيعية أو التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية أو انشاء أو إقامة نشاط صناعي أو تجاري يضر بالزراعة ويهدد الأمن الغذائي للدولة والمجتمع وكلما يمس بسلامة الهواء والماء والتربة وتوازن البيئة وصيانة أنظمتها الطبيعية أو التسبب في التلوث بكل أشكاله وبأي وسيلة يقع تحت طائلة المساءلة والعقاب وتتحمل النيابة مسؤولية التحقيق بشأن هذه الوقائع وسرعة التصرف فيها لما لها من تأثير مباشر يهدد حياة جميع المواطنين .

ج- جميع القضايا التي يتوفر فيها عنصر أو معيار المنفعة العامة والحياة العامة والحق العام أو الحق الخاص حينما يكون صاحبه إما ناقص أهلية أو فاقدها أو غائبًا أو مغيبًا خارج إرادته وكل قضايا الحسبة.

ثانياً: اختصاصات وواجبات النيابة العامة في القضايا غير الجنائية:  

1- الأصل أن طرفي أو أطراف النزاع في القضايا المدنية والتجارية وقضايا الأحوال الشخصية وكل القضايا غير الجنائية هم أصحاب الحق في تقديم دعاواهم والرد عليها والدفوع بكل أنواعها الشكلية والموضوعية وبعدم القبول وفي التدخل في هذه الدعاوى.

وإذا كان على القاضي واجب ادخال من يراه في النزاع المعروض عليه في كل حالة من شأنها تحقيق العدالة أو إظهار الحقيقة.

فإن ذلك بالتأكيد يشمل ادخال النيابة أو قبول تدخلها في الأحوال التي نص عليها القانون ولذلك أهميته لسببين:

الأول: أن تدخل النيابة المحدد في المادة (126) مرافعات شُرِّع لمصلحة الطرف الضعيف الذي تحتاج مصلحته للحماية وهو القاصر أو عديم الأهلية أو ناقصها إن لم يكن لهم وصي أو ولي وكذا الغائبين والمفقودين وفي دعاوى الحسبة الأخرى،

الثاني: أن تدخل النيابة يمكن تشبيهه في مجال حماية الحقوق للفئات المحددة بالعمل الوقائي أي وقاية هذا الطرف المحتاج للحماية القانونية من أن تنتهك حقوقه أو يسلب ماله عن طريق إصدار أحكام في غيابه تمس ماله أو أي حق من حقوقه؛ 

صحيح أن الاحكام لا حجية لها إلا في مواجهة من مثل في الدعاوى أو الردود عليها ولكن غياب أو تغييب أي من الأطراف المحددة في المادة ( 126 ) مرافعات قد يستمر طويلاً بسبب عدم قدرة هذه الأطراف على القيام بما يمكنهم من حماية أموالهم أو حقوقهم إما للغياب أو الفقدان أو نقص الأهلية أو انعدامها أو قصورها وفي ذلك مساس غير مباشر بمصلحة المجتمع من خلال المساس بمصلحة هؤلاء الذين هم بحاجة ماسة للحماية وانطلاقاً من حالتي الاختصاص الأساس للنيابة العامة فيما يتعلق بالتحقيق في الدعوى الجزائية وتحريكها أو التصرف بشأنها أي نوع من التصرف المنصوص عليها في المواد من (109 إلى 114) من قانون الإجراءات الجزائية آنف الذكر ؛

أو الاختصاصات الأخرى المتعلقة برفع الدعوى المدنية أو التدخل فيها في الحالات التي ينص عليها القانون طبقاً لما جاء في الفصل الرابع المادة (126) التي نصت على ذلك وللنيابة العامة في ذلك ما للخصوم من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات إلا ما استثنى بنص خاص ولها رفع الدعاوى الخاصة بالقصار أو عديمي الأهلية أو ناقصيها أو التدخل فيها إن لم يكن لهم وصي أو ولي وكذا الغائبين والمفقودين ودعاوى الحسبة الأخرى

وقد بينت المادة (127) من قانون المرافعات كذلك كيفية تدخل النيابة العامة وذلك (إما بحضور من يمثلها في الجلسة وابداء رأيها شفوياً في الدعوى أو بكتابة مذكرة برأيها فيها بعد الاطلاع على أوراقها أو بالطريقتين معاً وتمنحها المحكمة ميعاداً مناسباً وتأمر بإرسال ملف الدعوى اليها لكتابة مذكرة برأيها إذا رأت المحكمة ذلك)

2- أما الادعاء بالحقوق المدنية المحدد في قانون الإجراءات الجزائية فقد تضمنه الفصل الخامس من القانون في المواد من (43 إلى 63) وغيرها حيث نصت المادة (43) على أن كل من لحقه ضرر من الجريمة رفع الدعوى المدنية مهما بلغت قيمتها بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجزائية لنظرها مع الدعوى الجزائية؛

ونصت المادة ( 47 ) منه على أنه إذا كان من لحقه ضرر من الجريمة فاقد الأهلية ولم يكن له من يقوم مقامه قانوناً جاز للنيابة العامة أو المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى الجزائية أن تعين له وكيلاً ليدعي بالحقوق المدنية نيابة عنه ولا يترتب عليه في أية حالة إلزامه بالمصاريف ويبدوا واضحاً أن صفة عموم المصلحة التي أكدنا عليها مراراً والمحافظة عليها وعلى حقوق الطرف الضعيف أو الغائب عن المحاكمة لسبب خارج إرادته كل هذه الأمور تقوم بها النيابة العامة لتوفر صفة العموم في مهمتها القضائية ودورها في حراسة وتطبيق مبدأ سيادة القانون في المسائل المسندة إليها ؛

أما المادة (48) من قانون الإجراءات الجزائية نفسه فقد نصت على أن الدعوى المدنية ترفع على المتهم بالجريمة إن كان بالغاً وعلى من يمثله إن كان ناقص الأهلية فإن لم يكن له من يمثله جاز للمحكمة أن تعين له من يمثله أو أن تكتفي بتمثيل النيابة العامة له ويجوز رفع الدعوى المدنية أيضاً على المسؤولين عن الحقوق المدنية عن فعل المتهم وللنيابة العامة أن تدخل المسؤولين عن الحقوق المدنية ولو لم يكن في الدعوى مدع بحقوق مدنية للحكم عليهم بالمصاريف المستحقة للحكومة.

وفي بقية مواد الفصل الخامس من قانون الإجراءات الجزائية بين القانون الحالات الأخرى التي يجب على النيابة العامة التدخل فيها أو إدخال المسؤولين عن الحقوق المدنية؛

وحالات تدخل المسؤول عن الحقوق المدنية وحق اعتراض النيابة العامة هي والمدعي بالحقوق المدنية.

وكل حالات التدخل والإدخال في هذه الحقوق من قبل النيابة العامة تأتي في صميم واجبات النيابة والمحكمة معاً لأنها حالات قائمة على واجب الحرص على الحق العام وعلى الحقوق الخاصة بفاقدي الأهلية أو ناقصيها وحالات الاحتساب المختلفة؛

ومن خلال المهام والمسؤوليات التي تقع على النيابة العامة كهيئة قضائية وخصم قانوني سواءً الواردة في قانوني الإجراآت الجزائية والمرافعات التي أشرنا إلى بعض موادها أو في غيرها من المواد القانونية في مختلف القوانين يتضح أن دور النيابة في تحقيق العدالة دورٌ جوهري لكي تقوم به لا بد من استيعابه مجتمعياً وقضائياً وسياسياً وهو دورٌ واضح ومتشعب لا تستوعبه مقالة أو دراسة لكنه بحاجة إلى عدد من الدراسات والأبحاث ؛ فمن المؤسف مثلاً أن إدراك بعض القضاة ومنتسبي هيئات القضاء والهيئات المساعدة ممن لهم علاقة بالقضاء وهم جزء أساس من تكوينه الشامل وأقصد بعض المحامين بل لا أبالغ إن قلت وبعض أعضاء النيابة ومنتسبيها وكثير من الحقوقيين يجهلون أو يتجاهلون هذا الدور أو أن معرفتهم ووعيهم بهذا الدور لا يزال دون المستوى المطلوب ولا تزال المؤسسات والهيئات الحكومية كذلك تعاني من قصور في وضوح جوانب العلاقة بينها وبين النيابة العامة التي تناولتها القوانين الخاصة بإنشاء هذه المؤسسات والهيئات ودورها في حراسة القانون وتنفيذه ضماناً لحسن ادائها لمهامها المناطة باعتبار أن جميع السلطات ملك المجتمع ، والنيابة العامة كهيئة قضائية لا بد أن يدعم المجتمع وصاحب الولاية العامة والسلطات المختلفة وحدتها واستقلالها وفي مقال لاحق يمكن توضيح هذين المبدأين المهمين اللذين لا بد من السعي الجاد لتحقيقهما أي مبدأي وحدة النيابة العامة واستقلالها الذي لا يزال البعض في مجلس القضاء غير مدرك لهما أو غير مستعد لقبولهما رغم ما لذلك من أهمية كبرى ليس فقط للدفع بعمل النيابة نحو أرقى المستويات المنشودة بل والتخفيف على المجلس من المتاهات التي تضيع الكثير من الوقت في أمور ليست من اختصاص المجلس وتجعل منه سبباً في مفاقمة المشكلات للهيئات وإعاقتها بدلاً من العمل على تذليل الصعاب التي تواجهها والمساهمة في حلها  لما لذلك من أهمية في قيام النيابة العامة بواجباتها على الوجه المطلوب والله خير معين.

الدلالات: