القضاء المستعجل .. والعدالة البطيئة ؟!

نشر بتاريخ: سبت, 13/07/2019 - 8:14م

مقدمة لابد منها:

من المعلوم أن القضاء في الإسلام هو ظل الله في أرضه والعدل الذي أراده الله لإسعاد عباده ومن أجله بعث فيهم رسله وتابع فيهم أنبياءه رحمة للعالمين حتى لا يعيشوا هملًا بغير طريق واضح ولا علم قائم ولا هدى يهتدوا به إلى طريق الحق، وإلى صراط مستقيم كما يقول في كتابه الحكيم ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ..﴾[الحديد:25] أي بالعدل، وهذا هو القانون السماوي الذي أراده الله شرعة ومنهاجًا، والخارج عن نهجه في قضائه مهدد من الله بالعذاب الأليم، وفي عداد الظالمين والكافرين حتى لو كان نبيًا مرسلًا كما في العديد من آيات القرآن، وكل قانون ينطق بالحق ويأمر بالعدل فهو قانون إلهي، ولم يوجد الإنسان ليحيى حياة الهوى والفوضى والطفر والطغيان على أخيه الإنسان بلا تنظيم ولا نظام، وقوانين العدل هي إلزام موجب للإلتزام بها والتسليم لحكمها، ومن بين الإلزام والتسليم والإلتزام يتولد مفهوم النظام، ودولة النظام والقانون المنشودة، والشر كل الشر ينبع من اللامبالاة والسلبية وعدم الشعور بالمسئولية، ومن هنا تأتي حتمية سيادة القانون على الحاكم والمحكوم، كما أن قيمة القوانين من قيمة القائمين عليها وأولهم رجال القضاء الآخذين كتابه بقوة وبعفة واستقامة متقيدين بقيوده وحدوده، وحين لا يوجد رجل القضاء بهذا المستوى فإنها تعم البلوى وتأتي الطامة الكبرى، وتعظم المحنة، وتشتد الفتنة، والفتنة أشد من القتل، هذه كلمة حق (ومن استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه) كما قال الإمام علي عليه السلام.

تعريف القضاء المستعجل ونطاقه وحالاته:

هو عبارة تدبير تحفظي أو وقتي يتخذه القضاء وفقًا للإجراءات التي ينظمها القانون وقد نظمه القانون اليمني في قانون المرافعات والتنفيذ المدني تحت عنوان (القضاء المستعجل) والذي عرفته المادة (238) منه: القضاء المستعجل حكم مؤقت بتدبير وقتي أو تحفظي يصدر في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت دون التعرض لأصل الحق.

كما حددت المادة (239) نطاق القضاء المستعجل: يكون القضاء المستعجل في المسائل المدنية والتجارية والأحوال الشخصية.

كما حددت المادة (240) حالات ومسائل القضاء والمستعجل التي يخشى عليها فوات الوقت بما يلي:

  1. طلب سماع شاهد.
  2. طلب استرداد الحيازة.
  3. طلب إثبات الحالة.
  4. طلب بيع الأموال القابلة للتلف أو الإذن به.
  5. طلب فرض الحراسة القضائية.
  6. طلب الأمر بنفقة مؤقتة.
  7. طلب منع التعرض المادي وإزالة العدوان.

أهداف القضاء المستعجل وأهميته:

القضاء المستعجل وفقًا للهدف الذي أنشئ له يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلًا مؤقتًا لا يمس أصل الحق وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.

وبالتالي فإن هدف القضاء المستعجل عدم البحث عن موضوع النزاع وإنما اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة وسريعة وتثبيت واقع يخشى زواله، أو الحفاظ على حق قائم، أو أي شيء يخشى عليه من ضياع فرصة المحافظة عليه، وإسعاف الخصوم بأحكام عاجلة وقابلة للتنفيذ الجبري فور صدورها من واقع مسودة الحكم حتى لو مع استئناف الخصم، كونه حماية عاجلة ليس من شأنها أن تكسب حقًا لهذا الخصم أو تهدر حقًا لذاك وهو قضاء يضع حدًا للتعدي فورًا.

كيفية رفع الدعوى المستعجلة ومدة الفصل والحكم فيها:

ترفع الدعوى المستعجلة بعريضة دعوى إلى المحكمة تعلن إلى المدعى عليه خلال 24 ساعة ويجوز انتقاصها إلى ساعتين، ويكون ميعاد الحضور أربعًا وعشرين ساعة، ويجوز انتقاصها إلى ساعتين، وينظرها القاضي بالمحكمة وله عند الضرورة أن ينظرها خارج المحكمة، ويجب أن يصدر الحكم خلال 24 ساعة من التاريخ المحدد للحضور في مواجهة المدعى عليه أو المنصوب عنه ولا يلزم إعادة الإعلان مرة أخرى إذا لم يحضر المدعى عليه بعد إعلانه إعلانًا صحيحًا، ويعتبر الحكم الصادر من الدعوى واجب التنفيذ فور صدوره بقوة القانون وينفذ من واقع مسودته دون إتباع مقدمات التنفيذ الجبري المتمثلة في الإعلان والانتظار مدة لا تقل عن أسبوع.

وعملية تنفيذ الحكم تنفيذًا معجلًا هي أن الحكم الصادر في المسائل المستعجلة بطبيعته لا يحتمل التأخير ولا جدوى من ورائه إذا لم ينفذ فورًا، كما أن صفة الاستعجال تبرر صدوره  بإجراءات مختصرة لما تقرر نفاذه نفاذًا سريعًا، وهذا ما تضمنته أحكام ونصوص المواد (241، 242، 243) من قانون المرافعات.

المحكمة المختصة لنظر الدعاوي المستعجلة:

ينعقد الاختصاص لنظر الدعاوي المستعجلة لمحكمة موطن المدعى عليه أو للمحكمة التي يتم في دائرتها اتخاذ الإجراء الوقتي، وهذا إذا كانت الدعوى مرفوعة استقلالًا  كدعوى أصلية ، أما إذا كانت هناك دعوى موضوعية منظورة أمام محكمة معينة وأراد المدعي أن يرفع تبعًا لها دعوى مستعجلة فإن الإختصاص يكون للمحكمة التي تنظر الدعوى الموضوعية واتباع الطرق الواردة في أحكام المواد (99، 243، 244) مرافعات.

وسواء رفعت الدعوى استقلالًا أو تبعًا لدعوى موضوعية فإنها ترفع ويتم نظرها والفصل فيها بإجراءات الدعوى المستعجلة المبينة في المواد (241، 244) من قانون المرافعات السالف ذكرها.

في الواقع العملي نجد الهجر والعقوق لتلك الأحكام والنصوص القانونية مع موضوع تلك النصوص القانونية التي جعلت القضاء المستعجل أسمى من القضاء العادي وميزته بعدة مميزات منها:

قصر مواعيد الإعلان، النفاذ المعجل وبالمسودة، وقصر مواعيد استئنافها ونظرها، إلا أنه للأسف الشديد في الواقع العملي نجد أن مدة الأربعة والعشرين الساعة يمددها معظم قضاة المحاكم إلى أربعة وعشرين شهرًا إن لم تكون سنوات، وملفات تلك القضايا المستعجلة تطفح بها المحاكم وتئن من هجرها هي الأخرى وتدور في حلقة مفرغة، وحتى في جلسات المحاكم لا تجد النظام والانضباط لا بالمواعيد ولا بالأوقات، والتي لا تزال في كثير من المحاكم وكأنها ملك للقاضي خاضعة لتصرفه في ملكه إلا من رحم الله.

فالمواطن اليمني يعيش آلامًا وحسرات وآهات فما أن يلجأ إلى القضاء طالبًا حماية أمواله بمنع التعرض لها أو استرداد حيازتها، أو إزالة العدوان الواقع عليها أو توريد الإيجارات الخاصة بعمارة مورثةٍ من أحد الورثة المستغل لها بمفرده إلى خزينة المحكمة للحصول على صرفته أو ما يسد رمقه ويلبي محتاجاته الضرورية ... أو غير ذلك من الأمور المستعجلة المبينة في قانون المرافعات أو المستعجلة بطبيعتها سيجد القضاء والقضاة على المحاكم الابتدائية والاستئنافية ثلاثة أنواع أو أصناف:

الأول: وهو النادر الذي يحترم القانون ويفقه الشرع ويحمي الحقوق ويرفع الظلم عنها فيبادر بالتأشير على الدعوى وتحديد موعد نظرها خلال (48) ساعة ويصدر حكمه خلال أسبوع بمنع التعرض أو استفراد الحيازة، أو إزالة العدوان ويباشر التنفيذ على الفور ولو مع استئناف الخصم للحكم، وهذا الصنف منهم يكون محل رضى الله ورسوله وعباد الله المتخاصمين؛ إلا أنه لا يستمر كثيرًا، فغالبًا أشهر قليلة بعد تعيينه ويتحول بعدها من الاستعجال إلى البطء والتأخير أسابيع ثم أشهر بحجة  تزاحم القضايا والمتقاضين.

الصنف الثاني: يدرك طبيعة القضايا المستعجلة فيقوم بإعلان الخصم ويحدد جلسة ثم جلسات ويأخذ ويعطي حول مستندات الأطراف وأدلتهم ويحوم حول الموضوع ثم يتراجع عنه إلى الدعوى المستعجلة بعد مضي أشهر ثم يصدر الحكم بالقبول أو الرفض للدعوى المستعجلة ثم يأتي دور التنفيذ للحكم فيتقدم إليه المحكوم عليه بعريضة الاستئناف فيقوم القاضي بوقف التنفيذ بحجة أن الحكم مستأنف مخالفًا بذلك القانون الذي ألزمه بالتنفيذ الجبري ولو مع استئناف الخصم للحكم، وأحيانًا نجد الخصم يقدم استشكال بالتنفيذ ويلزم طالب التنفيذ بالرد على الاستشكال ... الخ.

والصنف الثالث: ممن لا يفرق بين القضاء المستعجل والقضاء العادي وكل القضايا عنده سواء وما أحد مزيد على أحد، فبعد أن أتاه المدعي مستغيثًا وطالبًا رفع أو وقف العدوان والاعتداء على حقه من خصمه يقول له بكل برودة أعصاب: اصبر ، وإذا أنت مستعجل وغريمك يواصل البناء لاستحداث في أرضك فتحرك القسم أو النيابة حتى يأتي موعد الجلسة والتي تزيد عن شهر وبعد شهر إذا لم يحضر المدعى كلفه بالحضور بطرق الإعلان للقضايا العادية وتمضي الأشهر والمدعى عليه قد أكمل البناء وسكن ومعه الحراسة على أرض المدعي وبدلاً من اللجوء إلى القضاء لحماية حقه ويده الظاهرة وإزالة العدوان عنه يتوجه إلى جماعته أو قبيلته أو نافذين لإخراج خصمه بقوة السلاح، بدلًا من قوة القانون والقضاء.

ومثل هذه القضايا تعج بها النيابات والمحاكم والتي تتحول من دعوى مستعجلة إلى دعوى جنائية وبعضها جسيمة قتل أو شروع بقتل، أو اعتداء على ملك الغير.. !!

ويأتي الخصم بعد ذلك يطلب وقف نظر الدعوى المستعجلة لوجود دعوى جنائية مرتبطة بها وفي موضوعها وتستجيب وتلبي له المحكمة ذلك الطلب أو الدعوى وتتوقف القضية .. الخ.

ومثل هذه الأصناف الثلاثة نجد أمثالها في محاكم الاستئناف عند نظرها الاستئناف للدعاوي المستعجلة فلا عشرة أيام ولا عشرة أسابيع ولا عشرة أشهر، لنرى معظم القضايا المطعون في أحكامها المستعجلة التبرير بالفصل فيها برفض الطعون أو القبول ولا نقول ذلك تجنيًا على القضاء أو القضاة بل إنها الحقائق التي يؤيدها الواقع والأحكام التي بين أيدينا من مختلف المحاكم بكافة درجاتها.

ختامًا: هذه لمحة موجزة حول القضاء المستعجل وأهميته بقصد التذكير أو التفصيل وشرح للواقع العملي وهموم ومعاناة المتقاضين في قبة القضاء الذي حوله بعض القضاة من قضاء مستعجل إلى القضاء البطيئ، والعدالة البطيئة والظلم سواءً، وثمرات الأحكام في تنفيذها، وقيمة القوانين في قيمة القائمين على تطبيقها، وأمل الإصلاح لم يفارقنا واليأس لم يدركنا بقيام مجلس القضاء الأعلى الذي وضعت فيه قيادتنا الثورية والسياسية ثقتها ودعمها المطلق له بالقيام بالإصلاحات القضائية والشعور بتحمل المسئولية أمام الله ورسوله وعباد الله في هذا الشعب اليمني العزيز بالعمل والأخذ بالقوانين بقوة وحزم، وتطبيقها على الواقع العملي بمحاسبة ومعاقبة جادة على كل مخلٍ ومقصر بواجباته، فقد أمن العابث وقوي المهمل والفاسد نتيجة عدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، فمكان المهمل والعابث بالقوانين وأحكام الشرع وحقوق الناس مجلس المحاسبة أو بيته لا أن ينقل من محكمة إلى أخرى أو يرفع إلى درجة أعلى، حتى صار مثل هؤلاء يعبثون بقضايا المتخاصمين سنين، ولا يملك بعض أطراف الخصومة أي حجة أو برهان على دعواه سوى لدده في الخصومة ونقوده بدون حساب ليحصل على حق الغير، ويساعدهم في ذلك بعض المزورين والمتنفذين وقلة في المحاميين المجادلين بالباطل وهكذا يجدون من يفتح الباب للداخل بالباطل ومسكينة الشريعة وأصحاب الحق الذين كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها.

وإن من أهم المهمات اليوم التي تقع على رأس السلطة القضائية البحث والمعالجة بالوسائل السريعة للفصل في القضايا المتراكمة في المحاكم بمختلف درجاتها، فأصحابها قد أصبحوا أسرى المحاكم كأسرى الحرب وضاعت سنواتهم في قاعاتها وأبوابها، ولابد أن يكون المسئول على معالجة ذلك ماهرًا في تشخيص الداء حتى يدبر له ما يلائمه من الدواء، فإذا جاء العلاج على غير هذا استفحل الداء وحل االمرض والبلاء، وكان الطبيب الجاهل رسول الموت كما يقال.

الدلالات: