الجانب الإداري التنظيمي لاختلالات جهاز القضاء

نشر بتاريخ: جمعة, 12/07/2019 - 8:14م

لا يوجد اهتمام واعتراف بأهمية ودور الوظائف الإدارية المتخصصة في تنظيم وإدارة وتقييم أداء وتقويم وإدارة وتوفير احتياجات العمل القضائي وإعداد الدراسات والبحوث والخطط والمعالجات لمشاكله .. حيث يتم تعامل قيادة الدولة معه باعتباره عملاً قضائيًا بحتًا وتأتي المعالجات المتلاحقة على هذا الاعتبار.

وكذلك تتعامل قيادة المكونات القضائية مع واقع وأعمال ووظائف واختلالات ورؤى وخطط هذا الجهاز من وجهة نظر قضائية صرفة، اللوائح ومشاريع اللوائح السابقة والعرف السائد الذي يحكم أعمال السلطة القضائية سلم كل الاختصاصات والمهام والوظائف والأعمال الإدارية المتخصصة لقيادة مكونات السلطة القضائية التي حصر واضعو اللوائح المتلاحقة  حق توليتها للقضاة حصريًا.  

وهذا ما أوصلنا لمشاهدة مراجع قضائية معتبرة ومشهود لها بالنزاهة والتأريخ القضائي المشرف تهدر أوقاتها الثمينة في أعمال إدارية يمكن أن تقوم بها خبرات إدارية متخصصة يفترض تواجدها كجهاز مساعد داعم في كل مستويات الجهاز القضائي وبالصلاحيات والإمكانيات اللازمة، واستقطاب كبار إختصاصي العلوم الإدارية ذوي الخبرة لهيئات ودوائر الأمانة العامة لمجلس القضاء يعتبر من أهم معالجات اختلالات القضاء ليقوم هؤلاء الكفاءات والخبرات الإدارة والنظام والدراسة والتخطيط والإشراف على تنفيذ مكونات القضاء.

الصلاحيات والاختصاصات والوظائف  الدستورية الكبيرة الممنوحة للجهاز القضائي معطلة عبر العقود،الماضية لعدم وجود جهاز إداري قوي يمتلك صلاحيات كاملة ليقوم بها.

 ويسري الخلط بين طبيعة ووظائف ومهام العمل القضائي ليصل للمحاكم والنيابات التي يضيع أغلب أوقات العمل الثمينة للقضاة في العمل المالي والإداري بها، ويمكن معالجة هذه المشكلة بالفصل الكامل بين الأعمال القضائية التي يتولاها القضاة ويتحملون مسئوليتها وتنظم أعمالهم وأوقاتهم للقيام بها والأعمال الإدارية التي تكلف بها كفاءات إدارية متخصصة مسئولة مثلاً تخصص الامانة العامة لمجلس القضاء.

والأمانة العامة للمحكمة العليا وتنشأ أمانة عامة للتفتيش القضائي ووظيفة وزير العدل والنائب العام ومدراء عموم محاكم ونيابات الإستئناف ومدراء المحاكم والنيابات للقيام بكامل الأعمال الإدارية والمالية والتنظيمية للجهاز القضائي ويمنحون الصلاحيات والإمكانيات ويتحملون المسئوليات الكاملة عن القيام بالوظائف والمهام والأعمال الإدارية للجهاز القضائي ويرفعون دراساتهم وأبحاثهم وتقارير أدائهم وتقارير الرقابة والتقييم والتخطيط لقياداتهم الإدارية العليا وتقوم هي بعرضها ومناقشتها مع القيادة القضائية ومع قيادة الدولة للاعتماد وإقرار السياسات العامة.

الجانب الثاني للإختلال المالي والإداري

عايشنا وراقبنا تعاقب رفع راية الإصلاح القضائي وتطويره ولم نعلم بجهود حقيقية لتنفيذ هذا الهدف بشكل علمي واقعي كيف تصاغ وتمول (خارجيا بملايين الدولارات) وتنفذ مشاريع الإصلاح والتطوير؟

ولم يتم تشخيص واقع الجهاز القضائي لكامل مكوناته والبيئة المحيطة والمرتبطة بنشاطه، لم توضع قوائم الاختلالات التفصيلية وقوائم المعوقات والعراقيل والمؤثرات، ولم تقم ورش عمل متعاقبة  لكبار الإختصاصيين لمناقشتها ووضع تصورات لمعالجتها تمهيداً لوضع مصفوفة المعالجات المقترحة ورفعها لقيادة الجهاز ولقيادة الدولة للاطلاع والتوجيه بالتنفيذ ثم تحويل هذه المصفوفة لخطط مرحلية واستراتيجية حسب الأولوية والإلحاح والامكانيات المتاحة بحيث يتم سد الثغرات التنظيمية الكبرى بشكل عاجل (لإمكانية معالجتها المتوفرة وضئالة تكلفتها) مثل إعداد اللوائح غير الموجودة رغم أهمية وإلحاح وجودها.

إنشاء القطاعات والتخصصات المغيبة في بعض المكونات (دوائر الأمانة العامة المتخصصة، دراسات وبحوث، مراجعة داخلية في المحكمة العليا).

إيجاد قنوات تواصل فعالة وقوية ومقننة  بين مكونات القضاء عمودياً وأفقياً وبين الجهاز القضائي وباقي سلطات واجهزة الدولة.

تخصيص موارد السلطة القضائية لمواجهة احتياجات السلطة القضائية الأكثر إلحاحاً والأعلى جدوى، ولتمويل مشاريع المعالجات المقرة والتي سبق ترجمتها في صورة خطط مرحلية واستراتيجية موزعة على كل المكونات بكامل مستوياتها ليقوم كل مستوى ووحدة  بتنفيذ ما يخصه حسب الإختصاص وقوائم الوظائف والمهام وكنتيجة طبيعية لعدم القيام بتشخيص واقع الجهاز القضائي ووضع قوائم باختلالاته نشاهد بحسرة وألم.

قيام بعض قادة المنظومة القضائية بتكرار الممارسات والتصرفات الخاطئة التي دمرت وجمدت منظومة القضاء مثل تعيينات الأقارب توظيف  ضعيفي التأهيل وعديميه  العبث بموارد السلطة القضائية في النفقات غير الملحة وضعيفة الجدوى، إهمال وتضييع المجالات الحساسة وبالغة الأهمية استحداث قطاعات ومكونات لا يوجد ضرورة وأهمية لوجودها عدم إلغاء المكونات التضخمية عديمة الجدوى والأهمية و.....

(الجزء الثالث )

تكدس مجاميع الموظفين في الدواوين العامة لمكونات القضاء يسهم باضعاف الإحتياج الفعلي وتحول الدوواين العامة لثقوب سوداء تلتهم موارد السلطة القضائية فيما لاجدوى منه ولافائدة حقيقية وبالرغم من وجود احتياج كبير للموظفين في المحاكم والنيابات يمكن معالجته من القوى الفائضة المعطلة في الدواوين العامة.

في الجهاز القضائي لا يوجد رشد وحكمة في إدارة الموارد والكوادر والإختصاصات

لتصب كل هذه الإمكانيات لتنفيذ مشروع وطني جامع بل يسعى كل مسئول لتحقيق أمجاد شخصية ويستحوذ على ما استطاع أن يصادره في الأصل تم إنشاء الدواوين العامة لتقوم بمهام إدارة وتنظيم  وخدمة وتوفير احتياجات ومستلزمات المحاكم والنيابات وعبر عقود الفساد الماضية تحورت  وانحرفت وظيفتها عرفياً لتصبح الدواوين العامة غولاً يلتهم نفقات الجهات (المحلية والخارجية) كنتيجة مباشرة لتضخم هياكلها واستحداث ونفخ مكونات لاضرورة لوجودها أو لوجود جدوى محدودة لا تستحق التضحية بالتكاليف المهولة التي تهدرها.

وفي الدواوين العامة تم التفنن في اختراع أبواب للإنفاق وإهدار الأموال لا حصر لها (تماشيًا مع العبث الكائن في كل جهات الدولة) من مكافئات وحوافز ومساعدات ونفقات وإضافي وغيرها بما يعني لو استطعنا الحصول على أي موارد داخلية وخارجية باسم إصلاح القضاء وتطويره فإن ثقوب المنظومة المالية والإدارية ستبتلع هذه الموارد مهما كان حجمها ولن يصل للوحدات التنفيذية (المحاكم والنيابات) ولا لمشاريع التصحيح والمعالجات إلا النزر اليسير (مابقي في العروق بعد الذبح)

الخاتمة

في اعتقادي أن جذور وأسباب أغلب إشكالات واختلالات الجهاز القضائي هي في الجانب الإداري المهمل المضيع غير المعترف بأهميته وجدواه بل إن الاختلالات القضائية المعروفة تحتاج لمعالجات ذات طبيعة إدارية وللخروج،من هذا النفق المظلم أو صي باتخاذ المعالجات الإدارية الآتية:

1- استحداث دوائر متخصصة بالمهام والوظائف الإدارية المحورية في الأمانة العامة لمجلس القضاء "الدائرة المالية، دائرة الموارد البشرية، دائرة الدراسات والبحوث، دائرة التخطيط، دائرة الرقابة والمراجعة الداخلية، دائرة التشريع والتنظيم".

2- تخصيص الموارد المتاحة لمواجهة الإلتزامات الملحة لمكونات القضاء ولتنفيذ المشاريع المخططة والمقرة وتوزع للمكونات بقدر احتياجها الفعلي لتنفيذ ما يخصها في الخطة.

3- تفعيل الوظائف المعطلة والمجمدة في مكونات السلطة القضائية ورفدها بالكوادر المتخصصة عالية الخبرة (مراجعة داخلية، تخطيط، دراسات وبحوث،تقييم ،تدريب وتاهيل، تفتيش فني مهني).

4- معالجة اختلالات الموارد البشرية توزيعا وتدريبا وتأهيلاً واستقطاب كفاءات وخبرات متخصصة في المجالات المرتبطة.

نظرا لضعف مؤهلات وخبرات موظفي القضاء كنتيجة مباشرة لثقافات الملكية التي أصيب جهاز القضاء فالوزراء والوكلاء ومدراء العموم ومدراء الادارات ورؤساء الاقسام والمختصون والفراشات والسائقون والقضاة بمختلف مستوياتهم.عبر العقود الماضية وظفوا وتوسطوا لأولادهم وأقاربهم ضعيفي وعديمي التأهيل لتصبح مجاميعهم المشكلة الأعقد والأصعب معالجة.

5- الفصل التام بين الوظائف والمهام والأعمال القضائية والإدارية في كل مكونات المنظومة القضائية  ليتفرغ القضاة للقيام بوظائفهم وأعمالهم ويلتزم الإداريون بالقيام بوظائفهم ومهامهم وليمكن مسألتهم عن أخطائهم ومخالفاتهم وتقصيرهم.

6- تخصيص الموارد الكافية لصرف مكافئات وحوافز عادلة ومجزية  لموظفي المحاكم والنيابات عن أعمالهم الاضافية المرهقة التي يقومون بها خارج الدوام الرسمي (تلخيص، تحصيل، كتابة أحكام، إحضار وإبلاغ المتقاضين ...) لتحقيق العدل والإنصاف وسداً للذرائع والمبررات التي يسوقونها لتبرير مد أيديهم وخلسهم لجلود المواطنين.

وهذه الموارد يمكن توفيرها بسهولة إذا تم إغلاق حنفيات الهدر والفساد المفتوحة في الدواوين العامة.

وكذلك إيقاف النفقات التي لا يوجد ضرورة وإلحاح لصرفها في الظروف الحالية وبالحد الأدنى تخفيضها وترشيدها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

الدلالات: