مؤتمر وارسو .. تهويل وتخويف ومحاولة لتمرير صفقة القرن

نشر بتاريخ: جمعة, 31/05/2019 - 1:10ص

 

على الرغم من حجم التهويل الذي ينطوي عليه الفتح الإعلامي الذي  أعقب مؤتمر وارسو خاصة من جانب وسائل الإعلام المعروفة بارتباطها بأجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية والتي تدور في فلكها على مستوى العالم إلا أن الحقيقة الماثلة للعيان أمام كل متابع لتطورات الأحداث ومستجداتها في المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام خلال السنوات القليلة الماضية تتلخص في أن محور الشر الصهيو أمريكي يسير من فشل إلى فشل وبالتالي فإن مؤتمر وارسو لم يكن سوى انعكاساً لهذا الفشل المتراكم والتغطية عليه وتعويضه من خلال التهويل والتخويف.

لهذا فإنه ليس من قبيل المبالغة وصفه بمؤتمر الفاشلين والمحبطين وعلى رأسهم رئيس وزراء العدو الصهيوني «بنيامين نتنياهو» الذي حضر إلى وارسو وهو مثقل بالفشل والإحباط الناجمين عن عجز الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وصهره الصهيوني «جاريدكو شنر» حتى الآن عن تمرير صفقة القرن التي كان «نتنياهو» يعلق عليها آمالاً عريضة في تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل وبصورة نهائية ليتحقق بهذا إنجازاً لم يسبق إلى تحققه أي من القادة الصهاينة الذين تعاقبوا على رئاسة الحكومات الصهيونية منذ إعلان قيام كيان الاحتلال الصهيوني عام 1948م.

يضاف إلى هذا العامل من عوامل إصابة «نتنياهو» بالإحباط الهزيمة الساحقة التي لحقت بعصابات داعش وأخواتها في سوريا رغم قيام الكيان الصهيوني بتقديم كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي لها طوال أكثر من سبعة أعوام متواصلة، وكذا الهزيمة الأمنية والاستخباراتية التي لحقت بكيان الاحتلال الصهيوني على يد فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة والتي أدت إلى استقالة «أفيغدور ليبرمان» وزير الحرب والخارجية الصهيوني من حكومة نتنياهو وتفكك الحكومة والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في إبريل القادم..

ولا شك أن هذه الحالة من الفشل والإحباط التي حضر «نتنياهو» إلى وارسو وهو يعاني منها تلخص حالة بقية الحضور الذين لم يكن أي منهم أحسن حالاً منهم..

لهذا فإنه لم يكن غريباً أن يتم التعويض عن فشلهم وإحباطهم من خلال التهويل الذي ظهر بوضوح في الحديث عن أن المؤتمر يمثل الشرارة الأولى لإشعال الحرب في المنطقة بين محورين الأول محور الكيان الصهيوني وحلفائه الذين حضروا مؤتمر وارسو والثاني محور إيران وحلفائها أي محور المقاومة ..

وكان قد جرى الترويج لهذه الفكرة وتسويقها قبل عقد المؤتمر خلال الحديث عن أن الهدف الرئيسي من عقده هو إعلان تحالف عسكري موجه ضد إيران تحت اسم «ناتو الشرق الأوسط» أي أن المؤتمر بعبارة أخرى هو مؤتمر إعلان حرب، لكن وفي تناقض صارخ وعجيب فقد كان الشعار الذي حمله المؤتمر هو: «الأمن والسلام في الشرق الأوسط» وكانت الولايات المتحدة الأمريكية التي دعت إلى عقد المؤتمر وتولت رعايته هي التي وضعت هذا الشعار للمؤتمر..

واختيار واشنطن لهذا الشعار لا يرجع إلى أنها قد تحولت فجأة إلى حمامة سلام وإنما إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» أن تضع في سلم أولياتها خلال هذه المرحلة تمرير «صفقة القرن» وليس شن الحرب على إيران نظرًا لإدراكها لخطورة الحرب عليها.

وعلى كيان الاحتلال الصهيوني في حال نشوبها حتى وإن لوحت بالحرب من قبيل المزايدة والحفاظ على هيبتها.

إضافة إلى هذا فإن جميع من حضروا مؤتمر وارسو باستثناء الكيان الصهيوني ومملكة «قرن الشيطان» السعودية لا يريدون التورط في حرب كهذه بل إنهم يخشون من اشتعالها لمعرفتهم مسبقًا بأن مصالحهم ستكون أولى ضحاياها وعلى وجه الخصوص الدول الأوربية التي ظهر عدم حماسها لمؤتمر وارسو في مستوى تمثيلها فيه.

ومما يشير إلى هذا بوضوح أن رئيس الوزراء الصهيوني «نتنياهو» نشر تغريدة قبل انعقاد المؤتمر أعلن فيها أنه يستعد لحرب مع إيران ثم ما لبث أن ألغى التغريدة .. ووفقاً لما نشرته وتناقلته بعض وسائل الإعلام الأوروبية فإن قادة فرنسا وألمانيا وقيادة الإتحاد الأوروبي رفضوا المشاركة في المؤتمر نظرًا لأن أوروبا تسير قدماً باتجاه تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع إيران وليس العكس وهو ما مثَّل صفعة لواشنطن التي كانت تسعى لحشد أكبر عدد من قادة الدول الأوربية إلى مؤتمر وارسو.

وزيادة على هذا فإن ثلاثاً من الدول الخليجية التي يتباهى نتنياهو بأنها أصبحت حليفة للكيان الصهيوني وهي سلطنة عمان وقطر والكويت ترتبط بعلاقات متميزة مع إيران وبالتالي فإنه لا يمكن أن تشارك في أي حرب ضد إيران استجابة لإرادة نتنياهو.

ومما يشير إلى أن تمرير «صفقة القرن» كان على رأس أولويات الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في مؤتمر وارسو، التسجيلاتُ التي جرى تسريبها عبر هيئة البث الصهيوني «كان» وهي إذاعة مقربة من دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني .. وهي عبارة عن تسجيلات صوتية لنتنياهو خلال اجتماعه في وارسو بوزراء خارجية الدول الخليجية.

وفي التسجيلات قال «نتنياهو» مخاطبًا الوزراء الذين اجتمع بهم: «إنه لا يجب على أحد أن يرفض خطة السلام الأمريكية «صفقة القرن» قبل أن يتم عرضها من قبل الإدارة في واشنطن بشكل رسمي».

وأشار إلى أنه في الكيان الصهيوني ينتظرون الإطلاع على تفاصيل الخطة -الصفقة- بفارغ الصبر.

وشددت الإذاعة الصهيونية على أن «نتنياهو» توجه إلى وزراء الخارجية وقال لهم «إنه من أجل التوصل إلى سلام أو تطبيع مع العالم العربي يجب أن يتم قبل ذلك التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، ولكن بما أن العملية السلمية متوقفة مع الفلسطينيين منذ عدة سنوات فإننا نتقدم في العملية السلمية في الإتجاه الثاني أي السلام مع الدول العربية» موضحاً للوزراء العرب أنه في الوقت الراهن توجد مفاوضات ومباحثات واتصالات مع عدد من الدول العربية ولكنه آثر عدم الكشف عن أسماء هذه الدول، وذلك وفقاً لما ذكرت الإذاعة الصهيونية التي قالت أن «نتنياهو» كشف في التسجيلات المسربة أن الكيان الصهيوني يلتقي مع زعماء ووزراء خارجية عرب ويتناول خلال اللقاءات معهم الحديث عن القدرة على التحرك والتوجه في منطقة الشرق الأوسط دون أن تورد الإذاعة المزيد من التفاصيل لكنها أوضحت أن «نتنياهو» تطرق بإسهاب وبشكل مكثف للعلاقات الصهيونية بإسهاب وبشكل مكثف للعلاقات الصهيونية مع الدول العربية وتناول بشكل خاص قضية العلاقات معها والتي يقوم بالإشراف عليها جهاز الاستخبارات الخارجية «الموساد» وما تسمى بهيئة الأمن القومي في الكيان الصهيوني.

ومن أبرز النقاط التي وردت في هذه التسريبات والتي تستدعي التوقف عندها:

  • حديث نتنياهو عن أنهم في الكيان الصهيوني ينتظرون بفارغ الصبر الاطلاع على تفاصيل خطة السلام الأمريكية -صفقة القرن- وكأنه لا يعرف شيئاً عن -الصفقة- وتفاصيلها في حين أنه أحد مهندسيها الرئيسيين والمشاركين في صياغتها منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
  • حديثه عن توقف –العملية السلمية- مع الفلسطينيين منذ عدة سنوات مقابل التقدم في –الاتجاه الثاني- أي السلام مع الدول العربية وعن وجود مفاوضات ومباحثات واتصالات مع عدد من الدول العربية التي آثر عدم الكشف عن أسمائها – وفقاً لما جاء في التسريبات التي أوردتها الإذاعة الصهيونية- وهو أمر يثير السخرية باعتبار أن الوزراء معهم «نتنياهو» وأدلى بهذا الحديث إليهم يمثلون الدول العربية التي آثر عدم الكشف عن أسمائها!!

وهذه النقطة كما النقطة التي سبقتها تعكس بشكل واضح مستوى الإستخفاف الذي وصل إليه «نتنياهو» في تعامله مع الوزراء الخليجيين واستهانته الواضحة بعقولهم.

  • حديث نتنياهو عن أنه من أجل التوصل إلى سلام أو تطبيع مع العالم العربي يجب أن يتم قبل ذلك التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وهذا لا يعني سوى أن الدول الخليجية هي التي أصبحت تتوسل التطبيع وليس الكيان الصهيوني كما كان في الماضي، وأن نتنياهو يضع أمامهم شرطاً للتوصل إلى سلام أو تطبيع معهم هو التوصل قبل هذا إلى سلام مع الفلسطينيين.

وبعبارة أخرى أن عليهم أولاً الضغط على الفلسطينيين للقبول بـ «صفقة القرن» إذا أرادوا أن تقبل «إسرائيل» بالسلام والتطبيع معهم!!!.

ومن خلال هذه المعطيات يمكن استخلاص أن تمرير «صفقة القرن» هو الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال الصهيوني في الوقت الراهن.. أما مواجهة إيران عسكرياً سواء من خلال ما أصبح يعرف في التداول الإعلامي بـ«ناتو الشرق الأوسط» أو من خلال التدخل الأمريكي المباشر فإنه يبقى أمراً مستبعداً نظراً لتنامي قدرات إيران العسكرية التي من خلالها تستطيع توجيه ضربات قوية وموجعة ليس فقط للكيان الصهيوني وإنما أيضًا للقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة في حال شن الحرب عليها.

ويبقى الاحتمال المتوقع على هذا الصعيد أن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ومملكة قرن الشيطان السعودي ودويلة الإمارات وهي أكثر الأطراف حماسًا لشن الحرب على إيران إلى نقل العصابات الإرهابية من القاعدة وداعش وأخواتهما من سوريا إلى حدود باكستان مع إيران والقيام بتسليحها وتمويلها وتوجيهها بالتالي لشن هجمات ضد إيران أو على الأقل تنفيذ عمليات إرهابية داخل المدن الإيرانية انطلاقاً من الحدود الباكستانية كما حدث مؤخراً.. كما أنه من غير المستبعد أيضًا أن تتم مهاجمة إيران أو تنفيذ عمليات إرهابية ضدها انطلاقاً من حدودها مع أفغانستان في نفس الوقت.. أي أن تتم مشاغلتها انطلاقاً من باكستان وأفغانستان في وقت واحد كسيناريو بديل لسيناريو شن الحرب عليها بشكل مباشر باعتبار أن هذا السيناريو ستكون نتائجه وخيمة ومدمرة للكيان الصهيوني بالدرجة الأولى وللقواعد العسكرية الأمريكية وحلفاء واشنطن وعلى رأسهم السعودية والإمارات بالدرجة الثانية... لكن هذا الاحتمال وتنفيذ السيناريو البديل يبقى رهناً بتجاوب كل من باكستان وأفغانستان معه وهو ما ستكشف عنه دون شك الأيام والشهور القادمة.