في خضم الصراع الكبير محطات غير منفصلة

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 04/09/2018 - 4:31م

خلال شهري رمضان وشوال الماضيين مرت الأمة بعدة محطات من أقصاها إلى أقصاها وهي تَبدو في ظاهرة منفصلة عن بعضها مكاناً وزماناً ولكنها واقعاً غير منفصل أبداً بل بينها ترابط قوي ومتين، فاليمن محور مهم للأحداث في هذا العالم، ونود في هذه العجالة استعراض أبرز المحطات والصلات التي بينها.

خلال شهر رمضان الكريم صعَّدَت قوى العدوان الأمريكي على اليمن وبالأخص الإمارات من عدوانها على الساحل الغربي عسكرياً وإعلامياً وزحفت على موجتين تكسرت الموجة الأولى في شهر رمضان الكريم وتكسرت الموجة الثانية في العشر الأُوَل من شهر شوال، وتكسرت الهيبة الإماراتية السعودية وبدأ العالم يغير نظرته بشكل جدي هذه المرة إلى الوضع في اليمن، وسارع المبعوث الأممي ليعقد عدة لقاءات فزار صنعاء أكثر من مرة، وبين كل زيارة والأخرى أيام معدودة، وتوافد إلى صنعاء سفيرة الاتحاد الأوربي، وسفير فرنسا ومسؤول الإغاثة الإنسانية في السفارة.. وأعربت السويد عن رغبتها في استضافة المحادثات اليمنية.. وكل هؤلاء يتنصلون عن أي مشاركة أو تأييد للعدوان السعودي على اليمن.

تحالف العدوان السعودي الأمريكي الذي قدم السعودية في أول العدوان أنها تقود تحالفاً إسلامياً لمحاربة الإرهاب وهي تريد تحشيد الدول التي تعرف بالدول الإسلامية خلفها في العدوان  على اليمن كي يمدوها بجيش مثل جن سليمان حتى يقتحموا لها اليمن في ليلة، لكن ذلك التحالف تراخى حتى انكشف مؤخراً عن مرتزقة يمنيين وسودانيين وغرفة عمليات فيها السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا و(إسرائيل) فأين هو التحالف الإسلامي المكذوب.

خرجت المغرب في بداية العدوان بعد أن سقطت لها طائرة في صعدة وتسلم جمال بن عمر المبعوث الأممي الأسبق جثمان الطيار المغربي هناك في صعدة خشية على الجثمان من غارات الطيران السعودي عند نقله إلى صنعاء في ذروة الغرور السعودي، واليوم أين هي المغرب.

خرجت قطر من التحالف بعد أن أصبحت هي هدفاً للتحالف نفسه ووجدت نفسها محاصرة من السعودية والإمارات، وخلال هذا الشهر غيرت قناة الجزيرة من نغمتها وأصبحت تقول: التحالف السعودي الإماراتي بدل التحالف العربي الذي دأبت على التعبير به عن واقع العدوان على اليمن، وشتان بين الاصطلاحين، فليست السعودية والإمارات هم كل العرب، حاشا وكلا، ولقد كان عودة الجزيرة عن تدليسها عودة رشيدة وقريباً ربما ستصف التحالف المصطلح الحق (العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على اليمن).

حين كانت تزعم الجزيرة أن السعودية والإمارات تحالف عربي كنت أتذكر ذلك الذي يعتبر معاوية هو كل الصحابة، فإذا سمع من ينال منه قال: إن هذا ينال من الصحابة.

لم تدخل تركيا الحرب منذ بداية العدوان رغم حضورها مؤتمرات بن سلمان ورهان السعودية عليها بالتدخل بجيش تركي لماذا؟

ولم تتدخل مصر كذلك بجيش مصري في غزو اليمن رغم استلامها أموالاً سعودية زي الرز، فلماذا هذا الإحجام التركي المصري منذ البداية؟

إن النصب التذكاري القائم حالياً في شارع الزبيري على السايلة للجندي التركي يقدم تفسيراً، وكذلك النصب التذكاري للجندي المصري القائم في عصر، وكلا النصبين الخيانيين يحكيان قصة قيام الجيوش التركية في القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر بغزو اليمن وخروجها مهزومة، وكذلك قيام الجيش المصري في ستينيات القرن العشرين بغزو اليمن.

لم تنطل على مصر وتركيا مزاعم الشرعية وأن المهمة مختلفة فالغزو غزو  واليمن يمن. وهكذا تحتاج كل دولة كما يبدو إلى مجازر بشعة في اليمن حتى تفهم أن غزو اليمن ليس نزهة، وأعتقد أن السعودية عرضت على الحبشة التدخل ولكن الحبشة بدورها تذكرت أبرهة وجيوشه فلم ترسل جيشاً إلى اليمن وتركت المهمة لمجرم الحرب عمر البشير ليرسل السودانيين حتى يقتلوا في صحاري اليمن وسواحله.

وخلال الشهرين الماضيين خرجت ماليزيا من هذا التحالف المشؤوم بعد رئيس وزراءها الدكتور مهاتير محمد إلى الحكم وإرسال الحكام السابقين إلى السجن كما كانت الكويت قديماً درست منذ العام 2016م حين استضافت المفاوضات، وهذا يفسر لجوءها الأخير إلى الصين لتوقيع اتفاقيات حماية واستثمار وسخط «ترامب» عليها ثمنه أن أمريكا حررت الكويت من احتلال العراق.

وهاهي المحاور تشكل اليوم على نحو مختلف هناك محور قطر، تركيا، المغرب، ويحاول التقرب من باكستان وأن يشبك علاقته بالصين وهو بالضرورة يصطدم بمصالح أدوات أمريكا في المنطقة الأكثر انبطاحاً لها وهي الإمارات، والسعودية، ومصر.. والخلاف على أشده بين هذه المحاور. فلم يتفتت التحالف العدواني السعودي الأمريكي بل تحول الحلفاء إلى أعداء والمؤامرات اقتصادية وسياسية على أشدها، والتحالف المتبقي مع السعودية مستمر وستتفتت السعودية نفسها ذات يوم، والخلافات داخلها على أشدها منذ دخل الأمراء السجون وتلاهم العلماء فحبس ابن سلمان خلال هذين الشهرين سفر الحوالي وولديه وأقاربه، والشيخه الغامدي المدرسي في المسجد النبوي، وكان الشيخ سليمان العودة قد سبقهما إلى السجن، وكل هذه التصرفات ليست بعيدة عن جرائم آل سعود الكبرى وهي الجرائم الثلاث.

الأولى: العدوان على اليمن، والثانية: التحلل من قيم الإسلام علانية، والثالثة: التآمر على فلسطين والتحالف مع الكيان الصهيوني من خلال صفقة القرن علناً وعلى رؤوس الأشهاد.

ولم يكف السعودية من الخزي أن تنقلب على كل العناوين التي ظلت تزايد بها على المسلمين والبشرية زمناً طويلاً مثل الالتزام بالسنة، فقد أعلنت جهرة انقلابها على الإسلام جملة وتفصيلاًن وفتح بيوت للدعارة تحت عنوان الترفيه وتحت هذا العنوان أطاحوا بكل معلوم من الدين بالضرورة.

ولم يكفها من الخزي أن تتنصل عن دعم قضية فلسطين التي طالما تشدقت بها للسيطرة على الملف ومنع أي تحرك حقيقي لخدمة فلسطين خارج أجندتها المرسومة سلفاً بل إنها اليوم كرد على صمود الشعب اليمني مع القضية الفلسطينية هاتفاً مع كل صاروخ بكلمة على السعودية (الموت لإسرائيل) إذا بالسعودية تتظاهر جهرة أمام العالم بأنها تؤمن بحق (الحياة لإسرائيل).

إنها من أعظم تجليات هذا الصمود وهذه المفاصل التاريخية، وإن مما يشهد لصدق الشعب اليمني مع فلسطين أن أعداءه السعوديين يقفون مع إسرائيل علناً رداً منهم على اليمن وهم يشهدون بذلك أن اليمن وفلسطين في خندق واحد ولذلك فهم يتخذون الخندق المقابل، أما الإمارات فهي في طريقها للتفكك وقد لجأ خلال الشهرين الماضيين أحد مشائخها إلى قطر بسبب العدوان على اليمن، ماذا يحصل في الاتجاه الآخر؟ ليتعزز الصمود اليمني فيخرج السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله موجهاً ميدان المعركة في الحديدة من على شاشات التلفزة فيوجه أبناء اليمن بانطلاقة صادقة إلى الساحل الغربي لتقطيع أوصال الغزاة وذلك ما حصل بالفعل في تحرك أذهل العالم، وخرج سيد المقاومة الإسلامية والجهاد السيد حسن نصر الله ليلقي خطاباً معلناً فيه أنه يتمنى هو وأصحابه في حزب الله أن يكونوا جنوداً مقاتلين في الساحل الغربي باعتبارها معركة الإسلام في وجه الكفر قائلاً: (يا ليتني كنت معكم مقاتلاً إلى جانبكم تحت قيادة قائدكم العزيز والشجاع) فتلهب هذه الكلمات حماس أبناء اليمن فتخرج الرجال والشباب من بيوتهم ويودعون أمهاتم قائلين: إنا لنستحي أن نترك الساحل الغربي وقد صار السيد حسن نصر الله يتمنى أن يكون جندياً مقاتلاً في هذا الساحل تحت راية السيد عبدالملك نصرة للحق.

ويأتي موقف الحاج أبو مهدي المهندس ورجالات الحشد الشعبي في العراق وفصائل المقاومة هناك معلنة استعدادها للجهاد في سبيل الله وأنها ملتزمة بتنفيذ ما يطلبه منها السيد القائد عبدالملك، ويخرج الجزائريون في وجه السديس وتصدر تصريحات قوية في وجه العدوان السعودي، ويصدر خطباء مساجد تونس بياناً يحتجون فيه على رفع أسعار الحج لتذهب الأموال لقتل أبناء اليمن ويعلنون اعتراضهم على ذلك حتى لو أدى بهم إلى الإضراب عن الحج، وتخرج المظاهرات في تركيا رافعة صور السيد القائد عبدالملك الحوثي ومحتجة على العدوان السعودي الأمريكي، وتستمر مسيرات العودة في فلسطين المحتلة تحرق صور بن سلمان من جهة وتهتف ضد إسرائيل من جهة أخرى فينتفض نتنياهو مرعوباً من الطائرات الورقية ومعلناً وبرعب ملحوظ بأن التصعيد لن يتوقف ضد غزة حتى تتوقف الطائرات الورقية.

ومن هناك تتخذ أمريكا أكثر قراراتها حماقة بعد قرار نقل السفارة إلى القدس فتنسحب من الاتفاق النووي مع إيران ويأتي الموقف الإيراني الأقوى على لسان رئيسها روحاني لن يتصدر نفط إذا لم يصدَّر النفط الإيراني، وهو التصريح الذي خلط الأوراق والحسابات.

ويخرج السيد عبدالملك الحوثي في خطاب ذكرى الصرخة آخر جمعة من شوال فيجمع شتات كل هذه الأحداث في خطاب متحدثاً عن انطلاقة الشعار ووضعية الأمة آنذاك وسيطرة أمريكا على العالم الإسلامي وثروات الأمة ومقدساتها واحتلال وعي الإنسان المسلم وفصله عن هويته ومحورية مواجهة الكفار والمنافقين في القرآن، وخطر التقاعس عن هذه المسؤولية على دين الإنسان ووعيد الله للمتخاذلين عن مواجهة العدو بسواد الوجوه يوم القيامة، وعن خطورة التمكن الأمريكي الإسرائيلي من الأمة حين يسوس شأنها عدوها على أساس من العداوة فينهب ثرواتها ويصنع البؤس لشعوبها ثم يحولهم إلى حطب يوقد بهم نيرانه أينما توجه .. تحدث السيد القائد عن دعم القضية الفلسطينية في وجه كل المؤامرات التي تستهدفها وعلى رأسها مؤامرة صفقة القرن التي يلعب السعودي دور الغراب فيها، ويتحدث عن أطياف الأمة في مواجهة الغزاة بين عملاء أو خانعين متجهزين للاستسلام أو صامدين مجاهدين حملوا روح الإسلام المحمدي الأصيل، ثم يتوجه بالشكر لكل من تضامن مع اليمن وشخص السيد حسن نصر الله بالثناء، ولا ينس العراقيين والتونسيين وكل الشعوب الحرة، ثم يؤكد على الصمود في الساحل الغربي وكل الجبهات، وكانت تلك الكلمات الرنانة بلسماً لقلوب المستضعفين المحتشدين في صنعاء والحديدة وصعدة ومختلف المدن اليمنية الحرة والتي ترى في القائد خيط القلادة اليمنية وسلك نظامها تدور بوجوده وتنتظم في حدوده وتصمد بصموده.

وصدق الله القائل على لسان بني إسرائيل من بعد موسى ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ﴾.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله عليى سيدنا محمد وآله الطاهرين.