أحكام الأضحية

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 21/08/2018 - 9:41ص

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين.

أما بعد .. فإن الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة ومن أعظم القربات والطاعات وهي شعار على إخلاص العبادة لله وحده والتسليم لأمره، ومن هنا جاءت مشروعية الأضحية في الإسلام وقد تكلم علماء الإسلام في أحكامها التي يمكن إجمالها فيما يلي:

الأضحية

الأضحية بضم الهمزة وكسرها مع تخفيف الياء وتشديدها، هي إحدى شعائر الإسلام التي يتقرب بها المسلمون إلى الله بتقديم ما يذبح أو ينحر من النعم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر.

وتعرف الأضحية في اللغة: اسم لما يضحّى بها أو لما يذبح ايام عيد الأضحى، وجمعها: الأضاحي، وقد وردت على أربع لغات هي:-

أُضحِية والجمع أَضَاحِيٌّ، وإِضحِية وضَحِيَّة والجمع ضَحَايَا، وأَضحَاةٌ والجمع أضْحَى.

وشرعاً: ذبح حيوان مخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى في وقت مخصوص.

سبب تسميتها

قيل في ذلك نسبة لوقت الضحى لأنه هو الوقت المشروع لبداية الأضحية.

أصلها

ورد في القرآن الكريم أصل الأضحية وهي:

أن نبي الله إبراهيم عليه السلام رأى في منامه رؤيا بأنه يذبح ابنه إسماعيل فاستشاره ووافق إسماعيل عليهما السلام لأن رؤياء الأنبياء عليهم السلام في المنظور الإسلامي حق ويجب تطبيقها، قال سيد قطب في تفسيره (ظلال القرآن) وهو يتحدث عن نبي الله إبراهيم عليه السلام:

(ثم تجيء الحلقة الثانية من قصة إبراهيم.. لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه . لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم . وأراد الله أن يكونوا هم الأسفلين؛ ونجاه من كيدهم أجمعين .

عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة؛ وطوى صفحة لينشر صفحة : ﴿وقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين ﴾ .. هكذا.. إني ذاهب إلى ربي.. إنها الهجرة . وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية . هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته . يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض ، وبهؤلاء الناس . ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل . ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء ، طارحاً وراءه كل شيء ، مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً . موقن أن ربه سيهديه ، وسيرعى خطاه ، وينقلها في الطريق المستقيم .

إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال ، ومن وضع إلى وضع ، ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء . إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .

وكان إبراهيم حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له؛ وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى ، والصحبة والمعرفة . وكل مألوف له في ماضي حياته ، وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها ، والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم! فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه. اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح :﴿رب هب لي من الصالحين﴾ .

واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد ، الذي ترك وراءه كل شيء ، وجاء إليه بقلب سليم.. ﴿فبشرناه بغلام حليم﴾ .. هو إسماعيل كما يرجح سياق السيرة والسورة وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام . ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام ، الذي يصفه ربه بأنه حليم .

والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم . بل في حياة البشر أجمعين . وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن أمام المثل الموحي الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم.. ﴿فلما بلغ معه السعي . قال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ، فانظر ماذا ترى . قال : يا أبت افعل ما تؤمر: ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ . .

يالله! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم . .

هذا إبراهيم الشيخ . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن . ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه . فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم . وها هو ذا ما يكاد يأنس به ، وصباه يتفتح ، ويبلغ معه السعي ، ويرافقه في الحياة.. ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد ، حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية. فماذا؟ إنه لا يتردد ، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة ، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم.. نعم إنها إشارة. مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً ، ولا أمراً مباشراً . ولكنها إشارة من ربه .. وهذا يكفي.. هذا يكفي ليلبي ويستجيب . ودون أن يعترض . ودون أن يسأل ربه .. لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد؟!

ولكنه لا يلبي في انزعاج ، ولا يستسلم في جزع ، ولا يطيع في اضطراب .. كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:﴿قال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك . فانظر ماذا ترى ﴾ .

فهي كلمات المالك لأعصابه ، المطمئن للأمر الذي يواجهه ، الواثق بأنه يؤدي واجبه . وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن ، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه ، في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي ، ويستريح من ثقله على أعصابه! والأمر شاق ما في ذلك شك فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة . ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته .. إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا؟ يتولى ذبحه .. وهو مع هذا يتلقى الأمر هذا التلقي ، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره ، وأن يرى فيه رأيه! إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه.

وينتهي . إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر . فالأمر في حسه هكذا . ربه يريد . فليكن ما يريد . على العين والرأس . وابنه ينبغي أن يعرف . وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً ، لا قهراً واضطراراً . لينال هو الآخر أجر الطاعة ، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم! إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى .. فماذا يكون من أمر الغلام ، الذي يعرض عليه الذبح ، تصديقاً لرؤيا رآها أبوه؟ إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه : ﴿ قال : يا أبت افعل ما تؤمر . ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ .. إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين .. ﴿يا أبت﴾ .. في مودة وقربى . فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده. بل لا يفقده أدبه ومودته.

﴿افعل ما تؤمر﴾ .. فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة . وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب . ثم هو الأدب مع الله ، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية ، ومساعدته على الطاعة : ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ . .
ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة . ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً .. إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه ، وأصبره على ما يراد به : ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾ .. يا للأدب مع الله! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم! ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام.. يخطو إلى التنفيذ : ﴿فلما أسلما وتله للجبين﴾ .. مرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان .. إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً . وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً .

لقد أسلما .. فهذا هو الإسلام . هذا هو الإسلام في حقيقته . ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم .. وتنفيذ .. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم.

إنها ليست الشجاعة والجراءة . وليس الاندفاع والحماسة . لقد يندفع المجاهد في الميدان ، يقتل ويقتل . ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود . ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر .. ليس هنا دم فائر ، ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد ، العارف بما يفعل، المطمئن لما يكون .

لا بل هنا الرضى الهادئ المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل!

وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا . كانا قد أسلما . كانا قد حققا الأمر والتكليف . ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل ، ويسيل دمه ، وتزهق روحه .. وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله ، بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما .. كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . ونتائجه قد ظهرت . وغاياته قد تحققت . ولم يعد إلا الألم البدني . وإلا الدم المسفوح . والجسد الذبيح . والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء . ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا ، وقد حققوا التكليف ، وقد جازوا الامتحان بنجاح .

وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما . فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا : ﴿وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم﴾ .. قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه ، ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة . وأنت يا إبراهيم قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت . يفديها بذبح عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل!

وقيل له : ﴿إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ .. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء!

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى ، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم ، الذي تتبع ملته ، والذي ترث نسبه وعقيدته . ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ، ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئاً ، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم! ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء؛ ولا أن يؤذيها بالبلاء ، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه ، ولا تتألى عليه ، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام .

واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها . وأكرمها كما أكرم أباها .. ﴿وتركنا عليه في الآخرين﴾ .. فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء . وهو أبو هذه الأمة المسلمة . وهي وارثة ملته . وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم . فجعلها الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين ) ([1]).

الذي يجزئ أضحية

يجزئ من الضأن الجذع فصاعدا، ومن غيره الثني فصاعداً، والجذع من الضان ما قد تم له حول، والثني من الضأن والمعز والبقر ما تم له حولان، والجذع من الإبل ما تم له أربع سنين، والثني منها ما تم له خمس سنين.

وعند الإمام المنصور بالله أن الجذع من الضان ما تمت له ستة أشهر ودخل في السابع وهو قول الحنفية والحنابلة وبعض المالكية.

والأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام فلا يجوز أن يُضحى بغير ذلك من الدجاج والخيل والضباء وغيرها من الحيوانات.

أما العجول المسمنة وهي التي لم تبلغ السن المعتبرة شرعاً، لكن يقوم أهلها بتسمينها فتصبح أكثر وزناً من التي بلغت السن المعتبرة فلا يضحى بها لأن السن معتبر كما ذلك ثابت في الأحاديث، وليس اللحم هو المقصود من الأ       ضحية وإنما المقصود التعبد لله بالذبح.

عن كم تجزئ الأضحية

تجزئ أضحية الشخص الواحد عن أهل بيته ولو كثروا لفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ ولفهم مَن سمعة إذ لم يذبح أحد من آل بيته عن نفسه لاكتفائهم بأضحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «هذا عن محمد وآله» رواه عبدالرزاق، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية» رواه أبو داود، وعن أبي أيوب الأنصاري قال: «كان الرجل في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون» رواه ابن ماجة، والترمذي، وصححه، فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضان أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب.

كما يجوز أن يشترك سبعة أشخاص في البقر وعشرة أشخاص في الإبل لحديث ابن عباس قال: «كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في الجذور عن عشرة والبقرة عن سبعة».

ما لا يجزئ أضحية

جملة ما لا يجزئ أضحية اثنتا عشرة، وهي:-

الشرقاء: مشقوقة الأذن طولاً مما يلي الرقبة.

والمثقوبة: أذنها ولو يسيراً.

والمقابلة: مقطوعة طرف الأذن مما يلي الوجه.

والمدابرة: مقطوعة جانب الأذن من مؤخرها مما يلي الرقبة.

والعمياء.

والعجفاء: التي لا مخ في عظمها ولا سمن فيها، ومثلها شديدة المرض وإن لم تكن قد عجفت، والجرباء، والثولاء، وهي المجنونة ولو كانت سمينة.

والعوراء: التي ذهبت إحدى عينيها.

وبيّنة العرج: التي لا تبلغ المنحر على قوائمها الأربع، فلو بلغت المنحر عليها أجزأت ولو عرجت.

ومسلوبة القرن، والأذن، والذنب، والألية: ولا فرق في هذه الأربعة الأخيرة بين أن تكون ذاهبة من أصل الخلقة، أو طرأ عليها الذهاب.

ويعفى عن اليسير في الكل المتقدم غير الأذن المثقوبة كما تقدم، واليسير هو دون الثلث، فعلى هذا إذا كان الشق بطول الأذن أكثر من الثلث وهو بجانب منها، وذلك الجانب أقل من الثلث لم يضر؛ لأنه لو قطع وأُبين كان أقل من الثلث.

ويعرف اليسير في العجفاء بالقيمة.

أما الأشرج وهو: ما كان له إحدى الخصيتين من أصل الخلقة فإنه يجزئ أضحية.

ففي (أمالي أحمد بن عيسى) عليه السلام عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: في الأضحية صحيحة العينين والأذنين والقوائم، الثني من المعز، والجذع من الضان إذا كان سميناً، لا جرباء، ولا جدعاء، ولا هرمة، فإذا أصابها شيء بعدما اشتراها فلا بأس بها.

وفي (الجامع الكافي) وعن الحسن إذا اشترى الرجل أضحيته فوجدها عوراء فلا تجزئ إلا أن يكون أصابها العور بعدما اشتراها، فلا بأس بها، قال محمد بن منصور: ولا يُضحى بشرقاء، ولا خرقاء، ولا مقابلة ولا مدابرة، سمعنا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ نهى عن ذلك.

وأخرج أصحاب السنن الأربع واللفظ للنسائي عن شريح بن النعمان عن علي عليه السلام قال: «أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء»

مشروعية الأضحية

لا خلاف بين المسلمين جميعاً على مشروعية الأضحية، وأن لها منزلة كبيرة وشأناً في الإسلام، وورد في شأنها آيات وأحاديث تدل على مشروعيتها، مثل قوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾[الحج:27] وقوله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون * لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِين﴾[الحج: 36، 37]، وقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر﴾[الكوثر:2] أي صل صلاة العيد وانحر أضحيتك على أحد التأويلات.

ومن السنة دل على شرعيتها فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ فإنه كان يصلي صلاة العيد وينحر في المصلَّى عقيب الصلاة أضحيته، وفي (الأحكام) للإمام الهادي عليه السلام: وقد روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ أنه ضحى بخصي، قال يحيى بن الحسين: وبلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «صعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ المنبر يوم الأضحى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس من كان عنده سعة فليعظم شعائر الله، ومن لم يكن عنده فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ثم نزل فتلقاه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني ذبحت أضحيتي قبل أن أخرج وأمرتهم أن يصنعوها لعلك أن تكرمني بنفسك اليوم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: شاتك شاة لحم، فإن كان عندك غيرها فضح بها، فقال: ما عندي إلا عناق لي جذعة، فقال: ضح بها فإنها لا تحل لأحد بعدك، ثم قال: ما كان لأحد من الضان جذعاً سميناً فلا بأس أن يضحي به، وما كان من المعز فلا يصلح».

وفي (أمالي الإمام أبي طالب) عليه السلام بسنده إلى ابن عباس قال: «كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ كل عام يضحي بكبشين أملحين أقرنين».

حكم الأضحية

عند أئمتنا عليهم السلام أن الأضحية مسنونة وليست بواجبة حيث قالوا: تسن لكل مكلف حر مسلم متمكن سواء كان ذكراً أم أنثى  كما هو قول الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة.

والدليل على أنها سنة ما رواه الأمير الحسين في كتابه (الشفاء) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «ثلاثة عليَّ فرض ولكم تطوع، النحر، والوتر، وركعتا الفجر» وفيه: وعنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «أمرت أن أُضحي ولم تؤمروا» وفيه أيضاً وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ أنه قال في الأضحية: «هي كتبت عليَّ ولم تكتب عليكم» وما تقدم في الخبر الذي رواه في (الأحكام) عن الإمام زيد بن علي عليهم السلام.

وفي (أمالي المرشد بالله) عليه السلام بسنده إلى أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «من كان عنده ذبح أراد أن يذبحه وأراد أن يضحي به، فإذا كان هلال ذي الحجة فلا يأخذ شعراً ولا يقلمن ظفراً».

وحديث مسلم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك من شعره وأظافره» وفي رواية «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي...» إذ جعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ مفوضاً إلى إرادتنا.

وروى الترمذي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ قال: «أُمرت بالنحر وهو سنة لكم» وروى الدارقطني «كتب عليّ النحر وليس بواجب عليكم».

وعندما قلنا إنها تسن لكل مكلف سواء كان ذكراً أو أنثى وذلك لما أخرجه الحاكم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ قال لفاطمة رضي الله عنها: «قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك».

والخلاصة: أن الأضحية سنة مؤكدة وتتأكد على من عنده سعة من المال لأنها من آكد أنواع العبادات المشروعة يوم عيد الأضحى ويومان بعده.

وقد داوم عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ في المدينة فكان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين كما ثبت ذلك عنه في كتب أئمتنا عليهم السلام وغيرها.

وإذا كان الشخص لا يملك ثمن الأضحية لكونه فقيراً فليس عليه شيء، ويجوز شراء الأضحية ديناً لمن يقدر على السداد.

بيان وقت الأضحية

عند أئمتنا عليهم السلام أن وقت الأضحية لمن لا تلزمه الصلاة رأساً وهي الحائض، والنفساء، وكذا من يرى أن صلاة العيد سنة – من فجر النحر وهو يوم العيد إلى آخر ثالثه، وهو الثاني عشر من ذي الحجة، أي يختص بيوم النحر ويومين بعده، وإذا ذبح في الليل في اليومين الآخرين جاز من غير كراهة، وتعجيلها في اليوم الأول أفضل.

ووقتها لمن تلزمه الصلاة وصلى من عقيبها أي من كان يرى وجوب صلاة العيد وأنها فرض عين وهو المذهب، أو فرض كفاية ولم يصلها في الميل غيره فإنها لا تجزئه إلا بعد أن يصلي، أو بعد صلاة مصل غيره في الميل ولو فرادى.

وإذا كان الشخص يرى وجوب صلاة العيد ولم يصل ولا صلاها في الميل غيره لم تجز الأضحية إلا بعد خروج وقت الصلاة وهو دخول وقت الزوال؛ إذ به يدخل الوقت المكروه ويفوت وقت أداء الصلاة.

والحاصل: أن وقت الأضحية من عقيب صلاته أو صلاة غيره في الميل أو دخول الوقت المكروه.

والدليل على أن الأضحية لا تجزئ إلا بعد صلاة العيد ما أخرجه أئمتنا عليهم السلام، والنسائي عن البراء بن عازب قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ يوم الأضحى فقال: «من توجه قبلتنا فصلى صلواتنا ونسك نسكنا فلا يذبح حتى يصلي،  فقام خالي، فقال: يا رسول الله إني عجلت بنسكي لأطعم أهلي وأهل داري وجيراني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: أعِد ذبحاً آخر، قال: فإن عندي عناقاً لبن هن أحب إليّ من شاتي لحم، قال: إذبحها فإنها خير نسكيك، ولن تقضي جذعة عن أحد بعدك».

وما تقدم في (أحكام الإمام الهادي) عليه السلام.

والدليل على مدة ذبح الأضحية أنه يوم العيد ويومان بعده، ما رواه الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: «أيام النحر ثلاثة أيام، يوم العاشر من ذي الحجة ويومان بعده في أيها ذبحت أجزأك وأشهر الحج ثلاثة، وهي قول الله عزوجل: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، والأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات هي أيام التشريق».

ولحديث ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ «نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث».

وفي (الأحكام) للإمام الهادي عليه السلام، وكذلك يروى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ أنه نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، ثم قال بعد ذلك «إني كنت نهيتكم عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاث فاحبسوا ما بدا لكم»، وأخرج مالك في (الموطأ) عن نافع أن عبدالله بن عمر قال: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة.

الأضحية والتكافل الإجتماعي في الإسلام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله

ونحن بين يدي عيد الأضحى المبارك  نرى وندرك حرص الإسلام على بناء مجتمعٍ قويٍّ قادرٍ على مواجهة التحدِّيات والأزمات المختلفة، مجتمع حضاري راقٍ، يرحم القويُّ فيه الضعيفَ، ويعطف الغنيُّ على الفقير، ويعطي القادرُ ذا الحاجة. كما حرص على بناءِ مجتمعٍ أخلاقيٍّ متقاربٍ ومتحابٍّ ومتعاونٍ على الخير وفعل المعروف، ومن ثَمَّ جَاءَ بمنهجٍ رائع في بناء المجتمع البشريِّ كُلِّه، وجَعل كل فرد فيه متعاونًا مع غيره على الخير العام، مُغِيثًا له حال الحاجة والاضطرار.

إن قيمة التكافل بين الناس، وخُلُقَ إغاثة الملهوف من الأمور التي لا يقوم المجتمع المسلم إلا بها، قيمة إنسانية اجتماعية راقية.

 وقد سبق الإسلام في تطبيقها على أرض الواقع سبقًا بعيدًا، . وسلك التشريع الإسلاميُّ لتشجيع المسلمين على التمسُّك بذلك الخُلُق طُرُقًا متنوعة، واتَّخذ وسائل متعددة؛ ذلك لأنه دين عمليٌّ يربط الفكرة بالعمل، كما يربط أيضًا النظرية بالتطبيق، وليس مجرَّد خيال يداعب أحلام المصلحين. ومن ثَمَّ كانت هذه الوسائل التي اعتمدها الإسلام في ترسيخ هذا المعنى ابتداءً في أذهان المسلمين، ولذلك أيضًا جاءت النصوص متوافرة، تؤكِّد هذا المعنى وتعضِّده.

 كما كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله  تطبيقًا عمليًّا للعمل التكافليِّ والإغاثيِّ، ومن هذه الوسائل دعوة الإسلام المنتمين إليه إلى الصدقة والإنفاق في سبيل الله بصورة عامة غير مختصة بزمن ولا وقت ليبقى ذلك شعارا للمسلم وصورة حية للاهتمام بإخوانه من المحتاجين والفقراء والمعوزين ورتب على ذلك الأجور العظيمة والهبات الجليلة فضلا عن ضمان ما ينفقه المؤمن وطمأنته من خوف الفقر «فما نقص مال من صدقة» و﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾.

كما ربط الإسلام الصدقة والإنفاق بمناسبات وظروف معينة لأهميتها ودورها في تزكية النفس والشعور بالمسؤولية تجاه من حولنا ومنها شهر رمضان وما ورد من فضل الصدقة والنفقة فيه وزكاة الفطرة ودورها وخصوصيتها بحديث «أغنوهم في هذا اليوم» ليتشارك الجميع الفرحة ويتشارك الجميع المسرة وهذا من تجليات ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

 فيأتي الحث على الإنفاق في هذه الأعياد كنوع من الشكر على أداء هذه العبادات العظيمة، وخاصةً أن نفوس المسلمين تكون قد هُذِّبت في هذه الأيام الفاضلة، فيسهل عليها الإنفاق والعطاء.

وكما لا يكتفي التشريع الإسلامي بالحض على الإنفاق بصورة مطلقة كما قلنا، فإنه أيضا يقننه في صور محددة تجعل المسلم حريصًا كل الحرص على أدائها، وبذلك لا يضيع حق الفقراء في المجتمع، ولا يتسرب الغل والحسد إلى قلوبهم. وهذا -لا شك- ينعكس على سعادة وأمن واستقرار المجتمع.

 و في عيد الأضحى المبارك فإنه يُسَنُّ للمسلمين سُنّة الأُضحية، وتُعَدُّ الأضاحي أحد موارد التكافل الاجتماعي؛ حيث يتمُّ التوزيع منها على الفقراء والمساكين، والتوسعة عليهم وإدخال السرور على قلوبهم بإطعامهم من لحومها في يوم العيد، قال الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر: 2]. وحثَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله  في أحاديثه على الأضحية، فبيَّن فضلها وثوابها العظيم عند الله؛  فمما وردنا عنه صلى الله عليه وعلى آله في ذلك قوله:  «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».

 ثم قدَّم القدوة والمثل للمسلمين وضحَّى بكبشين أملحين أقرنين؛ واحد عن نفسه، والآخر عن أُمَّتِه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا».

وورد في روايات عدة أنه صلى الله عليه وعلى آله ذبح الأول عنه وعن أهل بيته وذبح الثاني عن فقراء أمته في دلالة واضحة على حق الفقراء والمساكين وضرورة استشعار واجبنا تجاههم

 ومن عظمة هذه الشريعة أنها حثَّت على الأضحية في هذا اليوم، فهذا يوم عيد لدى المسلمين، ولا يجب أن يَشعر الفقير فيه بالحاجة والعَوَز؛ لذلك كان توزيعها يحمل في جوهره تكافلاً تستفيد منه الجماعة ماديًّا وخُلُقيًّا؛ فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله  قال في الأضحية: «... وَيُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِثُلُثٍ».

 وذلك ليتحرَّى المسلم في احتفاله بالعيد عن ذوي الحاجة والبائسين من أقاربه أو مواطنيه، فينضح عليهم من معين برِّه، ويخفِّف عنهم ألم حرمانهم، ويُشرِكهم في فرحة العيد ومناسبته السعيدة، وبذلك أيضًا يَشعر الفقراء أنهم من الجماعة، لهم عليها أن تتذكَّرهم وترعاهم، فيُجدِّد الفقراء حبَّهم للأغنياء، وثقتهم بهم، والتفافهم حولهم، كما يُجدِّد الأغنياء وفاءهم وودادهم لأحبائهم وأقاربهم المحتاجين.

 والأضحية بهذا ثمثِّل رافدًا قويًّا من روافد التكافل الاجتماعي، وتَزيد من أواصر التقارب والتآلف بين أفراد المجتمع المسلم.

وهكذا ربط الإسلام أعياد المسلمين بتقوية العلاقة بين أفراد الأمة، وإبراز روح التكافل والتعاون، وما أسعد مجتمعًا عاش بهذه القيم! وما أعظم جزاءه عند الله عز وجل.

ولذلك ومن الوفاء لمن ضحوا عنا بأنفسهم ومن بذلوا في سبيل عزتنا مهجهم فحري بنا أن نبادلهم الوفاء وأن نقابل الإحسان بالإحسان فننظر لأسر الشهداء والمجاهدين ونشاركهم الفرحة التي لولا تضحيات آبائهم وأبنائهم وأزواجهم لما كنا في هذه العزة والمنعة والأمن والأمان.

ونجعل رعايتهم وإسعادهم وإدخال الفرحة عليهم من همومنا ومشاغلنا وعظيم مسؤولياتنا تحقيقا لإيماننا الذي لن يتحقق ولن يكتمل إلا بذلك «حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» واستجابة لخالقنا الذي دعانا وحثنا للتصدق والنفقة والبذل والعطاء ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ واقتداءً بنبينا صلوات الله عليه وعلى آله الذي دلنا من خلال أقواله وأفعاله على ما ينبغي أن نكون عليه، ودلالة على إنسانيتنا التي من لوازمها مشاركة المؤمنين معاناتهم والاهتمام برعايتهم والسعي في سبيل قضاء حوائجهم، وترسيخ الوفاء والمروءة والإحسان كقيمة إنسانية أخلاقية بيننا.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله

 

([1])  في ظلال القرآن لسيد قطب.

الدلالات: