في رحاب كلام الله تأملات في سورة النور

نشر بتاريخ: ثلاثاء, 12/06/2018 - 11:20م

 

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}

سورة النور هي السورة الوحيدة في القرآن التي تصدرت بذكر كونها سورة (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وقد ركزت هذه السورة العظيمة على الجوانب الاجتماعية كما تطرقت لجوانب أخرى كالجانب العقائدي والجانب السياسي (إن صح التعبير هنا) بما فيه طاعة القيادة وتوقيرها.

بدأت السورة بذكر حد الزانية والزاني وما يتعلق بهما من أحكام، وقدمتها في صورة خشنة يظهر منها ردع كل من تسول له نفسه الاقتراب من تلك الفاحشة المشينة (آية 2) وفيها عزل لمن يرتكب تلك الفاحشة عن مجتمع المسلمين والمؤمنين (آية 3).

ثم بعد ذلك مباشرة انتقلت (آية 4) إلى جريمة قذف أو (رمي) المحصنات، وذكرت حدَّ تلك الجريمة الذي يقترب من حد جريمة الزنى المذكور نفسه.

والذي يظهر من خلال التأمل لآيات السورة بشكل عام أن المقصود معالجة المشكلة من جذورها وهي انتشار الكلام الرذيل وشيوع التفكير المنحل وخدش الحياء داخل أوساط المجتمع وعدم احترام خصوصيات البيوت وصولاً إلى قذف المحصنات الغافلات ما يعمم حالة من التهتك وقلة الحياء وعدم المبالاة بالشرف.

وبالتأمل في الشرط المذكور للخروج من حكم القذف - وهو نفسه شرط الحكم على أحد باقتراف الفاحشة - وهو الأربعة شهداء؛ فالذي يظهر أنه شرط مستحيل في العادة إلا فيمن جاهر بفعل الفاحشة غاية المجاهرة بحيث يتمكن أربعة شهود (مقبولو الشهادة) من مشاهدة ذلك، ما يؤكد ما قدمنا من أن الغرض وضع حد لانتشار الحديث عن الفاحشة في أوساط المجتمع المسلم.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)؛ ولأن حالة مثل قذف الزوج لزوجه بالزنا فيها نوع من التعقيد - فمن غير الطبيعي سكوت الزوج على زنا زوجه، كما لا يصح تصديقه دون أن يكون لديه أربعة شهود – شرّع اللعان بين الزوجين عند رمي الأزواج من دون وجود شهود، وقد ذكرت الآيات (من 6 إلى 9) أحكام اللعان بين الزوجين.

ثم يقول في الآية العاشرة: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)، فهذه التشريعات فضلٌ من الله ورحمة، فيها الحل الأنسب لمشاكلكم، وفيها جمع للعفو والحكمة (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ).

***

لست هنا بصدد إصدار أحكام أو فتاوى ولكني أريد أن أثير بعض التساؤلات:

أليس رمي المحصنات بالكلام أهون من إيقاع الفاحشة نفسها عليهن باغتصابهن؟
أوليست جريمة الاغتصاب من الجرائم التي جمعت الفاحشة وانتهاك حقوق وكرامة الغير؟
أوليست مثل هذه الجرائم تتم عادة في جو بعيد عن توفر شهود يمكن أن يشهدوا ضد مرتكبها؟
هل تقابل جرائم الاغتصاب بالسكوت خوفاً من انتشار الفاحشة؟ أم يتم الحديث عنها وإثارتها من أجل حماية الشرف والفضيلة في المجتمع والشعب؟ (خاصة في ظروف الحرب المعقدة مثلما يحصل عندنا في اليمن)

وأتأمل هنا قوله تعالى: (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) [النساء:148].

ألا يمكن قياس المغتصَبة على الزوج في خصوصيته في حكم القذف (خاصة إذا تكررت الشكاوى من جرائم الاغتصاب بشكل صارت تلك الجرائم أقرب إلى الظاهرة التي يجب وضع حد لانتشارها وحماية النساء منها)؟

إلى غير ذلك من الأسئلة التي ترد في هذا الباب، والذي دفعني لإثارتها بعض التعليقات - المنسوبة للفقه والدين - على جريمة الاغتصاب البشعة التي ارتكبت مؤخراً في اليمن وأثارت الشارع اليمني وأوجعت قلوب أهل الشرف والغيرة.

والحمد لله رب العالمين