رمضان شهر الجهاد

نشر بتاريخ: اثنين, 28/05/2018 - 12:37ص

يستقبل المسلمون شهر رمضان في كل عام بالفرحة و الابتهاج، و يستعدون له بإعداد أطعمة و أشربة لوجبات و مشروبات لا تكاد تعد إلا في رمضان، و كأن هذه صارت ميزة تميز هذا الشهر عن سواه. و لا شك في أن الاستعداد لاستقبال رمضان هو سلوك إيجابي؛ كونه يبين اهتمام المسلمين بالشهر الكريم، و أن هذا الاهتمام و الحفاوة في الاستقبال هي متوارثة توارثها المسلمون عن أسلافهم، بيد أن الملفت للنظر هو أن الاستقبال و الاستعداد لشهر رمضان لدى المسلمين غالبا قد تحول من استعداد روحي لأداء شعيرة من أعظم شعائر الله إلى مجرد عادات و تقاليد و طقوس تؤدى مفرغة من جانبها الروحي، بل إن الأدهى في زمننا هو  الاستعداد لرمضان في بعض المجتمعات بشراء ألعاب خاصة خصصت لرمضان، و الأدهى و الأمر ما تعده القنوات الفضائية من مسلسلات خاصة برمضان، و بهذا تحول الاستعداد لاستقبال رمضان من استعداد للقاء الله و التشرف بضيافة الله و تكريمه لعباده الصائمين، إلى استعداد للهو و اللعب و المعاصي في رمضان أكثر من غيره من الشهور.

و مما يدعو للعجب هو انحصار مفهوم العبادة في رمضان بالصوم و القيام و التلاوة للقرآن، و الصدقة، و أن هذه هي الأعمال التي يجب أداؤها في رمضان، و ما سواها من الأعمال و الطاعات و الأوامر فهي - في منظور الغالب - تكون في غير رمضان، أو أنها لا ترقى في فضلها إلى مستوى الصوم، و هذا المفهوم في اعتقادي ناتج عن قصور في الفهم لخطاب الله لعباده في القرآن الكريم؛ لأن المعلوم أن الله لما أنزل القرآن الكريم أنزله مبينا و مفصلا، فجاءت التشريعات في القرن مبينة و مفصلة متكاملة؛ بحيث لا تتم فريضة إلا بتمام الفرائض الأخرى؛ إذ لا يجوز تأجيل فرض أو تأخيره حتى يتم الفرض الآخر إلا في حدود ما بينه الشرع، فقد يجتمع أداء عبادتين معا دون مفاصلة أو مفارقة، بل مع اعتبار المفاضلة، و قد يجب تقديم أداء فريضة ما على أخرى حتى لو أدى ذلك إلى ترك أداء إحدى الفريضتين، فمثلا يقدم فرض الجهاد هذه الأيام على أداء فريضة الحج، كون الجهاد سببا في بقاء الدين ، و الدين منظومة من الأحكام و من تلك الأحكام الحج، كما أن من شرط الحج الاستطاعة و هي القدرة المالية و الجسدية و أمن الطريق، و المعلوم أن العدوان قد قطع الطريق إلا طريقا واحدا يذوق فيه المسافر من العناء و الهوان ما لا يتسع المقام لذكره، ثم إن أداء الفرائض في الدين مرتبط بقيام الدولة و بسط سلطتها و هذا مفهوم من قول الله: (وأذن في الناس بالحج) فالأذان هو الإعلام و لا يكون إلا  في أماكن انتشار الدين و سلطته الحقة المحتكمة إلى كتاب الله.

و مثل ذلك أيضا اجتماع الصوم و الجهاد في سبيل الله ، و هو أمر طبيعي، عند المؤمنين؛ كون الصيام فرضا لتحقيق التقوى، و الجهاد من أرقى مراتب التقوى، كما أن النتيجة المرجوة من تحقق التقوى هي الفلاح. فلاحظ و تأمل الارتباط العجيب بين قول الحق سبحانه: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، و قوله سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون )، فالصوم وسيلة هامة جدا من وسائل تحقيق التقوى، لكنه على ما له من أهمية و مكانة عند الله، لا يمثل المسلك الوحيد للفلاح، بل إن التقوى التي هي الغاية من الصيام صارت وسيلة من وسائل تحقيق الفلاح، و لكن إلى جانب وسائل أخرى بينتها الآية الكريمة، و هي الصبر و المصابرة و المرابطة، و هذه المعاني تدل على أن الجهاد مرتبة أعلى من الصيام عند الله؛ لأنه فرض يستدعي الصبر و المصابرة و المرابطة و التقوى لكي يتحقق الفلاح. و لا شك أن الفلاح لا يتحقق إلا بتزكية النفس و تزكية النفس هو صفاؤها و انقطاعها لخالقها و بارئها، و الانقطاع للخالق هو خلو الذهن عما سوى الله، فلا يخطر بباله إلا الله فغاية همه كيف يرضي الله، فيتحرك و همه أولا و أخيرا تنفيذ أوامر الله و تحكيم شرعه، و في سبيل تحقيق ذلك يقدم أغلى و أنفس ما لديه و هو ماله و نفسه. و من كان على هذه الشاكلة لا يمنعه من تحقيق مراده مانع و لا عائق، و على هذا كان رسول الله صلوات الله عليه و آله و سلم، فقد خرج مجاهدا في أول غزوة له و هي بدر في رمضان و فتح مكة في رمضان، و كثير من المعارك الكبيرة و الفاصلة في تاريخنا الإسلامي كانت في رمضان، فلم يحل الصوم المؤمنين الصادقين دون القيام بفريضة الجهاد و القتال في سبيل الله، بل انطلقوا جامعين بين فضيلة الصيام و الصبر على الجوع و العطش، و بين القتال في سبيل الله و تحمل عناء السفر و الشدائد التي تواجه المجاهدين في سبيل الله، طلبا منهم لرضوان الله و مغفرته، و بيعا لأنفسهم و أموالهم من الله، فصدقوا الله في إيمانهم و في أقوالهم و في أفعالهم و في عهدهم، (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا).

وفي هذا الأيام يقبل علينا شهر رمضان و أمتنا العربية و الإسلامية في بلاد الشام سورة و لبنان و فلسطين المحتلة و في البحرين و شعبنا اليمني الحبيب يخوضون معركتهم المقدسة ضد اليهود و النصارى من أمريكا و إسرائيل و أذنابهم أخوانهم المنافقين، و لئن قال النبي صلوات الله عليه و على آله عن رمضان: ( إنه شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، و جعلتم فيه من أهل كرامته )، فما أجلها من نعمة  و أعظمها من كرامة، عندما تستجيب لله و تلبي داعي الله، و تجمع بين فضيلتي الصيام و الجهاد في سبيل الله، فذكرك غير ذكر الذاكرين و دعاؤك غير دعائهم و استجابتك غير استجابتهم، و كيف لا و أنت تعاني الجوع و العطش، و أنت في الخطوط الأمامية، تجاهد في سبيل الله أعداء دينه و تدافع عن الأرض و العرض و الكرامة و العزة. لا شك أن الفرق بين المجاهد و القاعد كبير: ( فضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة و كلا وعد الله الحسنى و فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما).  

 

الدلالات: