فضل شهر شعبان

السؤال

هلا حدثتمونا عن فضل شهر شعبان وبالأخص ليلة النصف منه ؟؟
 

الإجابة: 

الجواب وبالله التوفيق ..وهو الهادي إلى أقوم طريق ؛ قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون } وطلب القرب من الله لا يكون إلا بطاعته . وفي الحديث الشريف ( ماتقرب إلي عبدي بمثل ما افترضته عليه ) وفي الأثر الموقوف عن أمير المؤمنين علي عليه السلام : ( إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله , والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وإقام الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من العقاب ، وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ومنسأة في الأجل ، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان) وما من شك أن العبد فقير في كل الأحوال إلى الله سبحانه وتعالى ، محتاج إليه لا يستغني عنه طرفة عين ، ولحاجة العبد لربه فإنه لا يكتفي بالقيام بالواجبات حتى يضيف إليها النوافل والمستحبات ليكتمل بذلك أجره عند الله وترتفع درجته . قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } ..
ومن تلك النوافل التي شُرع التقرب بها إلى الله تعالى الصلاة والصيام ، وقد ورد في الحديث : (إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً) .. ومن تلك الأيام المباركة التي يفتح الله فيها على عباده نفحات البر والإحسان والخير والرضوان ، في شهر شعبان ؛ فقد ورد في فضله وفضل الصيام فيه روايات كثيرة منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : ( تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل ينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) .. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطا بن يسار قال : (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر أكثر صياماً منه في شهر شعبان وذلك أنه ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة ).
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عائشة قالت : لم يكن رسول الله في شهر أكثر صياماً منه في شعبان ، لأنه ينسخ منه أرواح الأحياء في الأموات حتى إن الرجل يتزوج وقد رُفع اسمه فيمن يموت، وإن الرجل يحج وقد رفع اسمه فيمن يموت « وأخرج نحوه ابن جرير والبيهقي في شُعب الإيمان مع اختلاف يسير . 
وأخرج أبو يعلى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصوم شعبان كله ، فسألته فقال : « إن الله يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة فأُحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم ، فهذا مما ورد في فضل شعبان وصيامه على جهة الإجمال ..
أما عن فضيلة ليلة النصف من شعبان ، فقد ورد بخصوص فضلها روايات عدة ، وعلى أساسها استند كثير من العلماء على فضلها وشرفها ، وإن كان قد ضعّفها آخرون وقال بأنها موضوعة ؛ 
فمن تلك الروايات ماهو مروي في كتب أهل البيت عليهم السلام وكتب غيرهم ، ومن ذلك مارواه أحمد بن عيسى بن زيد عليه السلام بسنده إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام ؛ قال : لما كانت ليلة النصف من شعبان جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرع الباب ، ثم قال : ( يا علي ابن أبي طالب ويا فاطمة بنت محمد ؛ خُذا لهذه الليلة أُهبتها ، فإنه إذا كان في هذه الليلة نزل الله إلى السماء الدنيا - أي نزلت رحمته - فيغفر كل ذنب ويعطي فيها كل ما سأل) ، وهذاطبعاً لا يكون إلا لمن تعرّض فيه لرحمة الله بالتوبة والتضرع والخضوع والدعاء والصلاة والذكر . 
وفيها مارواه المرشد بالله في أماليه بسنده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا - والمعنى نزول رحمته - فيقول : ( هل من سائل فأعطيه سؤله ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأقبل توبته ، هل من مَدِيْنٍ فأسهل عليه قضاء دينه ) فاغتنموا هذه الليلة وسرعة الإجابة فيها..

صلاة ليلة النصف من شعبان :

ومما ورد في فضل الصلاة في ليلة النصف من شعبان مارواه الإمام أبو طالب في أماليه بسنده إلى كميل بن زياد عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف مرة قل هو الله أحد ، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ، ولم يمت حتى يرى مائة ملك يؤمّنونه من عذاب الله ؛ ثلاثون منهم يبشرونه بالجنة ، وثلاثون كانوا يعصمونه من الشيطان ، وثلاثون يستغفرون له آناء الليل والنهار ، وعشرة يكيدون من كاده « وروى الفاكهي في كتابه « أخبار مكة « بسنده إلى أبي يحيى عن أبيه قال حدثني بضعة وثلاثون رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رضي الله عنهم قالوا : من صلى ليلة النصف من شعبان ، وقال ابن أبي سليمة في حديثه ( وليلة النصف من رمضان ) مائة ركعة ، يقرأ فيها ألف مرة قل هو الله أحد في كل ركعة عشر مرات ، لم يمت حتى يعطيه الله عزّ وجلّ مائةً من الملائكة ؛ ثلاثون منهم يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنونه من عذاب الله عز وجلّ ، وثلاثون منهم يعصمونه من الخطايا ، والعشرة الباقية يكيدونه من أعدائه.) ..
ومنها ما ذكره الزمخشري في تفسيره حيث قال : « وقيل هي مختصة بخمس خصال :
1 - تفريق كل أمر حكيم ، وفضيلة العبادة فيها ، وأورد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك ؛ ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه مكائد الشيطان ـ ـ
2- نزول الرحمة وأورد حديثاً فقال : « إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب « .
3- حصول المغفرة وأورد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم « إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق لوالديه أو مُصر على الزنا»
4- وما أعطي فيها النبي من تمام الشفاعة . قال الزمخشري وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث ، ثم سأل الرابع عشر فأعطى الثلثين ، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع ، إلا من شرد عن الله شراد البعير . قال الزمخشري 
5-ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة ، قال والقول الأكثر أن المراد بالليلة المباركة ليلة القدر .. وقد أخبرني من أثق به أن مهندس مضخة ماء زمزم في الحرم أخبره مع جماعة أنه يسمع ليلة النصف من شعبان صوت تدفق الماء بكثرة في زمزم بحيث أنه لو فتح له لأغرق الحرم وما حوله
ومما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ما أخرجه ابن ماجه والبيهقي في شُعب الإيمان عن علي كرم الله وجهه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا - أي تتنزل فيها رحمته - فيقول إلا مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ... ألا كذا .. حتى يطلع الفجر) وما أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي وابن ماجه عن عائشة قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة ، فخرجت أطلبه ، فإذا هو بالبقيع رافعاً رأسه إلى السماء فقال : يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله تعالى عليك ورسوله ، قالت : مابي من ذلك ، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا - أي تنزل رحمته - فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب)
ومنها ما أخرجه عبدالرزاق الصنعاني بسنده إلى ابن عمر ، قال  :( خمس ليال لا يُرد فيهن الدعاء ؛ ليلة الجمعة ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلتا العيدين), وما أخرجه الخطيب في رواية عائشة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (يفتح الله الخير في أربع ليال ؛ ليلة الأضحى، والفطر ،وليلة النصف من شعبان ، ينسخ فيها الآجال والأرزاق ، ويكتب فيها الحاجات ، ولم يذكر الرابعة)
.............................................................
وما ذكره الألباني في سلسلته «الصحيحة» ج 13/135 (إنّ الله يطّلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) وقال حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً ، وهم معاذ بن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبدالله بن عمر وأبوبكر وعوف بن مالك وعائشة . ثم ساق حديث كل واحد منهم . قال مؤلف مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج4/325 بعد أن ذكر بعض الروايات في فضل ليلة النصف من شعبان وما قيل فيها قال : «لكنه ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان أحاديث أخرى، وقد ذكر المصنف بعضها في الفصل الثالث ، وسنذكر بقيتها هنا إن شاء الله تعالى ، وهي بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضلها شيء .
وقال المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي : اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً . وساق بعضاً منها وما قيل فيها .
وقال صاحب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح بعد ذكره للروايات وماقيل فيها : وهذه الأحاديث كلها تدل على عظم خطر ليلة النصف من شعبان ، وجلالة شأنها وقدرها ، وأنها ليست كالليالي الأخر فلا ينبغي أن يُغفل عنها ، بل يستحب إحياؤها بالعبادة والدعاء والذكر والفكر ........الخ.
وذكر ابن حجر الهيثمي في فتاواه بعد أن ذكر الروايات وضعفها فقال: الحاصل أن لهذه الليلة فضلاً، وأنه يقع فيها مغفرة مخصوصة ، واستجابة مخصوصة , ومن ثم قال الشافعي رضي الله عنه : إن الدعاء يستجاب فيها ، قال وإنما النزاع في الصلاة المخصوصة ليلتها .. قلت وبعد استعراض جميع ما ذُكر آنفاً يتبين حقاً أن فضيلة ليلة النصف من شعبان لها أصل في السنة ، وأنه لاينبغي تجاهلها , ولا يُلتفت إلى كلام من ينكر ذلك ويجعل إحياءها من البدع والمنكرات ..